|
الرومانسية السياسية
ريهام عودة
الحوار المتمدن-العدد: 5993 - 2018 / 9 / 13 - 13:26
المحور:
القضية الفلسطينية
لن تتحرر فلسطين بأغنية لفيروز ، و لا برقصة دبكة لفرقة شعبية ترقص على أنغام ثورية ، و لا ببيت شعر لفتى حالم يتحدى الاحتلال ، و لا بحجر بيد فتاة ملثمة كحيلة العينيين، و لا حتى بسكين فاكهة يُستخدم لتقطيع التفاح .
إن فلسطين لن تحررها الكلمات الثائرة و لا الشعارات الرنانة التي تُروج لها معظم الفصائل السياسية الفلسطينية ، و لن تتحرر بالغضب و المشاعر الجياشة و دموع الثكلى و الأرامل عبر شاشات الفضائيات العربية.
فقضية التحرر ليست مجرد مقطع سينمائي لفيلم مصري قديم ، يُصور فاتن حمامة كناشطة سياسية ثائرة، وهي توزع المنشورات السياسية سرا بعيد عن أعين الاستعمار الانجليزي، و ليس مسلسل تاريخي يحاكي انتصارات صلاح الدين الأسطورية ضد الصلبيين، و ليس أغنية عربية لجوليا بطرس تجعل المستمعين يحلقون في السماء، و يشعرون بنشوة الانتصار .
فلسطين لن تتحرر بالبكاء على الأطلال ، أو بتحميل العالم مسئولية الفشل الفلسطيني لتحقيق الحرية و الاستقلال ، فبكل بساطه فلسطين لن تتحرر بالرومانسية السياسية التي تروج لها معظم الفصائل السياسية الفلسطينية ، و التي لديها قناعة كبيرة أن الوسائل التقليدية و القديمة التي يستخدمها الفلسطينيون في التعبير عن احباطهم و يأسهم من استمرار الاحتلال ، سوف تجلب لهم النصر وتحقق لهم حلم الاستقلال.
إن الشعب الفلسطيني لن يصل إلي النصر الحقيقي، طالما استمر بإنكار مسئوليته ومسئولية قادته عن الفشل السياسي الذي يعيشونه منذ عدة عقود . فلابد أن يكون هناك عملية إعادة نظر و تقييم، لما وصلت إليه القضية الفلسطينية من تهميش و تراجع على كافة المستويات العربية و الدولية. فقد باتت القضية الفلسطينية ، مجرد قضية ميئوس منها يتهرب معظم قادة العالم من التعامل مع ملفاتها ، و تنال شفقة بعض المتضامنين الأجانب.
لابد لنا كشعب فلسطيني، أن نقوم بعمل وقفه حقيقية مع الذات ، و ليس فقط وقفه احتجاجية أمام أحد مباني الأمم المتحدة !
إن ما نلاحظه من طريقة تفكير شبابنا الفلسطيني، و أطفالنا بأنهم يضحون بحياتهم بشكل عشوائي بسبب حماسهم الوطني و عجزهم عن إيجاد حلول للأزمات السياسية الداخلية، يجعلنا هنا نقف و نعيد التفكير بأسلوب التضحية بالنفس دون نتيجه ، أو أثر حقيقي في عصر أصبح به شباب العالم أكثر تمسكا بالحياة .
فالاستمرار بالعيش و الصمود بالحياه في ظل حصار مشدد ، و احتلال غاشم، هو أكبر مقاومة للشعب الفلسطيني الذي يحاول بشتى الطرق المحافظة على جيناته من الانقراض في قبور الموت ، و يحاول أن ينشر هويته الثقافية و الوطنية في كافة أنحاء العالم.
إن فلسطين تحتاج للأحياء الأقوياء، أكثر من الموتى الذين فقدوا حياتهم بسبب حسابات سياسية خاطئة ، و بسبب الاستهتار بقيمه حياتهم الثمينه في بناء الوطن ، فهم كانوا سينفعون وطنهم أكثر وهم أحياء مناضلون، عن طريق العمل على نشر العداله و حقوق الانسان في سبيل الوصول للحرية المنشودة.
علينا كفلسطينيين أن لا نقبع فقط في أقبية الماضي ، بل نفكر بحاضرنا و كيف يمكن أن نحسنه و نجعل منه بستنانا للمستقبل ، مستقبل لدولة فلسطينية مستقله وديمقراطية ، بدلا من أن نبقى معلقين بين الماضي و الحاضر ، لا نستطيع أن نسامح و نغفر أخطاء التاريخ و في نفس الوقت لا نستطيع أن نعيش حاضرنا.
فحياتنا هي حياة معلقة بين الماضي و الحاضر، دون وجود لأية أفاق لمستقبل مشرق و زاهر، يمكن أن يضمن لنا عدم الانقراض و المحافظة على هويتنا الفلسطينية و على روح الحياة و الأمل .
أصبح أطفالنا يشعرون بأنهم رجال ، و أصبح شبابنا يشعرون بأنهم شيوخ ، لا أحد يعيش عمره الحقيقي بسبب كثرة الهموم و الاحباطات .
