عيبان محمد السامعي
الحوار المتمدن-العدد: 6006 - 2018 / 9 / 27 - 10:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
استهلال:
لرائي اليمن الشاعر الكبير عبدالله البردوني (1929 – 1999م) وصفٌ أثيريٌّ لوضع اليمن أثناء التشطير, إذ يقول: "في اليمن توجد دولتان شطريتان بشعبٍ واحد"..!
لكنّ حرب 1994م الآثمة قلبتْ هذه المعادلة رأساً على عقب, فأصبحتْ اليمن "دولة واحدة" بـ"شعبين"..!
أما الحرب الجارية فقد وسّعت الهوّة أكثر, وصار البعض يتحدث عن "يمنات" و"شعوب يمنية"..! بل وهناك من يعيد تعريف نفسه بالتضاد مع اليمن, مُستجلباً هوية من الماضي: جنوبيّ, شماليّ, جنوب عربيّ, قحطانيّ, عدنانيّ, هاشميّ, شافعيّ, زيديّ... إلخ في مشهد سوريالي ــــ كوموتراجيدي يحزّ في النفس؛ إلا أنه يعكس عمق الأزمة التي أصابتْ الكيان الوطنيّ والهويّة الوطنيّة الجامعة.
في معمعان هذه الأزمة وتداعياتها الماحقة, تأتي فكرة الانتقال من الدولة البسيطة إلى الدولة الاتحاديّة (الفيدراليّة) كآليّة معالجة رئيسة ضمن آليّات أخرى تهدف إلى إنقاذ الكيان الوطنيّ والإبقاء على اليمن كياناً سياسيّاً موّحداً.
ونقررُ ابتداءً أن الفيدراليّة ليست تعويذة بمجرد تلاوتها تتحقق كل الأمانيّ, بل هي عنصر معالجة رئيسي ضمن دزينة عناصر أخرى (Package) تحتاجها اليمن ــــ بإلحاح ـــ لمعالجة أزماتها المتفاقمة.
من هنا تأتي أهمية هذه الورقة, إِذْ سلّطت الضوءَ على مفهوم الفيدرالية كفكرة وكنظام وجذورها في اليمن في سياق تاريخي يمتد منذ ما قبل الميلاد حتى الوقت الراهن.
وبرهنتْ الورقة أنّ فكرة "الفيدرالية" ليست دخيلة على اليمن ـــ كما يظن البعض خطأً ـــ فقد عرفتْ اليمن الفيدرالية بصيغ وأشكال مختلفة وفي مراحل وسياقات تاريخية عديدة, وهو ما سيتضح لاحقاً.
وتطرّقتْ الورقة باستفاضة إلى حيثيات تنبّي خيار الدولة الفيدرالية في الوقت الراهن. وبيّنت أفضليات هذا الخيار عن غيره من الخيارات المطروحة, لاسيما في ظل ما تعيشه البلاد من أوضاع الحرب المدمرة, وتصاعد المشاريع الطائفية والجهوية, وتصارع الأجندة الخارجية على أرض اليمن, الأمر الذي ضاعف من مخاطر تفكيك الدولة وتشظي المجتمع.
واختتمت الورقة بتوجيه نداء عاجل لكل الوطنيين بأن يسارعوا لإنقاذ بلدهم ومواجهة كل المشاريع التي تستهدف الكيان الوطني والنسيج الاجتماعي ووحدتهما.
مفهوم الفيدراليّة (Federation):
الفيدرالية (Federation): لغةً: "مشتقة من الكلمة اللاتينية (Foedus) ومعناها الاتفاق أو المعاهدة أو التحالف أو النظام الاتحادي (Federalism).
