|
أرجوحة التنمية في العراق بين أرث الماضي وتطلعات المستقبل : ملخص كتاب الدكتور كامل كاظم الكناني .
علي عبد الرحيم العبودي
باحث عراقي مختص في الاقتصاد السياسي
الحوار المتمدن-العدد: 6008 - 2018 / 9 / 29 - 22:29
المحور:
الادارة و الاقتصاد
أرجوحة التنمية في العراق بين أرث الماضي وتطلعات المستقبل : ملخص كتاب الدكتور كامل كاظم الكناني . المقدمة : عانى وما يزال الاقتصاد العراقي ، من نتائج انخراط عقد الإدارة المركزية في عقد النظام الاسبق دون أن تحل محلها آليات نظام اقتصادي جديد ، واضح المعالم بعد تغيير النظام السياسي في 9 نيسان 2003 ، على الرغم من التأكيد السياسي في أعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس الحرية الاقتصادية وسياسة السوق ( اعتماداً على وثيقة دستور 2005 ) بعد عقود من التطبيق الاقتصادي القائم على الملكية العامة لوسائل الانتاج وحالة من التذبذب في الدور المعطى للقطاع الخاص . إن عدم وضوح المنهج الاقتصادي المعتمد ، افقد العراق السياسة الاقتصادية الواضحة للتعامل مع كل هذا الأرث من مرحلة سابقة تمدد لأكثر من نحو نصف قرن من الزمن في تخبط سياسي – اقتصادي لم نفقد فيها التبذير في الموارد والإمكانات والجهود فحسب وإنما خسرنا الزمن ايضاً ، حيث غلب فيه الاضطرابات السياسية على النهج الاقتصادي السليم ، هذا التخبط والضياع في متاهات الصراع السياسي افرز لنا نظام اقتصادي متخلف مع اقرب الدول بما في ذلك الدول المجاورة للعراق . يتألف هذا الكتاب الصادر في عم 2013 من ثلاث فصول يتناول الفصل الأول ؛ الحقبة التاريخية للعراق منذ تأسيس الدولة القومية عام 1922 ، بينما يركز الفصل الثاني على تأرجح التنمية والمنهج المعتمد في التحول الاقتصادي ، إما الفصل الثالث فيعالج منهجية التحول الاقتصادي وأنماط التنمية المنشودة . وسوف استعرض التلخيص المبسط لكل فصل من هذا الكتاب بعد الاطلاع عليه بشكل دقيق ومركز ، ارتأيت أن الخصهُ لأهميته بالارتقاء التنموي للعراق .
الفصل الأول : أرث الماضي (1921 – 2003) . ويحتوي هذا الفصل على ثلاث مراحل للتبع التاريخي : المرحلة الأولى – تغير المسار التنموي في ظل التقلبات السياسية : وتبدأ من عام 1921 إلى 1980م ، إذ شهدت هذه المرحلة حالة مخاض شديدة ومعقدة لمجموعة من الاحداث السياسية ذات الطابع العسكري ، وبخاصة بعد ثورة العشرين في حالة للتخلص من الانتداب البريطاني على العراق . إذ الظروف السياسية غير المستقرة في هذه المرحلة انعكست على عدم وجود برامج اقتصادية واضحة المعالم ؛ وذلك بسبب قصر عُمر تلك الحكومات التي لم يتجاوز عمرها بين السنة والسنتين ، هذه الظروف اثرت على طبيعة النشاطات الاقتصادية التي كانت حينذاك تتركز على النشاط الزراعي بشكل كبير الذي يتسم بأساليب انتاجية قديمة ، فضلا عن الانخفاض الواضح في انتاجية الارض الزراعية مع انتشار الفقر والبؤس بين القوى العاملة من الفلاحين الذين يعملون لصالح الاقطاعيين وكبار مالكي الاراضي . ويمكن تلخيص اهم خصائص هذه المرحلة بالاتي : 1- إن معظم الناتج المحلي الاجمالي كان يتولد من القطاع الزراعي حتى بداية الخمسينيات ، إذ بلغ اسهام هذا القطاع نحو 29% من الناتج المحلي الاجمالي عام 1953 . 2- استحواذ القطاع الزراعي على نسبة كبيرة من القوى العاملة ، إذ إن معظم سكان العراق كانوا من الريف ويمارسون النشاط الزراعي . 