|
مواصلة الكتابة عن التاريخ والموضوعية
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 6002 - 2018 / 9 / 23 - 12:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مواصلة الكتابة عن التاريخ والموضوعية طلعت رضوان هل الأيديولوجية تــُـبرّرالتغاضى عن وقائع التاريخ المذكورة فى أمهات كتب التراث العربى/ الإسلامى؟ وبسبب هذا التغاضى يكون المُـقابل قيام الباحث بدور (الماكيير) الذى مهمته (تجميل القبح) أو- بإستخدام تعبيرألطف وأدق- إخفاء الوجه الآخرللحقيقة، مثلما فعل عباس العقاد فى سلسلة (عبقرياته) وهذا ما لاحظته فى كتاب د. ياسرشحاتة (إعادة قراءة التاريخ- ج2- هيئة الكتاب المصرية- عام2018) وعلى سبيل المثال ذكرالباحث أنّ عمربن الخطاب يعتبرمن أعدل من حكم على مرالتاريخ..إلخ (ص156) فإلى أى مدى يتفق هذا الرأى مع الوقائع العديدة التى لاتنفى (فقط) هذا الزعم، وإنما تؤكد العكس تمامًـا. ولأنّ إعادة كتابة التاريخ يحكمها منهجان: أحدهما مع الأيديولوجية المُـكبــّـلة بالعاطفة الدينية..والمنهج الثانى هوالذى تجرّد كاتبه من أية أيديولوجيا..وهوالأمر الذى ينطبق على الراحل الجليل (خليل عبدالكريم) بالرغم من أنه بدأ حياته بالإنتماء لجماعة الإخوان المسلمين..ولكنه عندما يكتب تكون الحقيقة (وحدها) هى قـِـبلته، فهو- مثلا- ذكرالعلاقة المُـفارقة بين عمربن الخطاب وبلال فكتب ((كان عمرعندما كانت العلاقة بينه وبين بلال كالسمن على العسل، فكان يخاطبه ب (سيدنا) فلما عارضه بلال فإذا بعمريدعوعليه بالهلاك..وأضاف أ. خليل ((ونفهم من ذلك أنّ المعارضة فى الرأى لاجزاء لها عند الخلفاء المسلمين إلاّبالموت..ولكن دعوة عمر فيما يبدولم تــُـصب إلاّبلالا، لأنّ الزبيرعاش خلافة عمرحتى نهايتها، ثم زمن عثمان حتى قــُـتل..وكان من المؤلبين عليه..وبداية عهد على حيث قــُـتل أثناء وقعة الجمل أوبعدها بقليل (فى رواية أخرى) فلماذا كان بلال وحده الذى أصابه سهم عمر؟ لعله كان أشد المعارضين شراسة، فاستحق هذا الجزاء (الصحابة والصحابة- سينا للنشرعام1997- ص54) وفى اجتماع (سقيفة بنى ساعدة) الذى أعقب وفاة الرسول لاختيارالشخص الذى سيخلفه، فإنّ عمربن الخطاب انحازلترشيح أبى بكر، بينما جميع أهالى الخزرج اختاروا (سعد بن عبادة) سيد الخزرج، وإزاء إصرارهم على ترشيح سعد بن عبادة غضب عمر..ووصل غضبه لدرجة أنْ قال فى اجتماع السقيفة ((أقتلوا سعدًا..قتل الله سعدًا)) وذلك بعد أخذ البيعة لإبى بكر..وقد تخلف سعد عن البيعة..وتخلف كذلك عن مبايعة عمر..وظلّ مغاضبـًـا لهما لايصلى بصلاتهما ولايحج بحجهما..وسارإلى الشام..وفى ظروف غامضة أشيع أنّ الجن قتلته..