أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عمر أبو رصاع - موضوع الرسالة: عبقرية طه حسين (9) خروجه من الجبة والقفطان















المزيد.....

موضوع الرسالة: عبقرية طه حسين (9) خروجه من الجبة والقفطان


عمر أبو رصاع

الحوار المتمدن-العدد: 1511 - 2006 / 4 / 5 - 12:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الدكتور طه حسين إذن هو أول من منحته الجامعة في مصر درجة الدكتورة ، أكان في مصر كلها ليلة إذ أشد منه فرحا ؟!
لكن مهلا شيء واحد كان يشغل ذهن طه حسين وقت إذ لم تشغله الفرحة عنه ، إنه وعد الجامعة إياه أن تبتعثه إلى فرنسا إذا نجح فعلا في الحصول على إجازة الدكتورة وأجاد اللغة الفرنسية ، وهاهو ينجز المطلوب وما ظل إلا أن تنجز الجامعة وعدها.

يوم موعود هو ذاك الذي ضرب له ليلقى الخديوي ، يومها تقبله أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد باشا فرحا بهذا الطالب النجيب الذي رأى فيه أحمد لطفي السيد ما كان يراه محمد عبده في سعد زغلول وقاسم أمين، فحفي به أيما حفاوة وضمه إليه مذكرا إياه " أمضي وأذكر أنك في أول الطريق".

أي طريق هو يا طه حسين ؟ أكنت ساعة إذ قد بلغت مبتغاك أم إزداد وعيك بضخامة ذلك البحر الذي لا ساحل له ؟

ألا زلت يا طه حسين تريد أن تغرق في ذلك البحر ؟
ألا زالت كلماتك تتردد في فضاء عقلك المبصر دون بصر ، فظللت راغبا في القضاء بمحراب العلم به ومن أجله ؟

ما كان أمر البعثة يسيرا إلا لأغنياء القوم القادرين على النفقة ، ما كان لطه حسين إبن الصعيد المصري الفقير إلى فرنسا سبيلا غير أن تبتعثه الجامعة ضمن بعثتها ، لكن تلك البعثة كانت قليلة العدد وتعتمد على الإختيار مما يصعب الأمر أكثر ، ولكن طه أعمل مع مجلس الجامعة مبدأ سد الذرائع ، وأي ذرائع تملكها لمنع أول الحاصلين على درجة الدكتوراة منها؟!

إستحق طه حسين البعثة فنالها إذن ، نالها بجده واجتهاده ، بالصبر والأناة في التحصيل ، ومما يذهل المرء وهو يقتفي أثره ويتسقط خبره ، أنه كان على طموحه رجل مبدء جريء الرأي حاد البصيرة مقبلا غير مكتر بالعاقبة إن كان مؤمنا بما هو مقبل عليه ، أدار ظهره للأزهر غير مكترثا بعالميته تلك ولا بالعامود الحلم الذي كان أباه يريده أن يستكين إليه ملقنا، ورغم ما نجم عن ذلك ما حفل طه لا بالوعد ولا بالوعيد ولا حتى بالخيبة التي خيمت من حوله لأنه عرف أن لكل موقف ثمن ، فقد إنحاز من البداية لخط التجديد إنحاز لخط دفع فيه ولا زال عباقرة الأمة من محمد عبده وليس انتهاء بنجيب محفوظ كل ما امكنهم ولقي واحدهم فيه أزيد مما يستطيع المرء احتماله، فقدر المبدع أن تكون حياته وسيرته وعذاباته قربانا وجسرا تعبر عليها الشعوب نحو النور.

دفع طه حسين ثمن عشقه للأدب في الأزهر كما دفع ثمن مقالاته النقدية التي أرسلها كالصواعق المنزلةعلى الأزهر مؤسسة ومشيخة ، وراح يستقبل العلم في الجامعة واثقا مقبلا ثابتا ، حتى جاز فيه ما جاز وحاز منه ما حاز فأدهش معاصريه وتقدم الصفوف ليكون لنا نحن العرب مثلما هي ماري كوري للغربيين ، معجزة التفوق على العاهة التي ابتلي بها الإنسان ، وتكريسا كما سبق وذكرنا لما قاله مصطفى كامل رمز الوطنية المصرية لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس . أن تكون أول من يحوز درجة الدكتورة من جامعة في بلدك هو عمل عظيم واستثنائي أما أن تكون أول من حازها كفيف البصر فذلك أدعى لوقفة اعجاب حقيقية ، لم يكتفي طه حسين بذلك بل كان من شأنه الكثير الكثير كما سنرى لاحقا ولعل أهم ما من شأنه هو ما تدين بها الأمة لرجل له فضل عظيم على مؤسسة التعليم وإعادة فتح التراث على مصراعيه للبحاثة بمنهاج العلم النقدية.

استقبل الخديوي طه حسين في الاسكندرية بعد أن حمل إليها ، سأله الخديوي عن نيته لما في قادم الأيام ، فرد طه حسين
- سأحاول السفر إلى فرنسا لأدرس الفلسفة أو التاريخ.
- إياك والفلسفة فإنها تفسد العقول ... بل وتفقد الذوق أيضا ... ستسافر إلى فرنسا ولكن لا لتدرس الفلسفة وعليك بالتاريخ فإنه علم عظيم.

