|
زمن التوافه
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6008 - 2018 / 9 / 29 - 19:46
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
في عالم تزداد فيه القيم إنحداراً ، وتزداد فيه التوافه سطوةً وسيادةً ، سأل سائل : وهل للتوافه زمن ؟ حتى يُقال - زمن التوافه - ، أم إن الأمر من إفرازات العصر والعولمة ؟ ، ولكن ماذا نعني بمقالنا هذا وما نُريد ؟ ، وببساطة نقول ومن غير مقدمات إن - زمن التوافه - الذي نعيش به ، يلتقينا في الحكم وفي نظام الحكم وبطبيعة الحكام ، كما إن التفاهة أصبحت عنوان لمرحلة سادت في الأداب وفي التربية وفي التعليم وفي الإقتصاد وفي كل شيء ، وقد أُتيح لهذا الزمن ورموزه السيادة منذ بداية التسعينات من القرن الماضي وإلى يومنا هذا يتسيدون ، وأصبح هؤلاء التوافه هم واجهة المشهد يتكلمون بالنيابة عنا و يقررون و يفرضون من الشروط ما تروق لهم . وفي ظل هذا التهافت اللامنطقي غاب عن المشهد أهل القيم وأهل الرسالة ومن يحملون فكراً نافعاً للمجتمع وللبشرية ، ولفظ - تافه - وجمعه توافه لفظ صحيح رباعي المصدر والرسم ومعناه : ( في المفرد ذلك الشخص الذي فقد توازنه أو ذلك الشخص الذي لا قيمة له ولا عقل وهو من يتحكم بالعباد والبلاد ، والمعنى في الجمع يشمل المجتمع والأمة التي فقدت توازنها وأصبحت من غير قيم ولا عقل تهتدي به ) ، هذا المعنى إن تتبعنا إسقاطاته في واقعنا العربي والمسلم نجده جلياً واضحاً لا لبس فيه ، وسريان هذا المعنى نجده في فتاوى شيوخ الدين الذين غدت مقولاتهم تافهة لدرجة من الإسفاف والسطحية ، ونحن قاصدين أن نشير إلى هذه النوعية والتي لا عمق فيها ولا تدبر ولا تتحرى الدقة وتسير مع الركبان حيث يميل الهوى ومن بيده السلطان . إذن نحن نعيش هذا الواقع وهذا الزمن الرديء و الذي يحكمنا ويحكم ثقافتنا ويحكم فكرنا و وعينا ، حتى صارت عادة ومنقبة لدى البعض حين يستسهل الخروج على النظام والقانون ، وفي ذات الوصف أنتفت القيم الإنسانية وأنتفت معه معاني مقدسة عن الهوية والجذور ، وأصبحنا في المُخيلة إن ركزنا بها ووعيناها : - عبارة عن أوراق متناثرة تذرها الرياح حيثما مالت شمالاً ويميناً - ، وفي ساحة المقاربة و بعيداً عن التعميم سأخذكم لبعض الأمثلة من الواقع كنموذجاً يمكننا الإشارة إليه : المثل الأول : ( غياب القيم المؤوسسة ) وسيادة النزعة العدوانية وتنامي التجهيل في كل حافات وبواطن المجتمع والفرد . وهنا تبدو قيم الدولة والنظام والسلوك الحضاري والبناء والإعمار ضرب من الخيال ، لهذا يكثر الكلام عن ذلك من غير عمل ، وتسود في ظل ذلك الأفعال السيئة التي تبتدأ من عدم النزاهة وعدم الإيمان ومن ثم تسود ظواهر الرشوة والفساد بكل عناوينه وأشكاله ، مما يصعب معه القدرة على البناء والإعمار والإصلاح ، وتنامي ظاهرة التفكيك في داخل المجتمع تفكيك أسري وتفكيك في أهمية القانون والنظام ، وإستسهال الأعمال القبيحة وممارسة كل أنواع الرذيلة من قتل وسرقة وإختطاف وإغتصاب وخيانة وسلوكيات منحرفة كثيرة . المثل الثاني : ( تنامي الشعور بالنقص والدونية والحقارة ) يؤدي هذا لحنق نفسي على كل ظاهرة خيرة أو عمل حسن وجميل في الحياة ، وإليكم هذا الفعل الموجه من قبل تنظيمات خاسرة لتقوم ببعض أفعال من القتل المنظم ، لظواهر جميلة في المجتمع حدث هذا مع الشهيدات رفيف ورشا