الجزء الأول
تلعب الأحزاب السياسية في المجتمعات التي تسير وفق النهج الديمقراطي الليبرالي دورا مهما وكبيرا في مجمل العملية السياسية والأجتماعية, حيث يوفر الدستور الدائم لهذه الأحزاب الأرضية القانونية في حرية التعبير عن افكارها وتحقيق برامج عملها عبر الوسائل المشروعة والمسموح بها دستوريا في هذه المجتمعات, وكذلك المشاركة في النظام السياسي على ضوء ماتفرزه نتائج الأنتخابات, وبالتالي في صنع واتخاذ القرارات التي تتفق وبرنامج عمل الحزب وتقدم المجتمع. تعمل الأحزاب السياسية في ظل الأنظمة الديمقراطية الليبرالية, كحلقة وصل مابين الشعب والدولة.. والمجتمع يعيش في حركة مستمرة على كل المستويات... والتعددية ألسياسية هي دليل على نشاطه وصحة توجهه نحو التقدم والتطور.. لبناء دولة عصرية يسودها الأمن والأستقرار والقانون باعتبارهما اهم ركائز المجتمع المدني المنشود.
اما في المجتمعات ذات الأنظمة الشمولية او الدكتاتورية مثل العراق فتكون العلاقة بين الحزب والدولة والحزب والشعب علاقة غير واضحة المعالم ومتداخلة فيما بعضها البعض . فالحزب لايعكس في هذه المجتمعات مصالح الشعب وتطلعاته نحو الحرية, بل يفرض عليه(اي الشعب) القبول بطبخة سياسية جاهزة تصب في نهاية المطاف في خدمة نخبة معينة من المنتفعين من صناع القرار ليهيأ بذلك الأرضية الخصبة لولادة الدكتاتورية , حيث يصبح الحزب جزءا من أحهزة النظام الدكتاتوري واداة لقمع المواطن واغتصاب حريته
ماهو الحزب.. ؟
هناك تعاريف مختلفة ومتعددة للحزب السياسي...ويعود ذلك الى اختلاف وتنوع الأسس الفكرية والأيدلوجية التي تستند عليها هذه التعاريف, فمثلا الأحزاب الشيوعية, وبالأعتماد على الفكر الماركسي اللينيني تعتبر الحزب اداة الطبقة العاملة للتغيير الثوري وتحقيق دكتاتورية البروليتاريا ومن ثم المجتمع الشيوعي فيما بعد .. وليس ساحة لأنعتاق الطاقات الفردية الخلاقة. اما ماكـس ويبر(1864-1920) فيعتمد في تعريفه على البعد الأجتماعي , حيث يرى ان الحزب عبارة عن مؤسسات اجتماعية تقوم على اساس الأنضمام الطوعي, لغرض توفير القدرة لقيادته من اجل تحقيق الهدف الموضوعي ... والفرصة لأعضاءه من اجل الحصول على منافع شخصية.
ان الأحزاب عبارة عن تنظيمات ذو اهداف وطموحات سياسية وفكرية معينة . تعمل داخلهامجموعة من الناس, اعضاء واصدقاء, ترى فيها الألية لتحقيق طموحاتها وامنياتها في مستقبل افضل.... تتسع مساحة اهتمام الحزب لتشمل كل مرافق الحياة, التي يحاول ادارتها او صياغتها او التاثير عليها بالشكل الذي يتناسب وبرنامج عمله ونظامه الداخلي.. والذي يستند بدوره على المنهج الفكري الذي يتبناه. يعتبرالحزب ايضا بانه حلقة الوصل بين الشعب والدولة .... فهو من جهة, يوجه في مراحل عمله رغبات اعضاءه واصدقاءه, يجمعها, يرشحها و يبلورها بالشكل المناسب على شكل مطالب(توحيد الأراء المختلفة والتعبير عنها), ومن ثم يعرضها على الحكومة او في البرلمان (المراقبة والمحاسبة), محاولا استعمال كل الأمكانات المشروعة والسلمية لأعطاء مطلبه هذا زخما قويا يعجل في تحقيقها, من جهة اخرى ينقل رأيه واستنتاجاته حول سياسة الدولة الى الشعب(رفع مستوى الوعي السياسي), ولتكون محصلته في النهاية تفعيل دور الفرد للمساهمة الفعالة داخل المجتمع(المساهمة والمشاركة بعملية صنع القرار السياسي). ان عمل ونشاط الحزب يجب يتسم بالديمومة وان لايقتصر للفترة الأنتخابية فقط.
يتضح مما تقدم ان دور الحزب يتمثل بالأمور التالية:
ــ حلقة وصل بين الشعب والدولة.