3- تميزت معظم الصناعات القائمة بالأنماط الحرفية البسيطة ومحدودية المصانع والآلات الحديثة ، وتركزت نسبياً في مدن بغداد والبصرة والموصل . كان لاكتشاف النفط (البترول) عام 1929 نقطة البداية في تغيير هيكل الاقتصاد الوطني العراقي ، وخاصة بعد عمليات الانتاج والتصدير عام 1934 مما أدى إلى زيادة الواردات للدخل القومي للعراق . وبعد تغير النظام السياسي في العراق في ثورة عام 1958 ونتيجتاً لها تحول النظام السياسي من نظام ملكي إلى نظام جمهوري ، وعلى وفق ذلك ظهرت ملامح سياسية واقتصادية مُغايرة تماماً عما كانت عليه في الماضي ، هذه السياسة الاقتصادية قد حددت هدفين اساسيين ؛ الأول- يتعلق بالدور المهم الذي يضطلع به القطاع العام ودورة في التنمية الاقتصادية للبلاد ، والثاني – هو الاعتماد على التخطيط المركزي الشامل للاقتصاد العراقي . وخلال هذه المرحلة هيمن القطاع العام والتخطيط المركزي على الاقتصاد الوطني , واتخذت اجراءات ذات تأثير مباشر على هيكلية الاقتصاد الوطني ومسارات التنمية فيه وهي : أولاً- صدور قانون الإصلاح الزراعي رقم (30) لعام 1958 ، وقانون رقم (117) لعام 1970 . وبذلك انتهى هذين القانونين النظام الاقطاعي أو شبة الاقطاعي . ثانيا- صدور قرار التأميم عام 1964 لنحو (30) مؤسسة خاصة صناعية وتجارية وشركات تأمين انعكست بشكل ايجابي على الاقتصاد الوطني وقتذاك . ثالثاً- التعامل مع الشركات الأجنبية المهيمنة على استخراج وتصدير النفط ، وذلك من خلال قرارين مهمين ؛ اولهما – انتزاع امتيازات الكارتل النفطي (احتكار الشركات النفطية) في الارض العراقية ، والثاني - تأميم شركات النفط الاجنبي في العراق . هذه الاحداث والقرارات قد أدت إلى فاعلية القطاع العام ولعبه الدور الرئيس في الاقتصاد واضمحلال دور القطاع الخاص الذي كان مسيطر على الاقتصاد الوطني . المرحلة الثانية – إجهاض العمل التنموي بين اقتصاد الحرب ومحدودية مصادر التمويل : وتمدد من عام 1980 إلى 2003، إذ خاض العراق منذ مطلع الثمانينيات حرباً ، استمرت ثمانٍ سنوات جند فيها كل امكانياته المادية والبشرية بين عامي (1980 – 1988) ولم يكاد ينهض بعد توقف الحرب في عام 1988 حتى دخل حربا ثانية في اجتياح العراق للكويت عام 1990 لتعطل حركة الاقتصاد الوطني من جديد وعلى جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ومما زاد من الامر سوءاً الحصر الذي فرض على العراق من قبل مجلس الأمن الدولي بتاريخ 6/8/1990 ، وشمل كل نواحي الحياة بما فيها الدواء والغذاء . وعلى وفق ذلك قسمت هذا المرحلة على حقبتين . 1- حقبة الثمانينيات (1980 – 1989) : يمكن تسمية الاقتصاد العراقي في هذه الحقبة بــ(اقتصاد حرب) وهذا بأهتمام الاقتصاد وتكريسة للإنفاق العسكري . بدأت ملامح اقتصاد الحرب في العراق مع بداية عام 1980 عندما دخل البلد في أتون حرب لا طائل من ورائها مع إيران استمرت حتى عام 1988 ، إذ استنزفه هذه الحرب كل الطاقات والأموال داخل الوطن ، حيث تم توجيه معظم الموارد المالية نحو الإنفاق العسكري من جهة والاستمرار في سد الاحتياجات الاساسية للمواطنين من جهة اخرى ، إذ سجلت نسبة الإنفاق العسكري إلى اجمالي الدخل القومي خلال المدة (1980 – 1990) مابين (55% - 79%) مما أدى إلى ضعف عملية التنمية داخل العراق ، هذا إضافة إلى المديونية (اقتراض خارجي، وخسائر بشرية) . إن الانخفاض الحاد في الرصيد الاجنبي للدولة العراقية جعلها أمام موقف المضطر للاقتراض الخارجي والبحث عن مصادر الائتمان الاجنبي والدعم المالي لتغطية متطلبات هذه الحرب وتداعياتها ، إذ اقترض العراق من دول الخليج ، ومؤسسات وبنوك عربية ، والاتحاد السوفيتي السابق ، وشركات خاصة حوالي (87 مليار دولار) هذا ما جعل العراق في ضيقة شديدة . 