أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالرزاق دحنون - كيف تعرف أن السمك سعيد؟














المزيد.....

كيف تعرف أن السمك سعيد؟


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6019 - 2018 / 10 / 10 - 11:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يزخر التراث الشرقي عموماً، بالعديد من الرؤى والافكار والقيم، التي تفصح عن أن هذا التراث، يعكس نمطاً من الوعي بالقضايا التي تهم الانسان ككائن اجتماعي حر، ويمكن القول، أن التأمل، والبحث والنزعة الانسانية هي أدوات ملازمة لمختلف جوانب هذا التراث، المادي منه واللامادي، في اطار سعي الانسان ومنذ أن وعى ذاته، و وعى علاقته مع الطبيعة، وراح ينشد الخلاص، والانعتاق من كل صنوف القهر. والمثل يقول: انجُ سعدُ فقد هَلكَ سعيدٌ.
1
يُحكى أن الفيلسوف الصيني "تسوانغ تسي" من أهل القرن الرابع قبل الميلاد و"هوي تسي" مفكر وفيلسوف وأديب صيني مشهور. كانا يسيران معاً ذات يوم على ضفة النهر, فقال تسوانغ تسي: هذا السمك يسبح في الماء حراً, ما أسعده؟ فرد هوي تسي: أنت لست سمكة فكيف تعرف أن السمك سعيد؟ أجاب تسوانغ تسي: أنت لست أنا, فكيف تعرف أنني لا أعرف أن السمك سعيد؟ قال هوي تسي: لأن أنا لست أنت, فلا أعرف كيف تفكر, ولأنك لست سمكة, فلا تعرف أن السمك سعيد.
2
الرأي يختلف باختلاف الموقع والمكان والزمان الذي تضع نفسك في إطاره, هذا صحيح, ولكن من المتعين علينا أن نتعامل مع بعضنا البعض من منطق آخر. افرض أنك تجادلت معي. فإذا غلبتني بدلاً من أن أغلبك فهل أنا بالضرورة على باطل؟ وإذا غلبتك بدلاً من أن تغلبني فهل أنا بالضرورة على حق؟ هل أحدنا محق والآخر مخطئ؟ أو هل كلانا محق وكلانا مخطئ؟ لا أنا ولا أنت نعرف ذلك ولا سوانا. من ينبغي أن نسأل ليعطي القرار الصحيح؟ قد تسأل أحداً يتفق معك ولكن مادام يتفق معك كيف يمكنه صوغ القرار؟ وقد تسأل أحداً يتفق معي ولكن مادام يتفق معي كيف يمكنه صوغ القرار؟
3
هذه التساؤلات أقلقت الفيلسوف تسوانغ تسي فصنع منها تمرينات فلسفية لتلاميذه كي يغرس في نفوسهم معرفة حية ضد الشخصية القمعية المستبدة . فالإنسان حر في رأيه لا يُذلُّ لأحد ولا يقمع أحداً. ورفض الذل وتحمل ضغط الحاجة لصون كرامة النفس البشرية هي لزوم الحر الذي لا يخضع لعبودية غير عبودية الخالق. والإنسان الحر لا يملك شيئاً ولا يملكه شيء, فالملك لا يكون لأحد, بل لجميع الخلق, حتى لا يعلو أحد على أحد. فالمالك للشيء مملوك له-على حدِّ تعبير هادي العلوي- ومن أراد الحرية فليخرج من ملكوت الرغبة, وبيوت أصحاب رأس المال لا تصحُّ فيها الصلاة ومن استمع إليهم لم تدخل الحكمة إلى قلبه. لابد أن تجوع مع الجائعين فذلك هو شرط المعرفة وتلتحف بالمنافي، فذلك هو شرط الحرية.
4
وفي هذا السياق يخبرنا شيخنا الجليل عبدالقادر الكيلاني المتوفي في بغداد عام 561 من الهجرة أن وظيفة الحكيم أو الفيلسوف أو الحاكم الراعي هي خدمة الخلق المتعبين, و إيجاد الراحة لهم, وهذا يكون بتوفير الطعام للجياع وأهل السبيل, ليخرجوا من ذلِّ الحاجة. وكان يقول فيما ورد عنه في كتاب "قلائد الجواهر: فتشت الأعمال كلها فلم أجد أفضل من إطعام الجياع. أود لو كانت الدنيا في يدي لأطعمها للجياع. وهذا يعني جعل ثروات الأرض مشاعاً للجياع. وانظر إلى هؤلاء الجياع المساكين الذين يجوبون شوارع المدن المكتظة بالمتخمين ويطالبون بحقهم الأبدي من "مال الله" إن وجود هؤلاء في الأرض هو بحد ذاته توبيخ من الله للناس المترفين الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله.
5
وما زالت الدنيا تدور بعيدة عن ملك الجياع. فإذا كنت تريد ان تعرف أن السمك سعيد أو غير سعيد عليك أن تصبح سمكة أولاً, أو على الأقل تعرف عادات السمك ومعلومات جيدة عنه, ومن ثم قد تعرف ما إذا كان السمك سعيداً أو غير سعيد. ومن السعيد هنا, هل هو سمك البحار المفتوحة, أم سمك الزينة في الأحواض الجميلة الضيقة, أم سمك الأنهار العذبة الجارية المتدفقة, أم سمك البحيرات المغلقة, أم سمك السردين المسجون في تلك العُلب المغلقة المشهورة عالمياً, أم سمك التونة المقتول والموزع في أوعية التونة الدائرية التي تُباع في سوبر ماركات العالم, أم سمك السلمون بين أنياب الدببة على شلالات الأنهار وهي في طريقها صعوداً إلى موطنها لوضع بيوضها, أم سمك السلَّور الذي يعيش بصعوبة في ما تبقى من مياه نهر العاصي في بلدة "دركوش" من ريف محافظة إدلب في الشمال السوري؟ والخوف كل الخوف أن تكون حياة السمك غاية في التعاسة بينما تراها أنت في غاية السعادة. ما العمل؟
6
في الحقيقة إن احترام الآخر وفهمه شرط أساسي لكل ما نريد أن نفعله. تختلف آراء الناس, ولكنهم يحتاجون إلى التعاون, وأساس التعاون هو التفاهم الذي يزيل الخلاف بين الأطراف ذات العلاقة في عالم متنوع. والحكيم من ينصح, مثل السماء تغطي كل شيء دون انحياز, ومثل الأرض تحمل كل شيء دون انحياز. تذكر جيداً أنك لست سمكة ولهذا فأنت لا تعرف أن السمك سعيد. وقد سأل تسوانغ تسي ذات مرة: كيف تنال الأنهار الكبيرة والبحار ملوكيتها على مئات الجداول والبحيرات؟ تنال هذه المكانة من خلال أحقيتها في أن تكون أوطأ منها. ذلك ما يجعلها تنال ملوكيتها. فالحكيم لكي يكون فوق الناس يجب أن يتكلم كما لو انه أوطأ منهم. ومن أجل أن يهديهم يجب أن يضع نفسه وراءهم, بحيث إذا كان فوقهم لا يثقل ظهورهم وسيكون كل ما تحت السماء مسروراً لأنه مُدار به ولا يجدون في قيادته لهم ما يُكدر عيشهم .والحكيم لا يزج نفسه في منافسة وبالتالي فلا أحد ينافسه, حتى ولا ذلك السمك الذي يسبح في الماء حراً سعيداً. أنا لستُ سمكة, فكيف أعرف أن السمك سعيد؟