والفيدرالي (Federal) يعني اتحادي أو مؤلف من اتحاد وحدات سياسية تتنازل عن سيادتها الفردية للسلطة المركزية ولكنها تحتفظ بسلطات حكومية محدودة, كما تعني الفيدرالية عملية توزيع السلطة بين حكومة مركزية وعدد من الوحدات الإقليمية من خلال اعتماد الصلاحيات المتفق عليها بالدستور."[1]
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية أول دولة فيدرالية معاصرة على مستوى العالم, حيث نشأت عام 1787م.[2]
وباتتْ "الفكرة الفيدرالية اليوم أكثر شعبية على المستوى الدولي من أي وقت مضى في التاريخ" [3]. فهناك حوالي 25 دولة فيدرالية في العالم تضم أكثر من 40% من مجموع سكان العالم.[4]
وتتكوّن الدولة الفيدرالية من حكومة اتحادية مركزية وحكومات محلية أخرى تتشكّل في الأقاليم الفيدرالية المكوّنة ضمن إطار دولة واحدة, وتتنظم وفقاً لدستور موحد ضامن لوحدة الدولة تحدد فيه صلاحيات الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم التي لا تتعارض مع الدستور الاتحادي.[5]
ويكتسبُ النظام الفيدرالي (أو الاتحادي) هذه الأهمية لما يتمتع به من مرونة واستجابة أكبر لحاجات المواطن ــــ الفرد, وقدرة على استيعاب الخصائص المميزة للمجتمعات المحلية, وإشراكها في الحياة العامة, وربطها بالعالم في ظل تأثير الثورة التكنولوجية الاتصالية, وشمول هذا التأثير أرجاء العالم.[6]
والدولةُ الفيدرالية (الاتحادية) ليست قالباً جاهزاً, يتم استدعاؤه وتطبيقه بصورة ميكانيكية, بل هي صيغة تتشكّل وفقاً لمقتضيات واقع كل بلد. فلا توجد تجربة فيدرالية في العالم نسخة كربونية عن تجربة أخرى, بل كل تجربة لها خصوصيتها وميزاتها النابعة من الظروف الخاصة.
نستنتج مما سبق, الآتي:
1- النظام الفيدراليّ ـــ من حيث أصل الفكرة ـــ إنّما هو تنظيم إداري للدولة اخترعته البشرية, مثله مثل التنظيمات الإدارية الدولتية الأخرى المُخترعة بشرياً.
2- ينشأ النظام الفيدرالي في أي بلد استجابةً لأسباب وعوامل موضوعية: سياسية أو اقتصادية أو ثقافية... إلخ.
3- يتميّز النظام الفيدرالي عن غيره من النُظُم الأخرى بانطوائه على بُعد سياسي. فالسلطة تُوزّع بين مستويات إدارية متعددة, ولا يحتكرها المركز.
4- النظام الفيدرالي نمط من أنماط الوحدة, يهدف إلى توزيع السلطة والثروة بين وحدات إدارية وفقاً لدستور وقوانين واضحة ومحددة. وليس كما يظن البعض خطأً بأنه تقسيم للدولة, فالدولة الفيدرالية تظل دولة موحدة, بشعب واحد, وبجنسية واحدة, وبشخصية دولية واحدة.
5- تتحقق عملية الوحدة أو الاتحاد الفيدرالي بإحدى صيغتين:
الأولى: تتم بين عدة دول مستقلة اتفقت ـــ طوعياً ـــ على أن تتوّحد لاعتبارات سياسية أو اقتصادية أو غير ذلك.
الصيغة الثانية: أن تقرر دولة ما إعادة صياغة نمط وحدتها بالانتقال من الدولة البسيطة إلى الدولة الفيدرالية؛ إما لمعالجة مشاكل قائمة أو رغبة في تحقيق مزيد من التطور والنماء, كما حدث في تجارب بعض الدول, ومنها: البرازيل, وبلجيكا, واسبانيا, وماليزيا, وسويسرا.
6- النظام الفيدرالي ليس قالباً ثابتاً جامداً, يناسب دول معينة ولا يناسب دول أخرى, كما يتوّهم البعض, بل نظام يتشكّل وفقاً لخصائص كل دولة وأوضاع كل مجتمع. فهناك دول فيدرالية كبيرة من حيث المساحة وعدد السكان, مثل: أمريكا, وروسيا وغيرهما. وفي المقابل هناك دول فيدرالية صغيرة من حيث المساحة وعدد السكان, مثل: سويسرا, والإمارات العربية المتحدة.
كما أن هناك دول فيدرالية تتميز بالتعدد والتنوع المجتمعي وتضم أجناساً وأعراقاً واثنيات متعددة, مثل: الهند وماليزيا. وفي المقابل هناك دول فيدرالية لا توجد فيها أجناس وأعراق واثنيات متعددة, مثل: الإمارات, وألمانيا.
