ميسون البياتي
الحوار المتمدن-العدد: 6007 - 2018 / 9 / 28 - 15:11
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
كتاب أعمدة الحكمه السبعه هو السيرة الذاتية لتجارب العقيد البريطاني توماس إدوارد لورنس أو من يطلق عليه لقب ( لورانس العرب ) حين كان يعمل كضابط ارتباط مع القوات العربيه المتمردة ضد الأتراك العثمانيين بين عامي 1916 _ 1918 . تم الإنتهاء من تأليف الكتاب عام 1922 ونشر لأول مره عام 1926
عاش العقيد توماس إدوارد لورانس بين عامي 1888- 1935 حامل وسام الإمبراطوريه البريطانيه , وهو عالم آثار بريطاني ، ضابط عسكري ، دبلوماسي ، وكاتب . اشتهر بدوره كضابط ارتباط خلال حملة سيناء وفلسطين والثورات العربية ضد الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى . اتساع نطاق نشاطاته وتنوعها وقدرته على وصفها بوضوح في الكتابه أكسبه شهرة دولية بإسم : لورانس العرب
ولد لورانس ( نغلاً ) والده هو ( توماس تشابمان ) وهو رجل نبيل من الأيرلنديين , والدة لورانس ( سارة جونر ) هي مربية اسكتلندية لأولاد توماس تشابمان من زوجته الأولى , ترك الزوج زوجته الأولى وأطفاله ليتعايش معها تحت إسم مستعار جديد هو : السيد والسيده لورانس
عام 1896 ، انتقلت عائلة لورانس إلى أكسفورد ، حيث التحق ابنهما بالمدرسة الثانوية ثم درس من عام 1907 إلى عام 1910 التاريخ في الكلية اليسوعيه . بعدها سافر بين عامي 1910 _ 1914 للعمل كعالم آثار في سوريا العثمانيه
بعد فتره قصيره من إندلاع الحرب العالميه الأولى تم إستدعاؤه من سوريا , وإستدعاء زميلة دراسته المس بيل من العراق وتم تعيينهما في مقر مكتب المخابرات البريطانيه في القاهره في العام 1915 أما في العام 1916 فتم دفعه في مهمه إستخباريه بالإنتقال الى الجزيره العربيه لمتابعة التمرد العربي الواقع ضد الدولة العثمانيه , حيث عرّفه ضباط إنكليز أقدم منه على الأمير فيصل . قاد لورنس فيصل كواجهه للنزاع مع العثمانيين حتى وصل به الى إحتلال دمشق عام 1918
بنهاية الحرب العالميه الأولى عمل لورانس في وزارة الخارجيه البريطانيه وكان مقره في القاهره لمتابعة فيصل . وخلال هذا الوقت كان قد أصدر كتاب مذكراته : أعمدة الحكمة السبعه
عنوان الكتاب مأخوذ من ( سِفر الأمثال 9 : 1 ) : " الحكمة بَنَت بيتها , ووضعت أعمدتها السبعه " رمز لورنس بذلك الى تلك المدن السبعه الكبيره في الشرق الأوسط التي عمل على رسم خرائطها في كتاب علمي قبل بداية الحرب العالمية الأولى , وحين بدأت الحرب دمّر الكتاب الذي لم يكن قد إكتمل بعد لكن جوهره كان باقياً في ذهن لورانس
كتب لورنس كتاب أعمدة الحكمه السبعه 3 مرات . في المرة الأولى أضاع مخطوطة الكتاب في محطة القطار عند تبديل القطارات عام 1919 وكتب مسودته مره ثانيه في مكان عام مخصص للقراءه , وأعاد كتابتها للمرة الثالثه بصورتها النهائيه قبل نشرها
الكتاب سيره ذاتيه للورانس بين عامي 1916 _ 1918 في ذلك الوقت كان لورنس في وادي رَم الذي هو الآن جزء من الأردن , كضابط جيش بريطاني من مركز القياده في شمال افريقيا لدفع الأمير فيصل ورجال القبائل للتقدم نحو دمشق , حيث أشرف على تنظيم وتنفيذ هجمات على القوات العثمانيه من العقبه في الجنوب وحتى دمشق في الشمال . اليوم لو مرَّ أحدنا في وادي رَم بالسياره فسيجد الكثير من نقاط الوادي مسماة على إسم لورانس بما في ذلك التكوين الصخري بالقرب من المدخل الذي يحمل إسم : الأعمده السبعه
أهدى لورانس الكتاب بقصيدة طويله الى شخص سماه ( إس . أي ) مؤكد أنه كان يقصد به الصبي العربي ( سليم أحمد ) الذي كان لورانس مولعاً به للغايه . توفي سليم بمرض التيفوئيد وكان عمره 19 عام قبل أسابيع قليله من الهجوم لإحتلال دمشق , ولم يصل خبر موته الى لورنس إلا قبل أيام قليله من دخول دمشق فنزل الخبر عليه كالصاعقه فكتب له إهداء الكتاب في قصيدة مطوله كتب في مقدمتها :
أنا أحببتك ، لذلك وجهت هذه الأمواج
من الرجال بيدي
وكتبت إرادتي على
السماء بالنجوم
لأكسب لك الحرية
منزل السبعة المملوك
