نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
الحوار المتمدن-العدد: 6021 - 2018 / 10 / 12 - 23:03
المحور:
المجتمع المدني
طالما تساءلت من يشتري الصّحف، ومن يقرأها؟
أنا المولودة في برج البعث، والمثقلة بصحف الأسد لم أكن أستعمل الصحف سوى لتنظيف البلور؟
لم أبدأ بقراءة الصّحف حقيقة إلا بعد أن أثار دهشتي بعضها ، وأخصّ منها الإنكليزية، التي يمكن ان تدخلك في جوّ الحدث أو المقال.
هذا ما جرى معي ، حيث أصبحت أقرأ بعض الصّحف أحياناً، ومنذ وقت ليس بطويل. ليس جيع الناس لا يقرؤون مثلي، بل كأنّ البعض لديه هوس الصّحيفة رغم وجود العالم الافتراضي .
حفيدي في الثالثة عشر من عمره، ولديه مهمة توزيع الصحيفة الأسبوعية كل يوم خميس. هم يدفعون له ثمن أتعابه وفق القانون المسموح به في دولة متقدمة ككندا. راقبته وهو يعدّ للتوزيع. يعمل حوالي عدة ساعات في لفّ الصحيفة والإعلانات في مغلّف واحد، وفي يوم الخميس يوزع الصحف على 60 منزل في العاصمة تورونتو وفي المنازل القريبة من عنوانه. كان فضولي كبيراً أن أعرف من هم هؤلاء الذين يدفعون ثمن الصّحيفة، وذهبت معه نوزّع الصّحف على البيوت. أنا أدفع عربة الصّحف، وهو يضع الصّحيفة أمام الباب. لكن ليس أيّ باب. أبواب بيوت حيّ هادئ من أحياء تورونتو الجميلة. ينطق البيت بسكانه حيث تقف على أبوابهم تماثيل الآلهة والمفكرين، وينتشر في أحيائهم عبق العسليّة ، والورد الجوري. بيوت مختلفة. إن ظهر أحد من سكانها، وشكر الفتى، فلا بد أن يكون باسماً، ويعامله أنّه يقوم بمهمّة تستحقّ الاحترام.
لا أعرف الطبقة الوسطى في بلادي، بل اكتب عنها من صبيان أفكاري. اليوم عرفت بعض صفاتها: الاهتمام بقراءة الصّحيفة، واحترام الشّخص الذي يوصلها.
لم يظهر الكثير من السّكان، فقد كان أغلبهم في عمله، وعندما رمى حفيدي الصحيفة أمام بيت أحدهم فوقعت بين الزريعة . أسرع وأخذها ووضعها على درج البيت، فخرجت امرأة وشكرته لأنه فعل ذلك.
ليس لي إلا بضعة أيام في تورنتو، لكنّ ملاحظتي الأولى هي أنها مدينة تجمع الأجناس في العالم، ويقرأ بعض أفرادها الجرائد.
اليوم أرسلت الصحيفة لحفيدي رسالة شكر، وطلبت منه أن يكتب عن نفسه كي تضع سيرته على صفحتها، وهذه مفاجأة حيث علمت أنّ النّشاط الذي يقوم به الطفل يحدّد مستقبله، فأنت مكون من النشّاطات، والفعاليات التي قمت بها، ولو كان معدلك الدراسي مئة بالمئة لن تحصل على هدفك إن لم يكن لك نشاط في مجاله، وسوف يذهب الهدف إلى تلميذ قد أتى ب90 بالمئة.
بعيداً عن السياسة. أجد هذا جديداً عليّ.
#نادية_خلوف (هاشتاغ)
Nadia_Khaloof#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