|
مفهوم الديمقراطية وسيرورتها في إسرائيل
ناجح شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 5992 - 2018 / 9 / 12 - 13:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في شروط الاستبداد والديمقراطية دراسة في الظاهرة الديمقراطية المحققة في ضوء فشل "الربيع العربي" مع حالة دراسية: "إسرائيل" ناجح شاهين
المحتويات 2 ثبت المصطلحات 3 مقدمة 4
الفصل الأول: في شروط الاستبداد والديمقراطية فرضيات الدراسة مدخل نظري وتسويغ 5 مفهوم الديمقراطية 7 الأصول الاجتماعية للديمقراطية 8 الاستغلال المعتم والاستغلال الشفاف 11 الحالات 14
الفصل الثاني: إسرائيل ديمقراطية الشرق الأوسط اليتيمة 15 1.التركيب الاثني والديني والطائفي للمجتمع الاسرائيلي 15 2.واقع الأقلية العربية في ظل الديمقراطية الإسرائيلية 18 3.قصة اليهود الشرقيين 20 4.إسرائيل والولايات المتحدة: مقارنة 22 5.ماهية النظام السياسي الإسرائيلي وحدود ديمقراطيته 24 6.إذن هل اسرائيل ديموقراطية؟ 26 خلاصة: اسرائيل حالة ديمقراطية ملتبسة 29
مصطلحات نستخدم المصطلحات التالية ونعطيها المعاني والدلالات التي تتسق مع الاطار النظري لهذا البحث. الديمقراطية: نظام حكم سياسي يتم تداول السلطة فيه عن طريق صندوق الانتخابات. الديمقراطية القليلة الكثافة: تلتزم بشكل من الانتخابات ومن تداول السلطة دون أن يكون سياق "التصويت" نزيهاً وشفافاً تماماً. كما أن فكرة تداول السلطة ذاتها لا تكون راسخة وثابتة تماماً في نطاق التطبيق. (تركيا، روسيا..الخ(. الديمقراطية الكثيفة: شكل من الديمقراطية التي تعني تأثير المواطنين في السياسة الفعلية للدولة وعدم اقتصادر دورهم على إعطاء الصوت. المركز: في نظريات التبعية/النظام العالمي تشير الكلمة إلى مجموعة الدول التي تهيمن العالم بحيث تبدو كأنها مركزاً يتبع له ويدور في فلكه بقية دول العالم. الأطراف: في النظريات المشار إليها أعلاه تشير الكلمة إلى مجموعة الدول التي تخضع للهيمنة وتدور في فلك المركز وتسلك سياسياً واقتصادياً بما يخدم مصالحه حتى لو كان في ذلك ما يضر مصلحة الدولة الطرفية أو شعبها. الاستغلال المعتم: هو الحالة التي يتم فيها انتزاع الفائض من المنتجين بدون استعمال للعنف أو لجهاز الدولة الإكراهي. وكثيراً ما تبدو العلاقات بين الناس هنا حرة وتوحي بأن أحداً لا "يسرق" جهد أحد. لذلك يغدو صعباً على المنتجين أن يدركوا كنه الاستغلال. الاستغلال الشفاف: يشير إلى انتزاع الفائض عنوة من الناس مما يعني قدرة الجميع على رؤية الاستغلال. وهنا لا يمكن للناس الإذعان للأمر الواقع إلا بسبب وجود جهاز قمعي لدى الدولة يجبر الناس على القبول بالأمر الواقع. متصل الاستبداد والديمقراطية: المتصل عبارة عن خط متواصل بين نقطتين. ويستعمل في سياقنا للدلالة على أن الأنظمة لا توصف بثنائية الديمقراطية الأتوقراطية بالمطلق، وإنما هناك خط متصل بين الديمقراطية الصافية والأتوقراطية الصافية يمكن للنظام السياسي أن يقع على أي نقطة فيه. وهذا يعني أن النظام قد يكون شبه ديمقراطي أو شبه أتوقراطي أو أقرب إلى المنتصف ...الخ وذلك يعني تعدد قيم الصدق في مقابل التصور التقليدي لوجود قيمتين فقط.
