|
النظرية الاقتصادية في علم الجريمة ............................ د/ محمود رجب فتح الله
محمود رجب فتح الله
الحوار المتمدن-العدد: 6015 - 2018 / 10 / 6 - 02:43
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
النظرية الاقتصادية في علم الجريمة د/ محمود رجب فتح الله دكتور القانون الجنائي المحام امام الجنايات
من" لقد أسس كل من" ماركس" "1818-1883" K.Marx و"انجلز" Frederick Engels 1820 -1895" في سنة "1850" النظرية الاقتصادية في علم الجريمة. وقد أكدت هذه النظرية أن الجريمة وليدة بعض الظروف الاقتصادية وفي مقدمتها الفقر Poverty المتأتي من البطالة مثلاً وغيرها من الأحوال الاقتصادية السيئة. وقد استند أنصار هذه النظرية على بعض الإحصاءات التي قام بها الباحثون الاجتماعيون لبيان العلاقة بين الحالة الاقتصادية والجريمة، لاسيما لدى الأحداث المنحرفين، كما اعتمدوا أيضاً على البيانات العامة التي أشارت إلى كثرة حوادث الإجرام خلال الأزمات الاقتصادية. لقد زاد الميل نحو تأييد هذه النظرية في نهاية القرن التاسع عشر عند ظهور المذهب الاشتراكي الذي تزعمه العلامة الألماني"كارل ماركس"K. Marx ولوحظ أيضاً وجود ازدياد في الجرائم لاسيما جرائم المال. وتذهب هذه النظرية إلى: أن العوامل الاقتصادية في المجتمع هي الأساس وأن لها الأثر الأكبر في حياة الفرد والمجتمع من كافة الوجوه، ويرى أصحابها أن الجريمة في جوهرها نتيجة حتمية لاستغلال الطبقات العاملةWorking Classes ، وأن العدالة الجنائية المطبقة في المجتمعات الرأسمالية هي من صالح الطبقة الرأسمالية، لذا فالشخص الضعيف اقتصادياً والذي يرى أن العدالة لم تنصفه في مجتمعه ولم تحقق إشباع لحاجاته وحاجات أسرته، فإنه يجد المبرر للاندفاع إلى الجريمة معتقداً أنه لم يرتكب خطأ بذلك. وهناك اعتقاد آخر يتردد لدى الطبقات الفقيرة في المجتمعات الرأسمالية بصورة خاصة هو: "أن معظم الأثرياء في المجتمع تكونت ثرواتهم الضخمة نتيجة لاستغلال الفقراء، لذا قد يمد هؤلاء الفقراء أيديهم إلى ما في حوزة الأثرياء مبررين ذلك أنه ليس من حرج عليهم أن ينتزعوا شيئاً من ثرائهم الذي جمعوه على حسابهم. وتوجد فكرة أخرى تقول: إن الفقير قد يتمرّد على القوانين والأوضاع الاجتماعية السائدة حينما يعتقد أن الأثرياء يجدون سُبلاً للتخلص من العقوبات وتجاوز القوانين، بينما تفرض على الفقراء العقوبات عن المخالفات التي يرتكبونها. فكثير من أبناء الطبقة الكادحةProleturiat والفقيرة تظن أن القوانين لم توضع إلاّ لتطبق على الضعفاء ومجازاتهم لأنه ليس لهم قوة اجتماعية مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية، وقد عُبّر عن ذلك: أن القانون لا يستطيع أن يدين مليوناً من الدولارات، والثري له الحق أن يخرج عن القانون، إذن؛ لماذا يجب على الفقير أن يحترم القانون؟! ومن أبرز العلماء الذين قاموا ببلورة وصياغة هذه الأفكار عالم الاجتماع الهولندي "بونجيه"Bounger " 1876 -1940" الذي نشر جزءً منها في كتاب له تحت عنوان "الإجرام والظروف الاقتصادية"عام"1905" أوضح فيه علاقة النظام الرأسمالي بظاهرة الجريمة مستخدماً بذلك التفسير الاقتصادي الماركسي، رافضاً ما ذهب إليه أنصار الاتجاه التكويني في تفسير علّة الجريمة. وأكد "بونجيه" وجود علاقة شديدة بين الظروف الاقتصادية وظاهرة الجريمة، موضحاً العلاقة بين التطور الاقتصادي والجريمة، فقال: " أن التحول الزراعي إلى اقتصاد صناعي في القرن التاسع عشر كان مصحوباً بتحول ملحوظ في ظاهرة الجريمة بحد ذاتها، فقد كان طابع الجريمة العنف فأصبح طابعها الجديد الخبث والدهاء. وهاجم "بونجيه " النظام الرأسمالي قائلاً:"إن النظام الرأسمالي نشر فكرة استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، واستخدم الأطفال والنساء في العمل، وجسد فكرة الطبقية في المجتمع التي تؤدي إلى العداوة والحقد والحسد والصراع من جانب الفقراء، والغَرر والعلو من جانب الأغنياء، كذلك جلب الربح وفائض الإنتاج الذي يؤدي إلى المنافسة