|
المفهوم القومي لدى الشعوب السورية
غمكين ديريك
الحوار المتمدن-العدد: 1509 - 2006 / 4 / 3 - 11:25
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تاسست الدولة السورية حسب المصالح الاستعمارية الغربية في القرن العشرين ، اثر اتفاقية سايكس - بيكو المشهورة بين كل من القوى الاستعمارية العالمية انذاك ( فرنسا وانكلترا) حيث ما كانت تعرف ببلاد الشام وتضم كل من الاردن وفلسطين ولبنان وسوريا الحالية تقريبا ، واقيمت المناطق الحدودية على اساس اقتسام مناطق النفوذ بين هاتين القوتين الاستعماريتين ، ولم يكن يوجد انذاك المفهوم القومي او الفكرة القومية في انشاء الدول ، وكانت في مراحلها الجنينية ، وكان هذا الاقتسام بمثابة قطع الطريق على هذه النزعة او المفهوم العصري انذاك ، لان المنطقة بشكل عام ترزح تحت حكم الامبراطورية العثمانية ذات الايديولوجية الاقطاعية الاسلامية ، والتي تعترف بمكونات المنطقة من شعوب وقبائل واديان تم اتحادها او انضمامها تحت لواء الامبراطورية العثمانية الاسلامية ، لان مفهوم الاسلام للقومية هي الاعتراف بالقوميات على اساس الشعوب والقبائل ( وانما خلقناكم شعوب وقبائل لتتعارفوا ) وما يؤكد هذا الخطاب الاسلامي في الواقع العملي هو قول الامام الخميني عشية انتصارالثورة الاسلامية في ايران ( الحرية للشعوب الايرانية كافة من فرس وازر وكرد وعرب وبلوج ) والخطاب الاسلامي العام بشعوب المنطقة وليس بشعب المنطقة ، ويعني هذا بان المنطقة تحتوي على اختلاف وتنوع قومي معترف به في المفهوم الاسلامي والخطاب الاسلامي الموحد . وفي فترة ما بين الحربين العالميتين انتشر المفهوم القومي بشكل سريع في منطقة الشرق الاوسط ، نتيجة التاثر بالتطورات التي حققتها الثورة البرجوازية في المنطقة ، التي نقلتها من اوربا الى المنطقة بشكل عام ، فسارعت القوميات الى الاعلان عن دولها وباشرت بتاسيس الدول القومية بالاستناد الى الخريطة التي رسمتها قوى الاحتلال سابقا ، ولم يتم تجاوز تلك الحدود ، وتم الاعلان عن الكثير من الدول في هذه الفترة ، نتيجة تطور قواها البرجوازية والتي ابتلعت الشعوب واسست الدولة القومية على جهد وانكارالشعوب الاخرى ( مثال تركيا : التي لاتتجاوز عدد الاتراك الاصليين في هذه الدولة 25 % والشعوب الاخرى مثل الشركس واللاظ والكرد والعرب تتجاوز 75 %) وبقيت بعض الدول التي لم تستطع الاعلان عن استقلالها او تشكيل دولتها القومية الا بعد الحرب العالمية الثانية ، ومنها الدولة السورية . مع نهاية الحرب العالمية الثانية والانسحاب الفرنسي من سوريا تم تاسيس الدولة السورية باسم الجمهورية السورية ، على غرار الجمهورية العراقية والتي تم تاسيسها قبل الدولة السورية بعقدين تقريبا مع العلم انها اي الدولة كانت معترفا بها صوريا في وثيقة الانتداب عام 1936 الا انها لم تكن تمثل الدولة القومية ، لان المفهوم القومي لم يكن له اي دور في تشكيل هذه الدولة ، ولكن بعد اعلان الاستقلال وتطور البرجوازية السورية بشكل عام تم انشاء بعض الاحزاب القومية في المنطقة والتي اثرت على الوضع الداخلي السوري ايضا ، ولكنها لم تتبلور في مرحلة الخمسينات ، وشهدت سوريا مرحلة صراع مرير ومخاض عنيف في تلك الفترة والتي سميت بمرحلة الانقلابات في سوريا ، ونستطيع القول ان هذه الانقلابات كانت نتيجة صراعات قوية بين النزعة السورية التقدمية الحضارية وبين النزعة القومية المتعصبة والتي ظهرت بكل وضوح ، وتبلور النزعة القومية لدى