2- حقبة التسعينيات (1990 – 2003) : في مطلع التسعينات 2 آب/أغسطس 1990 قام الجيش العراقي باجتياح الكويت أثر خلافات حول الوعود التي قطعت من قبل دول الخليج في مساعدة العراق لتجاوز أزمته المالية بعد انتهاء حربة مع إيران وتكبله بالمديونية الخارجية . مما عرض العراق إلى عقوبات اقتصادية وعدوان امريكي مع دول متحالفة معها ومن ضمنها دول خليجية ، وبهذا اجبر العراق على العمل في ظل نموذج اقتصادي يقترب من الاقتصاد المغلق . وبعد رفض العراق من الانسحاب الفوري من الكويت ، قامت القوات الامريكية في ليلة 17/1/1991، وبدافع مصالحها في منطقة الخليج العربي بالتحالف مع ثلاثين دولة بتوجيه ضربة عسكرية إلى العراق الحقت الخراب والدمار بالبنى التحتية الصناعية والخدمية ، شُلت عجلة التنمية ، (ثم ارجاع العراق إلى عصر ما قبل الصناعة) . وبالرغم من قصر الحرب إلا انها قد شكلت اعباء ثقيلة على الاقتصاد العراقي ( من ايقاف تصدير النفط إلى صدمة الديون المتراكمة والتي تجاوز 60 مليار دولار امريكي) . إلا أن اخطر مجابهة للعراق والاقتصاد العراقي هو فرض الحصار عليه بشكل كامل من قبل مجلس الأمن الدولي . ونتيجة لذلك ، وصلت الحالة إلى تفاقم كبير في الفقر وتردي الوضع الصحي بنسبة مرتفعة ، مما أخطر فيه مجلس الأمن إلى اصدار القرار (986) في عام 1995 ، والذي جاء في مبرراته أنه ( تدبيراً مؤقتاً لتوفير الاحتياجات الإنسانية للشعب العراقي) ، ووفقاً لذلك سمح للعراق بتصدير ما قيمته (2) مليار دولار من النفط كل ستة اشهر من خلال اتفاق بينه وبين الأمم المتحدة ، والذي اطلق عليه تسمية ( برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء ) ، ثم زادت النسبة إلى (5.256) مليار دولار . وفي عام 1999 سمح للعراق بتصدير كميات النفط بدون قيد ، بشرط ان الايرادات الناجمة من النفط تودع في صندوق وحساب خاص بإسم (صندوق تنمية العراق) تحت اشراف لجنة العقوبات الدولية . المرحلة الثالثة – مرحلة ما بعد عام 2003 : بعد سقوط النظام السياسي بتاريخ 9/4/2003 ، سادة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الوطني العراقي ، ويعزى ذلك للفوضى السياسية التي اجتاحت البلاد بعد سقوط النظام القائم وتفكك المؤسسات الإدارية ، وهنا تمثل الاختلال في اختلال التوازن الاقتصادي العام بشقية الداخلي والخارجي . الاختلال الداخلي يبرز عبر اختلال الهيكل الإنتاجي (الناتج المحلي الأجمالي GDP) ، فضلا عن الاختلال النقدي والمالي . أما الاختلال الخارجي فيتمثل في هيكل التجارة (ميزان المدفوعات) ، بمعنى اخر مقارنة بين الصادرات والواردات للبلد ، فكان العراق يعاني من نقص في الصادرات وكثرة في الواردات ، أي الواردات الداخلة للبلد أكبر من الصادرات . ناهيك عن الفوضى السياسية التي أدت إلى تدهور الاقتصاد وانهياره وانتشار البطالة بشكل واسع ، وما صحابها من تدمير وتخريب واسع للبنية الرئيسية للاقتصاد الوطني وما