محمد مسافير
الحوار المتمدن-العدد: 6018 - 2018 / 10 / 9 - 15:30
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
أتذكر جيدا وأنا في الثالث ابتدائي، حيث كانت تدرسنا مادة الفرنسية أستاذة جلادة بكل المقاييس، كانت قاسية جدا، وطبعا كان آباؤنا نحن التلاميذ، جد مسرورين بها، لأنها في نظرهم من يجهد نفسها في تعليمنا بكل عزيمة وإصرار، أتذكر والدي يقول لجاره:
- الحمد لله، هذه السنة يدرس ابني لحسن حظه عند أستاذة صارمة تشبعه عصا، أما السنة الفارطة فقد مضت هباء!
فعلا كنا في السنة التي قبلها نعود إلى بيوتنا دون أن تحمر خدودنا صفعا، أو تسود أيدينا بسوط الأستاذ، أي نعم كان يضربنا، لكن لم يكن ضربه في مستوى القسوة التي قد تشفي غليل الآباء!
لم تكن المعلمة وحدها من يحمل السوط، بل كان أيضا مدير المؤسسة، والويل لمن وقع بين يديه، لم نكن نعرف تفاصيل المذبحة التي كانت تحدث داخل مكتبه، لكننا كنا متأكدين من أنها فعلا مذبحة!
ذات يوم، حضر المفتش حصة الأستاذة، وناب عنها في التدريس مدة نصف ساعة، كانت جحيما في ذاكرتنا... لم يجب أحد التلاميذ على سؤاله، بل لم يفهم أصلا سؤاله، صرخ في وجهه في قسوة عله ينطق، لكن التلميذ كان عاجزا عن الكلام، ثم بدأ يجره من شعر مقدمة الرأس نحو السبورة، ثم مدده على الطاولة الأمامية، وطفق يضرب مؤخرة التلميذ بأنبوب الغاز حتى ما عاد قادرا على الجلوس عليها إلا مكرها...
كان ذاك التلميذ هو الضحية الأولى، وطبعا لم يكن الأخير، فقد توالى بعده مباشرة مسلسل التعنيف...
كنا عرضة للضرب أينما حللنا أو ارتحلنا، دون أن نستطيع مجرد الشكوى، لأننا نعلم مسبقا ألن يرأف بنا أحد!
الأعمام والأخوال والعمات والخالات، الكل له حق الجلد، وعلينا تجاههم واجب الطاعة والخضوع، لكن الأكثر غرابة في الأمر، أن الجيران أيضا استطاعوا انتزاع هذا الحق، وقد يحدث أن يضربك الجار وتسمع والدك يصرخ من بعيد: عطي لباباه لي ما رباه!
لكن الأمور لم تبق على حالها، فالتلميذ قد غدا أشد تمردا، والآباء والأساتذة أقل تعنيفا... وهذا بالضبط ما أشيد به كل مرة، لأن الأجيال المتمردة أبدا لن تقبل بالخضوع السياسي والذل والحكرة في القادم من السنوات!
#محمد_مسافير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