الاخوة العرب بتاثير من الحركة الناصرية اولا ومن ثم تاسيس حزب البعث العربي الذي اعتبر نفسه راعيا للمصالح القومية العربية في كل من سوريا والعراق ، والذي اختتم مرحلة الانقلابات لصالحها وتوجهت بسوريا وشعوبها الى ما نحن فيه الان من مأزق والاستمرار فيه . مع استلام التيار البعثي لسدة الحكم في سوريا ، بدأ ت قوى التحرر والتطور الحضاري في سوريا بالتراجع وانحسار ساحتها الفكرية ، لان استيلاء البعث على كافة مفاصل الدولة والمجتمع بدات في لحظة حسمها لمرحلة الانقلابات لصالحها ، وعملت على تطبيق مفاهيمها في الواقع العملي عبر تحريف و تخريب البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع السوري وصولا الى تغير الديموغرافية الاجتماعية في سوريا ، وذلك عبر القوانين الاستثنائية والمشاريع العنصرية والاعلان عن حالة الطوارئ ، وبمعنى اخر اعلان الحرب على البنية الاجتماعية والقوى السياسية في سوريا واجهاض الدور الحضاري للمجتمع السوري ، والتي تسببت في تخريب العقلية السورية للمفهومين الوطني والقومي ، وجعل اهدافها حقائق يجب الاعتراف بها ان شئت ام ابيت ، والتي اصبحت الان جزأ من الموروث القذر للشوفينية والتعصب القومي ، حتى ان اكبر الديمقراطيين والمناديين بالمساواة والحرية وحقوق الانسان يقولون بكل بساطة ( ان الشعب السوري هو جزء من الامة العربية ) او ( ان الشعب السوري هو جزء من الامة الاسلامية ) حيث اصبحت هذه النظريات التي جاهد البعث من اجلها مسلمات طبيعية في عقلية اكبر الديمقراطيين ، فما بالك بالانسان العادي او المواطن الذي فقد هويته القومية او الدينية ، وهو يسال نفسه انا سوري فهل حقا انا مسلم او هل حقا انا عربي ما دمت سوريا ؟. ان الشعب السوري ليس من الشعوب المتخلفة او التي لم تتبلور لديه فكرة القومية او المفهوم القومي ، ولكن طبيعة التشكيل السوري وموقعها الجيوبوليتي افرزت طابعا خاصا في بناء الدولة السورية ، لانها مزيج من من بقايا الشعوب القديمة التي سكنت هذه الارض بالاضافة الى استيطان وهجرة اواحتلال شعوب اخرى لهذه الارض وبقائها للسكن والتوطين ، فقد تشكلت سوريا من الفينيقين القدامى والهوريين والميتانيين والاشوريين السريان والارمن وشعوب عموريين بالاضافة الى الهجرة العربية عن طريق التجارة او الرعي او الاحتلال الاسلامي والتي سميت بالفتوحات الاسلامية ، لذا فان مزيجا من هذه الشعوب لن تستطيع التوجه الى اعلان الدولة القومية لانها تفتقر الى قومية موحدة ، وان كانت الكثير من مكونات الشعوب السورية تعربت نتيجة سيطرة الدين الاسلامي العربي ، وافول نجم الكثير من الشعوب وضياع حضاراتها ووذوبانها بتاثير من التعريب والعنصرية الدينية ، وعلى الرغم من كل ذلك استطاعت الشعوب السورية الاعتراف بالموزاييك المتنوع والعيش المشترك في الوطن الواحد ، وحتى في مرحلة الانقلابات لم تظهر فئة او انقلاب لتؤكد سيطرة فئة على اخرى ، لابل كانت مزيجا من كافة مكونات الشعب السوري ، وهذا ما كان واضحا في الكثير من الانقلابات حيث قان قادة الانقلابات يتشكلون من عرب واكراد واشوريين واتحاد مسلم ومسيحي ، وحتى الانقلاب الاخير الذي اعلنه حزب البعث لم يستطع وبتاثير من هذا المكون السوري ان ينكر الموزايك الاجتماعي المتنوع ، فقام بتكليف كردي لترأس اول وزارة في سوريا ، الا انها ومن خلال اساليبه العنصرية استطاع اقصاء كافة المكونات تدريجيا ، وصياغة سياسته وايديولوجيته العنصرية على اساس ان الدولة السورية هي دولة