أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - علي مزهر - أمريكا وحق التضحية بالآخر: من الهنود الحمر إلى العراق















المزيد.....

أمريكا وحق التضحية بالآخر: من الهنود الحمر إلى العراق


علي مزهر

الحوار المتمدن-العدد: 428 - 2003 / 3 / 18 - 02:32
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    




 http://www.nisabaonline.com
عبد الكريم قاسم زعيم العراق المغدور والذي يحيا في قلوب أغلب العراقيين رغم مرور أكثر من أربعين عاماً على غيابه في مياه عميقة تتغلغل مع كل ورقة عشب ونخلة من أرض العراق.  الزعيم كان  ضحية أول تغيير تقوم به أمريكا للحكومات العراقية في تأريخها، كما جاء في مقال نشر في النيويورك تايمز أمس بقلم روجير موريس. الخبر معروف لنا جميعاً والقطار الأمريكي الشهير قد توقف في بغداد. ملخص المقال أن وكالة المخابرات المركزية هي التي جاءت بالبعثيين إلى السلطة في عام 1963، وكانت متحالفة معهم، وكان لا بد لهم أن يمروا على جثة الزعيم لأنه لم يكن سوى الشوكة الأخرى التي لم تستطع بريطانيا وأمريكا ابتلاعها بعد أن ثبت لهم أن الرجل ليس عميلاً من عملائهم ولا يمكن شراؤه، بل هو الذي أطاح بعملائهم وأعلن أنه عراقي إلى العظم. يستمر المقال في القول إن تغيير السلطة في العراق، كان نمطاً أمريكياً متكرر الحدوث وسياسة ثابتة ولا يختص بالرئيس جورج بوش( أي أن المسألة هنا ليست مسألة أسلحة دمار شامل أو خرق قرارات الأمم المتحدة أو حقوق إنسان منتهكة ). ولكن بعد محاولة اغتيال الزعيم وقبل انقلاب 1963 حاولت المخابرات المركزية الأمريكية مدعومة من إسرائيل وبريطانيا أن تغتال عبد الكريم قاسم ف:
 
" " لجنة التغيير الصحي"( هكذا وردت ) كما كان يطلق عليها تكتيكياً، أرسلت إلى قاسم منديلاُ مسموماً معلّماً بعلامة تدل على أنه من شخص حميم، ولأن الهدية القاتلة إما لكونها عديمة التأثير أو لم تصل إلى ضحيتها"          ( روجيرموريس نيويورك تايمز آذار 14 في 2003)
 
فلم تتم عملية الاغتيال. فتبعها انقلاب 1963 ونهاية القصة المعروفة كانت بداية الكارثة التي يعاني منها العراقيون إلى هذه اللحظة. تبادر إلى ذهني فوراً التلازم بين مفردة الهدية الإنجليزية وبين اللفظ الألماني للكلمة والتي تعني سمّاً. لم يساعدني القاموس في الربط بين الكلمة الإنجليزية التي مصدرها إنجليزية وسيطة وبين الكلمة الألمانية، ولكن أغلب الكلمات هي إما ذات أصل لاتيني أو تشترك في الأقل بنفس الأصول ، واللغة الإنجليزية تنتمي إلى عائلة اللغات الانجلوسكسونية . مع ذلك من المعروف أن القتل بالسم والدسائس كانت علامة مميّزة من علامات العصور الوسطى وما بعدها، ربما نجد إشارات كثيرة للسم عند شكسبير وخاصة في هاملت (1601 ميلادية) ، حيث يُقتل هاملت الأب بالسم ثم يتجرّع الأخ القاتل والملكة زوجته كأس السم المقرر أن يتجرعه هاملت والأخير وليرتيس يموتان بذات السيف المسموم بعد أن تبادلاه في مبارزة معدّة لقتل هاملت بالسمّ .
 
