|
مَنْ يكتب المنهج الدراسي الجديد؟ وكيف؟
تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)
الحوار المتمدن-العدد: 1509 - 2006 / 4 / 3 - 11:29
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
كُتِبَ المنهجُ الدراسي للمدرسة والجامعة العراقيتين طوال العقود الأربعة المنصرمة على وفق منطق جرى فيه إخضاع العلوم والمعارف لعمليات تشويه وتعسف؛ بما ذهب بها في منحى التسييس الحزبي الضيق وما ترتب عليه من خدمة أشكال دعائية للدكتاتور الطاغية ونظامه من جهة، وما ذهب به نحو آفاق ثغرات علمية جدية بسبب من تكليف عناصر لا ترقى لمستوى المسؤولية المناطة بها في أغلب الأحيان من جهة أخرى..
لقد شهد قطاع التعليم عامة جملة من أفعال لا تنسجم مع طبيعة وظائفه. وكانت مشكلة مناهج الدراسة واحدة من تلك المشكلات التي عانى منها التعليم الأولي والجامعي في عراق الأمس القريب. ومن أجل معالجة تلك الإشكالية لابد من جملة إصلاحات جذرية؛ نضع أبرز التصورات هنا بما يمكنه أن يتيح التقدم اللاحق علميا بجهود التعليم في العراق..
وأول هذه الخطوات مسؤولية جهة مركزية وظيفيا عن ضبط تأليف تلك الكتب المنهجية وتوجهاتها الأساس.. ومن الطبيعي أن تكون كل من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي مسؤولتين عن المهمة شريطة أن تكون المسؤولية تامة متكاملة ومن دون تدخلات من جهة قوى تفرض السياسات الحزبية الضيقة منها بخاصة..
إذن فالمسؤولية هي مسؤولية معرفية مهنية تخصصية أولا وهي مشروطة بأمر جد مهم ألا وهو شرط إزالة روح الأدلجة والتسييس الحزبي الضيق كما كان يحصل في زمن الطاغية المهزوم.. وقد عملت في السنوات الثلاث المنصرمة الجهات الرسمية على تحقيق نتائج بالخصوص بنزع الدعاية الشكلية من تلك المناهج من مثل صور الطاغية وما شابه بجانب العمل على تنظيف المناهج من لغة مديح النظام السياسي المنهار للدكتاتورية..
ولكن المشكلة من السعة والعمق كونها لا تكمن في تلك الأمور التفصيلية الخارجية بقدر ما تكمن في طبيعة الثغرات الموجودة في الكتب المنهجية وفلسفة توجهاتها المعرفية أيضا.. هذا فضلا عن المنحى الجديد حيث استبدال ما هو سئ بما هو أسوأ.. فإذا كانت شخصية الكتاب المنهجي مستهدفة بلغة الخضوع لحزب وطاغية فإنَّها اليوم تخضع لعملية أدلجة وتسييس وكل الذي تغير مجرد اللون، فتحولنا من خضوع لطاغية إلى خضوع لآخر تحت مسمى أسلمة المناهج..
وسيكون من نتائج ذلك [فضلا عمّا هو جارِ ِ بالفعل] لا إدخال المنهج الديني وفلسفته ودراساته البحثية المعرفية بقدر ما سيتمَّ إدخال همجية لغة تخلف رديئة تتمثل في (كتب) منهجية ليس همّها الأساس إلا غيبيات مطلقة مع سطوة مخصوصة للغة الجبرية والسوداوية وما يمكن تجاوزا تسميته (منهج) الأدعية والشعوذات وما إليها!!
إذن، فنحن في بداية نفق مظلم جديد إذا ما سمحنا لتيار الإسلام السياسي أن يعيد توظيف فلسفة تسييس منهج التعليم مستغِلا سياسة الأسلمة على أساس زعم التطابق بين الإسلام السياسي واعتقاد فئات واسعة من المجتمع بالدين الإسلامي وهو زعم مردود لخلاف جوهري بين طبيعة التيار الحزبي السياسي المتأسلم من جهة وبين الاعتقاد الديني لتلك الفئات حيث يقوم تيار الإسلام السياسي الحزبي على مصادرة الاعتقاد الديني واختزاله بدائرة طائفية أو بأوامرية سلطة المرجع الفرد المطلقة فضلا عن ثغرات عديدة خطيرة أخرى ليس هذا موضع مناقشتها...