ــ توحيد الأراء المختلفة والتعبير عنها.
ــ المراقبة والمحاسبة.
ــ رفع مستوى الوعي السياسي.
ــ المساهمة والمشاركة في عملية صنع القرارالسياسي.
ان السؤال المهم هو.. مالذي يجعل المنظمة حزبا سياسيا؟
ــ ان يؤثرالحزب بشكل واضح في تكوين الرغبة السياسية.
ــ يستمر التأثير السياسي للحزب لفترة زمنية طويلة ويمتد ليشمل مساحة واسعة.
ــ المساهمة في الحياة السياسية بشكل فعال.
ــ عدد اعضاء الحزب يجب ان لايقل عن الحد الذي يفقد فيه مصداقيته في تحقيق
برنامج عمله.
ــ يمتلك الحزب ومنظماته القدرة على الأستمرار بالعمل.
ــ المشاركة في الأنتخابات للحصول على اكبر عدد من النواب داخل البرلمان
جذور الأحزاب السياسية...
ان ظاهرة الأحزاب والتنظيمات السياسية ظاهرة حديثة, تعود جذورها الى منتصف القرن التاسع عشر, ففي اوربا بدا مفهوم الحزب يتبلور ويحل محل الرابطات الأممية والحركات العمالية الفكرية بعد ان نشر ماركس(1818-1883)
وانجلس(1820-1895) " البيان الشيوعي " عام 1848 الذي حمل عنوان "بيان الحزب الشيوعي" , واستمرت تجارب تاسيس احزاب سياسية مختلفة كالأحزاب الأشتراكية الثورية او الأشتراكية الشيوعية حتى مجيىء لينين(1870-1924) الذي وضع في كتابه الشهير "ماالعمل؟" وبالأستناد على افكار ماركس, تفسيره حول مفهوم الحزب الماركسي الثوري وتاكيده على التغيير الثوري لتحقيق دكتاتورية البروليتاري كهدف سياسي للدولة.. والمركزية الديمقراطية كقاعدة تنظيمية داخل الحزب. وقد سيطر هذا الحزب على السلطة في روسيا القيصرية عام 1918 واقام نظام الحزب الواحد , الذي اصبح تجربة احتذت بها الأحزاب الشيوعية في اوربا الشرقية وفرضته على شعوبها بعد الحرب العالمية الثانية وبدعم الأتحاد السوفييتي انذاك .
وبالضد من هذا التوجه تكونت في نهايات القرن التاسع عشر احزاب الأشتراكية الديمقراطية والأحزاب المحافظة والليبرالية الأخرى,التي اعتمدت الأسلوب الديمقراطي والصراع داخل البرلمان لتحقيق الهدف والوصول الى السلطة التشريعية والتنفيذية . وقد طبقت هذه الأحزاب نظام التعددية الحزبية في اوربا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية واستطاعت من خلاله تحقيق منجزات ضخمة على كل المستويات السياسية اوالأقتصادية اوالثقافية.
ان النظام المتبع في الولايات المتحدة الأمريكية هو نظام الحزبين وقد كانت بداياته تعود الى عام 1850,حيث تميزت تنظيمات الأحزاب فيه , بالضد من الأحزاب الشيوعية او الأشتراكية الديمقراطية, بلبراليتها وعدم مركزيتها . ان مثل هذه الأحزاب لم تعتمد على التنظيم الهرمي المركزي الذي ينفذ القرارات الصادرة من القيادة بصورة حرفية , بل يتألف من لجان انتخابية تنشط خلال فترات الأنتخابات.
اسباب التعددية الحزبية..
لمنشا الأحزاب اسباب عديدة , كأن يكون طبقيا... حيث تعاني طبقة من المجتمع الأضطهاد على يد طبقة اخرى.. مما يدفع هذه الطبقة على تنظيم عملها في حزب والنضال من اجل تحقيق مصالحها . وقد شهد التاريخ امثلة كثيرة على ذلك. وقد تباينت الأراء في هذه ألأحزاب حول الطرق التي يجب اتباعها لتحقيق الأهداف المعلنة, فبعضهم اعتمد اسلوب الثورة او الأنقلاب المسلح لتحقيق الهدف ( الأحزاب الشيوعية او القومية), والأخر اروقة البرلمان والنضال عبر الأنتخابات الديمقراطية للوصول الى السلطة التشريعية والتنفيذية( احزاب الأشتراكية الديمقراطية او الأحزاب الليبرالية والمحافضة)..... السبب الأخر الذي يدفع الى تاسيس الحزب هو التطور الحضاري والمشاكل المرافقة له وتبلور مطالب معينة لايتم تحقيقها الى عن طريق تشكيل حزب, مثل تلوث البيئة, الذي دفع بكثير من الناشطين الى تنظيم عملهم في اطار حزب الخضر .... في النظام الديمقراطي يعيش المجتمع في حالة متحركة على جميع ألأصعدة, السياسية والأقتصادية والثقافية ... الخ والى جانب نشوء الأحزاب يكون هناك ايضا زوال لبعضها عن الساحة السياسية.