 
 
في نفس الفترة الزمنية كان اكتشاف " العالم الجديد" والسيطرة عليه جزءاً من المشاريع الكولنيالية التي كانت تقودها قوى العالم حينذاك. وصل الكولونياليون الأوائل والذين يطلق عليهم في الخطاب الرسمي الأمريكي "بالآباء المؤسسين"، ويسمّيهم منير العكش "الحجّاج الإنجليز" في كتابه" حق التضحية بالآخر أمريكا و الإبادات الجماعية"( دار رياض نجيب الريّس 2002)، وصل الحجاج الإنجليز إلى القارة المأهولة-البكر" أرض كنعان الجديدة" مدججين بالجراثيم في أقذر حرب جرثومية تم في نهايتها محو 400 ثقافة متنوعة وغنية و تصفية 112 مليون هندي أحمر، لم يبق منهم في الوقت الحالي سوى ربع مليون، يعيش أغلبهم في محميات. ويطلق عليهم العكش في مكان آخر بالزنابير لما لهم من تأثير قاتل على القبائل الهندية.  كان قتل الزعماء الهنود ورعاياهم  يتم عن طريق إرسال الهدايا المسمومة والبطانيات الملوّثة بالجدري وغيرها من الأوبئة، وخاصة أولئك الذين لا يريدون التفريط بأرضهم أو حقوق شعوبهم، كما في حال الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم في ربيعه المحزن. لم تكن تلك مصادفة، أي أن هذه الهدية المسمومة التي عبرت كل تلك السنوات لكي تعود إلى حيّز الفعل والدسيسة، هي جزء من حق المتحضرين في التضحية بالآخر كما يقول العكش، أما الهنود الذي قتلوا بوحشية،  نتيجة " العامل الطبيعي" أي الحرب البايولوجية، فهم جزء من " الأضرار الهامشية" التي تواكب تقدم الحضارة والحروب التي تقوم بشنّها و" مهمة أوكل الله بها إلى الأمريكان دون غيرهم من البشر".
 
" وكان هنود الناراغاسنستس.. قد شكّوا منذ عام 1633 بأن تكون العناية الإلهية أو " العامل الطبيعي" وراء هذه الحرب الجرثومية التي حصدت أرواح 700 إنسان منهم بعد أن تلقوا هدايا ارتابوا في أنها مسمومة بجراثيم الجدري"(ص 46).
 
 ليس سياق الحرب القادمة/المستمرة/القديمة خارجاً عن هذا السياق التاريخي الذي بزغت فيه فكرة أمريكا. وما حرب الخليج الأولى إلاَ تجلياً مهماً من تجليات هذه المهمة، دون أن ننسى الجروح التاريخية في فيتنام وكوريا وهيروشيما وغيرها. يتم، كما يقول كريس هيجس( وهو مراسل حربي أُسر في حرب الخليج الأولى) في مقابلة تليفزيونية، تبرير قتل الآخر من طريق نزع الصفة الإنسانية عنه و حيونته وإعلانه متوحشاً، وهو ما حدث عند وصول الحجاج، وكانوا يطلقون على الهنود تسمية الشعب اللطيف المسالم بعد أن قابلهم الهنود بكرم بالغ، ولكنهم بعد أن استتبوا في الأرض صاروا يسمونهم الشعب المتوحش، وقابلوهم بالجحود ، بل بالابادة.  في حرب الخليج الأولى
 
 . " ... كانت الفرقة الجوية القتالية السابعة والسبعون قد أنتجت ووزعت كتاب أناشيد تصف فيه ما ستفعله في " الخليج"، وتنذر هذا " المتوحش القميء" .." خدن الأفاعي" بأن يستعد للإبادة فيما ينتهي أحد هذه الأناشيد بخاتمة تقول: " الله يخلق أما نحن فنحرق الجثث" ...والكتاب كما يصفه كريستوفر هيتشنس في مجلة ذي نيشن خليط من السادية والفحش. ومعظمه تشنيع وتشهير وشتائم بذيئة للعرب والمسلمين باعتبار أنهم أعراق منحطة و " حشرات" وجرذان" و" أفاع" وهي بذاءات مقتبسة بالتأكيد من كتاب " حياة محمد..." لجورج بوش ( الجد الأكبر 1796-1859) الذي يضم أشنع ما كتب عن العرب والمسلمين والنبي محمد في الولايات المتحدة. وقد اعترف نورمن شوارزكوف في عدة مقابلات تليفزيونية أنه كان يريدها معركة فناء".( ص ص 95-96).
 