نجم عن ذلك من انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات التضخم ، فضلاً عن تدهور سعر الصرف الدينار العراقي ، ناهيك عن التخلف التقني الذي يعاني منه البلد منذ عقود عدة ، هذا كله نعكس بطريقة مباشرة على انخفاض التنمية في العراق . الفصل الثاني : تأرجح التنمية بين التوجهات الجديدة والتحديات الاقتصادية القائمة . أولاً – التحولات الاقتصادية – رغبة في الإصلاح وتجاوز اخطاء الماضي . منذ عام 1958 ، سعت الحكومات العراقية المتعاقبة على تجذير الملكية العامة لوسائل الإنتاج عبر تعزيز دور مؤسسات الدولة كقطاع عام في إدارة وقيادة كافة العمليات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية داخل المجتمع العراقي ، لقد افرزت هذه السياسة قطاع عام مهيمن على مجمل فعاليات الاقتصاد الوطني ، ولم يترك لقطاع الخاص إلى الشيء القليل في بعض الجوانب التي تسمح بها هذه السياسة المتبعة . وتعاظم دور القطاع العام بعد تأميم عام 1964 لبعض المشاريع والفعاليات الصناعية ، وكذلك تأميم العمليات النفطية خلال عام 1972 ، والتي أدت إلى تقليص دور الاستثمار الخاص بفعل التخوف من قرارات جديدة تنسجم مع السياسة التي اتخذتها الدولة والتي ترجح هيمنة الدولة على الاقتصاد الوطني . وفي منصف الثمانينيات من القرن الماضي أجريت بعض المحاولات لإصلاح السياسة الاقتصادية المتبعة ومنها الاصلاح الزراعي عبر أعطاء فسحة للقطاع الخاص في الإدارة ، إلا انه هذه الاصلاحات لم تكن ذات جدوى بسبب فقدان الثقة وعدم توفر البيئة الملائمة للاستثمار . إن سيادة النظام الشمولي في إدارة الاقتصاد العراقي طيلة الاربع عقود الماضية لم يقتصر في تأثيره على ملكية عناصر الإنتاج فحسب بل أمتد ايضاً في افراز سلوكيات وثقافات استهلاكية قائمة على الاتكالية على الدولة في كل شيء ، ولم يقتصر ذلك على سلوكيات اصحاب رؤوس الاموال بل أمتد على مستوى سلوكيات الفرد في تعامله مع مفردات الحياة اليومية ، وذلك عبر انعدام الحرص على المال العام وظاهرة التبذير والإسراف ولا مبالاة في التعامل مع الممتلكات العامة للدولة . بعد التغيير في 9 نيسان/ابريل 2003 شهد الاقتصاد العراقي جملة من الإصلاحات في مجمل سياساته الاقتصادية لما لها دوور في تحقيق التطور الاقتصادي والنمو ، وكذلك للتخلص من المشكلات التي خلفها النظام الشمولي ، وخاصة ازمة الديون الاجنبية ، وعلى الرغم من ذلك لم يستطع العراق تخفيض أزمة الديون إلا باللجوء إلى المؤسسات المالية الدولية ، وذلك عبر عقد اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبحث عن تسويات ضرورية مع نادي باريس ، لتجاوز الاختناقات الانية ، المتمثلة بالمديونية الخارجية وخضوعها إلى نصائح وللوائح هاتين المنظمتين الدوليتين ، التي تتضمن القبول ببرامج الإصلاح الاقتصادي ، وهي وأن كانت مؤلمة في بعض اجزائها في تطبيق بعض البرامج (للتثبيت والتكيف) وكأنها شر لا بد منه أو علاج مر لعادة الهيكلة الرأسمالية باتجاه تطبيق آليات عمل نظام السوق في الاقتصاد العراقي . وفي هذا الحقبة انهجت الدول أدوات عدة بغيت تحقيق اصلاحات اقتصادية للرقي بالمستوى الاقتصادي وتحقيق تنمية ، ويمكن اجمال هذه الادوات بشكل عام : 1- إلغاء أو حل وحدات القطاع العام ذات الكفاءة المنخفضة وإصلاح الوحدات الاقتصادية المتبقية . 2- تشجيع القطاع الخاص . 