والخسارة والفائدة غير المعقولة، وينتج عن ذلك مختلف أصناف الفسق والكذب والسرقة والعبودية وامتهان الحرفة واسترقاق العمالة، وجميع هذه العوامل وغيرها تلقي بظلالها السلبية على مختلف المؤسسات الاجتماعية لاسيما الأسرة والمدرسة، لذلك يرى"بونجيه" "أن كثافة السكان والعيش في ظروف غير صحية وانخفاض المستوى المعيشي وإهمال عناية الأطفال الصحية والتعليمية وغير ذلك من الظروف جميعها تقود إلى التفكك الأسري والتفسخ الأخلاقي وبالتالي تقود إلى الجريمة. وحاول "بونجيه" أن يجد علاقة بين كل من التصنيفات التقليدية للجرائم وبين النظام الرأسمالي من خلال الطبقات الاجتماعية التي أوجدها هذا النظام، وبناءً على ذلك صنف الجريمة في ثلاث فئات يرتبط كل منها بطبقة اجتماعية محددة وهي: الطبقة البرجوازية، الطبقة الوسطى، طبقة العمال. ذلك حسب الدوافع التي أدت على وجود كل طبقة على حدها، وقد أدى ذلك إلى تصنيف الجرائم في ثلاث تصنيفات وهي: الجرائم الاقتصادية، جرائم العنف، الجرائم السياسية. وأضاف إليها الجرائم الجنسية التي أرجعها إلى استغلال أو استعباد الجنس للجنس الآخر، والتي تعتمد كذلك على السعي وراء الكسب المادي دون اعتبار للقيم الاجتماعية والأخلاقية. وأشار أيضاً أن كلاً من هذه الجرائم تمثل انعكاساً مباشراً للأوضاع الاقتصادية والنفسية والاجتماعية التي ترزح تحتها كل طبقة. وباختصار أن "بونجيه" يعد الجريمة الوليد الشرعي للنظام الرأسمالي، وهي بمثابة رد الفعل ضد اللاعدالة الاجتماعية السائدة فيه. وبناءً على ذلك يرى أن النظام الاشتراكي هو البديل الصحيح عنه والذي له القدرة في القضاء على جميع المشكلات الاجتماعية وعلى رأسها الجريمة. كذلك يعد"جوردن" Gordon وهو من أوائل علماء الاقتصاد الذين تبنوا التفسير الماركسي في تفسير الجرائم، حيث يرى أن الجريمة هي رد فعل عقلاني على النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي لم يعطي فرصاً عادلة لأفراد المجتمع، وعليه يقرر أن نظام العدالة الجنائية في ذلك المجتمع يخدم الأغنياء ويحمي مصالحهم وأن التمييز الطبقي لرجال الشرطة والمحاكم ضد الفقراء مسوؤل عن جرائم العنف. وتبنى" باري كرسبرغ" Krisberg "1975" في كتابه الموسوم "الجريمة والامتياز: نحو علم جريمة جديد"، المدخل الماركسي في تفسير الجريمة حيث يعتقد أن جرائم جميع الطبقات الاجتماعية المختلفة والرد على تلك الجرائم يعكس التوزيع غير العادل للقوة والامتيازات التي تنمو في ظل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للنظام الرأسمالي. خلاصة القول: أن النظام الرأسمالي مسوؤل إلى درجة كبيرة عن الجرائم التي تحدث في المجتمع بوصفة نظام غير عادل يخلق الأنانية والذاتية ويساهم في زيادة البطالة في المجتمع وزيادة في أعداد المهمشين والتفكك الأسري ويخلق السلوك العدائي بين الناس، وبمثل هذا المجتمع تصبح الجريمة متوقعة. النظرية الاقتصادية في الميزان على الرغم من تقدير غالبية الباحثين لهذه النظرية لدورها في إيضاح الصلة بين الحالة الاقتصادية والجريمة، فقد تعرضت أفكارها إلى انتقادات عدة أهمها ما يأتي: 1- لقد أوضحنا أن أنصار النظرية الاقتصادية في تفسير الجريمة يذهبون إلى الظن أن كل فقير لابد أن يكون مجرماً نظراً لعجزه المالي، وأن الإجرام يسير جنباً إلى جنب مع سوء الحالة الاقتصادية، وما تجدر الإشارة إليه أنه لا يمكن لأحد أن ينكر أثر العوامل الاقتصادية السيئة في دفع الأفراد إلى السبل الإجرامية أو بعضاً من السلوك المنحرف، وهذه الانحرافات السلوكية ربما تتكون في الأوساط الفقيرة التي يشعر أفرادها بالحرمان من أوجه مختلفة، ولكن من المحتمل أن يكون السبب في ذلك الظروف النفسية التي تثيرها الظروف الاجتماعية المحيطة بالطبقات الفقيرة، ومثل هذه الظروف قد تعمل على زيادة الاختلال العاطفي والشعور بعدم الطمأنينة ما قد يشجع على ارتكاب الجريمة. 