وعلى أية حال وجب لوزارتي التعليم ومراكزهما البحثية المدرسية والأكاديمية الجامعية أن تمتلك استقلالية التنظيم والقرار وتوفير فرص المساواة والكفاءة في التوظيف ومنع سطوة لغة فرد أو مجموعة أيا كان شأنها على سياسة التعليم حيث التعليم يبقى ملتمسكا بفتحرره وانعتاقه من ربقة التسييس والأدلجة والخنوع لقراءات مشوهة..
وأن يلتزم من يؤسس للتعليم الجديد وكتابه المنهجي بلغة علمية معرفية تخصصية لا تخضع إلا لخطط التعليم البحتة وهي خطط تتطلب تكوين العقل العلمي من جهة والكفاءات المهنية المتخصصة وهذه أبرز إشكالية في حياتنا الجديدة فمن دون الانعتاق والتحرر من تلك الفسلفة المرضية المشوهة لا يمكن الانطلاق إلى تعليم يواكب معطيات العصر ومنطقه..
وهنا ينبغي أن يكون إعداد المناهج على وفق أحدث ما توصلت إليه المعارف البشرية في حاضرها حيث نحتاج للمعلومة التي تأخر وصولها إلينا بسبب من ظروف سياسية وأخرى علمية أكاديمية معروفة.. ولكنَّ اكتساب المعلومة الجديدة لا يمكن أنْ يُتاح بسهولة من دون مواكبة وتفاعل مع مختلف الدول المتقدمة ودراسة لا معلوماتية المقرَّر حسب بل منهجه وفسلفة التعليم فيه عامة...
حيث نحتاج هنا إلى مراجعة تقسيمات المدرسة والجامعة العراقيتين وتوجيهها معرفيا بما يخدم عمليات إعادة البناء على مجموع الصُعُد من بناء الشخصية العراقية ومعالجة ثغرات وتشوهات موجودة فيها بسبب من السحق والاستلاب الذي تعرضت له إلى توفير الكوادر القادرة على النهوض بعنليات البناء الطارئة الراهنية والثابتة المستقبلية..
ولأجل تحقيق كتابة منهج مقرر جديد وجب تفعيل لجان المناهج والمؤسسات العلمية البحثية بالخصوص طبعا بالاستناد إلى أهمية التعامل مع الكفاءات العلمية البعيدة عن إدخال فلسفة حزبية الملتزمة بفلسفة الانعتاق من الأدلجة المتمسكة بعلمية مشروعها وتخصصيته..
إنَّ البحث في آليات اشتغال المنهج وآليات التعليم لدينا والابتعاد على سبيل الثمال عن لغة الإملاء والتلقين المتكلسة الماضوية وتشجيع تفعيل منطق البحث والتقصي والاستقراء والاستنتاج سيكون عاملا جديا في معالجة عدد من الثغرات التي يمكن أن نضيف إليها مسائل تتعلق بشؤون تربوية سلوكية يلزم فتح قنواتها بشكل غير مباشر كما في إدخال نصوص الأدب والفن التي تنمِّي الذائقة الجمالية وتعمِّق الوعي بالبيئة المحيطة وأهمية العناية بها من جهة تأثيرها في حيواتنا حاضرا ومستقبلا فضلا عن توكيدها على قيم الغنى الروحي السليم وعلى تهدئة انفعالات الفرد المُحاط بتنشئة عنفية خطيرة حصلت وما زالت بأصابع مختلفة..
وهناك أمور عديدة غير أمور السلوكيات والممارسات الإنسانية اليومية من مثل آلية تشغيل العقل الفتي والشبابي الجديد ومنطقه وتعاطيه مع مفردات زمن مختلف نوعيا في انقلاب حقيقي باتجاه قيم السلم والديموقراطية والتسامح والمساواة والإخاء ولغة التحرر والانعتاق والحريات العامة وحقوق الإنسان والتفاعل افيجابي البناء بين أفراد المجتمع بفلسفة الحوار والتعاضد والعمل المؤسساتي الجمعي ومنع النوازع الفردية المرضية المتعارضة مع مسيرة دستورية ديموقراطية فديرالية جديدة تماما على حياتنا العراقية..