يمكن تمييز الأحزاب بحسب الثوابت التالية:
التمييز حسب الدرجة التنظيمية..
ــ احزاب النخبة : تضم في صفوفها شخصيات معروفة ومؤثرة ولاتضم قاعدة جماهيرية واسعة. علاقاتها التنظيمية مرنة
وارتباط الأعضاء بالحزب ضعيف. النسبة بين عدد الأعضاء وعدد الناخبين تكون كبيرة , وتحت هذا النوع من
الأحزاب تندرج الأحزاب المحافظة في اوربا وامريكا.
ــ الأحزاب الجماهيرية : تتميز هذه الأحزاب بعدد اعضائها الكبير وقوة ارتباطهم بالحزب, علاقة اعضاء الحزب مع بعضهم
البعض ومع القيادة علاقة قوية.من ناحية عدد الناخبين لا يوجد فرق كبير عن احزاب النخبة والأحزاب الأشتراكية
الديمقراطية تعتبر من هذا النوع.
التميز حسب الأهداف الأجتماعية السياسية..
ــ الأحزاب القومية الشوفينية : هذا النوع من الأحزاب يرفض قواعد اللعبة الديمقراطية ويتميز بعداءه لبقية الأحزاب
الديمقراطية.
ــ الأحزاب المحافظة : مثل هذه الأحزاب تنتشر في معظم البلدان الأوربية وتتميز بتاثير الكنيسة على برامجها.
ــ الأحزاب الليبرالية : تسعى هذه الحزاب الى تمثيل التوجه اليبرالي في مجتمعاتها سواء على المستوى السياسي
اوالأقتصادي اوالثقافي وتدعوا الى كل مامن شانه ان يسمح للأنسان بالحرية وانعتاق ابداعاته الفردية وترى ان كل ذلك
لايمكن تحقيقه الا في المجتمعات الديمقراطية والأقتصاد الحر. يمكن تصنيف معظم الأحزاب في اوربا بكونها احزاب
لليبرالية.
التمييز حسب الوظيفة في النظام السياسي..
ــ الأحزاب الحاكمة : هي تلك الأحزاب التي استطاعت بعد الأنتخابات تشكيل الحكومة, بالأغلبية او بالأتلاف.
ــ الأحزاب المعارضة : هي تلك الأحزاب التي لم تستطع بسبب عدم فوزها بالأنتخابات او لعدم قدرتها للدخول في ءاتلاف,
على تشكيل الحكومة.
هناك مواصفات اخرى تميز الأحزاب بعضها عن البعض الأخر ولكنها ليست باهمية النقاط الوارة اعلاه.
الجزء الثاني ستيضمن مايلي:
اولا: الأحزاب احدى مقومات المجتمع الديمقراطي.
ثانيا: الديمقراطية داخل الحزب السياسي.
*******************************
الأحزاب السياسية في ظل النظام الديمقراطي
الجزء الثاني
د. عادل عباس الشيخلي
الأحزاب احدى مقومات المجتمع الديمقراطي
ان المجتمع الديمقراطي الليبرالي يستوعب الأختلافات الفكرية والفلسفية والدينية وتنوع المصالح.. ووجود الأحزاب فيه تعتبر مسالة تمس جوهر النظام الديمقراطي :
ــ ان الديمقراطية الحقيقية لايمكن ان تتطور الا بوجود احزاب سياسية ديمقراطية تقبل بمبدأ "اليوم في السلطة وغدا في
المعارضة" باعتباره احدى المبادىء الأساسية في النظام البرلماني الذي يضمن التعايش السلمي والمستمر بين الناخبين
والمنتخبين(النواب).
ــ يكون انتقال السلطة من حزب الى اخر بالطرق السلمية والقانونية.
ــ ان عمل ونشاط ومالية الأحزاب المختلفة تنظم في المجتمعات الديمقراطية وفق انظمة وتشريعات خاصة بذلك" قانون
الأحزاب" .
ــ لاتمتلك اجهزة الدولة الحق, سواء في منع تاسيس الحزب او التاثير على عمله التنظيمي, اذا لم تكن هناك مبررات
فكرية في برنامج العمل تتعارض والتوجه العام للنظام الديمقراطي.
