|
هل يجب علينا أن نخاف الموت، أم هو فقط من رُعب النهاية؟
محمد الشهاوي
(Muhammad Alshahawy)
الحوار المتمدن-العدد: 6014 - 2018 / 10 / 5 - 19:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما هو الموت؟ وهل نخشاه لأننا لا نعلم عنه شيئًا؟ هل الخوف من رعب النهاية جهلٌ وطفولة؟ (إليك بعض الأفكار الهامَّة جدًا عن الموت، وكيفية رؤيته من أكثر من منظور)
بدايةً أرى أن الخوف الأصيل من الموت، لا يكمُن في انتهاء الحياة، بقدر ما يكمُن في تصوّرات رُعب النهاية، والفردانيّة- أن تكون بذاتك- المحضة. ولأنك تموت وحدك، ولا يمكن أن تكون، أو يكون، غير ذلك، وتريد تنتمي لأحد في هذا الوقت لينوب عنك، تلك الحاجة للانتماء، ورفض الفردانية، إنما هي طفولة. من المعروف أن أي شيء يُمكن أن يُخيفنا لا بُد وأن يكون موجودًا، بمعنى أنَّ له وجودٌ حقيقيٌ مُجرَّبٌ، وعليهِ يكون تعبير الناس عن خوفهم من الموت ما هو غير تمويهٍ لمصدرٍ أعمَق من "القلق الوجودي." وذلك القلق، الذي يكونُ في أعمق أشكاله، يكون حادًا لدرجة أنه يُولّد المخاوف والرُّهاب في حياتنا اليومية. وعليه يكون السلوكُ البشريُ، ككُل، أساسهُ الأصيلُ يكمُن في مَحض مُحاولات لإنكار الموت. وما يخشاهُ الناسُ ليس، في الواقع، الموت تحديدًا، لأن الشخص لم يمُت من قبل، ليحكم على التجربة ذاتها. والناس الذين يُعبرون عن مَخاوف الموت هم، في الواقع، يُحاولون التصرّف مع صراعات الطفولة، خاصةً لفراق مَن ارتبطوا بهم من قبل، لذا لا يُمكنهم التصالح مع تلك الفكرة أو التعبير عنها لفْرط ما عاينوه من بشاعةٍ تسبّبت في تكوين ندوبًا نفسية داخلهم سابقًا. الإنسان وحده هو الذي "يوجد" بكل ما في كلمة الوجود من معنى، وكأنما كُـتِبَ عليه أن يموت لمجرد أنه قد ولد! آية ذلك أن الإنسان "يموت،" لا غالبًا لأنه يمرض، أو يهرم، أو يُصاب بحادث، بل لمجرد أنه "يعيش!” ولا يمكن أن ندرك ذواتنا إدراكًا كليًا شاملًا، إلَّا إذا عرفنا أنفسنا باعتبارنا موجودات فانية يدخل الموت، بالضرورة، في صميم إمكانيات وجودها.
(لو قلنا أن اسمك مايكل؛ فمعادلة الموت كالآتي: إذا كان هناك مايكل، ليس هناك موت، وإذا كان هناك موت، فلن يكون هناك مايكل؛ يعني أنكما لا تلتقيان، فلمَ هذه الرهبة؟!
إذا كانت حياتنا في صميمها هي سلسلة من المشروعات والتصميمات، أو إذا كان وجودنا هو في جوهره اتجاه مستمر نحو ممكناتنا، فإنه لابد من أن تجيء لحظةٌ نجد فيها أنفسنا بإزاء استحالة كل إمكانية، وتلك هي لحظة الموت. يصعب على الإنسان أن يتصور موته هو، لأن واقعة موته تضطره كأنْ يتصور العالم بدونه، وهذا ما لا سبيل له إلى تصوره! وتصورك أن الموت قد يصيب غيرك من البشر، يُعـزّز الإنسان بالوجود، ويُذكّره بميزة البقاء داخله. فلو قلنا: :"لماذا كُتِـبَ عليّ أن أموت وحدي؟! فإنهُ يُخـيّلُ إليّ أنه ليس أقسى على نفس المُحتضَر من أن يشعر أنه يموت وحده، وأن العالم مستمرٌ من بعده، دون أن يحفل بغيابه في كثير أو قليل! للأسف ما من أحـدٍ ينـوبُ عن الآخر أو يحمل عنه مَوتـه...
والواقع أنني أرى الآخرين يموتون، فلا تلبث شخصياتهم أن تستحيل إلى موضوعات، وهذا التحول نفسه هو عندي من مصادر رهبتي من الموت! أجل؛ فإنني حتى الآن أشعر بذاتي، وأخلق بذاتي، وأبدع لنفسي من القيم ما أشاء، فإذا ما داهمني الموت، استحالت ذاتي إلى محض "موضوع،" وأصبحتُ، بجملتي، مُلكًـا للآخرين!
فإن القلق هو الذي يكشفُ لنا أن وجودنا مُـتناهٍ، عرَضي، عـديمُ الثبات. والقلق موضوعه ذلك "العدم" الكامن فيما وراء وجودنا، والذي هو بمثابة فاعلية باطنة هدَّامة. والعدم هو كل ما يُناقض الحياة، بكل تفاصيلها. وإن ما يولد فينا القلق هو العالم نفسه، أو هو واقعة وجودنا في العالم؛ فالقلق من الموت هو ما يشعرني بالفردية إلى الحد الأعلى من الشعور، لأنه ما من أحدٍ سينوب عني حينها، مهما كان قريبًـا.
هناك عاطفة الملل من كل ما في الحياة من أشياء وأحياء، وهذا يكشف لنا عن لونٍ من العدم، عدم الحياة، أعني. وهناك أيضًا عاطفة القلق؛ فإن ما نقلق عليه- وقت القلق- هو العدمُ الماثلُ في الأشياء والأحياء. ولنا أن نقول أن ما ندركه حينما نتمثل العدم إنما هو الوجود نفسه! وهذا التناقض يدل على أن مشكلة الوجود- كما قال هيدجر نفسه- لا تقبل الحل، أو هي على أقل تقدير لا تقبل أيّ حل عقلي.
عندما يستطيع المرء إيجاد معنىً لحياته، فإنه يكون قـد وصل إلى مرحلة تكامل الذات، وعكس ذلك فإنه عندما ينظر الفرد إلى حياته كسلسلة من الفرص الضائعة فإنه لن يصل إلى مرحلة تكامل الذات. يُعتقد أيضاً أن كبار السن الذين وصلوا إلى مرحلة تكامل الذات هم أقل عرضة للتأثر بقلق الموت. وهناك صنف من الناس يموتون نادمون على أنهم لم يُنجزوا ما طُلبَ منهم من أمور الدنيا. أخيرًا، أُحب أن أوضّح أن الإنسان لو تعلَّم وخاض تجاربه الحياتية بشكلٍ فرداني، بمعنى أن "فردانيته" كانت هي الغالب، فشعوره بالفردانية عند موته وترك العالم وراءه سيجعله أهدأ في موقفه أمام الموت.
#محمد_الشهاوي (هاشتاغ)
Muhammad_Alshahawy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آليات اكتساب اللغة
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|