وأنهم سمعوا شاعرهم يصيح: قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبـــــــادة رميناه بسهمـــــيْن فلم نـُـخطىء فؤاده ومع ملاحظة أنّ المنطقة التى قــُـتل فيها واسمها (حوران) تقع قرب دمشق. وكانت الشام أنذاك تحت حكم معاوية بن أبى سفيان خبيرتصفية أعداء دولة قريش (المصدرالسابق- ص85) وذكرخليل عبدالكريم أنه يـُـدرك صعوبة إقناع القارىء بالخلط والخطأ اللذيْن وردا فى (الكتابات التبجيلية) وخاصة المتأخرة والتى صوّرتْ عمربن الخطاب بصورة الزاهد المُـدْبرعن الدنيا..وأشاعتْ عنه حكايات لطيفة مسلية، مثل أخذه قميص ابنه عبدالله ليكمل به قميصه..وأنه أكل الزيت فى عام الرمادة (= المجاعة) حتى اسودت بشرته..وأنّ ثوبه كان به عشرين رقعة إلخ..وبالرغم من أنّ من أتحفونا بهذه الحكايات الظريفة، لم يـُـقدموا مصادرهم لتأكيدها، بينما أغلب رواياتهم المحبوكة أوالمسبوكة، حدثت إبان الفتوحات/ الغزوات التى أتت بالأموال الوفيرة، وإذا كان عمريلبس (ثوبـًـا مرقعـًـا) قبل الغزوات وقبل تلال الأموال المنهوبة، فكيف يلبس ذات الثوب المرقع بعد الفتوحات/ الغزوات؟ أما عن المجاعة فكيف تحدث فى أثرب/ يثرب المدينة..وقد كانت مصب ثروات العراق والشام ومصروغيرها..وكلها فــُـتحتْ فى عهده..وعلى سبيل المثال يوضح لنا الخبرالآتى مقدارالثروة الأسطورية التى كــُـسحتْ من بلد واحد: لقد دخل عمروبن العاص الإسكندرية وسائرمدن مصر..وجبى (= جمع) أربعة عشرألف ألف دينارمن خراج رؤوسهم، بخلاف خراج غلاتهم عن كل مائة أردب أردبيْن (تاريخ اليعقوبى- المجلد الثانى- ص154) ثم أضاف أ. خليل: ولوفرضنا مستحيلا فإنّ تلك المجاعة لم تدم سوى أيام، لأنّ غازى مصر(عمروبن العاص) أرسل قافلة امتدت من الفسطاط حتى يثرب..وتنوء ظهورجمالها بمحصول عرق (العلوج- حسب وصف العرب للفلاحين المصريين) عرق وشقاء الفلاحين فى أراضيهم..وقد ناقشتْ المصادرمسألة اسمرار وجه عمرفى زمن المجاعة أوالرمادة..وانتهت إلى عدم صحتها، ففى الأصل كان ابن الخطاب أسمرشديد السمرة..وصاحب الوجه الأسمرأوالبالغ السمرة لايتأثروجهه بأكل الزيت أوخلافه. وسمرة وجه عمرأكدها أبوعمر(أسد الغابة فى معرفة أحوال الصحابة- ج4- ص181) وذكرها ابن عبدالبرفى الاستيعاب- المجلد الثالث- ص1146) وذكرابن عبدالبرعن حكاية اسمراروجه عمرمن أكل الزيت أنها منكرة..وقال الواقدى أنّ سمرة عمرفى عام الرمادة..فهذا منكرمن القول (المصدرالسابق) وبالرغم من أنّ أمهات كتب التراث العربى/ الإسلامى نفت حكاية أكل الزيت كسبب فى سمرة وجه عمر، فإنّ تلك السمرة تتحوّل على ألسنة المحدثين إلى قصيدة عصماء فى مدح عمر..وأضاف أ. خليل: ونحن نرى أنّ تلك القصة (الملفقة) تنفى الزهد وأنها تدل دلالة قاطعة على أنّ أكل الزيت كان بالنسبة إليه استثناءً أى أنه فى أوقاته العادية..كان يتناول طعامه مطبوخـًـا بالسمن، فأين هوالزهد إذن؟ بل إنّ عمركما جاء فى كتب الفقه على جميع المذاهب غنم مائة سهم من غزوة خيبر..وكان من الطبيعى أنْ ينشغل عمربالعناية بأرضه ((حتى عن حضورمجالس النبى بانتظام..وقد شهد عمرمع النبى غزوات: بدر، أحد وخيبربخلاف السرايا التى ساهم فيها..