أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الإله إصباح - أي علاقة بين الماركسية والذهاب إلى الحج














المزيد.....


أي علاقة بين الماركسية والذهاب إلى الحج


عبد الإله إصباح

الحوار المتمدن-العدد: 6002 - 2018 / 9 / 23 - 03:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أي علاقة بين الماركسية والذهاب إلى الحج
عبد الإله إصباح
خلف خبر ذهاب الكاتب الوطني لحزب الطليعة إلى الحج صدمة وسط المناضلين ، انعكست جدالا ونقاشات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وكانت أغلبها تعبيرا عن السخط والتذمر من الإقدام على مثل هذه الخطوة من قبل مناضل يساري يتحمل مسؤولية القيادة لحزب يساري راديكالي. بينما تفهمت بعض التد وينات هذه الخطوة واعتبرتها لا تشكل تناقضا مع مبادئ الحزب وتوجهاته، وحاولت الاستشهاد بفقرات من الأدبيات الحزبية تتحدث عن الجوانب المشرقة في التراث العربي الإسلامي، بل اعتبرت الخطوة تندرج ضمن حرية المعتقد التي يدافع عنها الحزب.
والحقيقة أن زاوية مناقشة الموضوع لا تتصل بالجوانب الشخصية في المسألة، فالشخص في النهاية هو حر في معتقداته وتصرفاته، ولكن موقعه كقيادي في حزب يساري ورصيده النضالي، يجعل تقبل خطوته أمرا صعبا للغاية، لأن الخطوة شكلت بالفعل صدمة وأصابت بالذهول أوساط المناضلين بالحزب وبعموم اليسار. وهذا رد فعل طبيعي جدا، وكان ينبغي توقعه، وإلا كان ذلك سوء تقدير لا يغتفر، وعدم دراية بحقيقة الحزب وموقفه الإديولوجي الصارم إزاء الغيبيات مثله في ذلك مثل أي حزب يساري حقيقي، ينظر للواقع في أبعاده السياسية والثقافية والدينية من منظور مادي تاريخي.
ليس الأمر إذن بسيطا، يكفي لمواجهته القول بأن حزب الطليعة لا يدعو إلى الإلحاد أو لا يناهض الدين. الأمر أعقد وأعمق من ذلك، لأن نظرة الحزب للدين هي نفسها نظرة الماركسية إليه، والتي تعتبر المعتقدات والتمثلات الثقافية والفكرية السائدة تندرج ضمن البنية الفوقية للمجتمع والمحكومة في عناصرها العامة بكونها خاضعة للبنية التحتية كواقع مادي تاريخي. فالدين في نشأته وحضوره واستمراره مرتبط أشد الارتباط بهذه البنية، وحقيقته لا تخرج عن إطارها، فهي الحاضن والمنطلق. وعندما يقر مناضل يساري بالحقيقة التي يدعيها الدين عن نفسه، يكون قد تخلى عن المنظور الماركسي للدين، ودخل في تناقض كلي معه. صحيح أن هذا المناضل حر في معتقده، ولكنه لم يعد حرا في ادعائه الانتماء إلى الماركسية، لأن هذا الانتماء مرتبط برؤى تترجم إلى مواقف من الواقع وتتبلور في مسلكيات تنسجم مع هذا المنظور. ولا نعتقد أن مسلك الذهاب إلى الحج له صلة بالماركسية مهما بالغنا في التبرير وتعسفنا في التأويل.
إن الماركسية كفلسفة نقدية حداثية كبرى، توسلت في بناء صرحها النظري على المنجز العلمي في عصرها، وهو منجز تأسس على القطيعة مع المنظور اللاهوتي للعالم الذي كرسته وتكرسه الديانات. منجز أحدث بالفعل قطيعة إبستمولوجية مع هذا المنظور حين اعتبر أن المصدر الوحيد للمعرفة هو العقل وليس قوى غيبية خارقة. لا يمكن إذن الجمع بين العقل واللاعقل، بين العلم والخرافة في النظر إلى الواقع، وكل جمع بين ذلك، هو جمع بين أضداد لا تلتقي.
إن صلابة الانتماء إلى الماركسية لا بد أن تترجم إلى ممارسة متماهية ومنسجمة مع هذا الانتماء. وممارسة شعيرة الحج لا يمكن النظر إليها إلا كانزياح واضح عن هذا الانتماء. ليس من قبيل الصدفة أن الماركسية ألحت على أهمية الممارسة أو البراكسيس، إذ لا قيمة للجانب النظري إذا لم يترجم إلى ممارسة تؤكده وتعضده. هل يمكن أن نتصور منظرا كبيرا من حجم الشهيد مهدي عامل يقوم بهذا الفعل؟ هل نتصور مناداته بالحاج مهدي عامل، أو مناداة حسين مروة بالحاج حسين مروة، أو عمر بن جلون بالحاج عمر بن جلون أو الفقيد عبد الغني بوستة بالحاج عبد الغني بوستة السرايري وهلم حجا وحجاجا. طبعا لا يمكن أن يحدث ذلك حتى في الخيال.
حكى المناضل علي بوشوى أنه لما خرج من السجن في مطلع الثمانينيات، جاءه اليازغي حاملا إليه تذكرة الحج، فرفض ورماها في وجهه محتجا بكونه مناضل يساري، هو المناضل البسيط الذي ليس له مسار أكاديمي، ولكنه الصلب في قناعته الإيديولوجية وانتمائه للماركسية. وهو في هذا الصدد لا يجامل حتى محيطه القروي المتدين. إنه الوضوح الإديولوجي الذي طالما دافع عنه الحزب باستماته وشراسة ونادى إليه مرارا الشهيد عمر بن جلون.
لما اعتنق روجي جارودي الإسلام، تم طرده من الحزب الشيوعي الفرنسي على الفور حرصا من الحزب على التصدي للتشويه والانحراف الإيديولوجي، علما بأن جارودي كان أحد المنظرين والقياديين البارزين لهذا الحزب.
إن الذهاب إلى الحج ليس فقط استسلاما لتمثل غير عقلاني للتاريخ وللواقع، بل هو كذلك استسلام لمنظومة ثقافية متكاملة مناقضة للمنظومة الثقافية التي يمثلها اليسار، ومناقضة للقيم التي يدعو إليها. فهي تناقض حرية المرأة وتشجع على تعدد الزوجات وتناهض المساواة في الإرث. لا يتعلق الأمر إذن بحرية شخصية، وإنما باختيارات مبدئية وبالانسجام بين النظرية والممارسة. فهل يقبل المناضلون والمناضلات أن تقتحم مناضلة حزبية اجتماعا لهم وهي ترتدي النقاب بدعوى أن المسألة مرتبطة بحرية المعتقد؟
إذا كان على اليسار أن يتعامل مع قضية الإيمان، فلا بد له أن يبلور منظورا جديدا لهذا الإيمان يتأسس على أنقاض إيمان العجائز كما قال الغزالي ذات مرة، ويستأنف مشروع المعتزلة في عقلنة المعتقد الديني، ذلك المشروع الذي تعرض للوأد والإجهاض من قبل قوى النكوص والردة التي حاربت العقل وأقفلت باب الاجتهاد. ليس مقبولا من اليسار أن يستسلم للمنظومة الثقافية السائدة، ويحصر همه في التغيير السياسي فقط، لأن ذلك يجعل مشروعه مجرد سعي إلى السلطة بدون أفق مغاير وعمق ثقافي يشكل قطيعة مع ما هو سائد، ويدشن لنقلة حضارية من منظومة التقليد إلى منظومة الحداثة في جميع أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية. بدون هذه الرؤية لن تكون أحزاب اليسار سوى رقم في سلسلة أحزاب متشابهة ومتضافرة في تكريس الواقع القائم وتأبيده. هو الأمر إذن في منتهى الجدية، وإذا لم ينظر إليه كذلك، فهذا يعني أن اليسار فقد البوصلة وضاع في المتاهة.



