|
التجربة الكوريّة : أنموذج للإفلات من نظام -الإقطاع الريعي- للدولة في العراق
عماد عبد اللطيف سالم
الحوار المتمدن-العدد: 6023 - 2018 / 10 / 14 - 23:05
المحور:
الادارة و الاقتصاد
التجربة الكوريّة : أنموذج للإفلات من نظام "الإقطاع الريعي" للدولة في العراق
تقدّم التجربة الكورية في التنمية الاقتصادية نموذجاً يصلحُ للاقتداء من قبل الدول النامية و المُتخلّفة الأخرى. ومع ذلك لا يجب أن يكون السير على ذات النهج نسخةً مكرّرة لتلك التجربة ، فالفروق ستبقى قائمة بين بلدٍ وآخر .. وينبغي دائماً وضع ذلك في الاعتبار عند الشروع بعملية التنمية في أيّ بلد ، أيّاً ما كانت امكاناته ومحدّداته. إنّ "روح" التجربة الكورية تتجسّدُ في مسارها الخاص ، و "ركلها" للسلّم التقليدي لـ "الصعود" الاقتصادي ، وخروج توجّهاتها الرئيسة عن "طاعة" المنظمات الاقتصادية الدولية ، ومنطلقات ومباديء "الليبرالية الجديدة" ، التي جعلت النموذج التنموي للبلدان المتخلّفة بمثابة كتاب منهجي "مدرسي" مُوَحّد ، يقوم بفرضهِ على "التلاميذ" المطيعين ، مفتّشو "اجماع واشنطن" ، وأساتذة "مدرسة شيكاغو للاقتصاد" .. والويل كلّ الويل ، لمن يرسب في الامتحان. لا خوف في النموذج الكوري للتنمية ، ولا وصاية ، و لا تبعيّة ، ولا خضوع . لهذا كانت المقاربة مختلفة ، والمنهج مغاير، عن تلك القوالب الغربية الجاهزة التي جعلت بلداناً اخرى لا تتقدّمُ خطوةً واحدةً نحو وضعٍ أفضل ، ولا تستطيع بناء "نمط انتاج" أكثر تطوّراً ، ولا تستطيع ترسيخ "علاقات انتاج" أكثر انسانيةً ، لا لشيء ، إلاّ لكونها أكتفَت بالاعتماد على "نماذج تنموية" هبطت عليها بالمظلاّت من سماوات البلدان الصناعية المتقدمة .. فما امطرت ، ولا سقَتْ ، ولا أينعَت في أيّ مجال ، رغم كلّ ما تمّ بذله من اجلها من جهدٍ ومالٍ .. و دَمّ. وبقدر تعلّق الأمر بالعراق ، فقد اختلطت توجهات الأيديولوجيات "الثورية" ، والنزعات "الشعبويّة" (قبل عام 2003) ، بفوضى المناهج والسياسات والتوجهات التي تلت العام 2003 ، لتنتج لنا "مسوخاً" تنموية ، جعلت أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية أسوأ بكثير ممّا كانت عليه قبل سبعينَ عاماً ، بل أنّها جعلت ما يُعرَف بـ "النمط الانتقالي للتنمية" في العراق ، نمطاً "انتكاسِيّاً" ، بدل أن يكون نمطاً "تطوّريّاً" ، كما هو الحال في بلدان أخرى كثيرة ، عرفت كيف تتعامل مع امكاناتها وتستجيب للتحديات المفروضة عليها ، كـ كوريا الجنوبية. ولهذا السبب (وأسباب أخرى) ، ها هو العراق يعودُ الى "عصر الاقطاع" بصيغته المعاصرة كـ "اقطاع ريعي" هذه المرّة ، بكلّ ما ينطوي عليه مفهوم "الاقطاع الريعي" هذا من معنى و مجاز وكناية . و بعد مرور ما يقرب من سبعين عاماً على بداية تنفيذ مشاريع "مجلس الاعمار" ، التي كان عليها أن تضع هذا البلد على "عتَبَة الانطلاق نحو الرأسمالية" ، ها هو العراق الآن يحبو بالكاد لينتزعَ نفسهُ من ظلمات العصر الاقطاعيّ ، بخصائصه العراقية الخالصة( كـ "اقطاع" مقترن بالريع والسلوك الريعي للدولة ، من جهة ، وبقيم وتقاليد وسلوك مجتمع "الاقنان" المرتبطين بالريع ، من جهة اخرى)، بعد إنْ ضلّ طيلة سبعة عقودٍ مريرة ، يغوصُ في سَبَخِهِ وفسادهِ وهدر مواردهِ ببطءٍ ، ولكن بثبات ، دون أن تلوح في الأفق أيّةُ امكانيّةٍ للخلاص من هذه المحنة. هل بالإمكان تكرار "المعجزة" الكورية في التنمية ، وتطوير الاقتصاد الوطني ؟ نعم .. بإمكاننا فعل ذلك من خلال ما فعلته كوريا ذاتها بهذا الصدد ، و بوسائلها ومبادراتها الخاصّة ، وكما يأتي : 1- قيادة سياسية كفوءة و قوية ومُستقّلة وذات تصميم. 