2- إن الإحصاءات لا تكاد تعطينا وجود علاقة سببية مباشرة بين الفقر والجريمة، والدليل على ذلك أن الجرائم لا تزداد بصورة واضحة خلال الأزمات الاقتصادية، ولكن هناك بعض الحالات الاستثنائية مثل فترات الحروب التي تثير بعض الكوامن النفسية إضافةً إلى العامل الاقتصادي. 3- بيّنت دراسات عدة أن الفقر ربما يكون عاملاً خارجياً يضاف إلى عوامل أخرى داخلية مثل الضيق النفسي والتفكك الأسري، والصراع الثقافي أو الحضاري، وما إلى ذلك من العوامل التي يمكن أن تتظافر في إحداث الجريمة. وبذلك فإن العامل الاقتصادي وحده لا يقود إلى الجريمة بالرغم من أهميته في ذلك. 4- إذا كانت هذه النظرية تصلح لتفسير جرائم المال، فإنها لا تصلح لتفسير باقي الجرائم مثل جرائم الاعتداء على الأشخاص وجرائم العرض، فهذه لا تتأثر إلاّ قليلاً بالظروف الاقتصادية. 5- لم توضح هذه النظرية لماذا يرتكب بعض الأفراد السلوك الإجرامي دون الآخرين على الرغم من خضوعهم لنظام رأسمالي واحد. 6- علّقت هذه النظرية آمالها على النظام الاشتراكي بوصفة المنقذ من الأخطار والمشكلات الاجتماعية التي سببها النظام الرأسمالي، علماً بأن هذا النظام نفسه لم يتمكن من استئصال الجريمة في الدول التي تأخذ به كالاتحاد السوفيتي السابق وغيره. ----------------------------------------------------------------------- #دكتور_محمود_رجب_فتح_الله دكتور القانون الجنائي المحام امام الجنايات - مكتب القاهرة : 6 عمارات اول مايو - طريق النصر - مدينة نصر. - مكتب الاسكندرية : 44 شارع محمد نجيب من البحر - سيدى بشر - المنتزه. - مكتب مرسي مطروح : 5 زهراء المدينة - شارع اسكندرية - مطروح. - تليفونات : تليفـون وفاكـس: 3562636/03 - - 01287888882 01200305305 01008432262 البريد الالكترونى [email protected]
#محمود_رجب_فتح_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جريمة تلقى الأموال من الجمهور لتوظيفها والامتناع عن ردها....
...
-
جريمة الرشوة فى القانون المصري
-
الصلح الجنائي فى القانون الجنائي المصري والشريعة الإسلامية
-
الحبس الاحتياطى في القانون المصري
-
المساهمة الجنائية فى جرائم أمن الدولة فى القانون المقارن ...
...
-
التحديات العملية للجرائم الالكترونية
-
جريمة التحويل الالكتروني غير المشروع للأموال فى القانون اليم
...
-
الاشكاليات التي تثيرها جريمة الاختلاس فى القانون المغربي
-
اثر المخدرات والمسكرات فى المسؤولية الجنائية لمتعاطيها فى ال
...
-
اقتصاديات ثروة المياه فى الوطن العربي ... د/ محمود رجب فتح ا
...
-
القتل الرحيم فى القانون المصرى والمقارن ..... د/محمود رجب فت
...
-
المخدرات الرقمية ............ د/ محمود رجب فتح الله .....احذ
...
-
مشكلة النقص التشريعى قبيل صدور قانون مكافحة جرائم تقنية المع
...
-
المجرم في الجرائم المعلوماتية ودوافعه....................د /
...
-
الحماية الجنائية للحقوق الذهنية أو حقوق الابتكار...........د
...
-
الادلة في الجرائم المعلوماتية....................... د/ محمو
...
-
موقف النظم المقارنة من جرائم تقنية المعلومات...
-
الجرائم الجنسية الالكترونية ... د / محمود رجب فتح الله
-
صندوق النقد الدولى وسياساته الثعلبية ...... د/ محمود رجب فتح
...
-
اليات حماية للطفل .... د / محمود رجب فتح الله
المزيد.....
-
الجنائية الدولية: الضغط السياسي لن يؤثر على أوامر اعتقال نتن
...
-
عودة النازحين السريعة إلى بلداتهم.. رسالة إيمان ونضال
-
اليونيسيف: وضع شمال قطاع غزة في غاية الصعوية والمأساوية ويزد
...
-
اليونيسيف: وضع شمال قطاع غزة في غاية الصعوبة والمأساوية ويزد
...
-
اليونيسيف: 30% من أطفال قطاع غزة يعانون من سوء التغذية الحاد
...
-
اليونيسيف: 2500 طفل في قطاع غزة بحاجة الى اجلاء طبي عاجل
-
اليونيسيف: 95% من المدارس التي تؤوي نازحين بقطاع غزة دمرت بش
...
-
جيل دوفير.. ماذا نعرف عن مهندس مذكرات اعتقال نتنياهو وجالانت
...
-
كم تنفق مصر على اللاجئين على أراضيها؟
-
البرد وغرق الخيام يفاقمان معاناة النازحين بمخيم جباليا
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|