نشأة الدولة في اليمن القديم:
لليمن تاريخٌ موغلٌ في القِدم, وتؤكد الدراسات التاريخيّة والأركيولوجيّة (الأثريّة) على أن الإنسان قد وطئ هذه الأرض منذ ما قبل التاريخ, حيث اكتشف العلماء آثار وبقايا عظميّة تعود إلى إنسان العصور الحجريّة, العصر الحجري القديم والمتوسط والحديث. وقد كشف العلماء عن خصوصيّة يمنيّة تمثلّت في تقنية صنع الأسلحة الحجرية, وتقنيّات أخرى تعود إلى العصر الحجري الحديث.[7]
ومع اكتشاف الإنسان الزراعة التي مثلت قفزة مَهولة في تاريخ البشريّة, نشأت التجمعات الإنسانيّة المستقرة في قرى زراعية صغيرة على شكل تجمّعات عشائريّة, ثم تطوّرت وتوسّعت ونشأت تحالفات بين عدة عشائر, تولّى زعماؤها مهام إدارة المصالح العامة, ومن ثمّ حدثتْ سلسلة من التطورات التكنيكيّة والتنظيميّة خلال مدة زمنية معينة. وقد مثلت جملة هذه التطورات الإرهاص الموضوعيّ لنشوء الدولة اليمنية القديمة في مُستهلّ القرن العاشر قبل الميلاد.
منذ ذلك الحين حتى منتصف القرن الرابع الميلادي, ظهرت عدة دول في اليمن في منطقتين جيوسياسيتين, هما:
المنطقة الجيوسياسية الأولى: مناطق الوديان, ونشأتْ فيها الدول الآتية:
1- سبأ, عاصمتها الأولى: صرواح, والثانية: مأرب, وقامت على ضفاف وادي ذَنْة أو أَذنة, واستمرت منذ القرن العاشر ق.م حتى 115 ق.م.
2- حضرموت, عاصمتها: شبوة, قامت على ضفاف وادي عَرَمة, وامتدت منذ القرن الخامس ق.م حتى القرن الرابع الميلادي.
3- مَعين, عاصمتها: قرناو, قامت على ضفاف وادي مُذاب, واستمرت منذ القرن الخامس ق.م حتى القرن الثاني ق.م.
4- قِتْبان, عاصمتها: تَمْنّع, ثم هجر بن حميد, قامت على ضفاف وادي بيحان, واستمرت منذ القرن الخامس ق.م حتى القرن الثاني الميلادي.
5- أوسان, عاصمتها: مَسوّرة, وقامت على ضفاف وادي مَرَخة, ويُعتقد أنها ظهرت في القرن الرابع قبل الميلاد ولم تدم طويلاً.
المنطقة الجيوسياسية الثانية: المرتفعات الجبلية:
نشأتْ الدولة الحميريّة على سفح جبل ريدان, وكانت عاصمتها ظِفار, وامتدت منذ 115ق.م حتى 525م, حيث سقطت على يد الغزاة الأحباش, وهي آخر دولة يمنية قديمة قبيل ظهور الإسلام.
الفيدرالية في اليمن القديم:
تأسست الدولة اليمنية القديمة من اتحاد قبائلي وفق مفهوم القبيلة المستقرة الزراعية وليس القبيلة البدوية المتنقلة.[8] ومما يجدر الإشارة إليه هنا أن القبيلة في اليمن تحمل خصوصية تنفرد بها, وهي أنها لا تقوم على قربى الدم فقط بقدر ما تقوم ــــ أيضاً ــــ على المصالح الدنيوية المشتركة لأبنائها. انعكس كل هذا كان على شكل نظام الحكم السياسي والتنظيم الإداري للدولة في اليمن منذ القدم ولا يزال تأثيره قائماً حتى الوقت الحاضر.