3- توفير البيئة الاستثمارية الملائمة . 4- تحرير التجارة الدولية وتشجيع الصادرات . 5- إصلاح السياسة النقدية والمالية والتجارية . ثانيا – التحديات التي تواجه الإصلاح . 1- التحديات الاقتصادية : هناك مجموعة من التحديات والعقبات التي واجهت عملية الإصلاح ، وهي كالأتي : أ- تحديات في الهيكل الاقتصادي – الاجتماعي : وهذه التحديات تتمثل في عدم امكانية العراق طيلة مساره التأريخي على بناء قاعدة انتاجية متنوعة ذات قدرة على الانماء الذاتي بالرغم من امتلاكه الميزة النسبية في العديد من الموارد هذا من جانب ومن جانب أخر اعتماده المفرط على الموارد النفطية فقط وتهميش الموارد الأخرى . ب- تحديات في البنية الاجتماعية والسلوكية للإنسان العراقي : وهذا تتمثل في استيراد عادات وتقاليد وسلوكيات غريبة عن صيرورة تكوين المجتمع العراقي كمجتمع إسلامي – عربي تحكمه مجموعة من الضوابط والمعتقدات الدينية التي تحدد انماط وسلوك الفرد داخل المجتمع . هذه السلوكيان والأفعال بقدر ما هي وليدة الظروف القاهرة من حروب الثمانينيات والتسعينيات ، وتداعيات الحصار المفروض على العراق من عام 1991، ومن ثم الاحتلال الامريكي – البريطاني للعراق في نيسان عام 2003 بقدر ما هي ايضاً وليدة تراكمات تاريخية من حروب وغزوات اجنبية مر بها العراق وما نتج عنها من خراب وتدمير لكل شيء . إضافة إلى الفساد الإداري والمالي والسياسي الذي هو في جوهرة تعبير عن الفوضى العارمة وعدم الاستقرار السياسي وتصارع بين التيارات السياسية بسبب اختلاف المصالح وما يؤدي إلية هذا الوضع من أثار سلبية على الاقتصاد وتخصيص الموارد بشكل يفتقر إلى الكفاءة ، وهذا كان لهُ تأثيرات سلبية على النمو الاقتصادي من خلال خفضه لمعدلات الاستثمارات الاجنبية والمحلية على حدٍ سواء ، وما يؤدي إليه ذلك من انعدام التنمية داخل البلاد .
ج – تحديات في الهيكل الإداري والمالي . إن خاصية الاقتصاد الريعي التي لازمت الاقتصاد العراقي ، فضلاً الصفى الاخرى التي لازمت هذا الاقتصاد المتمثلة بالسياسة الاقتصادية المركزية طيلة اكثر من اربعة عقود بلغد ذروتها خلال المدة (1968 – 2003) من خلال (مجلس قيادة الثورة) الذي عُده اعلى سلطة تشريعية وتنفيذية في البلاد ، مما أدى إلى عدم تفويض الاختصاصات والإصلاحات للقيادات الدنيا في السلم الوظيفي ولإداري أي تكريس المركزية في اتخاذ القرارات . هذه المركزية افرزت غياب هيكل تنظيمي واضح في تقسيم الاعمال بين الاجهزة الحكومية المختلفة . فضلاً عن ذلك أن هذه المركزية والهرمية في الهيكل الإداري في العراق قد انعكست على أداءه الاقتصادي في هيمنة القطاع العام ، ثم الاشتراكية لاحقاً وإضعاف القطاع الخاص وبما يجعل النشاط الاقتصادي مرهوناً بالفعاليات الحكومية التي لم تستطيع أن ترتقي بمستوى النشاط الاقتصادي إلى مستوى الدول المجاورة أو حتى النامية . اضافه إلى (سيادة الشخصنة) والعمل البيروقراطي في الجهاز الإداري الذي يعرف على أنه (كناية عن الامراض والعلل التي يمكن أن يتصف بها الجهاز الإداري المكتبي ومنها المركزية والنزعة إلى السيطرة والتزام حرفية القوانين والتعليمات) . إن هيمنة المسؤول كانت هي السمة الغالبة على النظام الإداري في العراق منذ عام 1958 ، وبعد عام 2003 انفتح العراق على العالم الخارجي بكل تقنياته من معدات وخبرات كان لها الدور الواضح في وضع