|
العقوبات ضد ايران ستزعزع الدولار والنفوذ العالمي لاميركا
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 6022 - 2018 / 10 / 13 - 10:21
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
حينما اعلن دونالد ترامب عن انسحاب اميركا من الاتفاقية النووية الدولية مع ايران، ربما كان في اعتقاده ان الدول الاوروبية الغربية الموقعة على الاتفاقية (وهي المانيا وبريطانيا وفرنسا، الحليفة التقليدية لاميركا) ستنسجب هي ايضا من الاتفاقية، ولا يبقى سوى روسيا والصين الى جانب ايران. ولكن الادارة الاميركية تلقت صفعة قوية لنفوذها الدولي، على يد حلفائها من الدول الغربية بالذات التي اعلنت بالاجماع تمسكها بالاتفاقية النووية مع ايران، استنادا الى تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تؤكد ان ايران تلتزم بتعهداتها فيما يتعلق بالطابع السلمي لبرنامجها النووي. ولم يقف الى جانب اميركا سوى اسرائيل التي وقف رئيس وزرائها نتنياهو في الجمعية العامة للامم المتحدة ليعرض صورا لمشغل غسيل سجاد في ايران مقسما بشرفه وبتوراته وبإلهه اليهوه ان هذا المشغل للسجاد هو مستودع للقنابل النووية الايرانية التي ستدمر اسرائيل واميركا واوروبا الغربية. وقد وقف الاتحاد الاوروبي بمجمله الى جانب روسيا والصين فيما يتعلق بالاتفاقية النووية مع ايران. وهذا مؤشر خطير ستظهر نتائجه بالتتالي حول تفكك الكتلة الغربية بزعامة اميركا وبداية فقدان اميركا لزعامتها على "القطيع الغربي". وهذا ما دفع اميركا الى الاعلان ان العقوبات السابقة والعقوبات الجديدة التي فرضتها على ايران ستطبق ليس فقط ضد ايران، بل ايضا ضد اي دولة او شركة تتعامل او ستتعامل مع ايران. وهذا التهديد لا يمس روسيا والصين، اللتين تديران ظهريهما باحتقار لاميركا، بل يمس بالدرجة الاولى الدول الغربية التي لا تزال مرتبطة باميركا، سياسيا واقتصاديا وامنيا وعسكريا ولا سيما في اطار حلف الناتو. وقد اعلن دونالد ترامب بكل عنجهية الغانغستر الاميركي انه في تشرين الثاني القادم سيبدأ تطبيق العقوبات لمنع تصدير النفط الايراني وانه سيخفض هذا التصدير الى الصفر. اي: تجويع الشعب الايراني والخنق التام للجمهورية الاسلامية الايرانية التي اصبح مجرد وجودها يهدد وجود النفود الاميركي ـ اليهودي في العالم. وتقول الاحصاءات ان الانتاج النفطي الايراني بعد توقيع الاتفاقية النووية في 2015 بلغ 3،2 مليون برميل نفط في اليوم، 2 مليونا برميل منها مخصصة للتصدير العالمي. وقد ردت ايران في حينه انه في حال منع تصدير النفط الايراني، اي تجويع الشعب الايراني، فإن ايران ستوقف تصدير النفط تماما عبر مضيق هرمز الذي يمر عبره 40% من تجارة النفط العالمية. ونحن نضيف ان ايران قادرة ايضا على ايقاف عبور النفط والحركة التجارية العالمية عبر مضيق باب المندب (ومضائق تيران وقناة السويس) ايضا. ولننظر بروية الى النتائج الاقتصادية والسياسية والعسكرية، التي يمكن ان تترتب على تطبيق العقوبات الاميركية وخنق الجمهورية الاسلامية الايرانية: 1 ـ ان فقدان او "غياب" 2 مليوني برميل نفط يوميا من سوق النفط العالمية، سيؤدي الى انهيار سوق النفط العالمية كليا، اذا لم يتم ايجاد بديل لتلك الكمية الهائلة. لان السوق العالمية قد تتحمل "غياب" اي "سلعة" اخرى، حتى الحنطة والخبز ولكنها لا تتحمل غياب النفط والغاز، اللذين تتوقف عليهما حتى الان كل دورة الحياة المعاصرة. 2 ـ وانهيار السوق النظامية للنفط سيؤدي الى التحول للانهيار الفوري للدولار بنتيجة الارتفاع الجنوني المرتقب لاسعار النفط، نتيجة اختلال موازين العرض والطلب وسعي مختلف الدول لشراء كميات اكبر من حاجتها الراهنة من اجل تجميع احتياط ستراتيجي للغد "الاسود". لانه اذا كان سعر برميل النفط اليوم هو 80 دولارا وسيصير 200 دولار بعد شهر و400 دولار بعد شهرين، فهذا يعني ان الـ400 دولار بعد شهرين ستساوي 80 دولارا اليوم، اي: ان سعر صرف الدولار سينخفض 500% خلال شهرين، وبكلمات اخرى سيصبح الدولار ( كمقياس للقيمة او السعر) خفيفا الى درجة انه "سيطير" و"ستطير" معه اميركا كالبالون المنفوخ بالتضخم بالمعنى الحرفي للكلمة، ولا احد يدري اين وكيف سينفجر حينذاك البالون الاميركي وسيحط ثانية ممزقا على الارض. 3 ـ اذا انفجرت السوق النظامية للنفط فستسقط حتما عمليات البيع الآجل: قريبة الاجل، ومتوسطة الاجل وبعيدة الاجل. وستنتقل تجارة النفط كليا الى "السوق الدولية السوداء" التي يتحكم فيها البائعون بالاسعار، ولا يعودوا يقبضون بالدولار المتدني القيمة باستمرار، بل يطلبون القبض عدا ونقدا بالذهب، او بالسلع التي يحددها البائع. ويعني ذلك انهيار النظام المالي والتجاري والاقتصادي العالمي وانتشار القرصنة وسقوط الحكومات والدول كاوراق الخريف واندلاع الحروب الاهلية والاقليمية في كل مكان وخاصة في اوروبا الغربية المعتادة على "الدلال" وستصطدم بشدة بالبرد والجوع والكساد والبطالة وفقدان المواد الاولية والغذائية للحياة. 4 ـ ولتجنب سقوط هيبتها امام حلفائها التقليديين وخروجهم التام عن طاعتها، تسعي ادارة ترامب الان جاهدة لايجاد بدائل عن النفط الايراني لحلفائها. وفي مثل هذه الحالات الاقل حرجا كان يتم الاعتماد بشكل اساسي على المملكة السعودية كي تسد نواقص السوق بوصفها اكبر منتج للنفط في "الكتلة الغربية". ولكن المملكة السعودية الان هي غير قادرة، لاسباب تكنولوجية وغيرها، على زيادة انتاجها لتغطية كامل "الكمية الايرانية" الناقصة. اي ان "الثغرة" ستبقى مفتوحة. وهذا ما دفع اميركا لان "تغض النظر" عن الاتفاقية الاخيرة بين السعودية وروسيا (المنتج الاكبر للنفط خارج الاوبك) على زيادة انتاجهما من النفط في الفترة القادمة لسد "الثغرة" الايرانية. وهذا يعني كسر هيبة اميركا وكل تبجحاتها وعقوباتها المعادية لروسيا. ولكن من جهة ثانية، يطرح هنا سؤال مشروع تماما: هل ان روسيا ستغدر بايران وتساعد في الحصار ضدها و"تكسيد" نفطها مقابل بضعة مليارات من الدولارات وعلاقة تجارية مؤقتة وغير مضمونة مع السعودية؟ ان روسيا قدمت عشرات الشهداء من خيرة ابنائها في المعركة ضد جيش الارهاب العالمي في سوريا، الذي اعدته ورعته اميركا والسعودية واسرائيل خلال سنوات طويلة. والصداقة الروسية ـ الايرانية قد تعمدت بالدم والنار. وفي رأينا المتواضع ان روسيا ستصون أخوّة الدم والسلاح مع ايران (ومع حزب الله والجيش الوطني السوري)! وهي ستستخدم الاتفاق مع السعودية كغطاء لمساعدة ايران في "بيع" نفطها. مثلا: ان "تشتري" روسيا النفط الايراني "الكاسد" وان تبيعه لاطراف ثالثة لحساب ايران، او ان تستخدمه لحاجاتها وان تبيع بدلا عنه النفط الروسي لاطراف ثالثة ولحساب ايران. طبعا ان السعودية واميركا لن يفوتهما ادراك ذلك. ولكن ليس في اليد حيلة، فلتضربا رأسيهما بالصخر، كما حدث ويحدث لهما في اوكرانيا وسوريا وكوريا الشمالية! XXX اما اذا اضطرت ايران الى قصف واغراق ناقلة نفط واحدة على باب مضيق هرمز، واخرى على مدخل باب المندب، فذلك سيكون شأن آخر وله حديث آخر. ولكن في كل الاحوال فإن اميركا واسرائيل والسعودية ستكون حتما هي الجهة الخاسرة. ـــــــــــــــــــــــــــــــ *كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترامب ونتنياهو يهربان الى حافة الهاوية
-
حول مفهوم الطليعة – (الجزء الاول)
-
لا نظرية ثورية بدون حركة ثورية
-
عشر دقائق فاصلة في تاريخ العدوانية الاسرائيلية
-
اميركا تصعّد المواجهة ضد الصين
-
السعودية تنتظر زيارة الرئيس الروسي
-
الحرب التجارية الاميركية ضد روسيا والصين والعالم
-
أضخم مناورات عسكرية روسية منذ 40 سنة
-
تركيا و-الصدام الختامي في سوريا-
-
انبوب الغاز الروسي -السيل الشمالي – 2- وصل الى بحر البلطيق
-
غالبية الاميركيين تعارض سياسة ترامب
-
واشنطن تنتهج سياسة السير على حافة الهاوية
-
الدولار ينزل عن عرشه
-
بعد قمة هلسنكي: ترامب يوقع اضخم ميزانية حربية اميركية
-
يوغوسلافيا: من -اتفاقية يالطا- اللصوصية الى -جمهورية كوسوفو-
...
-
اميركا تفشل في كسر شوكة الثورة الايرانية
-
الازمة المصيرية الاميركية والخطة السرية لكيسنجر
-
ايران ليست دولة يمكن الضغط عليها
-
اميركا تغضب اصدقاءها ولا ترضي اعداءها
-
المواجهة العالمية الشاملة بين روسيا واميركا
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|