|
حرّيات، أم نرجسيات؟
إدريس سالم
شاعر وكاتب
الحوار المتمدن-العدد: 6006 - 2018 / 9 / 27 - 21:39
المحور:
المجتمع المدني
تقبّل النقد من الأقوياء والبسطاء، في الواقع العملي والافتراضي، من سمات الشخصية الناجحة، لأن هذه العملية من شأنها توصيل رسالة مفادها «أنا واثقٌ من نفسي»، إذاً فالنقد هو أوّل طريق للنجاح وردم حُفر الفشل، وتقبّله ومعالجته، يعني أنك موجود ومؤثّر، فمَن يعرف نفسه جيداً لا يضرّه ما قاله الناس عنه، فهناك شيء اسمه الثقة بالنفس، فكلام الناس آراء وليست حقيقة.
النقد يتطلّب من الشخص الذي يقابله الهدوء وعدم التوتّر، وأخذ نفس عميق وإعادة ترتيب الأوراق من جديد، فهناك أشخاص يقابلون النقد بالغضب أو التهوّر أو النرجسية أو أنها تمسّ الكرامة، وهو شيء غير سليم، لأن ذلك من شأنه إشعار الشخص الذي ينتقدك أنك غير واثق في قدراتك أو موهبتك أو تثبت له صفة هو نعتك بها، قد تكون بعيدة عنك كلّ البعد.
إن النقد البنّاء يحتاج إلى إعادة تفكير والتزام وترتيب أوراق ومحاولة للتغيير الهادف، وربّما إصرار كبير، وهذا ما فعلته في سلسلة مقالات عن ظاهرة البثّ المباشر وروّادها ومخاتيرها، أما النقد الهدّام فلا بدّ أن يُقابل بتجاهل تام، وأن يُعامل بذكاء شديد، من خلال الاستماع إلى كلمات صاحبه، وإظهار الاكتراث حتى لا يحرج، وهذا ما فعلته مع أحد روّاد الشتم والتخوين والتجريح، الذي يقيم رافِهاً في بلد أوروبي مُرفّه، وينحدر من أصول كوردية، ويعلنها بأفعاله بأنه بريء من تلك الأصول، والناس على ما أقوله شهيد.
إن مقابلة النقد بالعنف الفكري والاجتماعي، لا يضرّ إلا صاحبه، لأنه يوصل فكرة سيئة عن الشخص المنتقد، ويضع الموقف بشكل عام في حجم أكبر من طبيعته، وربّما يكون وراء هذا النقد المُباح مصلحة عامة، بشرط ألا يتجاوز الحدود والآداب والأخلاقيات المتعارف عليها، وذلك في حالة التعامل مع شخص يكبرنا في السنّ.
مؤسّسة إعلامية كوردية، تملك محبة واحترام المئات من الشخصيات البارزة والعاملة في مجال الكتابة والسياسة والإعلام والمجتمع المدني، تُعرف في الأوساط السياسية والثقافية والمجتمعية بأنها "للإعلام والحرّيات وبناء القدرات"، يقرأ إدارتها ومدير تحريرها مقالاً نقدياً لكاتب كوردي، فيعطي المدير إذن النشر، فينشر في موقع مؤسّسته، وعلى صفحتها العامة في الفيس بوك، ثم ينشر المدير ذلك المقال على صفحته الشخصية، بحسب شهود موثوقين.
يحتجّ على المقال بطل من الأبطال، جرّب جميع النكهات والنقمات، من إفتاء وسياسة وعسكرة وحركات شبابية، وآخرها الإعلام الذي بدوره تنقّل بين جميع نكهاته، فأستقرّ به المطاف في أوروبا، ليصبح فيلسوفاً ومربّياً ومُدافعاً عن حقوق الحيوان والإنسان والجنّ، بنكهة الشتائم والتخوين والتجريح لكلّ مَن لا يصفّق له، هذه البطل الذي أفرغ غلّه وحقده على مدير المؤسّسة وموظفيها، وعلى الكاتب نفسه، واصفاً إياهم بأقذر العبارات، باعتبار أن النقد البنّاء في مقال الكاتب استهدفه أيضاً، وما أن يفعله ذلك المدير تجاه الرجل الوطواط وبطل الشتائم، إلا أن يقدّم الاعتذار له، وأن لا علم له بنشر المقال ومحتوياته على موقع مؤسّسته.
إن المقال شمل وطال – بشكل هادئ وبنّاء – روّاداً آخرين لظاهرة البثّ المباشر، لم يُبالي بهم مدير المؤسّسة، فلماذا لم يقدّم اعتذاراً رسمياً للآخرين المذكورين في المقال، الذين تحدّث عنهم الكاتب بكل شفافية، بعيداً عن التجريح والتخوين المباشر؟ لماذا تكتّم عن الموضوع، ولم ينشر بياناً توضيحياً عن ملابسات النشر والحذف والتخصيص في الاعتذار؟ ولماذا لم يقم المدير بالتواصل مع الكاتب الذي يربطه به علاقة طيبة مبنية على الخبز والملح والإخاء، وشرح حيثيات المسألة من مبدأ العلاقة الأخوية؟ ما أسباب حظره له ولكلّ مَن انتقده بشكل سليم مُسالم، وهو يرى نفسه نشِطاً في الحقل السياسي والثقافي والمجتمع المدني؟
المدير الذي لم يتحمّل النقد البنّاء والهادف، لبعض من أصدقائه المثقفين القدامى، الذين بقدر ما حاولوا الدفاع عنه وعن مؤسّسته لم يكن لديهم نية في معاركته لخطأه الواضح، بل كان ردّة فعله سلبية، حيث قام بحظرهم وحظر الكاتب على الفيس بوك، دون أدنى تفكير بما بينهم من فرح وحزن، أو خبز وملح وماء وألم القضية!