ولمزيد من مفاعلة الرؤى الوطنية العراقية والإفادة من قوانا الفاعلة ولأنَّ كثيرا من علمائنا وأساتذتنا ما زالوا خارج الوطن لظروف خارجة عن الإرادة أو غير طبيعية.. يبقى لازما وضروريا الإفادة من تلك الخبرات العراقية الموجودة في المهجر ومن تراكم الخبرات لديهم من جهتي دراساتهم وبحوثهم وتفاعلهم مع التجاريب الأجنبية المتقدمة في شتى شؤون المعرفة.. وسيكون مفيدا كذلك البحث عن أية مصادر ومراجع لبحوثنا وكتبنا المقررة بسؤال علمائنا وأكاديميينا بالخصوص عبر مؤتمرات ولقاءات وجهات مؤسسية تنهض بهذه المهام...
وستبقى هذه مجرد قراءة سريعة ولكنها تسجل أهمية تدقيق مسألة اختيار هيئات البحث والتأليف وشروط عملهم العلمية البحتة وتناسب توجهات المقرر الجديد مع طبيعة مهام المرحلة من جهة إعادة إعمار الذات المخربة والحياة العامة المهدمة بكل مفاصلها وتفاصيلها.. وعسانا نجد الفرص المؤاتية لمؤتمر يناقش هذه الإشكالية خطيرة الشأن..
#تيسير_عبدالجبار_الآلوسي (هاشتاغ)
Tayseer_A._Al_Alousi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى حزب الربيع والحياة في ذكرى التأسيس حزب الشعب ووحدته الوط
...
-
ماالمطلوب اليوم من قادة العراق وحركاته السياسية؟!
-
وقفة مع الوضع النفسي والاجتماعي العراقي الراهن؟؟!
-
من أجل ألا تتكرر مآسينا بأيدي المجرمين من أعداء الشعب العراق
...
-
المشكل في وضع الجامعة العراقية المذهل؟
-
الدكتور سيار الجميل.. شمعة تنويرية يريدون إسكاتها؟!!
-
حول منظمات الثقافة والمثقفين العراقيين في المهجر
-
قوائم الطائفية أول الطريق غش وتضليل!!؟ولسان حال شعبنا العراق
...
-
تصريحات قادة قوائم انتخابية وأنشطتهم تجاوزت الخطوط الحمر لمص
...
-
فضائح الفساد والجريمة ومنطق التبرير الأعرج!
-
قبيل الانتخابات الوطنية العامة المنتظرة؟؟
-
قُبَيْل الاستفتاء والانتخابات؟ استبدال طغيان إسلاموي طائفي ب
...
-
قُبَيْل الاستفتاء والانتخابات؟ ..الطائفية والفساد أخطر أعداء
...
-
حول موظفي سفاراتنا وممثلي الدبلوماسية العراقية
-
حتى لا نتوقف عند الإدانة الأضعف للجريمة!
-
العراقي بين الأحزاب الطائفية والأحزاب العلمانية؟
-
سعادة السفير وأبناء الجالية؟
-
الدبلوماسية العربية وعلاقاتها مع العراق الجديد؟؟-بعض مفردات
...
-
بعض من تطبيقات سياسة الأحزاب الدينية الطائفية؟؟! تراكمات الأ
...
-
الحوار وما يختفي وراءه؟
المزيد.....
-
الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
-
الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف
...
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
المزيد.....
-
نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة
/ اسراء حميد عبد الشهيد
-
حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب
...
/ قائد محمد طربوش ردمان
-
أطفال الشوارع في اليمن
/ محمد النعماني
-
الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة
/ شمخي جبر
-
أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية
/ دنيا الأمل إسماعيل
-
دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال
/ محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
-
ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا
...
/ غازي مسعود
-
بحث في بعض إشكاليات الشباب
/ معتز حيسو
المزيد.....
|