|
عن اليتم والبصرة والشارع الوطني..
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 6006 - 2018 / 9 / 27 - 03:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وديع العبيدي عن اليتم والبصرة والشارع الوطني.. يتامى نحن في وطن بلا أبناء.. اليتم هو فقدان الأب، واليتيم هو الطفل ينشأ من غير أب؛ وهو مفهوم حديث في الشعر العراقي، يعود ابتكاره الى معروف عبد الغني الرصافي [1875- 1945م]، في قصيدته المعنونة (أم اليتيم)، ولأن المقصود في العنوان هو نفسه، فقد تنازل عن حقوقه الأدبية للأرملة التي تكون (أمه). والأرملة في قصيدة الرصافي، كانت عمياء. فهي أرملة، عمياء، وأم يتيم. وهكذا يكتمل ثالوث الأسى، وتنقفل لعبة القدر، كما في النرد والدومينو. كل واحدة من عناصر الثالوث تستحق دراسة، والدراسة لا تقل عن كتاب، وكل كتاب في عشر مجلدات: ترمل، يتم، عماء. لكن وطن اليتامى والأرامل، ليس متسعا أو محظوطا لانجاب أيتام في قامة فولتير [1694- 1778م]، الكاتب الأكثر تأليفا، أو مثل هربرت سبنسر [1820- 1903م] الذي صرم أربعة عقود من عمره ليدون موسوعته الاجتماعية. ولا يحسبنّ القارئ أنني مزمع ارتكاب هاته المجازفة، بالنيابة. ويكفيني أن صرختي عن اليتم قبل ربع قرن ما زالت يتيمة، ولا يريد أحد حتى أن يعرف بها أو بصاحبها. السياب [1926- 1964م]، وهو أوسع صيتا من الرصافي، سرق صورة الأرملة العمياء، ولكي يرفعها تماما، فقد جعلها (بغيا)، ولماذا تكون البغي عمياء، هذه هي اشكالية السياب، وهو موضوع يستحق كتابا. صورة الأرملة لها اغراء في عالم الأدب، وكان المفروض أن تتحول ثيمة اجتماعية يسارية عميقة، لو كان لعلم الاجتماع مكان في التربية والثقافة العراقية. علاقة السياب بالعجوز العمياء والبغي التي لم يفصح أحد الكثرة التي كتبت عن السياب، أين يكون مكانها وموضوع صلته بها. المهم ان تلك الصورة الرصافية السيابية عادت للظهور لدى شاعرين آخرين، أحدهما ستيني والآخر تسعيني، دون أن يطال أحدهما بغي السياب، كما ان السياب لم يطل هائية الرصافي الذي لم ينل أقل القليل من عناية بني قومه، وحسبه، فهو يتيم، ذلك اليتيم الذي رأي الأرملة. ولو كان مثله في غير بلده اليتيم، لما مات. يتامى نحن في وطن بلا أبناء.. يتامى نحن لم نولد.. فكيف نموت!.. فكرة اليتم خطرت لي أول خروجي من العراق، في قصيدة (وقوف على أبواب تدمر) التي قدمتها في مهرجان السلط الثقافي عام 1992م ونشرت في جريدة صوت الشعب الأردنية. وظهرت في مجموعة (أغنية الغبار) الصادرة في المغرب عام (2000م). وقد أشار اليها الدكتور يوسف عزالدين [1920- 2013م] في دراسته للمجموعة. أما فكرة العمى فقد جاءت منفصلة في فقرة مستقلة من نفس القصيدة التدمرية.. ونحن تزعنا على باب بغداد أسماءنا إذ خرجنا.. ونحن زرعنا على سور بغداد أعيننا إذ خرجنا.. في عام (2006م) كان هناك خمسة ملايين يتيم وثلاثة ملايين أرملة في العراق، وهو رقم رسمي، ولابد أن الأعداد اليوم صارت فضائية، حسب الاصطلاح السائد هناك. والسؤال هنا، بعد خمسة عشر عاما على يتم العراق وترمله، هو.. كم سيطول ذلك، ومتى يشتد عود الطفل ويتحرر من أبائه بالوكالة، ويصبح أبا قادرا على رفع هامته وجذعه وقطع