من المَعابة والغرابة أن تكون قائمة «حظر المُستخدم» لصفحة كاتب أو صحفي أو مثقّف أو سياسي على الفيس بوك أو تويتر مليئة بالمحظورين (محظورون إيجابيون أو سلبيون)، إذ يدلّ ذلك على عدم قدرته على امتصاص أو استيعاب المحظور، الذي ربّما أخطأ في رأيه أو نقده أو ردّه أو وجهة نظره أو قناعاته أو مواقفه أو مبادئه، فالكاتب يدعو إلى بيئة خالية من العنف والحقد، والمثقّف إلى نشر المعرفة والفكر الحرّ والقيّم، والصحفي يعمل لكشف المستور وتقدّم المجتمع، والسياسي إلى يناضل في سبيل الحقوق وتحصيلها؛ أيّ هذا الشخص المُنتج يعمل في حقل الكتابة الصحفية، وينشط في حقل المجتمع المدني، من زاوية التنمية الديمقراطية، وكلّ ما يخصّ الشأن العام.
استغربت شريحة من المتابعين والمثقفين، حيال تصرّف موقع وإدارة المؤسّسة الإعلامية المدنية المجتمعية، لأن المقال نشر بمعرفة مديرها وموافقته، وكان يستطيع توجيه قرار بعدم نشرها، لمجرّد قناعته في أنها تمسّ كرامة هؤلاء الأشخاص، الذين ذكرهم الكاتب وقصدهم بشكل متعمّد، والذين حرصت المؤسّسة على تخصيص البعض منهم في الاعتذار، أمّا أن يحذفه دون أيّ توضيح أو ردّ من باب علاقة الملح والخبز والماء التي تربطه بالكاتب، ويعتذر رسمياً من الرجل الوطواط، الذي في منشوره الفيسبوكي الأول اتهم المؤسّسة وموظفيها بالقشمرة والمراهقة والتفاهة، وفي منشوره الثاني – دون أدنى تفكير أو حياء – بعد اعتذار مدير المؤسّسة منه اعتبر المدير صديقاً عزيزاً، وتمنّى له التقدّم والاعتذار.
إن العقل الضيق يقود دائماً إلى التعصّب، بحسب ما يقوله "أرسطو"، فما قصدته في مقالاتي عن ظاهرة البثّ المباشر، هو النقد البنّاء الهادف الهادئ، وتوجيه رسالة مباشرة لروّاد تلك الظاهرة، في أن يستخدموا البثّ المباشر بطريقة إنسانية منطقية سليمة، ويقدّموا الفائدة الإيجابية للناس والمجتمع واللاجئين، ويكشفوا كلّ مستور فاسد فاسق، سياسياً كان أو إعلامياً أو قيادياً أو مسؤولاً.
يقول الباحث في السيكولوجية النرجسية "كيث كامبل"، أن حبّ الذات يتفاوت من شخص لآخر، وأن هناك علامات واضحة للشخصية النرجسية، بحسب صحيفة "هافنغتون بوست" البريطانية، منها: "أولاً: أحياناً يتولّون مناصب قيادية. ثانياً: دائماً ما يحوّلوا الحديث إلى أنفسهم. ثالثاً: يحبّون الأمور الجيدة. رابعاً: الأعذار هي صديقهم المفضّل. خامساً: حسّاسون تجاه النقد". وغيرها من العلامات، إذ أن العلامة الأخيرة، هي التي يتميّز بها مدير تلك المؤسّسة الإعلامية، التي أتساءل ما إن كانت للحرّيات أم النرجسيات؟! فهو لا يحبّ تلقي النقد أو حتى كلاماً جارحاً من شخص عادي يحتاج إلى نصيحة وتوجيه نحو التقدم الفكري والمجتمعي.
#إدريس_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمريكستان
-
مسعود بارزاني سيناتوراً كوردستانياً
-
الذكاء الكوردي: نحارب الناجح حتى يفشل
-
الفاعل والمتفاعل في البثّ المباشر
-
ليلة إهانة كريستيانو
-
عمر كالو.. كوبانيٌّ أم كورديٌّ؟!
-
الكورد بين نارين ! الأمريكان والروس
-
تدشين معركة إدلب
-
مضافة المختار، وروّاد البثّ المباشر
-
لماذا يرفض المثقّف الظهور في البثّ المباشر؟
-
كوردستان تسقي العراق العطشان
-
هَاديسا وهريسة والانتماء
-
الصادق الأمين على مصالح كوردستان
-
إذاعة CAN FM صوت نقيّ لمجتمع مدنيّ
-
أخي
-
إلى «سينور» العنيد والمُتمرّد
-
لاعبو «سينور» ماذا لو لعبوا في أحد الأندية الأوروبية؟
-
هل أصبحت عفرين ولاية تركية؟
-
لماذا قاطع مسعود بارزاني الانتخابات العراقية؟!
-
ترامب.. رجل الأرقام لا السياسة
المزيد.....
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
-
كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا
...
-
أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه
...
-
أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
-
-وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس
...
-
الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
-
بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة
...
-
بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
-
قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|