عربية مسلمة ، وكل من يعيش في حدود هذه الدولة هو عربي مسلم . ونتيجة هذا التعصب والاقصاء والقمع والانكار الممارس يوميا على الجماهير وترديد شعارات البعث صباحا ومساءا ، ومع مرور الزمن تشكل لدى الموروث الاجتماعي السوري صيغة مفبركة لاتمت للواقع باي صلة من المفاهيم والاطروحات السياسية ، واصبح الانسان في هذا المجتمع يصدق شعارات البعث ترغيبا او ترهيبا ( شاء ام ابى ) ، لذا فليس من الغريب ان تجد مثلا في صياغة اعلان دمشق ( سوريا عربية ومسلمة ) او ان فلان عدو لسوريا بمجرد عداوته للبعث او للفساد والقمع والارهاب الممارس ضد الجماهير الشعبية . لان البعث ذات الايديولوجية الشمولية شكل كتلة من الافكار والمفاهيم كقوالب جاهزة ويحصر الشعب ضمنها ويقيس الجماهير بمدى تقبل هذه القوالب ، فمن لايقبلها فهو عدو ومرتبط بالخارج الذي يريد ان يهدم قلعة الصمود والتصدي ( سوريا البعث ) لان سوريا هي رمز العرب ورمز المقاومة ورمز النخوة العربية ، وهنا نتساءل متى كانت سوريا عربية لتاخذ هذا الموقع ، ام انها تجارة رابحة بيد السلطة من اجل الحفاظ على سلطتها وتمديد عمرها . متى كانت الفكرة القومية هي الشغل الشاغل للسوريين ؟، ومتى كانت الصراعات القومية هي المنشرة في سوريا ؟، ومتى كان الاقصاء والانكاروقمع الهوية القومية والدينية سياسة في سوريا ؟، ومتى كانت الطائفية هي ميزان القوى في الساحة السورية ؟، ومتى كانت بعض المناطق تنتج وبعضها الاخرى تاكل وتتضاخم ثروتهم في سوريا ؟، ومتى شعر السوري انه ليس سوري ؟، ومتى كره السوري اخاه السوري ؟، ومتى قتل السوري برصاص اخاه السوري عن سبق اصرار وتعمد ؟، ومتى كان السوري يتحرك وفقا لتعليمات عبد الناصر وصدام وغيرهم ؟، ومتى بدأ السوري بعبادة شخص وترك عبادة الله عز وجل ؟، ........ وغيرها الكثير... ولكن اجوبتها هي جملة واحدة ( في عهد البعث - ومع فكر البعث ) .
#غمكين_ديريك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اذار.... المراة والانتفاضة ونوروز
-
اذار اول خطوة سليمة نحو الديمقراطية 12
-
الحراك الديمقراطي والتنظيم في سوريا
-
المراة بين الواقع وطموح الشعارات
-
المعارضة الكردية بعد خدام
-
ردا على رياض الترك (م. طلب هلال الثاني ) 2
-
نحن ومعوقات الديمقراطية
-
القضية الكردية بين الانكار و الوجود
-
دراسة تحليلية في البنية التنظيمية للحركة الكردية في سوريا
-
قصة ميليس
-
الرجل يعرف بكلمته التي لن تتغير ولو طارت راسه
-
رسالة إلى إعلان حلب
-
من بين المتاهات
-
هل ستتساوم قامشلوعلى كرديتها
-
شذرات سياسية
-
دور الشبيبة في ترتيب البيت الكردي السوري
-
تأهيل الشرق الأوسط الكبير
-
افتتاحية جريدة الوفاق العدد 22
-
الانظمة تخلق حفارة قبرها
المزيد.....
-
صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
...
-
الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا
...
-
-غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
-
بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال
...
-
في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
-
5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
-
قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا
...
-
خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة
...
-
اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال
...
-
اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|