لذا يجب علينا أن نتخذ أهدافاً واقعية ، بعيدة عن قصص البطولة الخيالية التي نرويها لأطفالنا عند النوم ، يجب أن نفكر بشكل منطقي وواقعي ، فبناء الوطن و تحريره لا يحتاج إلي مشاعر ثائره بل يحتاج إلي عقول ثائرة ، تثور على الظلم و البطاله و الفقر و الجهل و المتاجرة بالدين و أرواح البشر.
هذا ما نحتاجه من أجل تحقيق حلم الحرية ، و ليس الرومانسية السياسية المروية ضمن الروايات الأدبية و بيوت الشعر العربية.
نحتاج إلي يقظه كبيره في عقولنا و ضمائرنا من أجل إنقاذ ما يمكن انقاذه ، قبل أن يتحول ما تبقى من الشعب الفلسطيني إلي مجرد رماد يتطاير من النيران التي حرقت حياة شبابه و أطفاله و نسائه و شيوخه و رجاله بسبب الحسرة و اليأس و قلة الحيلة .
لننظر نظرة عميقة إلي داخلنا ، و نكتشف المؤامرة الداخلية التي نُحيكها ضد أنفسنا ، قبل أن نتهم العالم الخارجي بأنه هو من يتأمر علينا !
لنفكر خارج الصندوق، و نتصور أنفسنا أننا نقف فوق القمر ، ننظر من السماء على وطننا المجروح، لنرى مشاكلنا من الخارج على حقيقتها بدون تجميل أو مبالغه ، عندها سنكتشف أننا نحن المشكلة ، و نحن من جعلنا أنفسنا ضحية لكل شيئ، بسبب الجهل و الغرور ، و عدم قدرتنا على كسب الاصدقاء، و سوء تخطيطنا السياسي الذي جعلنا نكتسب مزيد من الأعداء ، و استسلامنا لمشاعرنا الثائرة بدون أن نتحكم بكمية غضبنا السياسي، حتى نستطيع أن نقنع العالم بحجج قوية، تُثبت حقنا بتقرير المصير و الحرية والتحرر من الاحتلال و نيل الاستقلال.
فالعالم يتغير ، و الشعوب تتوحد، و الحواجز تُزال ، ونحن مازلنا محشورين في بقعة أرضية صغيرة ، لا نستطيع حتى أن نتحكم بها، أو أن نحدد حدودها النهائية.
#ريهام_عودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يموت الشعب الفلسطيني في سبيل القدس و لا يعيش من أجلها
...
-
حماس الداهية: كيف نجحت في إدارة أزمات القطاع والصراع مع إسرا
...
-
هل يحتاج العرب فعلا للسلاح النووي ؟
-
السياسي والبحث عن معنى الحياة ...
-
هل بدأت إسرائيل تقرع طبول الحرب على لبنان ؟
-
كيف تصبح سياسي ناجحا دون أن تتعرض للخطر ؟
-
كيف يضحي الفقراء بحياتهم لينعم الأثرياء بالحرية ؟
-
القدس و كسر التابوهات لتصفية القضية الفلسطينية!
-
ملف الانقسام الفلسطيني بين الماضي و المستقبل
-
معادلة السلام الإسرائيلية الجديدة
-
إلي وزارة الزراعة: فلتنقذوا حيوانات غزة من جهل المستهترين!
-
توقعات مرحلة ما بعد الرئيس ...
-
رسائل السلم و الحرب بين إسرائيل و حماس !
-
ماذا سيحدث لو أعلن الرئيس عباس قطاع غزة كإقليم متمرد ؟
-
الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية في قضية الاستيطان
-
سؤال يحتاج لإجابة: لماذا لم نتحرر من الاحتلال بعد 68 عاما؟
-
معبر قلنديا : معبر الذل ...
-
هل تؤجل إسرائيل الاتفاق النهائي للسلام حتى عام 2050 ؟
-
ضحايا الديمقراطية في الوطن العربي!
-
لا داعي للقلق من عصا وجزرة ليبرمان
المزيد.....
-
ترودو يعلن تعليق الرسوم الجمركية الأمريكية على كندا لمدة 30
...
-
مصر.. وفاة أحد أشهر مذيعي الإذاعة المصرية
-
صحيفة -معاريف- تكشف عن سببين يدفعان نتنياهو لإقالة رئيس -الش
...
-
ترامب يتجنب الإجابة عن سؤال حول ضم إسرائيل للضفة الغربية
-
نجل ترامب مشتبه به في الصيد غير المشروع في شمال إيطاليا
-
قراءة في صحافة السعودية لزيارة الشرع للمملكة ولقائه الأمير م
...
-
الشرع عشية زيارته لتركيا: قسد- مستعدة لحصر السلاح بيد الدولة
...
-
بعد محادثة مع ترامب.. رئيس الوزراء الكندي يعلن تعليق التعريف
...
-
البيت الأبيض: ترامب يعتزم أن يتحدث مع شي جين بينغ خلال الـ 2
...
-
الخارجية الروسية تحدد شروط ومحتوى المفاوضات المحتملة بشأن أو
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|