أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - الحكمة والوجع في دموع اكتوبر















المزيد.....

الحكمة والوجع في دموع اكتوبر


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 6014 - 2018 / 10 / 5 - 09:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



يعتبر أكتوبر في قاموس "ارتقاء وتطور" الأقلية العربية في إسرائيل شهرًا مفصليًا؛ ويصنّف كثيرون من قادة هذه الأقلية ومفكّريها أحداثه الدامية التي جرت في العام 2000 كمحطة أشهرت فيها الدولة اليهودية نيّتها الواضحة للطلاق من مواطنيها العرب وللتعامل معهم، جهارةً ، "كحمل فائض" يستدعي اتخاذها التدابير الخاصة لمداراته أو للتخلص منه.

إنها إسرائيل الحديثة التي صار فيها اصطياد العرب رياضة رائجة، وغدت البلاد كلها غابة، وكل العرب صاروا فيها فرائس مستساغة.

ليس كمثل اكتوبر فرصة لنسأل فيها ما العمل وكيف الخلاص ؟ فمن لا يصطاده منا رصاص "يوشع" قد يرميه سهم "عنتر" !

"جلسنا هناك حوالي خمس دقائق. رأينا مجموعة من ثلاثين شخصًا، تراوحت أعمارهم بين 20 و 35 عامًا. برز بينهم شخص بدا كأنه رابيهم. كانوا يفتشون عن عرب. وفي اللحظة التي عرفوا فيها أننا عرب أطلق هذا الراب كلمة فانقضوا علينا".

هكذا وصف "اسلام" ، طالب في كلية الحقوق في القدس، كيف تعرض وأصدقاؤه، في أحد أحياء القدس، إلى هجوم دموي نفّذته زمرة فاشيين يهود كانوا قد خرجوا في رحلة صيد بشرية.

أقرأ قصة "اسلام" فأغضب وأخاف. انها تفاصيل تشبه تفاصيل عشرات الحوادث التي رواها ناجون عرب من اعتداءات كتائب الموت الفاشية التي صارت تمارس "رياضتها" في الأماكن العامة بشكل يومي ومن دون رادع.

"حاولت أن أهرب لكنهم أمسكوني وضربوني في جميع أنحاء جسمي. ثم قاموا بصعقي بجهاز كهربائي كان بحوزتهم، واستمروا حتى فقدت وعيي لمدة عشر دقائق". لم أرغب في استكمال تفاصيل الخبر، كما نقلته الصحافة، فمعظم تلك الأخبار تنتهي بأنّ الشرطة لم تعثر على الجناة أو أنها عثرت على واحد لكنه ما زال ينكر ضلوعه في الحادث.

في نفس الأسبوع نقلت الأخبار أنباء عن وقوع هجومين آخرين نُفّذا من قبل كتائب الموت وأسفرا عن اصابة عدد من الضحايا العرب في منطقة باب العامود في القدس، وعن اصابة سائق باص فلسطيني في منطقة "بيتار عيليت".

لم يبدأ تاريخ هذا الدم في أكتوبر 2000، ولن ينتهي عند عتبات القوانين العنصرية الجديدة ؛ لكننا نشهد، في هذه الأيام، حالة غير مسبوقة من أشكال التنافر الصدامي مع مؤسسات الدولة ؛ فهي، من جهة، ترفض الاعتراف بنا كمواطنين كاملي الشرعية والحقوق؛ ونحن، من جهة أخرى، لم ننجح في تفادي الارتطام الوشيك بهياكلها ؛ وهي مصرة على التعامل معنا، وهذا هو المنزلق الأخطر والأجد، كغرباء لا نستحق الحياة فيها الا كأفراد وصاغرين. ونحن، رغم طرطشات الدم في ساحاتنا ، نمضي نحو مستقبلنا وكأننا سادة للغيب وقهارو السيف والمنفى.

منذ سنوات تحاول إسرائيل، بحنكة واصرار ، وكجزء من مخططها الجديد، هدم معظم منجزات المواطنين العرب المناعية. ولقد نجحت في السنوات الاخيرة الماضية بتقويض أسس معظم البنى الاجتماعية والسياسية الواقية التي كانت تهيمن داخل المجتمعات القروية والمدنية؛ وساعدت، في المقابل، على خلق بدائل قيادية محلية، ارتبطت مصالح معظمها مع "صرة" الدولة، ولم يعترف بعضها بضرورة تظللها بالهوية الوطنية التي رمّمت القيادات المؤسسة بعد النكبة قسماتها، واستعادت حضورها بمسيرة نضالية شاقة ومشرفة وبتضحيات جماهيرية جسيمة لامست في بعض محطاتها المستحيل والمعجزات.

