|
قراءة في كتاب الإمام الحسني البغدادي – مقاربات في سسيولوجيا الدّين والتديّن ( التاريخ والسياسة )
علي صاحب
الحوار المتمدن-العدد: 6012 - 2018 / 10 / 3 - 03:37
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
شَهِدَ العراق بعد تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وانتخابا الأمير فيصل بن الحسين ملكاً في شهر آب/ أغسطس من العام نفسه، حراكاً سياسياً وثقافياً ودينياً، فتح أمام العراقيين آفاقاً جديدة وواسعة بعد العزلة التي عاشها أبان سيطرة الدولة العثمانية على العراق لفترة استمرت أكثر من ثلاثة قرون. ولأهمية تلك الحقبة التاريخية، وما رافقها من أحداث وصراعات استندت على تعاليم الدين ومفسريه تارة، وعلى الأيدلوجيات السياسة تارة أخرى، وعلى تقاطع فتاوى رجال الدين وأفكار رجال السياسة تارة ثالثة، والتي ينبغي للأجيال أن تطلّع عليها. فقد قدّم العديد من الكتّاب مؤلفات تحدثت عن تلك الفترة. ومَن أفضل من مؤلف قدم لنا الموضوع كشاهدٍ على العصر - بعد أن رأى تلك الأحداث بأم عينه وخاض غمار صراعاتها – بكتاب عنوانه ( الإمام الحسن البغدادي مقاربات في سسيولوجيا الدّين والتّديّن ( التاريخ والسياسة ) ) للدكتور عبد الحسين شعبان والذي صدر عن دار إحياء تراث الإمام البغدادي في النجف الاشرف. ويتألف الكتاب من مقدمة وسبعة أقسام وخاتمة على مدى مائتان وسبعون صفحة، تلاها مقتطفات من كتاب ( وجوب النهضة ) للإمام الحسيني البغدادي، وترجمة استلها الناشر من كراس نُشر في لبنان لحياة مؤلف الكتاب بمناسبة تكريمه في بيروت آذار / مارس 2017. ويُفهم من مقدمة الكتاب التي شُبهت بالتمهيد وقدمها المؤلف كإهداء الى طبيبين من عائلة آل شعبان أهتما بصحة السيد الحسني البغدادي، أن المؤلف يدعو الى مطالعة التاريخ من زواياه المختلفة وما تخلله من إرهاصات وتناحرات وثورات من خلال النقد والنقد الذاتي، لاستخلاص العبر والدروس ولاستنتاج نماذج وأفكار جديدة أكثر ملائمة وإنسانية " إذا ما توخيا تحقيق السلام المجتمعي والاعتراف بالآخر وحقه في التعبير .. بدلاً من استخدام العنف والإرهاب لاستئصال الآخر المختلف " كما يقول المؤلف. ومن هنا – قراءة التاريخ العراقي من خلال النقد والنقد الذاتي – ينطلق المؤلف عبر صفحات كتابه ليعيد قراءة الأمور التاريخية التي حدثت في خمسينيات القرن الماضي وما تلاها من أحداث في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين بأسلوب سردي تتخلله بعض الأسماء والشواهد التي سجلها التاريخ، كفتوى السيد محسن الحكيم بتحريمه الشيوعية عام 1960، و فتوى الجهاد الكفائي للسيد علي السيستاني سنة 2014. ففي القسم الأول من الكتاب تكلّم شعبان عن الاختلاف بين الدين والتديّن وعلاقة كل منهما مع العقل البشري، يقول شعبان: " أن الدّين هو مجموعة من القيم والمعتقدات والطقوس التي تحدد علاقة الانسان بالمقدس، سواء كانت إلهية منزّلة أم اكتسبت قدسية رمزية عليا " في حين " إن التديّن هو مجموعة ممارسات وشعائر لتطبيق تعاليم الدين يقوم بها المؤمنون وغير المؤمنون لاندغامها في العادات والتقاليد الاجتماعية " ( ص 35 ). وعليه نجد أن البشر يفكرون بالدين والتدين كلاً حسب تفكيره وفهمه، وكل منهم يعتقد أن طريقه هو الأمثل. ولهذا يلاحظ شعبان أن الحركات السياسية القومية واليسارية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية فشلت في التوليف بين الأفكار القومية والماركسية من جهة، والإسلام من جهة أخرى لعدة أسباب منها ما يتعلق بالموقف من حرية التعبير والضمير والمجموعات الثقافية. وأعتقد شعبان أيضاً، أن أية حركة سياسية لا يمكنها النجاح وتحقيق أهدافها إذا وقفت من الدين موقفاً سلبياً، وهو ما تكلم عنه شعبان بإسهاب في موضوعي ( الماركسية والدين ) و ( ليس شيوعياً من يعادي الدين ) من القسم الثالث للكتاب، مصرحاً فيه دون خوف " إن من يعادي الدين ليس شيوعيا، وليس ماركسياً، وليس ثورياً ". أن اختيار شعبان لـ ( آية الله السيد الحسني البغدادي ) كنقطة للانطلاق للحديث عن مرحلة من تاريخ العراق أمتزج فيها الدين بالسياسة، فسُيس رجال الدين، وتقرب رجال السياسة من علماء الدين، لصلابة موقفه وشجاعة رأيه ووضوحه في التعبير، كما يصفه المؤلف. حيث يعتبر السيد البغدادي واحداً من رجال الدين الذين أعطوا السياسة حيزا كبيرا في مناظراتهم، على الرغم من الانفصال بين حقلي الدين والسياسة. فمواقفه الراديكالية وجذّريته السياسية كانت متواصلة ومتصاعدة، خصوصاً إزاء القضايا المصيرية التي تهمّ الأمتين العربية والإسلامية. مثل وقوفه مع حركة المشروطة ضد المستبدة، وتنديده بالموقف الرسمي للنظام الملكي بشأن العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، والذي قال عنه في برقية – ذكرها شعبان في الكتاب – وجهها السيد البغدادي للحكومية العراقية آنذاك " إن الموقف المتفرج تجاه العدوان الثلاثي المسلّح على مصر مخالف للشريعة الإسلامية ". ويتوقف شعبان في القسم الخامس من الكتاب والذي حمل عنوان ( تحريم الشيوعية ) عند الفتاوى التي صدرت من مراجع الدين الشيعي الكبار مثل السيد محسن الحكيم ( والذي كان يعتبر زعيم الطائفة الشيعية )، وعبد الكريم الجزائري، ومرتضى آل ياسين،في النجف الاشرف لتحريم الشيوعية عام 1960. إضافة الى فتاوى مماثلة أصدرها رجالات الدين السنة مثل نجم الدين الواعظ، ومفتي بغداد الشيخ قاسم القيسي. تلك الفتاوى التي أثارت احتكاكات في الشارع وتقاطعات حادة وأحداثا صاخبة، بسبب تغلغل الشيوعيين في الأوساط الشعبية، بل إن أسماء عشرات الشيوعيين كانوا من العوائل الدينية الكبيرة من آل الحكيم والخرسان والرفيعي والصرّاف وشعبان. وتحدث شعبان أيضاً عن الفتوى كيف استُغلت لإصدار بيان 13 و إعدام عشرات الضباط الشيوعيين مثل حسن سريع عام 1963، والذي قال قبيل إعدامه: السجن لي مرتبةٌ والقيدُ لي خلخال والمشنقة يا فهد أرجوحه الأبطال وزج المئات من المنتمين الى الحزب الشيوعي في السجون. ويذكر شعبان إن السيد الحسن البغدادي رفض بعناد وإصرار، إصدار فتوى لتحريم الشيوعية، معزياً ذلك الى " أن هذه الفتاوى سيكون ضحيتها الأولى والأخيرة شيعة العراق "، خاصة بعد ما شاهد بأم عينه كيف استغلت فتوى السيد الحكيم عام 1963. ورغم ذلك كان قد أصدر ( رأياً ) حول الشيوعية عام 1964 قيل عنها إنها صدرت كحيطة وتحذير، مع ضرورة التفريق بين الشيوعيين القياديين المؤمنين بالإلحاد وبين باقي القواعد البسيطة. وفي أطار فتاوى المراجع في النجف الاشرف، فقد كتب شعبان عن فتوى السيد علي السيستاني التي أطلقها بعد احتلال داعش للموصل عام 2014، والتي سميت بفتوى الجهاد الكفائي، في القسم السابع والأخير من الكتاب والذي كان بعنوان ( عن فكرة الجهاد ) والذي ضم صفحات تحدثت عن فرض الجهاد ودور الحسني البغدادي في تبني فكرة " الجهاد الدفاعي " في كتاب أطلق عليه أسم ( وجوب النهضة )، والذي أدرج شعبان بعضا من صفحاته كملحق في كتابه، الذي ختمه ببعض الصور للمرجع السيد الحسني البغدادي. حاول المفكر والأكاديمي والموسوعي الدكتور عبد الحسين شعبان تقديم فصل من فصول تاريخ الحركة اليسارية في العراق الحديث نقلاً ونقداً وتحليلاً والذي أجاد فيه، في كتابه القيّم الذي أوصي بقراءته قراءة متأنية، لأنه ضم بين صفحاته كثير من المعلومات والتي وثّقها المؤلف بالأسماء والسنين والأماكن.
#علي_صاحب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعوة للإفراج عن المعتقلين من المتظاهرين
-
تظاهرات جمعة الكرامة
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|