وتارة وسعاد ، وللظاهرة ما وراءها ، ومن جهتي أعتبر ذلك محاولة لخلق نوعاً من التوتر وعدم الثقة بالدولة والنظام والقانون ، كما إنه حنق مقصود وموجه ضد الإنتصار في جبهات الحرب العسكرية على الإرهاب ، فالخاسرون في الميدان وفي السياسة يذهبون حيث المناطق الرخوة ليثيروا غضبة شعبية عامة ، مفادها إن من يتحكمون بالنظام العام فاشلين وغير مؤهلين ، ولابد من إعادة عجلة الحكم إلى الوراء البعيد !! ومن جهة أخرى هذا السيبان من جانب القوى الأمنية في تتبع أثر الجناة والقتلة ، وتقديمهم للعدالة وهذا يتطلب فعل نزيه وعمل منظم وجهوزية وإيمان ، ناهيك عن حزم في طرد بعض الأصوات النشاز التي تعلو في التحريم والتحليل ، القادمة من جهلة متخلفين وفاقدين للشرعية والأهلية ( رجال دين وغيرهم ) ، مما يثير لدى الجهلة ردات فعل مدمرة وغير محسوبة ، ولأن البلد يعيش زمن التوافه فليست هناك جدية في متابعة القضايا التي تهم الأمن والنظام والمستقبل ، وكلما نستبشر أو نُمني النفس بتغيير الحال ، ننصدم بجملة وهالة من الممارسات التي تقول - إن فاقد الشيء لا يعطيه - . في زمن التوافه نفتقد للحسم الوطني والإرادة الوطنية وللفكر الخلاق ، وفيه نسمع فقط ثرثرة وكلام متهالك مبعثر يدل على طبيعة قائليه ، وللمتدخلين في شؤونات العراق أثر في ذلك وهم كثير من الشرق والغرب ، في غياب من بيده تأصيل مبادئ المسؤولية الوطنية والشعور بالواجب الوطني ، والإعلام في زمن التوافه لايبدو إنه مشغولاً أو مهتماً كثيراً بإيجاد الحلول ، إنما يستخدم منابره للإثارة والتحشيد مما يفاقم الوضع في جو من الجهل والتجهيل المتعمد كثير ، وكما قلنا إن الشعور بالمسؤولية هي ليست نداء يوجه بل هي حالة ذاتية إن فُقدت فيصعب التأسيس عليها أو بنائها ، خاصة في ظل هذه السيادة الممنوحة من الشرق والغرب لكي يبقى عالمنا يعيش التفاهه ، سلوكاً وممارسة وثقافة وفكراً ، لا أقول بالتآمر من خارج الحدود لكني لا أنفيه ولكني أعتبر كل مجتمع يفرز ويقدم ما لديه وكما قيل في الأثر - كما تكونوا يولى عليكم - ، فما يحدث عندنا ليس من جهة الأغيار بل هو منا حين أستسهلنا التسطيح والجهل وجعلنا منهما شرعة ومنهاجا ، لذلك تقبلنا طيور الظلام حين أتت وتحكت في محافظاتنا الغربية ، وتفاعلنا مع الناعقين من غير هدي فجعلناهم أئمة وقادة ، وسوف لن يكون الخلاص من هذا الزمن وتوابعه ممكناً من غير نهضة صادقة وتغيير كبير ، وبظني إن هذا الخلاص الآن غير ممكن ولا متيسر ، ولذلك يبقى الحال على ماهو عليه ، وإلى أن يحين ذلك الوقت سيظل يعيش المجتمع والدولة في ظل زمن التوافه.. راغب الركابي
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقابر المسلمين
-
الحكومة العتيدة
-
رسالة مفتوحة منا للأخ السيد مقتدى الصدر
-
أوهام الإنتخابات
-
دفاعاً عن الدكتور خالد منتصر
-
الإستفتاء في كردستان
-
جدل في تونس حول حقوق المرأة
-
ما بعد الموصل
-
بمناسبة عيد الفطر
-
داعش في طهر ان
-
مشروعية الإغتيال السياسي
-
لسنة 2017
-
حثالات تُثير الفتن
-
قانون الحشد الشعبي
-
بدعة صيام عاشوراء
-
تصحيح الإعتقاد في معنى ثورة الإمام الحسين
-
لماذا لا ينجح العراقيون ببناء دولتهم ؟
-
تجذير مشروعية عمل الحشد الشعبي
-
غضب فاشل في تركيا
-
ما بعد العيد
المزيد.....
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|