وكان بعضها على رأس السرية..ولاشك أنه أخذ نصيبه من الغنائم. وبعضها كثيرخاصة من حنين وخيبر..وحتى فى غزوة بدرفإنّ كل من شهد تلك الغزوة كان نصيبه ثلاثة آلاف..ونصيب عمرأربعة آلاف (تاريخ اليعقوبى- المجلد الثانى- ص153) وفى الوقت الذى كان يخطب فيه من على المنبر..ويـُـنهى عن المغالاة فى المهور..فإذا به يدفع لأم كلثوم بنت على من فاطمة بنت محمد صداقــًـا (كما ورد فى رواية حفص بإسناد) أنّ عمربن الخطاب أصدق أم كلثوم ابنة على أربعين ألف دينار(المغنى لابن قدامة- المجلد الثامن- ص68) ولكى يتبين للقارىء ضخامة المهرالذى دفعه عمرليتزوج الصغيرة أم كلثوم (حفيدة النبى) أنّ دينارالذهب بمكة وزنه مائتان وثمانية وعشرون درهمًـا فى عهد النبى..وفى هذا العهد كانت علامة ثراء المرء هو زواجه من عدد كبيرمن النسوة (الحرائر) غيرتسريه بالإماء (البنات اللائى وقعنَ فى الأسر) وإذا طبقنا هذا المقياس على عمرفإنه تزوج من: الأولى زينب بنت مظعون التى ولدت له: عبدالله وعبدالرحمان الأكبروحفصة. الثانية: أم كلثوم بنت على التى ولدت له: رقية وزيد الأكبر. الثالثة: جميلة بنت عاصم بن ثابت..وكان اسمها فى البداية (عاصية) فسماها محمد (جميلة) الرابعة: مليكة بنت جرول الخزاعية التى ولدت له: زيد الأصغروعبيدالله. الخامسة: عاتكة بنت زيد التى ولدت له: غياض. السادسة: فكيهة بنت الحارث بن هشام بن المغيرة..وولدته له فاطمة. هذا بخلاف الإماء (الأسيرات العبدات) وفق منظومة (ملك اليمين) المنصوص عليها فى القرآن..وكان من بينهنّ اللائى أنجبنَ من عمرفأخذنَ لقب (أم الولد) وكانت الأولى: لهيبة التى ولدت له عبدالرحمان الأوسط. والثانية ولدته له عبدالرحمان الأصغر. والثالثة: فكيهة (وهى غيرفكيهة الحرة) التى ولدت له زينب. وبهذا يكون عمرجمع بين تسع نساء (6زواج شرعى..و3ملك يمين) وذكرأ. خليل أنّ بعض تلك الزوجات من فروع عالية من قريش مثل (فكيهة) من آل المغيرة درة قريش..ويتقاضى مهورًا مرتفعة..وكان بعضهنّ يتميزنّ بالحسن الفائق مثل عاتكة بنت زيد التى تعاقب عليها خمسة أزواج..وقد روى عن ابن عمرأنه وصى أمهات أولاده بأربعة ألاف..وعن وهب الخولانى أنّ عمربن الخطاب قسـّـم فى الناس فأصاب كل رجل نصف دينارإذا كان وحده، فإنْ كانت معه امرأته أعطاه دينارًا..وكان هناك من بلغ عطاؤه اثنى عشرألفا من أهل القمة، أى أنّ عطاء القرشى يساوى ستة آلاف ضعف الرجل العادى..وثلاثة آلاف ضعف عطائه هو وزوجته، مع أنه بسيوف هؤلاء (البسطاء) فـُـتحتْ البلاد التى صبـّـتْ عليهم أنهارالثروة، بعد أنْ عاشوا سنوات طويلة وهم فى أشد العطش إلى قطرة واحدة منها (خليل عبدالكريم- المصدرالسابق- من ص131- 141) وعن موسى بن يزيد قال: حمل أبوموسى الأشعرى إلى عمربن الخطاب ألف ألف..فقال عمربكم قدمت؟ قال: بألف ألف، فأعظم ذلك عمروقال: هل تدرى ما تقول: قال: نعم قدمت بمائة ألف ومائة ألف حتى عشرمرات..