|
الدين والوطن ، في ورقة إخوانيّة
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1512 - 2006 / 4 / 6 - 00:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الإخوانُ المسلمون ، قادمون ! فزاعة يرفعها النظام البعثي ، في مزرعته المُسماة " سوريّة " . غير أنّ طيور الحقيقة ، ورغم كل التزييف والتزوير والتشويه السافر .. ، ما زالت تحلق هناك . حقيقة ، يراها كل ذي بصيرة ، ويعلم من خلال وقائع ثابتة على الأرض ، لا تدحض ، أنّ هذا النظام المدعي " العلمانية " ، لم يخرج مرة ً من صَدَفته الطائفية إلا لكي يعود إليها أكثر تصميماً على الأنانية والأثرة والإحتكار ؛ بما هو عليه من إنغلاق على عقلية إنتقامية ثأرية . وأنه كنظام مرعوب على مصيره ، منذ " سقطة الحُفر " لشقيقه البعثي العراقي ؛ فهو بالذات من أخرج جنيّ الأصولية من قمقمه ، تهديداً للداخل والخارج ، معاً . وأنّ هذه الأصولية ، التي يأويها في جحوره العتِمة ، تفارقُ بأنمطة تفكيرها ، التكفيريّ ، كل أشكال الإسلام السياسيّ ، المعتدل ؛ بما فيها الجماعة الإخوانية السورية. وإلا فما هو وجه السرّ بإحتضان نظام ، يدعي " تمثيل " الأقلية العلوية ، لكل فِرق وكتائب وسرايا " المقاومة الإسلامية " أشعرية وجعفرية ووو .. ، مُستثنياً من يُفترض أنهم " ممثلو " الأغلبية السنية ، المقهورة منذ أربعة عقود عسكرية ونيّف ؟ فكأنما هذا الإستبدادُ بقوانينه القراقوشية ومحاكمه فوق الصوتية ومعتقلاته الأبدية .. ، هو العقبة الكأداء الحائلة بين الإخوان والسلطة ؛ كأنما شريعة الغاب والإستئثار بالمال العام والخاص والفساد الداشر وإفساد الضمائر .. ، هي المُشرعنة نظام " العلمانية " الكاذبة ، هذا ؟
ولكن ، ماذا عن الجماعة الإخوانية السورية ، التي أشعلت هواجس النظام والمعارضة ، سواءً بسواء . بدءاً ، علينا ألا نقع في وهم الخلط بين تفرعات هذه الجماعة ، في الدول العربية ، من حيث موقف كل منها السياسي ، بوجه خاص . فإخوان الأردن أو مصر أو العراق .. ، ليس من الضرورة أن يكونوا على وئام مع إخوان سورية ، لجهة هذه المسألة أو تلك . إذا كان مثل هكذا إختلاف مشروعاً ومفهوماً عند أصحابنا اليساريين بخصوص أحزابهم في الدول العربية ، فلم هو بمستغرب في حال أندادهم الإسلاميين ؟ من جهة اخرى ، فثمة تطور لافت في خطاب الجماعة الإخوانية _ ونحن نتكلم هنا ، عن الفرع السوري _ في قضايا حساسة دينياً ؛ كحرية المرأة وإنفتاح المجتمع .. ، إلى قضايا سياسية ، شائكة ؛ كحرية الإعتقاد والضمير وحقوق الإنسان . هكذا تطور ، كان بريبة البعض تكتيكياً ومناورة من لدن الإخوان في محاولة منهم للتحالف مع القوى الاخرى ، العلمانية ، المعارضة .. وإلى ما هنالك من شكوك وهواجس . بيْدَ أنّ الحكم على النيات ، ليس من الواقعية في شيء : وإلا فالكل يتساوى والحالة هذه ؛ وخاصة قوى اليسار الديمقراطي ، الجديد ، التي إنفتحت على الفكر الحر ، وغادرت مواقع أسلافها ، الشمولية .
