|
لكي نبقى على الأرض
محمد ابداح
الحوار المتمدن-العدد: 6021 - 2018 / 10 / 12 - 09:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن محاولة بناء قواعد نقد سياسيّ سويّ؛ لابد أن يكون عرضة لعمليات تحوّل مستمرة وثابتة، وسواءا أكانت تلك التحوّلات على شكل تطوّر طبيعي، أو ثورات فكرية متتالية، فإنه وبخلاف ذلك فلن يكون للنقد السّياسي من معنى إلاّ ضمن إطار مجموعة القواعد الخاصة بتكوين حقبة من الحقب البشرية المزيّفة الحقائق، ومن غير أن يكون المراد هنا إسقاطا لواقعا أيديولوجيا تحدّده الحالة الفكرية والإجتماعية الخاصة بكل حقبة، فهذا الأمر أبعد ما يكون عن سياق شاءته الأقدارالسماوية، فالتطوّر شرط أساسي وإلزامي ومنطقي، وإنه ليس بعلم كل ما لا يمكن له إلاّ أن يكون قابلا للتطوّر والإرتقاء، وكلما عرف علم من العلوم تحوّلات أو تطورات ما؛ فإن ذلك يمثل مرحلة توقف وعبور (Checkpoints) لارجعة فيها، بمعنى إن تمّ تجاوزها فلا يُمكن التعبير عنها كما كان يُفعل من قبل. وللتوضيح: فقد كانت محاولات الكيميائيّين القدماء تحويل المعادن الرخيصة إلى معدن الذهب علما ذائع الصيت فيما مضى وله مُريديه، وأما الآن فبات وهما لا يرتقي حتى لمرتبة الفضول، بينما علوم الطيران بدأت منذ القدم، ولم تنتهي فقط بمحطة (مير) الفضائية الدولية. وعليه فإن كانت الأيديولوجيات والعقائد الدينية علوما (وهي كذلك) فإن التوطئة السابقة قد تمهّد لتصويب بعضا من تعقيدات التشابك العملي بين العلوم المادية والدينية. تحتفظ العلوم الدينية بكامل حقها في مجال المعرفة البشرية، لكن كما أن العلوم المادية التي كان ولايزال على (العقل) البشري نقدها كي يقرّر من لدنّ واقعه العملي؛ فيما إذا كان عليه عبء حملها معه في مسيرة تطوّره الفكري والعملي أو حفظها في متحف التاريخ؛ فإن العلوم الدينية ليست محصّنة عن الأمر ذاته. إن شريعة حمورابي قد تم إقرارها ونشرها باسم السماء، واتسمت بذات القدسية التي تتسم بها الشريعة الإسلامية والنصرانية واليهودية، وتم تطبيقها كدستور في المعاملات والعبادات، وكما تم تنفيذ بنودها فيما يختص بمعاقبة العاصي وإثابة الطائع، ثم انتهت بلوحة معروضة بمتحف اللّوفر في باريس، كذلك الأمر لشريعة بوذا وزرادشت، وربما سيكون هذا حال شرائع موسى وعيسى ومحمد، لقد تم الإستعاضة عن شريعة العين بالعين والسن بالسن بشركات التأمين والتعويضات المالية، كما تم إقصاء شريعة العبد بالعبد والحرّ بالحر، وقريبا سيُحرم الزوج المسلم من لذة ( إذهبي فأنت طالق..)، فعقد الزواج كأيّ عقد قانوني آخر يتم برضى طرفين بالغين عاقلين، ولن يفسخ بإرادة منفردة على غرار عقود الإذعان. من الجلي لأي عاقل أنه وخلال ألف وأربعمائة عام من ظهور الدعوة المحمدية قد برزت شرائع وديانات مستوحاة أو منشقة عمّا قبلها، ولن يكفي على الإطلاق الإكتفاء بالقول ( أزل همّك واعبدني - بولس)، وأن نتبع ملعونا (مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ- غلاطية 13/3)، أو أن نتبع إلها جاهلا وضعيفا (لأَنَّ جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ! وَضَعْفَ اللهِ أَقْوَى مِنَ النَّاسِ!- كورنثوس.25/1)، إلاّ إن كان لايزال ثمة فئة من البشر تعيش معنا على الأرض، وتؤمن بظهور رُسُلا وشرائع جديدة، كشريعة آل سعود ( إن زنا الحاكم علانية فلا يجب الإعتراض- فتوى الشيخ عبد العزيز الرّيس- الرياض 2018)، وشريعة ترامب ( إدفع ثم إدفع ثم إدفع..) إنها لأفكار مرفوضة تماما تلك التي يُبليها النقد والتطوّر العلمي، ويجعلها مزارا للمؤرّخين وهواة التنقيب. يعدّ التدني القيَمي لكافة الأطروحات التي نقضها البحث العلمي باتا لا رجعة فيه، غير أن الفكر الديني ليس له من قبل ولا من بعد! كما ليس له من أيّ وجهة للمستقبل سوى إرضاء الرب ( الحاكم بعبارة أدق..)، ومن ثم إلى الجنة والنار ( غالبا إلى النار إلاّ من رحمه الرب)، وإن كان من الجائز إنصاف العقائد الدينية تحت طائلة المنافسة العلمية، فهي وإن عرفت فترات متفاوتة من الكساد والصحوة، إلا أنها لم تتمكن من نسخ سابقاتها، فلا يزال من يُفني دهره في كهوف الجبال توقا لرؤية بوذا، غير أن البحث العلمي استبدل مقولة (أزل همُك واعبدني) إلى (أزل وهمك.. فالرسل والقدّيسين ليسوا سوى مُنشقين أومعارضين سياسيّين). قد تكون العبارة الأخيرة مبتذلة، لذا فمن المُلائم تلطيفها على الفور، إن علوم تحويل المعادن الرخيصة لمعدن الذهب الثمين تنتمي كما عذاب الآخرة ونعيمها، وفكرة الخلاص واليوم الموعود؛ إلى منطق اللاوعي، إلاّ أن الأولى ناتجة عن منطق تفكيرالبحث العلمي والذي يحتمل الإثبات والنفي من الناحية العملية، أما الثانية فليس بجعبتها سوى الهداية أوالضلال، والأخيرين لايحتملان النفي أو الإثبات بمضمار البحث العلمي، لذا فالسبيل الوحيد ( أيديولوجيا) لتقويم الضال المُنذَرْ هو قتله، وله في الآخرة عذاب النار.
#محمد_ابداح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلّة الغائبة
-
قوة الفكرة
-
نرجسية الأديان
-
المجتمعات البريئة
-
السُحُب الفارغة!
-
الإتجاه الجغرافي للتاريخ
-
القيمة العلمية للأديان السماوية
-
ضجيجُ الموتى!
-
المتغيّر والثابت في الوطن العربي!
-
الصحافة الرسمية الرائجة
-
المعارفُ والقناعات!
-
الجمهورية العربية الثالثة!
-
العودة المستحلية!
-
دول المخاض العربي!
-
هوّية الهيمنة الدّينية والسّياسية
-
تقنين الفساد المالي والإداري في الدول العربية المعاصرة
-
قواعد النّقد السياسي-8
-
قواعد النّقد السياسي-7
-
قواعد النّقد السياسي-6
-
الشباك المثقوبة!
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|