فقال عمرإنْ كنت صادقــًا ليأتينّ الراعى نصيبه باليمن ودمه فى وجهه (فتوح البلدان- ج1- ص253) فكان تعليق أ. خليل: هنا نجد عمربن الخطاب لايـُـصدق أنّ إحدى الولايات التى وطئوها برماحهم وسنابك الخيول، تغل عليهم مليون درهم فى السنة..وعقدتْ الدهشة لسانه..وتصورأنّ أبا موسى لايدرى ما يقول..وعندما سأل عمر((هل هذا المال طيب))؟ فإنّ سؤاله بلا معنى، لأنه يعرف أنه ناتج كدح وعرق (العلوج) وحصيلة عملهم من طلوع الشمس إلى مغيبها..وسوف نرى بعد سطورأنّ (عمر) نفسه شهد واقعة تعذيب (العلوج) للحصول على أموالهم..فكيف يكون المال طيبا؟ وأنّ أبا هريرة كان فى أول أمره يلازم النبى ((على شبع بطنه)) فإذا به يصبح أميرًا على البحرين زمن عمر..ولما بلغه أنه اشترى أفراسًـا بألف وستمائة دينار، استدعاه وسأله عن ذلك وأغلظ له فى الكلام وقال له: استعملتك على البحرين وأنت بلا نعليْن. فقال أبوهريرة إنها هدايا وعطايا تلاحقت علينا..ولكن (عمر) لم يقتنع برد أبى هريرة لأنه يعلم أنّ تلك العطايا لاتـُـعطى للوالى من أجل سواد عينيه، إنما رهبة أورغبة فى منصب، لهذا شاطره (أى قاسمه وأخذ النصف لنفسه) وواصل أبوهريرة طريقه فى الثراء والعز..وبنى قصرًا فى العقيق (المصدرالسابق- من ص190- 192) كل تلك الوقائع تغافل عندها د. ياسرشحاته عندما ذكرأنّ عمربن الخطاب ((من أعدل من حكم على مرالتاريخ)) ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشكر للمرة الثانية
-
قراءة التاريخ وحيادية الكتابة
-
الاصطدام بالشخصيات المقدسة (7)
-
كتابة التاريخ وإلى أية درجة الالتزام بالموضوعية (2)
-
شكر وتقدير
-
الاصطدام بالشخصيات المقدسة (6)
-
الاصطدام بالشخصيات المقدسة (5)
-
كتابة التاريخ وإلى أية درجة الالتزام بالموضوعية (1)
-
الاصطدام بالشخصيات المقدسة (4)
-
الاصطدام بالشخصيات المقدسة (3)
-
تجاربى مع النشر(2) الاصطدام بالشخصيات المقدسة
-
تجاربى مع النشر بشكل عام (1)
-
تجربتى مع مجلة فصول
-
هل فى مصر(مثقفون) وفق التعريف العلمى؟
-
مقالاتى الممنوعة من النشر (1)
-
فتوة الحارة وفتوة العالم
-
تجربتى مع صحيفة الدستور- الإصدارالأول
-
الإعلام والثقافة السائدة ومساندة الإرهابيين
-
رابعة والنهضة وغياب التحليل الموضوعى
-
ما مصدرقوة الحزب المقاوم والمعادى للشيطان
المزيد.....
-
هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية
...
-
المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله
...
-
الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي-
...
-
أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ
...
-
-حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي
...
-
شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل
...
-
-المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|