آليات عمل جديدة ، وجاء الدستور العراقي عام 2005 ليعطي ملامح مرحلة جديدة في التخفيف من العمل الإداري وإعادة هيكلة الدولة في الاعتماد على اللامركزية في الإدارة عبر اطار من العمل الديمقراطي . ثالثا- الجهد التنموي : بين تجاذبات التخطيط وتعثر التنفيذ . بشكل عام تعتمد آليات التنفيذ للخطط التنموية على كفاءة الاعداد والتنفيذ للموازنات العامة للدولة بشقيها التشغيلي والاستثماري ، نظرا لكون الموازنة العامة للدولة هي الاداة الاساسية التي تستخدمها الدولة في تنفيذ أولوياتها الاقتصادية على المديين القريب والبعيد لذلك ينبغي النظر إلى الموازنة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تمر بها البلاد للمساهمة في توجيه الاقتصاد نحو رفع معدلات التنمية الاقتصادية وزيادة معدل الدخل وتقليل البطالة والتضخم . أما فيما يخص العائدات فان للموازنة فرضيات حول هيكل العوائد المالية المختلفة التي من الممكن أن تتحقق ، وما هي الاجراءات المالية والاقتصادية التي ينبغي تبنيها لتحقيق وتحسين مصادر التمويل الجديدة . وتمثل الجهد التنموي في العراق بعد عام 2003 : بإعداد موازنات سنوية ؛ الخطة الاستثمارية ضمن المستويات الرئيسة : 1- المشاريع الاستثمارية 2- تخصيصات تنمية الاقاليم 3- تخصيصات البترو دولار 4- تخصيصاتى المنافذ الحدودية كل هذه النفقات الاستثمارية والنفقات التشغيلية كان تعتمد على الايراد أو الريع النفطي في تمويله وانجاز هذه الخطط ، وهذا الاعتماد الشديد على النفط في توفير الإيرادات المالية تعكس سيادة ظاهرة التعامل مع القطاع النفطي كمورد مالي لاقتصاد ريعي أكثر مما هو مورد مالي يمكن استثماره للنهوض بالقطاعات الانتاجية في الاقتصاد الوطني . إذ انها تعتمد بالدرجة الاولى على الريع النفطي ، وبقاء بنية الموازنة الأحادية الجانب للاقتصاد العراقي على هذا الريع منذ اكتشاف النفط في العراق (عام 1927) ولحد الآن . بدلا من التفكير في استراتيجية واضحة لتنشيط القطاعات الانتاجية الاخرى التي يمكن أن تمد الحكومة بالإيرادات وخاصة القطاع الصناعي . على العموم قبل عام 2003 عانى العراق من عجز في الموازنة بسبب الحصار الذي فرضته الامم المتحدة عليه بعد غزو الكويت ، أما بعد 2003 ظهر هناك فائض في الموازنة وهذا يعزى إلى ارتفاع سعر النفط في الاسواق العالمية . على الرغم من هذا الفائض في الموازنة العراقية إلا أن الاقتصاد العراقي لم يشهد نمو حقيقي في القطاعات الإنتاجية بل هيمنة النفقات التشغيلية على هذا الفائض ، وذلك يعزى إلى : • زيادة رواتب موظفي الدولة والمسؤولين ومبالغ شبكة الحماية الاجتماعية . • ارتفاع نسبة التعيين في المؤسسات العسكرية، وخاصة في قوى الأمن والشرطة . • دعم الشركات المملوكة للدولة حصرا . • نفقات دعم البطاقة التموينية . • زيادة كلة استيراد الوقود (المكرر) ، وبخاصة النفط والبنزين، وفضلاً عن الكهرباء . لذلك احتلت النفقات التشغيلية النسبة الأكبر من النفقات الاجمالية للموازنات بعد عام 2003 ، إذ احتلت النفقات التشغيلية كمتوسط خلال المدة (2004 – 2010) ما نسبته (77.5%) من مجموع النفقات الاجمالية للموازنات السنوية طيلة تلك المدة . في حين جاءت النفقات المخصصة للاستثمار بنسب منخفضة بلغت كمعدل طيلة تلك المدة (22,5%) من اجمالي النفقات . وينبغي الاشارة هنا إلى أن هذه النسبة هي في الحقيقة