#عبد_الإله_إصباح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام .. وأزمة الانفصال بين العبادة والأخلاق
- ثورة لم تكتمل، قراءة في مذكرات المناضل امحمد التوزاني.
- بن كيران، نهاية كاريزما الضحالة والتهريج
- أحمد بن جلون صديق الهوامش
- الشهيد المهدي بن بركة والانتقال من التقليد إلى الحداثة
- بوب ديلان وناس الغيوان
- الشهيد المهدي بن بركة، وحدة اليسار والملكية البرلمانية
- عبدالرحمان بنعمرو..وعدالةالذاكرة
- في دلالات التحاق عضو من العدالة والتنمية بصفوف داعش
- التوزيع العادل للثروة والمسالة الديمقراطية
- عبد الصمد بلكبير والحركة السلفية
- أحمدعصيد وتجريم التطبيع مع إسرائيل
- المؤتمر السابع لحزب الطليعة ورهان وحدة اليسار
- الشهيد المهدي بن بركة، بلاغة الوضوح ومنطق التسوية
- حركة 20 فبراير ومرحلة ما بعد الاستفتاء
- الشعب المصري يواصل ثورته بعزم وإصرار
- الشعب المصري العظيم يريد الحرية.. يريد الحياة
- الشعب المصري يقرر إشعال ثورته
- ثورة تونس المجيدة.. وصناعة التاريخ
- محمد عابد الجابري.. ومسألة العلمانية


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الإله إصباح - أي علاقة بين الماركسية والذهاب إلى الحج