طارق المهدوي
الحوار المتمدن-العدد: 6017 - 2018 / 10 / 8 - 08:05
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
خلال زيارتي قبل أيام إلى العاصمة الأمريكية في رحلة كان من المفترض قيامي خلالها بعلاج عيوني داخل مستشفى جامعة جورج واشنطون توقفتُ كترانزيت لمدة اثني عشر ساعة ذهاباً واثني عشر ساعة إياباً في مطار محمد الخامس بمدينة كازبلانكا المغربية، حيث استضافتني سلطات المطار في الغرفة رقم واحد الأكثر تميزاً بين غرف فندق ترانزيت المطار الخمسين ربما بسبب جواز السفر الخاص الذي أحمله وربما لأسباب أخرى لا علم لي بها، مما منحني موقعاً سمح لي أن أتعامل مع عدة تفاصيل شملت فيما شملته تلك التي تخص عشرات المصريين المسافرين يومياً عبر كازابلانكا إلى بلدان الصحراء الأفريقية الكبرى كتشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى وغيرها، والذين يحتضنهم عمال المطار الفقراء خلال عبورهم بحب بالغ فيمنحونهم الطعام والماء والمأوى داخل المطار مجاناً وهم يقولون لهم باللهجة المغربية "عسلامي ... لاباس عالزين ... ماكاين والو"، كاسرين بذلك تعليمات سلطات مطار كازابلانكا كغيره من مطارات العالم بفرض التسليع التجاري على كافة معاملات كل المسافرين والعابرين الأمر الذي يعلم عمال المطار أن هؤلاء المصريين الفقراء مثلهم لا يقدرون عليه، وقد استجاب عمال المطار لطلبي فدبروا لي عدة لقاءات مع بعضهم لأجد أنهم جميعاً مهنيين وحرفيين ينتمون إلى الطبقة الوسطى وأنهم جميعاً دون الثلاثين من عمرهم مع تنوع محال إقامتهم الجغرافية بين مختلف المدن والقرى المصرية، ورغم أنهم لا يعرفون بعضهم بعضاً فيما سبق إلا أن أمرين اثنين يجمعانهم معاً هما الهروب مما هو معلوم للاحتماء بما هو مجهول، فهم جميعاً من ضحايا ممارسات فساد وتبعية واستبداد وتطرف الدولة والمجتمع والسوق والعلاقات الخارجية في مصر كلها أو بعضها أو إحداها، وهم جميعاً لا يعلمون شيئاً عن مستقبلهم في البلدان التي يحتمون بها دون أن يعلموا أي شيء عنها، وهم جميعاً يجلسون على الأرض في أركان مطار كازابلانكا ليبكون بحرقة وهم يرددون أو يستمعون إلى كلمات سيد حجاب التي لحنها هاني شنودة وغناها محمد منير سنة 1977 وتقول باللهجة العامية المصرية:-
إيه يا بلاد يا غريبة ... عدوة واللا حبيبة
بلاد ما أعرفش ناسها ... ولا عارفاني بيبانها
ماليش شبر في أساسها ... ولا طوبة في حيطانها
#طارق_المهدوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