لكي تشرق عيناك لي
حين أجيء
اللورد هربرت كيتشنر الذي عُين حاكماً على المستعمرات البريطانية بمنطقة البحر الأحمر في عام 1886 ومن ثم أصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة بالجيش المصري منذ عام 1892 وبعض رفاقه إعتقدوا أن تمرد العرب ضد الأتراك في نفس الفتره التي تتقاتل فيها بريطانيا مع ألمانيا سيعجل في سقوط الدولة العثمانيه أمام بريطانيا, وبذلك تضمن بريطانيا مضيق غاليبولي الذي تتسلل منه الى البحر الأسود حيث السواحل الروسيه , فتدوم العلاقة بين شرق القارة وغربها التي يريد الأمريكان قطعها لتسهيل تغلغلهم في بلدان القاره , ولهذا كان الإنكليز يعجلون ما أمكن وقوع العصيان أو التمرد العربي على العثمانيين من أجل مشاغلة الترك وإضعافهم
احتفظ لورنس بملاحظات مكثفة طوال فترة مشاركته في الثورة . بدأ العمل على تأليف الكتاب في النصف الأول من عام 1919 أثناء وجوده في باريس بمؤتمر السلام للحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى قرروا فيه كيف يقسمون غنائم المنهزمين وكيف يحددون أسس السلام القادم عقب هدنة عام 1918 وكيف يخوضون غمار الحرب الأهلية الروسيه التي تقاتلوا فيها حتى عام 1924 فكان قرار بريطانيا للوقوف بوجه كل ذلك هو تأسيس عصبة الأمم التي رفضت الولايات المتحده الدخول فيها أو التوقيع على أي من مقراراتها لأنها كانت تريد لنفسها هيمنة أكبر على العالم . المسوده التي كتبها لهذه الروايه تحتوي ربع مليون كلمه ضاعت في محطة القطار وهو في طريقه من باريس الى القاهره
في بداية عام 1920 بدأت المهمه شاقه للورانس لإعادة كتابة الروايه من جديد لأنه لم يحتفظ بالملاحظات التي سجلها وإستعملها في كتابة النسخه الأولى , كانت النسخه الجديده دقيقه تاريخياً ولكنها من الناحية الأدبيه ليست ذات شأن , لذلك كتب لورانس النسخه الثالثه المعده للطباعة والنشر وكان عمله عليها في كل من عمّان وجِده ولندن , أتم الصياغه الأخيره خلال عام 1922 وكانت تضم 335 ألف كلمه
للقضاء على أي خطر لفقدان المخطوطه مرة اخرى , ولتوفير نسخ إضافيه منها تُقَدَّم الى النقاد قبل طباعة العمل في كتاب , قام لورانس بإقتناء آلة طابعه كانت تعطي 6 نسخ من المذكرات في الطبعه الواحده إحتفظ لورانس بجميع النسخ وإختار من سمح لهم بقراءتها , وقام بتصليح 5 نسخ منها بيده ثم رزم كل مجموعه على شكل ملزمه وقدّمها الى مكتبة بودليان في أوكسفورد . في العام 2001 ظهرت واحده من هذه النسخ في أحد المزادات فبيعت بسعر مليون دولار أمريكي
بحلول منتصف عام 1922 كان لورنس في حالة اضطراب عقلي شديد: الآثار النفسية المترتبة على الحرب كان لها أثرها الكبير ، وكذلك استنفاد قواه بسبب كتابة أعمدة الحكمه السبعه 3 مرات ، وخيبة أمله من تخلي بريطانيا عن وعدها للشريف حسين بن علي بجعله ملكاً على العرب بعد الحرب , رفاق لورنس في السلاح الذين تم إستغلالهم والتخلي عنهم . وأعباء كون لورانس قد أصبح وقتها في نظر جمهوره ( بطلاً قوميا ً ) وبسبب تلك الشهره أُعيد تجنيده تحت إسم مستعار في سلاح الجو الملكي , وقلقه وحرصه على قراءة أعمدة الحكمه السبعه من قبل أكبر عدد ممكن من القراء , لذلك خفّض عدد كلمات النسخه التي ستظهر الى الجمهور الى ربع مليون كلمه وطبع الكتاب طبعة يدويه فاخره وكانت الطبعه الأولى تتكون من 200 نسخه فقط صدرت عام 1926 سعر النسخه الواحده منها منذ دخولنا الألفيه الثالثه يزيد على 100 ألف دولار
بعد إصدار الطبعة الأولى 1926 صرّح لورانس أنه لن يتم نشر طبعة اخرى من أعمدة الحكمة السبعه خلال حياته وعاش بعد ذلك 9 سنوات حيث قتل في حادث دراجة ناريه عام 1935 وهو بعمر 46 سنه . وخلال أسابيع بعد وفاته نشرت نسخه مختصره من أعمدة الحكمه السبعه مخصصه لتداول عامة الناس
النسخ الخمسه التي كان قد طبعها ورزمها وسلمها بنفسه الى مكتبة بودليان في اوكسفورد عام 1922 لم تظهر حتى عام1997 حيث تمت عليها بعض التعديلات الطفيفه ونشرت عام 2003
#ميسون_البياتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