ــ ان الدستور يضمن حرية الرأي والتعبير والأجتماع والتظاهر والصحافة والنشر وتاسيس الأحزاب السياسية والجمعيات
والمؤسسات الحرة الأخرى ويكون حل النزاع بين هذه الأطراف بالطرق السلمية والقانونية. من هنا يتضح ان الدستور
سيكون الدعامة القانونية الأساسية لحماية الأحزاب باعتبارها ركنا اساسيا من اركان النظام الديمقراطي , و تعمل وفقا
للدستور سواء كانت داخل الحكومة او خارجها,. ان الأحزاب ملزمة على ان تصيغ برامجها المستقبلية ونظامها الداخلي
على ضوء القواعد الديمقراطية للبلد وألا سيكون هناك تناقضا مع المنهج العام للدولة وبالضد من الدستور.
الديمقراطية داخل الحزب السياسي..
ان مصداقية عمل الأحزاب السياسية في بناء المجتمع الديمقراطي يرتيط ارتباطاوثيقا بتعزيز مبادىء الديمقراطية
وترسيخها في مجمل مظاهر الحياة الحزبية. ان الأحزاب بتطبيقها الديمقراطية داخل تنظيماتها ستساهم في تعميقها وانتشارها داخل المجتمع.. مما ستنعكس اثاره على سلوكيات الأفراد والجماعات. ان النقاط التالية تمثل بعضا من المتطلبات الأساسية لبناء الديمقراطية داخل الحزب السياسي:
ــ لكل حزب اهداف وبرامج محددة, تتبلور من خلال نشاط الأعضاء والأصدقاء, ويعتمد جوهرها على طبيعة الأيدلوجية
او المنهج الفكري الذي يؤمن به الحزب وبما يخدم طموحات شريحة او طبقة معينة , هذه الأهداف يجب ان لا تتعارض
مع روح الدستور و النهج الديمقراطي للدولة , مثل هذه التناقضات يجب ان تحل داخل هذه الأحزاب قبل الشروع بالعمل
في النظام الديمقراطي لعراق المستقبل.
ــ ان الية تحقيق اهداف الحزب يجب ان لاتخرج عن اطار المنافسة المشروعة والسلمية داخل المجتمع اوالبرلمان او
الحكومة او اي مؤسسات مهنية اخرى وان يكون احترام الراي الأخر هو القاعدة الأساسية التي يستند عليها الحوار
السياسي ويكون حل المشاكل بين الأحزاب بالطرق القانونية.
ــ يعتبر النظام الداخلي العمود الفقري والقاعدة الدستورية التي يستند عليها عمل الحزب ونشاطه الداخلي, وكلما كانت فقراته
واضحة وذو بعد فكري ديمقراطي كلما تجنب الحزب مشاكل يمكن ان تاثر على كيانه اواطاره التنظيمي . كما يجب ان
تتميز الأنظمة الداخلية للأحزاب في ظل النظام الديمقراطي بالشفافيه والمرونة وأعطاء اكبر مجال للأعضاء والأصدقاء
للمشاركة في صنع القرار السياسي وفي رسم وتحديد برنامج الحزب.
ــ يجب ان تصل المعلومات من اللجان القيادية الى الأعضاء والأصدقاء والمؤازرين بشكل ديمقراطي وسريع وشفاف.
ــ يكون تشكيل منظمات الحزب من خلال الأنتخاب والأختيار الديمقراطي.
ــ تتحدد طبيعة القيادة داخل الحزب السياسي حسب حجمه وظرورات عمله التنظيمي والفكري. ان احدى الأهداف
الرئيسية للحزب في النظام الديمقراطي هو الفوز بالأنتخابات البرلمانية او المحلية ..الخ . وتلعب القيادة اضافة الى عوامل
اخرى كالأعلام او الدعم المادي دورا حاسما في الحصول على اكبر عدد من اصوات الناخبيين. ان خسارة الحزب
بالأنتخابات قد تؤدي في احيان كثيرة الى استقالة رئيس الحزب الذي ياخذ على عاتقه مسؤلية هذه الخسارة. وتتمتع القيادة
في هذه الأحزاب بالديناميكية والتجدد والشفافية حيث تغذى المراكز القيادية وباستمرار بوجوه شابة. هناك مسالة مهمة
تميز الأحزاب في الأنظمة الديمقراطية الا وهي عملية تداول القيادة التي لاتعتمد على صلة القربى أوالمحسوبية وانما
على قدرة القيادة في توسيع قاعدة الحزب بما يظمن فوزه في الأنتخابات وتحقيق برنامج عمله.