إن أفكار جورج بوش الجد ليست بعيدة عن أفكار بوش الأب الذي ردد هذه المعاني في حرب الخليج الأولى ولا عن جورج بوش الحفيد الذي تماهى مع إسرائيل تماماً طبقاً لوصية جده الذي قال " " ما لم يتم تدمير إمبراطورية السارزان(المسلمين) فلن يتم تمجيد الرب بعودة اليهود إلى وطن آبائهم وأجدادهم " . " جورج بوش في كتابه " حياة محمد" ، 1831" (ص 149). لم يكن هذا التاريخ جزءاً من التأريخ الرسمي الذي نقرأه في الكتب المدرسية والسائدة، ولقد بذل الأستاذ منير العكش جهوداً كبيرة ليضع الأحداث في سياق منسجم تفتقد إليه تلك التبريرات اللامنطقية التي تملأ تلك الكتب. إن التوازي و التماهي بين حكومة يمين شارون وبوش يجد تفسيره المنطقي ليس في اخضاع الشرق الأوسط والسيطرة على منابع النفط فحسب بل لأن يهودية الحجاج الأوائل وأحفادهم
 
 " هي التي أرست الثوابت الخمسة التي رافقت التاريخ الأمريكي في كل محطاته من بليموث إلى جيكور:
المعنى الإسرائيلي لأمريكا،
عقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي والثقافي،
الدور الخلاصي للعالم،
قدرية التوسع اللانهائي،
حق التضحية بالآخر" ( المقدمة ص 11).
 
كانت حرب الخليج الأولى ميداناً لصب الحقد والكراهية على العراقيين من خلال عمليات قتل غير ضرورية وتدمير بنى العراق التحتية في حرب لم تراع فيها قوانين الحرب وأتاحت لنا أن نرى التجلي الكبير لمبدأ حق التضحية بالآخر.
 
 " ...في فبراير 1991 كانت الطائرات تطلق النار على طوابير العراقيين المنسحبين إلى البصرة. وفي خبر على متن ... قال أحد الطيارين:" لقد كنا نزجي الوقت في صيد طيور التركي". وقال آخر:" لقد تسلينا. كان قتلهم أشبه بصيد السمك من البراميل" ( ص 91).
 
 والآن يبدو أن أم القنابل( لاحظ التناص مع أم المعارك) ستتكفل بالأهداف التي لم تُصَبْ في الحرب، لكي يكون للشركات الأمريكية حصة الأسد في تعمير العراق لأن نفطه سيكون بيد الأمريكان أمانة(انظر سياسة الشعرية الأمريكية). إن الزنابير التي امتصت الهنود خلال القرون الخمسة الماضية ستمتص من العراق ما تبقى بعد القصف والحصار والتجويع والقمع والقتل والاضطهاد، ستمتص مستقبل شعب نصفه دون الخامسة عشرة من العمر. وسوف يعطوننا دمية-قراطية نتلهى بها.
 
 
هامش: كان لهذا المقال أن يكون وفياً لعرض كتاب منير العكش  الذي نشر قسم منه في مجلة الكرمل  لولا مقال نيويورك تايمز  الذي ساهم في إخراج المقال على أمل أن أعود إلى كتاب العكش في مناسبة أخرى. هل ثمة حاجة لذكر تصريح جورج بوش لخطة خارطة الطريق لدفع تهمة تروج حول دور اليهود في هذه الحرب (بول ولفوفيتز وريتشارد بيرل والمتصهينين من إدارة بوش أمثال تشيني ورمسفيلد تمثيلاً لاحصراً) ومحاولة تمرير هذه الكذبة الساذجة التي اسمها دور أمريكا في سلام الشرق الأوسط علينا.
14-آذار 2003
 




#علي_مزهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعرية السياسة الأمريكية


المزيد.....




- مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
- السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون- ...
- مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله ...
- اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب ...
- محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
- مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
- من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
- خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال ...
- هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
- قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - علي مزهر - أمريكا وحق التضحية بالآخر: من الهنود الحمر إلى العراق