إنطلاقاً مما سلف ، نلجُ مسالك النهج الإخواني ، مستقرئين ما فيه من جدّة . ولا بدّ هنا من التأكيد أيضاً ، بأنّ خلافنا مع هذه النقطة أو تلك ، في منظور الجماعة لخصوصية الوضع السوري ، لا يعني تشكيكاً بالفكر التجديدي العام لها . فضلاً عن حقيقة ، أن الحوار الجدي ، المثمر ، هو السبيل الوحيد لمد الجسور بين جميع القوى الراغبة بالتغيير ؛ حزبية كانت أم مستقلة . وإذاً ، فبين أيدينا الآن ، الورقة الثانية للجماعة السورية ، بعنوان " حول المسألة الطائفية " ؛ وقد تم توزيعها على مواقع الإنترنيت خلال شهر آذار / مارس ، الجاري . بداية ً ، تتوجه الورقة بجملة من حقائق معروفة ، عن : " الأوضاع الشاذة في سورية منذ أكثر من أربعة عقود ، وسياسات الإقصاء والإستئصال والتسلط التي إستاثرت بالوطن ، على يد زمرة حاولت حماية نفسها بممارسات التمزيق والتفرقة " . ثم تنتهي إلى التأكيد على رؤية الجماعة للمجتمع السوري ، ودواعي تخليصه من تلك " الزمرة " الموسومة وسياساتها : " التي أفرزت حزمة من المشكلات الوطنية ، وعملت على تفتيت وحدة المجتمع ، وإيجاد أزمات بين مكوناته ؛ أزمات إنسانية وحضارية وسياسية وطائفية وعرقية وتنموية " . كما أنه من اللافت هنا ، توصيف الورقة لتركيبة المجتمع السوري ، بتكونه : " من نسيج حيّ ، يشكل العرب والمسلمون مركزه وسواده الأعظم . وتعيش في إطار هذا المجتمع وفي بنيته مجموعات دينية ، ومذهبية ، وعرقية ، لها خصوصياتها وتطلعاتها المشروعة " . أما ماهية هذا " النسيج الحيّ " ، الذي إستحوذ " العرب والمسلمون مركزه وسواده الأعظم " ؛ فلم تتأخر الورقة الإخوانية عن تفصيله : " فالمسلمون في سورية سوادٌ عام ، وهم مع المسيحيين في دائرة العروبة يشكلون سواداً أعظم . والعرب في سورية سواد عام ، وهم مع الكرد والتركمان والشركس في دائرة الإسلام يشكلون سواداً أعظم . وهكذا تتحق لمجتمعنا هويته الجامعة التي تكاد تستغرق معظم أبنائه " . في مجتمع ذي " هوية جامعة " ؛ كما شاءت الورقة هذه تصنيف المجتمع السوري ، يبقى " مفهوماً " ، إذاً ، ما سلف من قول عن المجموعات المذهبية والعرقية والدينية ، الاخرى ، التي تعيش في " إطاره " .
بيْدَ أنّ المسألة الطائفية / الإثنية ، ليس بكهذا مُساهلة يُمكن تحليلها ، كما أنّ إيجاد حلول لها لا يُجدي وفق عبارات منمقة حسب . فقبل أي إعتبار ، لا يجوز برأينا إنكار حقيقة ، أنّ هذه المسألة شغلتْ تاريخَ سورية الحديث ، منذ لحظة إنهيار الدولة العثمانية . لقد كان مما له مغزاه أن يتقدم ممثلو الطوائف السورية ، غير المسلمة ، من المنتدبين الفرنسيين بعرائض تتضمنُ المطالبة بضمانات حقوقية معينة تحفظ تمايزهم وحقوقهم ؛ وهو ما تمّ لهم دستورياً وقتئذٍ . فضلاً عن أنّ سياسة المنتدبين تجاه القوميات السورية ، غير العربية ، والمعبّر عنها بهامش معتبَر من حرية التعبير عن ثقافاتها المميزة ؛ هذه السياسة ، ببؤس تحليلاتنا الراهنة ما فتئت مؤطرة بمَثل " فرّق تسُد ! " . في كلا الحالتيْن ، لم يرَ أهلُ العروبة والإسلام في الأقليات ، مذهبية كانت أم إثنية ، سوى أدوات لمشاريع إستعمارية ؛ ثمّ لاحقاً ، إمبريالية وصهيونية . فرغم حنيننا المشروع إلى الفترة الدستورية ، البرلمانية ، التي سادتْ بلادنا لفترة وجيزة بعيد الإستقلال ؛ إلا أنّ هذا لا يعني إستعادة تلك المرحلة ، الهامة فعلاً ، بدون تقييم ومراجعة شاملة لإيجابياتها وثغراتها . لقد كان أول عمل للعهد الإستقلالي العتيد ، هو هجومه على المكتسبات الثقافية ، الهينة بواقع الحال ، التي سبق وإستحصل عليها الكرد والشركس والأرمن والتركمان والسريان والآشوريون وغيرهم . علاوة على تعميق رسوخ الأقليات المذهبية ، وخاصة العلويين والمرشديين ، في ربقة الظلم والإضطهاد وحتى العبودية . من جهة اخرى ، فتساهلُ القوى الديمقراطية آنذاك ، مع خطاب الجماعات القومية المتشددة ، بخصوص إدعاءاتها بـ " عروبة سورية " ، قد أدى ببلادنا إلى مهالك الأنظمة الشمولية الديكتاتورية ؛ من الناصرية إلى البعثية . ولن نخرج عن موضوع " الورقة الإخوانية " ، لو إنعطفنا إلى مطالبة الجماعة نفسها عبرَ " جبهة الخلاص الوطني " المعارضة ، بالعودة بالبلاد إلى دستور عام 1950 . هكذا عودة ، ربما تدغدغ ذكريات الإخوان المسلمين عن " شهر العسل " الذي جمعها مع دكتاتور سورية العتيْ زمنئذٍ ؛ العقيد أديب الشيشكلي . هذا الرجل ، رغم كونه كردياً بالأصل ، كان من الغلو في سياسة الدمج والتذويب العنصريّة _ المنطلقة أيضاً من الإسلام العروبي _ أنه اثار ضده مكونات الوطن السوري الطائفية والإثنية ، من خلال جملة من المراسيم والقوانين . وعلى أي حال ، فإنه من غير المفهوم ، حقاً ، أنْ نطالب الآن بالتحرر من دستور 1973 ، المُشرع لديكتاتورية حافظ الأسد وعائلته ، رجوعاً إلى أسر دستور ديكتاتورية غابرة ؟
وعودة إلى الورقة التي بأيدينا ، لنجد أن من صاغها وقع في تناقض بيّن ، في ما يتعلق بمسألة الأقلية والأغلبية . ففي حين تعلن الورقة ، بلا مواربة ، مفهوم الإخوان لطبيعة المجتمع السوري ، بصفته : " مجتمع فيه أقليات ، وليس مجتمع أقليات " . فهذ المفهوم يتم تجاوزه إلى التعبير عن الأمل : " في مجتمع تغيب فيه مصطلحات ( الأقلية والأكثرية ) " . كما أنّ إسترسال الورقة بالتأكيد على " المواطنة " بإعتبارها " مناط الحقوق والواجبات " ، يطرحُ تساؤلاً مشروعاً ؛ فيما إذا كان هذا التأكيد يعني المسألة الكردية ، حصرياً ؟ فالمعروف أنّ السلطة الديكتاتورية تحصر هذه المسألة بقضية " المواطنة " ؛ وهي القضية المؤبدة في تاريخ البعث ، الخاصة بمئات ألوف الكرد الذين إنتزعت منهم الجنسية السورية وتم إعتبارهم " أجانب " وفق إحصاء إستثنائي لعام 1962 . ومما يثير هكذا تساؤل ، بخصوص موقف " الورقة الإخوانية " من المسألة ؛ هو تأكيدها على أنّ المجتمع السوري ، " عربي مسلم " ، وكذلك على " وشائج العروبة " التي تربط معظم ابنائه . بعد كل ما قيل ، تطمئننا هذه الورقة بأنّ : " حالة التماهي في المجموع العام لا يجوز أن ينظر إليها بريبة أو أنها محاولة للتذويب " . ليسمح لنا " إخوان " الدين والوطن بالقول ، أنّ خطابهم بالذات _ بخصوص ما سبق من كلام عن العروبة _ هو الذي " يتماهى " مع خطاب البعث . هكذا خطاب ، لا يمكن مهما كانت ديباجته جميلة ومؤثرة ، إلا أن يودي إلى سياسة التذويب العنصرية ، البغيضة . لا نحتاج في هذا إلى أدلة كثيرة ، إذ يكفي مقاربة الورقة الإخوانية مع كلمة السيد الرئيس القائد ، ليصحّ ما ذهبنا إليه . فهو خلال مؤتمر " الأحزاب العربية " المنعقد بدمشق الصمود ، يشدد على ما يسميه : " الهوية وهي تستند على عروبة العراق ، والعروبة ليست بمعناها العرقي كما يتبجح البعض .. هي هوية حضارية تستوعب كل العناصر والثقافات " . كلا الخطابان الإخواني والبعثي ، برأينا ، يُحاججان من الموقع نفسه ؛ ولا ننسى أنّ الأول يؤيد الثاني في ما يخص الوضع العراقي ، معلناً في ورقته محاذير إنزلاق سورية إلى " مستنقع " شبيه له . هنا وهناك ، إذاً ، نستبشرُ بأن العروبة تتسع للجميع : كرداً وأرمن وشركساً وسريان وآشوريين وتركمان ووو .. ، ولكن بالتماهي فيها والإستيعاب ، لا بالتذويب ( لا سمح الله ) ولا بالعرقية ..
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طغم وعمائم
-
علوَنة سوريّة : آثارُ 8 آذار
-
بلقنة سورية : جذور 8 آذار
-
نساء كردستان ؛ الوجه المجهول لشعب عريق 2 / 2
-
نساء كردستان ؛ الوجه المجهول لشعب عريق 1 / 2
-
مذاهب متشاحنة ؛ السنّة والعلويون والآخرون
-
أثنيات متناحرة ؛ الكرد والسريان ، مثالاً
-
الوثنيّة الإسلاميّة
-
الموساد ، من كردستان إلى لبنان
-
التعددية ، في وصفة بعثية
-
عيدُ الحبّ البيروتي
-
عبثُ الحوار مع البعث ، تاريخاً وراهناً
-
المقاومة والقمامة : حزب الله بخدمة الشيطان
-
رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية 2 / 2
-
رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية
-
إعتذار صليبي من قلعة الإسلام
-
التحوّلات الكردية : أقلية وأكثرية
-
الإجتماعيات الكرديّة : تقاليدٌ وتجديد
-
الإجتماعيات الكردية : طِباعٌ وأعراف
-
الإجتماعيات الكردية : فقهٌ وتصوّف
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|