كان للخبر وقع عظيم في نفس الفتى رغم امتعاظه من رأي الخديوي بالفلسفة ، كما كان للخبر أثر أعظم في نفس أسرته ، فوقع من أبيه موقع الزهو والفخار لما أحرزه طه ، فإذ به يقول للقوم

- لله في خلقه شؤون ، هذا الفتى أضعف بني وأخفهم علي حملا ، واقلهم نفقة. قد أتيح له ما لم يتح لإخوته الاقوياء المبصرين الذين كلفوني من النفقة ما أطيق وما لا أطيق. لم تتحدث الصحف عن أي منهم ولم يقابل الخديوي واحد منهم ، ولم يخطر لي ولا لواحد منهم أنه قد يسافر إلى أوربا كما سافر إليها أبناء الأغنياء. وكان قصارى ما تمنيته له أن يجلس إلى عامود في الأزهر ليلقي الدروس على بعض طلابه فإذا هو مسافر إلى باريس التي نسمع من أحاديثها الأعاجيب.

إلا أن فرحة طه حسين بالبعثة لم تشأ الأقدار لها أن تتم ، فقد حال دونها إعلان الحرب العالمية الذي جعل الجامعة توقف البعثة.

ثقل على طه الجلوس والانتظار بلا عمل ولا شاغل ، وما كان ليكتفي بما يختلف إليه من سماع لما يقرأ عليه بعض أصحابه ، جالسا عالة على معيل ، فقرر قطع ذلك بأي ثمن ، فتقدم بكتاب إلى مجلس الجامعة يسأله أن يستفيد بما أصابه من علم وبأنه مستعد لإعطاء دروس في تاريخ الأدب العربي بدون أجرحتى ينفع الطلبة بما تعلم وينتفع بتعليمهم.

أبت الجامعة عليه المجانية وشكرته إياها وأكبرتها منه ، وكلفت علوي باشا أن يقدر له المكافأة التي تلائم حاله وطاقة الجامعة.

جلس لعلوي باشا فبادره الأخير بأن اقترح عليه أن يشترط رسم يدفعه الطلبة لحضور درسه فيعاد عليه بذلك الرسم كما هو الحال في بعض الجامعات الألمانية أيامها ، لكن ذلك شق على طه إذ يشعره بأنه مدين مباشرة للطلبة، فقرر له علوي باشا راتبا مقداره خمس جنيهات شهريا، كانت على قلتها أكثر مما يقرر الأزهر لمشايخه.

مضى طه حسين مدرسا جامعيا وفي ذات وقته إنكب بنهم على دراسة الأدب الأندلسي ، حتى جاء موعد السفر إلى فرنسا بقرار عودة البعثة.

لتحمل الباخرة طه حسين مصطحبا معه أخاه في 14 نوفمبر/تشرين ثاني عام 1914 إلى فرنسا ، و بينا كان ركاب الباخرة أصفهان منشغلين بخطوب البحر كان طه حسين منشغلا بحدث شخصي طال أجله حتى أنه تأخر بإحداثه أزيد مما يلزمه ، فقد كان لا يزال حتى اللحظة يرتدي جبة وقفطانا ، ورغم أنه هجر الأزهر منذ زمن ونال درجة الدكتوراة من الجامعة بل واختلف إليها مدرسا وإلتحق بالصحافة كاتبا وبالمطربشين صحبة ، لكنه ما زال بهما حتى ركوبه البحر إلى فرنسا ، وهنا وجد طه أنه لا بد مما ليس منه بد ، فأنفذ في زيه ذلك التغيير ليس فقط لما ذكرناه وحسب بل أيضا لأن هذا الزي سيبدو غريبا غير متسق مع ما يألفه الذوق في المصر الذي يسعى إليه طالبا العلم ، وليس من الحكمة أن يختلف لبيئة بزي يشذ فيها عن الذوق السائد وإلا كان شاذا نشازا ، وأخال أن من لا يريد أن يبارح زي بعينه لأي غرض فالأولى به أن لا يبارح المكان الذي هيئ له ذلك الزي . وصلت الباخرة بهم أخيرا إلى مدينة مونبليه حيث هم مأمورون بطلب العلم عامهم الأول ليضع طه حسين قدمه على أرض أوربا ولتبدأ به مغامرة عقل جديدة. – يتبع -

ملحوظة : بعد أن ننتهي من سرد السيرة الذاتية للدكتور طه حسين سنقدم بمقدمة نقدية لكتابه الذي نراه أكثر كتبه إثارة للجدل وأهمها على الصعيد التأسيسي لمعقولية جديدة للتراث بعامة وللتراث الأدبي خاصة ألا وهو كتابه "إنتحال الشعر الجاهلي" كما سنتبعه بملخص لنص قرار النيابة في قضية كتابه هذا وتعليقنا عليه.



#عمر_أبو_رصاع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبقرية طه حسين (8) أول من منحته الجامعة درجة الدكتوراة
- عبقرية طه حسين (7) كيف أصابت الثورة طه حسين
- عبقرية طه حسين (6) سقوطه في العالمية وانحيازه للجامعة
- عبقرية طه حسين (5) ثورة طه حسين على الأزهر
- عبقرية طه حسين (4) طه حسين طالب الأزهر
- عبقرية طه حسين (3) وحيدا مهملا بلا أنيس أو خليل
- عبقرية طه حسين (2) الألفية وما أدراك ما الألفية
- عبقرية طه حسين (1) لماذا يهاجمون طه حسين؟
- مبدعٌ متبعٌ معاً
- فلسطين إلى أين؟
- مصر والنهضة
- حمدي قنديل ضيفا
- يسقط فقه الذكرية
- بين العلمانية والمكفرة
- عمان يا حبيبتي
- كم اندلس ضائع نحتاج؟
- هل نتجه نحو دولة ديموقراطية لكنها شمولية قمعية ؟
- إغتيال الحريري والإنسحاب السوري
- حتى يرجع اللحن عراقيا
- مزابل التاريخ تنتظركم


المزيد.....




- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عمر أبو رصاع - موضوع الرسالة: عبقرية طه حسين (9) خروجه من الجبة والقفطان