ساد في الدول اليمنية القديمة نظام الحكم الملكي, وعلى الرغم من ذلك, كانت سلطة الملك مقيّدة. فقد شاركه في إدارة شؤون الحكم مجلس يسمى (المزاود) ويتكوّن من الكُبراء (الأقيال) وزعماء القبائل وكبار المُلاك. وكان هؤلاء يشاركون الملك السلطة, لاسيما في القضايا السيادية وإصدار التشريعات والقوانين الخاصة بالتملّك والضرائب وغيرها.[9]
وهو وضع خاص تميّزت به معظم الدول اليمنية القديمة دوناً عن بقية الدول المعاصرة لها. يقول د. جواد علي: " لم يكن الملوك في العربية الجنوبية أو في العربية الغربية [يقصد اليمن] ملوكاً مطلقين لهم سلطان مطلق وحق إلهي في إدارة الدولة على نحو ما يريدون, ولكن كانوا ملوكاً يستشيرون الأقيال والأذواء وسادات القبائل والناس وكبار رجال الدين فيما يريدون عمله, واتخاذ قرار بشأنه. وهو نظام تقدمي فيه شيء من الرأي والمشورة وحكم الشعب (الديمقراطية) بالقياس إلى حكم الملوك المطلقين الذين حكموا آشور وبابل ومصر وإيران."[10]
إذن اتسم نظام الحكم بوجود "سلطة تشريعية شوروية وإن كانت تصدر التشريعات باسم الملك الذي يأخذ زمام المبادرة فيها ويتولى غاية تطبيقها ومعاقبة مخالفيها. فالملك لا ينفرد باتخاذ القرارات".[11] يقول تعالى: ( قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ) [سورة النمل/32]
هذا بالنسبة لإدارة السلطة, فماذا عن التنظيم الإداري للدولة؟؟
يذهب د. محمد عبدالقادر بافقيه إلى أن الممالك اليمنية القديمة كانت تقوم على أساس اتحادي, حيث ساد "نظام القيالة" وهو نظام حكم محلي يقوم على أساس اتحادي أو شبه اتحادي يتمتع فيه الأمراء المحليون باستقلال ذاتي.[12]
وكان يُطلق على هؤلاء الأمراء ـــ في الغالب ـــ لقب الأقيال (المفرد: القيل). ويتولى القيل تدبير شؤون المخلاف الذي يتكون من عدة محافد. ويدير المحفد كبير المحفد, ويُلّقب ب (ذو) متبوعاً باسم المكان, فيقال مثلاً: ذو غمدان: أي صاحب غمدان, وذو معين: أي صاحب معين, وتُعرّف هذه الطبقة بالأذواء.[13]
وعرفت الدولة في اليمن القديم فصلاً واضحاً بين اختصاصات السلطة المركزية واختصاصات الوحدات الإدارية الأدنى وهو ما يطابق. فقد كان للوحدات الإدارية الأدنى: المخاليف والمحافد اختصاصات ومهام ضمن إطارها الجغرافي والديمغرافي, إذ توّلت الإشراف المباشر على إقامة المرافق الاقتصادية العامة الممثلة في آلاف السدود والطرقات والقلاع والحصون والأسواق والمخازن وغيرها, ويقتصر دور الدولة على الاشراف والدعم والتخطيط الفني.[14] فضلاً عن وجود تشريعات خاصة بالمخاليف.[15]
أما المستوى الأعلى فقد كان يختص بالمهام السيادية, إذ يتولى الملك "المهام الرئيسية الكبرى التي تتعلق بتماسك المملكة وحماية مصالحها السياسية والاقتصادية الخارجية."[16]
يتضح مما تقدم بأنّ نمط التقسيم الإداري للدولة وأسلوب توزيع السلطة في اليمن القديم يشبه إلى حد كبير النظام الفيدرالي المعاصر. من حيث اشتمال التقسيم الإداري للدولة اليمنية القديمة ثلاثة مستويات إدارية:
1- المستوى الأدنى: المحفد, ويحكمه (ذو...), وهو يشبه الولاية أو المقاطعة (بلغة اليوم) التي يحكمها والي أو محافظ الولاية. ويتولى مهام سياسية واقتصادية في الإطار الجغرافي للولاية.
2- المستوى الوسيط: المخلاف, ويحكمه القيل, وهو يماثل الاقليم الذي يحكمه حاكم الاقليم. ويتولى مهام سياسية واقتصادية في الإطار الجغرافي للمخلاف.