يحاربنا صقور اليمين الإسرائيلي العنصري على جبهتين، من خلال تجنيد سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية ضدنا ، وقد نجحوا عمليًا، في العقد الأخير، في إحكام سيطرتهم شبه التامه على جميع مفاعيل الحكم، وضمنوا تلقائيًا تنفيذ سياساتهم القمعية والاقصائية بحقنا، نحن الجماهير العربية ؛ بينما قاموا، على الجبهة الثانية، بالهجوم على حصوننا الداخلية فانقضّوا على سلطاتنا المحلية والبلدية ونجحوا، بمساعدة ركائز محلية، باحتلال معظمها. ثم ساهموا في تأجيج الانتماءات العائلية والحمائلية والطائفية ولم يعترضوا على تفشّي ظواهر العنف على تنوّع مصادره؛ فخلقوا، بعد كل هذا، حالة من انعدام الثقة الشعبية بالقيادات وبالمؤسسات الوطنية التقليدية، ومن زيادة في منسوب القلق جراء غياب الامن الشخصي وتضعضع حالة السلم المجتمعي ، خاصة بعد انحسار وتكلّس دور الأحزاب والحركات السياسية القائمة.

في هذا السياق علينا، إذن، أن نواجه "قانون القومية" العنصري بصرامة، لأنه الوسيلة التي جاءت لتُجمل، فعليًا وليس أشهاريًا فقط، مسيرة عقدين، سعت خلالها جميع مؤسسات الدولة من أجل تثبيت ما أعلنه رصاص الشرطة في اكتوبر الدامي، حين اردى ثلاثة عشر مواطنًا مسالمًا، من دون أن يحاسب أحد على ارتكابه تلك الجريمة الكبرى.

ستبقى مواجهة هذا القانون مهمة معقدة ومصيرية، لكنها ليست المهمة الوحيدة الماثلة أمام مجتمعنا وقياداته؛ فخارطة الدم في مواقعنا، كما نقرأ عنها كل صباح، مقلقة ومخيفة.

تعيش معظم القرى والمدن حالة من التوتر والغليان، فنحن على أعتاب اجراء انتخابات السلطات المحلية والبلدية. انه موسم الغضب. تنتشر اخبار الاشتباكات الحمائلية كانتشار الحشرات في مواسم الحصاد ، وتغطي أنباء سقوط القتلى والجرحى عناوين المواقع بشيء من الروتينية المستفزة. ساحات بعض المدارس تحوّلت الى ميادين للقتال وللاعتداءات على طواقم التدريس وعلى الطلاب.

فمن لم يحزن قبل أيام لسماع أخبار طعن عدد من طلاب إحدى مدارس قرية "جلجولية" في شجار عنيف، ونقلهم إلى المشافي؟ وجلجولية الجميلة ليست ضحية يتيمة لهذا المشهد الدامي.

قد يلومني البعض على سوداوية ما أكتب، لكنني "ابن لغتي" وهي التي علمتني أن الحكمة في "أمر مبكياتك لا في أمر مضحكاتك".

"لم يكن ذلك مجرد اعتداء علينا، بل كانت محاولة لقتلنا" هكذا أنهى الطالب المصاب "اسلام" كلامه للصحافة الاسرائيلية، مؤكدًا ما نقوله دومًا؛ فقصور إسرائيل في معاقبة المجرمين، وسياستها العنصرية الرسمية ستبقى المسؤولة الأولى عن معظم دماء الأبرياء المسفوكة في قرانا ومدننا؛ ولكننا في المقابل لن نعفي أنفسنا، اذ سنبقى نحن أيضًا مسؤولين عن حيوات ومستقبل أولادنا وعن مناعة قلاعنا واستعادتها.

فهل سيكون الثلاثون من أكتوبر الحالي محطة مفصلية مختلفة نبدأ منها مسيرة العودة الحقيقية نحو فجرنا الجديد؟

لننتظر حكمة الشجر في الخريف وهو يغوي المطر



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب هي على انجازات أسرى فلسطين
- في -الغفران- تبكي القدس فيصلها
- هل من بروكسيل سيأتي الخلاص؟
- حين كانت فلسطين محتلة!
- في فيينا او في كريات حاييم، الفاشية واحدة لا تلين
- من سيُسجن في سبيل العلَم؟
- البركة في مظاهرة تل أبيب
- إسرائيل والمسألة الدرزية
- قانون القومية اليهودية وصراعات القبائل العربية
- قانون القومية:-إسرائيل فوق الجميع-
- فلسطين دمعة التاريخ الحارة
- بين يسارهم ويسارنا
- فيليتسيا الفلسطينية
- القائمة المشتركة و- المثلية الجنسية- في الكنيست
- أسرى فلسطين الاداريون، إلى أين؟
- هل زهافا جلئون حليفة أم عدوة ؟
- قرار-عاجز-حكيم
- بين حيفا وغزة يمّ ومثقفون وحلم
- ماذا اذا كان قاضيك غريمك؟
- حيفا عيّافة الزبد وولّادة المنى


المزيد.....




- دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك ...
- مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
- بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن ...
- ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
- بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
- لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
- المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة ...
- بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
- مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن ...
- إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - الحكمة والوجع في دموع اكتوبر