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين النصيحة
- حجارة رجم الزانية سوداء
- مروان بن محمد يمنع لعب الشطرنج في دولته
- خطابٌ إلى الأمةِ الأمريكية
- هامش على سيرة الروائي العراقي علي الشوك
- نصُّ وقصيدة للمفكر العراقي هادي العلوي
- عشرون عاماً على رحيل المفكر العراقي هادي العلوي ...سلامٌ علي ...
- إلى أين نحن ماضون؟
- تغريدات ناجي العلي القاتلة...أخي المواطن من ضربك على خدك الأ ...
- إنَّ الكلامَ معَاقِلُ الأَشْرافِ
- مكتبة -إبلا- في إدلب من أقدم مكتبات العالم
- دفاتر شيوعية
- شفان...في أجمل أغنية عن الزوجة في العالم
- الصورة التي كادت تتسبب في طردي من الحزب الشيوعي
- الصَّحفيَّة دي...شيوعيَّة
- ريجيس دوبريه...خمسون عاماً على كتاب -ثورة في الثورة-
- لينين و الانتفاضة
- الشيوعيون...أصحاب اللّحف المُقَطَّعة
- ساعتان مع الشيوعي النبيل نبيه رشيدات
- بنطال كارل ماركس


المزيد.....




- صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب ...
- لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح ...
- الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن ...
- المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام ...
- كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
- إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك ...
- العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور ...
- الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا ...
- -أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص ...
- درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالرزاق دحنون - كيف تعرف أن السمك سعيد؟