3- المستوى المركزي: ويتربع على رأسه الملك, الذي يمارس صلاحيات ومهام سيادية, تماماً مثل صلاحيات ومهام الرئيس في الدولة الفيدرالية.
إنّ هذا الأسلوب في إدارة الدولة وشؤون الحكم الذي ساد تاريخ اليمن القديم, إنما كان نتاج الأحوال الطبيعية للبلاد وتضاريسها التي لم تكن لتسمح في ظروف ذلك العصر بقيام حكم مركزي مباشر حتى مع وجود قوة ذات وزن كبير كقوة سبأ مثلاً خلال قرون عدة. فقد أدت تلك الأحوال الطبيعية إلى قيام تجمعات متفرقة تسمى في النقوش الحميرية (شعوب) يحكم معظمها إن لم يكن كل واحد منها في المراحل المبكرة حاكم محلي.[17]
فيدرالية العصر الوسيط وصولاً إلى العصر الحديث:
تشير المصادر التاريخية إلى أنه وبُعيد انتشار الإسلام في ربوع اليمن قُسمّت إلى ثلاثة مخاليف, هي: مخلاف الجند, وكان مركزه مدينة الجند, ومخلاف صنعاء, وكان مركزه مدينة صنعاء, ومخلاف حضرموت, وكان مركزه حضرموت.[18]
وقد عيّن الرسول الأعظم (ص) ولاة على تلك المخاليف, حيث عيّن باذان والياً على مخلاف صنعاء, وزياد بن لبيد البياضي والياً على مخلاف حضرموت, والصحابي الجليل معاذ بن جبل والياً على إقليم الجند بالإضافة إلى تعيينه والياً عاماً على اليمن.
واستمر هذا التقسيم طوال الخلافة الراشدة, قبل أن يتحوّل الحكم إلى ملك وراثي ارستقراطي عضوض بقيام الدولة الأموية, حيث دخلت اليمن في نفق مظلم ونشأت دويلات صغيرة خاضت حروباً بينية لردحٍ طويلٍ من الزمن. ومن أبرز تلك الدول:
الدولة الإباضية (128 – 131هــ) وعاصمتها حضرموت, ودولة بني يعفر (213 – 233 هـ) وعاصمتها صنعاء, ودولة علي بن الفضل الإسماعيلي (270- 303 هــ) وعاصمتها مذيخرة, ودولة بني زياد (204 – 403 هـ) وعاصمتها زبيد, ودولة بني نجاح (403 – 554 هـ) وعاصمتها زبيد, والدولة الصليحية (439 – 569 هــ) وعاصمتيها: صنعاء ثم جبلة, والدولة الرسولية (626 – 858 هـ) وعاصمتها تعز, الدولة الطاهرية (916 – 945 هــ) وعاصمتيها: رادع ثم عدن, والدولة الزيدية (284 هـ – 1962م) وعاصمتيها: صعدة ثم صنعاء.
ظلّت اليمن خارجة عن السيطرة الفعلية للإمبراطوريات الإسلامية المتعاقبة طوال قرون من الزمن, إذ بقيت تتمتع بما يشبه الحكم الذاتي نظراً لبعدها الجغرافي عن عواصم تلك الدول.
في النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي خضعت اليمن للسيطرة العثمانية. ولم يستقر الوضع للعثمانيين طويلاً, فقد قوبلوا بمقاومة عنيدة من اليمنيين اضطرتهم لمغادرة اليمن عام 1635م. ثم عادوا مرة أخرى عام 1872م, وكانت سيطرتهم هذه المرة تقتصر على المحافظات الشمالية, ذلك لأن المحافظات الجنوبية كانت تحت السيطرة البريطانية. لقد عمل العثمانيون على إعادة تقسيم المناطق التي يسيطرون عليها إلى وحدات إدارية تبدأ بـالألوية (مفردها: اللواء) وهي المدن الكبرى: صنعاء, وتعز, وإب, والحديدة. ثم يليها قضاء وهي المديرية. وتمتعت هذه الوحدات بصلاحيات إدارية واسعة. إلى أن أبرم اتفاق "صلح دعان" عام 1911م بين أحمد عزت باشا مندوب السلطان العثماني وبين الإمام يحيى حميد الدين, وبموجبه خرج العثمانيون بصورة نهائية من اليمن, وآلت "اليمن الشمالي" إلى أسرة حميد الدين التي حكمتها بالحديد والنار وفرضت عزلة على المجتمع ونشرت الجهل والخرافة في أوساط الشعب, إلى أن بزغ فجر ثورة 26 سبتمبر 1962م لتخرج اليمن من ظلام الكهنوتية الإمامية, وتأسيس أول جمهورية في منطقة الجزيرة العربية حملت اسم "الجمهورية العربية اليمنية".