دابر الواقفين وراء حجرة الأرملة العمياء!.. مناسبة الكلام هاته ليس ما يجري في البصرة التي هي والتنومة وشارع الوطني بضعة مني، ولا مياه الفرات التي تجف احتجاجا على اليتم، وأشياء أخرى أكثر من كل شيء، ولكن لمناسبة هذا الشهر الحزين الذي يقال له (محرم)، وهو أول أشهر التقويم العربي. ففي هذا المحرم اجتاح الطغيان العالمي أرض نهرين وحلت رجسة الخراب بغدادها. بدأ ذلك الغزو الغزو ليلا على عادة اللصوص والجبناء، وفي تلك الليلة كتبت قصيدة (محرم غير الحرام) وقام أحد الأخوة الذين بتوزيعها على قوات الانترنت العربية يومذلك. قليل منها احتفظ بالقصيدة اليوم، وهو مصير قصيدة (ابواب تدمر) التي عدت وأهديتها للعالم الشهيد الدكتور خالد الأسعد [1932- 2015م] ابن تدمر والمسؤول عن حماية آثارها لأربعة عقود. كنت يومها أصدر مجلة ضفاف الثقافية م النمسا، فأخرجت عددا مزدوجا(12/13 – 2003م) بغلاف أسود كامل والكتابه عليه بيضاء. ان شهر محرم هو الشهر الأول في التقويم العربي، وهو ممسوح بالحرام والسود واللطم، بينما يبتدئ غير العرب تقويمه بدلالات الفرح والتفاؤل والانتاج. أما طقس (عاشورا) فهو طقس مصري فرعوني، نقله العبرانيون معهم عند الخروج إلى سيناء، واحتفلوا به خلال وجدودهم في شنعار.. فمتى نفكر في تغيير التاريخ، تاريخ المستقبل.. متى نتحرر من اليتم.. والترمل، والثكل والبغاء والسواد.. من أجل كل ذلك كانت البصرة.. بصرة النخيل.. ولابد للنخيل من رؤوس.. ولابد للرؤوس من جذوع لا تعرف الانحناء!.. قلبي مع البصرة.. حتى لقاء قريب.
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرصنة الثقافية وتهجين العقل
-
المكان هو اليوتوبيا
-
كاموك- رواية- (78- 84)- الاخيرة
-
كاموك- رواية- (71- 77)
-
كاموك- رواية- (64- 70)
-
كاموك- رواية- (57- 63)
-
كاموك- رواية- (50- 56)
-
كاموك- رواية- (43- 49)
-
كاموك- رواية- (36- 42)
-
كاموك- رواية- (29- 35)
-
كاموك- رواية- (22- 28)
-
كاموك- رواية- (15 -21)
-
كاموك- رواية- (8- 14)
-
كاموك- رواية- (1- 7)
-
في علم اجتماع الجماعة- ج2
-
في علم اجتماع الجماعة- خمسون حديثا عن الانسان والانتماء والا
...
-
انتبهْ!.. الوطنُ لا يُباعُ وَلا يُستبدَلُ.. وَلا يُطرَحُ للإ
...
-
ما بعد الحداثة/ ما بعد الانسان..
-
نحو علم اجتماع عربي..
-
محاضرات في لاهوت العولمة
المزيد.....
-
وزير الدفاع الأسبق: يكشف العقيدة الدفاعية للجمهورية الاسلامي
...
-
-ترامب سينقذ العالم من الإسلام المتطرف- – جيروزاليم بوست
-
قائد الثورة الاسلامية في تغريدة: كل فلسطين من النهر الى البح
...
-
الآغا خان الرابع زعيم قاد الطائفة الإسماعيلية النزارية 68 عا
...
-
إيهود باراك: خطة ترامب بشأن غزة -خيال-
-
كلمة الرئيس الايراني بزشكيان امام سفراء الدول الاسلامية في ط
...
-
الاحتلال يحتجز مركبة ويستولي على كاميرات مراقبة في جنين وسلف
...
-
اللواء سلامي يشدد على قوة إيران الإسلامية في مواجهة الضغوط
-
اللواء سلامي: هذه الانجازات هي للرد على اي تهديد ضد ايران وا
...
-
بالودان يواصل استفزاز المسلمين ويحرق نسخة أخرى من المصحف أما
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|