اقل بكثير من حيث المشاريع الاستثمارية المنفذة فعلا . إن اهم ما تميز به الاقتصاد العراقي بعد عم 2003 بأنه اقتصاد ريعي يعتمد بالأساس على القطاع الاستخراجي النفطي في تمويل النشاط الحكومي وموازنة الدولة ، ناهيك عن الفساد الاداري والمالي الذي تغلغل في جسد المؤسسات الحكومية ، وعلية فأن هذا الاقتصاد ظل مرهوناً بالتقلبات المستمرة في اسعار النفط ، ومن ثم عدم استقرار ايرادات الحكومة وتوزيعها بشكل جيد بين النفقات الاستثمارية والنفقات التشغيلية بما يحقق ويدعم النمو والتنمية . الفصل الثالث : منهجية التحول الاقتصادي وأنماط التنمية المنشودة . إن الشمولية التي تتميز بها أزمة التنمية في العراق ، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني أو الاقتصادي وحتى الثقافي والاجتماعي هي أخطر تحدي يمكن أن يواجه عراق اليوم والمستقبل ، ولعل المشكلة الاقتصادية القائمة في العراق تشكل العائق الاكثر خطورة في طرق التطور . هذه المشكلة وثيقة الصلة بالأزمات السياسية التي تعصف في البلاد على خلفية أحداث العنف التي شكلت أبرز ملامح عراق ما بعد 2003 . أولا- تجاذبات التحولات الاقتصادية بين السياسة والعقلانية الاقتصادية . إن المهم في الفعل الاقتصادي باتجاه التنمية لأي دولة ، هي ليست في الامكانات المتاحة للاقتصاد الوطني بقدر ما هي قدرة هذا الاقتصاد على التعامل بايجابية مع هذه الامكانات باتجاه التنمية المستهدفة ، هي الحقيقة بقدر ما تتجلى في بعض الدول التي قطعت اشواطاً متقدمة في التنمية كما هو الحال في دول شرق آسيا وبشكل خاص اليابان ، فأنها تنطبق على الاقتصاد العراقي بشكل أو اتجاه معاكس لهذا التوجه ، إذ على الرغم من امتلاك العراق العديد من الموارد والامكانات إلا أنه لم يتمكن من تسخير هذه الامكانات بفعل تنموي ملموس ومؤثر ، بل أدت السياسات الاقتصادية الخاطئة إلى التبذير في هذه الموارد وتشتيتها في مسارات المتاهة السياسية والتقلبات الايديولوجية بين الانظمة السياسية المتعاقبة . وهنا يمكن أن نتساءل كيف يمكن أن نوجد هذا التوافق بين السياسة والاقتصاد بما يؤهل حسن استخدام الموارد المتاحة في خدمة تنمية الاقتصاد الوطني العراقي ؟ خاصة إذا ما علمنا أن بين السياسة ولاقتصاد تفاعل متبادل قائم على التكافؤ . في الدول المتقدمة توضع السياسات لخدمة الاقتصاد ، أي امتلاك الفعل السياسي لمضمونة الاقتصادي ، وهنا ينبغي صياغة فلسفة سياسة الدولة بما يتلائم مع الوضع الاقتصادي لهذا الدولة أو تلك ، وهذا يعكس النتائج الايجابية في خدمة الاقتصاد الوطني من خلال الفعل السياسي باتجاه أهداف النمو والتطور الاقتصادي بمضامينه العلمية والبشرية . أما في العراق ومعظم الدول النامية ، فأن العلاقة اقرب ما تكون عكسية في اخضاع الفعل الاقتصادي إلى مضمونه السياسي لأنه يصبح أولاء إلى خدمة السياسيين وتثبيت دعائم الحكم للفئة السياسية دون الاعتبار للتأثيرات ألاحقة على بنية وهيكل الاقتصاد الوطني ، وبالتالي فأن اهداف هذه الصياغة ترتكز على اهداف سياسية أكثر مما هي اقتصادية ، المتمثلة في السيطرة على القرارات السياسية للبلد ، ومن ثم السيطرة على موارد البلد الاقتصادية . إن هذه الاهداف هي في جوهرها ذات أبعاد سياسية قائمة على خدمة الفئة الحاكمة التي تسعى حتى ومن خلال الانتخابات وهو ما تجلى في العراق بعد عام 2003 ، ومن ثم هيمنة