في "الجنوب اليمني", وكما ذكرنا, فقد خضع للسيطرة البريطانية ابتداءً من احتلال عدن عام 1839م. وشرعت السلطة الاحتلالية البريطانية في عقد اتفاقيات ومعاهدات مع السلطنات والمشيخيات التي كانت قائمة آنذاك فيما يسمى "محميات عدن الشرقية" و"محميات عدن الغربية". وهذه الأخيرة اتحدت ضمن اتحاد كونفدرالي مع مستعمرة عدن أطلق عليه "اتحاد الجنوب العربي" في 1962م. وقد طويّ صفحة الاحتلال البريطاني والكيان الكونفدرالي الموالي له بتحقيق الاستقلال المجيد في 30 نوفمبر 1967م وبناء الدولة الوطنية التقدمية التي سميت "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية" ثم تغير الاسم إلى "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية".
ما تقدم كان لمحة موجزة عن جذور فكرة الفيدرالية في اليمن وسيرورتها التاريخية. وكان الدافع لطرحها هو إثبات أن فكرة الفيدرالية ليست غريبة عن اليمن, بل لها أساس تاريخي, وقد طبقت في محطات تاريخية مختلفة تلبيةً للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
في الحلقة القادمة سنتناول الفيدرالية في السياق الراهن والجدل المثار حولها.
الهوامش:
[1] د. رضا الشمري, إمكانيات تطبيق النظام الفيدرالي في العراق, مجلة القادسية, بغداد, المجلد8, العدد4, 2009م, ص130.
[2] يُنظر: المرجع نفسه, ص131.
[3] رونالد ل. واتس, الأنظمة الفيدرالية, منتدى الاتحادات الفيدرالية, أوتاوا, 2006م, ص8.
[4] ينظر: المرجع نفسه, ص5.
[5] ينظر: د. رضا الشمري, ص 132
[6] راجع: رونالد ل. واتس, ص6.
[7] بتصرف: د. عبدالرحمن عمر السقاف, تطور المعرفة التاريخية عن حضارة اليمن قبل الاسلام, مركز عبادي للدراسات والنشر, صنعاء, ط1/ 2005م, ص345.
[8] ينظر: د. يوسف محمد عبدالله, أوراق في تاريخ اليمن وآثاره, دار الفكر المعاصر, بيروت, ط2/1990م, ص54.
[9] راجع: د. جواد علي, المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام, ج5, دار العلم للملايين, بيروت, ط2/1986م, ص215.
[10] د. جواد علي, ج5, ص213.
[11] د. يوسف محمد عبدالله, ص 54.
[12] بتصرف: د. محمد عبدالقادر بافقيه, في العربية السعيدة دراسات تاريخية قصيرة, مركز الدراسات والبحوث اليمني, صنعاء, ط1/ 1993م, ص80.
[13] ينظر: سعيد عوض باوزير, معالم تاريخ الجزيرة العربية, مؤسسة الصبان, عدن, ط1/1966م, ص36.
[14] بتصرف: د. حمود العودي, المدخل الاجتماعي في دراسة التاريخ والتراث العربي ـــ دراسة عن المجتمع اليمني, ط2/ 1989م, ص66.
[15] راجع: د. جواد علي, ج5, ص215.
[16] محمد عبدالقادر بافقيه, ص94.
[17] بتصرف: المرجع نفسه, ص75 – 76.
[18] الموسوعة اليمنية, مجلد 4, مؤسسة العفيف ومركز دراسات الوحدة العربية, ط2/2003م, ص2566.
#عيبان_محمد_السامعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