2 – هذه القيادة السياسية تعمل على وفق منهج خاصّ لـ "دكتاتوريّة تنمويّة" ، قادرة على توحيد الأمّة ، وحشد امكاناتها المادية والبشرية لتحقيق مصالح وطنية عليا غير قابلة للمساومة والنقض من أيّ طرف فاعلٍ في الاقتصاد والمجتمع. 3- "الدكتاتورية التنموية" هنا ، هي "ضرورة" وطنية ، من أجل انجاز الاستغلال الأمثل للموارد المادية والبشرية المتاحة ، و تطوير الاقتصاد ، و تنويع الانتاج ، وتنوّع مصادر الايرادات ، والقضاء على الفقر ، والحدّ من الفساد. 4- حكومة متجانسة و متخصّصة و كفوءة ، تعمل (داخليّا) كفريقٍ واحد لتحقيق الأهداف والأولويات الوطنية المحدّدة بدقّة ، تحت قيادة "دكتاتور تنموي" يعرفُ ما يريد ، و تعمل (خارجيّا) على ادارة التفاوض والمساومة ، وضبط قواعد اللعبة ، واجادة اللعب مع "الكبار" لتحويلهم الى أصدقاء و "حُلفاء" ، بدلاً من السعي الأحمق لخلق الأعداء ، على الساحتين الدولية والإقليمية. 5- سياسيّون يدعمون الخبراء والمستشارين المحليّين لإنجاز مهمّتهم في دفع عملية التنمية الشاملة قُدُماً ، وليس العكس. 6- التصميم على محاربة الفساد ، و تسمية الفاسدين دون مواربة ، واعلان اسماءهم في سجلٍ (أو كتابٍ) أسْوَدٍ تعرضهُ الحكومة على الشعب دَوريّاً ، وإلحاقِ العار بهم على الصعيد الوطنيّ. 7- وضع قواعد ، وبناء سياسات مُصمّمة لتعزيز قدرة الدولة على معالجة اخفاقات السوق. 8- دعم عملية اعادة بناء وتطوير قطاع خاص "حقيقي" ، وليس قطاع خاص "طفيلي" يقتاتُ على الريع ، ويعمل كذراعٍ اضافيّةٍ للفساد ، في "الدولة" الفاسدة. بهذا نجحت كوريا الجنوبية في الإعمار ، والتصنيعِ ، والتشجيرِ .. وبغيره "نجحتْ" بلدانٌ اخرى في أن تجعلَ من الفسادِ والإفساد ، والخرابِ و التدمير، حرفتها الوحيدة.
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاقطاع الريعي : انماط سلوك الدولة والمجتمع في العراق الحالي
...
-
كتابةٌ يابسةٌ .. في غرفةٍ على السَطح
-
الأرضُ لا تدور .. والكونُ مُسَطّح
-
التحَرُّشُ والمُتَحَرِّشونَ والمُتَحَرَّشُ بهم في العراق الع
...
-
شؤون النفط ، وهموم العراق ، وشجون العالم
-
من يَجْرؤُ على اقتراح الخلاص ؟
-
تعالي وانظري يا حسيبة
-
الى الحبشة .. الى الحبشة
-
بعد كلّ شيء .. ستبقى البصرة هناك .. و سيبقى البصريّونَ معها
-
هوَ ليسَ كذلك
-
عزيزي المِحْوَر .. عزيزتي النواة
-
قالوا قديماً .. و قالوا الآن
-
لا تتَبَرَّعوا للبصرة بقناني الماء .. بل أعيدوا لها الشَطَّ
...
-
عجائبُ الروحِ السَبْع
-
العراق ليس بيتنا
-
بلدٌ يعوي .. بلدٌ نافق
-
الشعبُ المبروش ، و الوطنُ الكعكة
-
عيد و تهاني و عيديّات و سياسة
-
سارة
-
الليرة والروبل والتومان .. و اردوغان و بوتين و روحاني
المزيد.....
-
الاقتصاد السوري.. دعم روسي لكسر العقوبات
-
بعثة صندوق النقد الدولي تصل إلى أوكرانيا
-
الإعلان عن موعد بدء إنتاج سيارات Lada Aura الجديدة
-
بالأرقام.. اقتصاد الضفة الغربية يرزح تحت وطأة الحرب الإسرائي
...
-
الذهب يسجل قمة قياسية جديدة
-
اقتصادي يقترح 7 حلول لمشكلة زيادة إعداد المركبات في بغداد: ن
...
-
صندوق النقد الدولي يخفض توقعاته لنمو اقتصاد مصر خلال العام ا
...
-
صحيفة: تجنيد الحريديم بإسرائيل غير كاف وسط ارتفاع تكاليف الد
...
-
-بلومبيرغ- تنشر تقريرا عن أسباب تراجع الثقة في أكبر اقتصاد أ
...
-
اقتصادي يدعو إلى إخراج الأحياء الصناعية من العاصمة: تغير جنس
...
المزيد.....
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
-
جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال
...
/ الهادي هبَّاني
-
الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية
/ دلير زنكنة
المزيد.....
|