السياسة على الاقتصاد أدى بالمحصلة إلى عدم النهوض بالاقتصاد العراقي . ثانيا- اساسيات التحول الاقتصادي بين اعتماد نظام السوق وتوفر المستلزمات . وهذه تتجلى عبر الأتي : 1- الارتقاء النوعي في استخدام الموارد المادية المتاحة : إن أولى متطلبات النهوض التنموي في أي دولة أنما تنبع من امكانياتها المتاحة ، ليست في جوانبها الكمية فحسب أنما ايضاً وهو الاهم في اعتماد المنهج النوعي القائم على الاستخدام الكفؤ للموارد المتاحة وبما يمكنه من اختصار الزمن واكتساب القدرة على المنافسة النسبية التي يتمتع بها الاقتصاد العراقي والتي تتمثل في : أ- القطاع النفطي والموارد المعدنية المتاحة . ب- القطاع الزراعي والثروة الحيوانية . ت- امكانيات سياحية واعدة . ث- الارث الصناعي من صناعات تحولية وغيرها . 2- تفعيل الاستثمار الخاص والتعايش خبرة ورأسمال القطاع العام : إن محور وركيزة التنمية الاقتصادية في أي نظام اقتصادي هو في مدى القدرة على تحقيق الكفاءة في وحدة الاستثمار لتوفير التراكم الرأسمالي المطلوب وتفعيل الدور الاقتصادي لعملية الاستثمار تلك . أما في العراق كان الاستثمار الخاص وطيلة اربع عقود ضعيف جداً وذلك يعزى للملكية العامة لوسائل الانتاج والسياسات الشمولية المتبعة من قبل الحكومات المتعاقبة . 3- بناء القدرات واستثمار الطاقات المعرفية البشرية : في هذا الاطار فأن العراق يُعد من الدول التي تمتلك موارد بشرية ومعرفية مؤهلة إلا أن سياسات النظام الاسبق والظروف السياسية والأمنية والاقتصادية التي مرت بالعراق أدت إلى ما يسمى بهجرة العقول والكفاءات ، إذ هاجر أغلب الكفاءات والذي ينسبون إلى الفئة العاملة والنشطة ممن تتراوح اعمارهم بين 20 – 40 ، الذين لو تم تبنيهم من قبل الحكومة لكان لهم دور كبير في الاصلاح والتنمية . ثالثا – المنهجية المقترحة في البناء التنموي للعراق . يقترح هذا الكتاب مستلزمات أو ركائز واجب اعتمادها في البناء التنموي في العراق ، وهي : 1- تحسين منظومة إدارة الدولة العراقية واعتماد الإدارة بالمشاركة وسيادة القانون ، المتمثلة باللامركزية الإدارية وإشاعة روح المشاركة وتعزيز التوجه الديمقراطي وانضاج العمل المؤسساتي في إدارة وبناء الدولة . 2- اعتماد آيات جديدة في إعداد الموازنات المالية للدولة ، أي تحديد الاولويات الوطنية للموازنة والعمل على توزيع مصادر تمويل الموازنة بما يخدم عملية التطور والتنمية المستدامة . 3- اعتماد منظومة التخطيط الاستراتيجي ، المتمثلة بأنشاء الخطط المتوسطة والطويلة الاجل ، لان الخطط القصيرة الاجل لا تتيح سوى للمعالجات اللآنية المؤقتة . واخيراً أن النهوض بالاقتصاد العراقي يتطلب : • أرادة سياسية وطنية ودور واضح للكفاءات المهنية. • تطوير الموارد البشرية وبناء القدرات . • قاعدة تشريعية صحيحة وسند قانوني . • إدارة واعية وكفوءة . • ثقافة القطاع الخاص (بيئة جاذبة للاستثمارات) .
#علي_عبد_الرحيم_العبودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب العالمية الثالثة بين الحتمية والأفول
-
إيران ما بعد الانسحاب من الاتفاق النووي ما لها وما عليها
-
الحشد الشعبي على خطى حزب الدعوة
-
ديماغوجيا الاحزاب العراقية لانتخابات عام 2018
-
سلوك الناخب في الانتخابات العراقية لعام 2018
المزيد.....
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|