المقدمة: بدا مطلع التسعينيات من القرن الماضي أن الديمقراطية قد أصبحت "ديناً" يؤمن به البشر جميعاً. كما بدا أنها أصبحت وصفة للنجاح في مستوى الفرد والجماعة على السواء. وانتشرت "مزاعم" تروج لفكرة فحواها أن زمن الديمقراطية السعيد سيحل في كل مكان. وقد جاء الربيع العربي ليشكل ما بدا وكأنه موجة جديدة على طريق تعميم النموذج الديمقراطي "المنتصر" على "الشمولية" الشيوعية ليشمل العالم كله. كانت موجة أوروبا الشرقية قد نجحت في ذلك الى حد بعيد، خصوصاً إذا اخترنا التعاطي مع مفهوم الديمقراطية "قليلة الكثافة". لكن البلاد العربية قلبت اتجاه الواقع والبحث على السواء. ذلك أنها شكلت تحدياً واضحاً للتحول الديمقراطي: تم احتلال العراق ووضعه تحت الإشراف "الديمقراطي " الأمريكي، وتم إسقاط زين الدين بن علي والقذافي وحسني مبارك وفتحت حرب كونية إقليمة وأهلية في سوريا وجرت انتخابات في اليمن تلتها حرب أهلية، لكن من الواضح أن الديمقراطية لم تنجح في أن تكون نظاماً قابلاً للتطبيق في هذه البلاد أبداً. وهكذا أصبح من حق البعض مثلنا أن يزعم أن الديمقراطية ليست على ما يبدو حبة "الباراسيتامول" التي يلزم تحريف اسمها التجاري قليلاً هنا أو هناك لتظل هي هي الوصفة التي يمكن أن يتناولها كل من لديه بعض الألم أو الحرارة. الديمقراطية المطبقة تختلف كثيراً من بلد إلى آخر، كما أن الوصفة الديمقراطية لم تنجح بأي شكل من الأشكال في بلدان كثيرة. علينا إذن أن نسأل بجدية: هل طرح التحول الديمقراطي بوصفه مهمة سياسية في بعض البلدان (مثل العربية أو الأفريقية) هو تصور زائف للمشكلة؟ هل هو طرح لسؤال خاطئ لا إجابة له بسبب أنه بدئياً مطلب تعجيزي يشبه أن نطلب من تلميذ أن يحدد لنا خصائص "الدائرة المربعة" أو أن يقوم برسمها على الورق؟ انطلاقاً من مثل هذه الهواجس اتجهنا إلى اقتراح "نظرية" مختلفة في تحليل الظاهرة الديمقراطية فكراً وممارسة. ونقوم في هذا الجزء الأول من مشروعنا البحثي بتقديم التأسيس النظري لدراسة موضوعة الديمقراطية المحققة مع حالة واحدة هي إسرائيل، ولا بد أن يتلوها حالات أخرى نطمح أن تشمل الولايات المتحدة والسلطة والسعودية إضافة إلى الدول التي شهدت "الربيع" والمتمثلة في تونس ومصر وليبيا واليمن إضافة إلى سوريا. إن ما وقع في دول "الربيع" يقدم الدليل الملموس على سذاجة التصورات السابقة للديمقراطية، ولكنه في اعتقادنا لا يقدم شيئاً جديداً تماماً فيما يخص حدود المشروع الديمقراطي الذي نرى أنه ولد أساساً في سياق الحداثة في غرب أوروبا وشمال أمريكا بشكل تاريخي محقق يجافي "الإشاعات" التي يحملها الجمهور عنه بوصفه معادلاً موضوعياً للحرية والعدالة وربما الخير والجمال. يمكن القول إذن أن هذا الجزء الذي نقدمه هنا يأتي بوصفه محاولة لتطوير رؤية نظرية لمعضلات نظرية الديمقراطية مفهوماً وتطبيقاً، ولن نتمكن في الحدود المتاحة من تقديم أكثر من حالة دراسية واحدة هي "إسرائيل" التي تمثل بالفعل إحدى الحالات الطريفة للفهم الديمقراطي وتطبيقاته الواقعية. ولا بد أن علينا أن نواصل تطوير الموضوع عن طريق حالات أخرى أشرنا إليها أعلاه.
الفصل الأول فرضية الدراسة:1. الديمقراطية في السياق التاريخي الحديث/المعاصر هي شكل خاص من الحكم الملائم للبنية الاجتماعية/الاقتصادية في غرب أوروبا وشمال أمريكا. ويلزم ولادة شروط مشابهة في أي مكان آخر من أجل تحقق هذا النظام. 2. هناك متصل للديمقراطية والأتوقراطية يوازي متصلاً آخر للاستغلال بتدرجه من الشفافية إلى الالتباس إلى العتمة. مدخل نظري وتسويغ: يبدو لنا أن موضوع الديمقراطية موضوع مستهلك بالفعل. فقد تم إشباعه بحثاً كمياً وكيفياً وتنظيراً وخطاباً إديولوجياً ودعائياً في أنحاء العالم كافة. وقد كان منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية محط اهتمام النخب الأكاديمية التي تقودها الجامعات الكبرى في الولايات المتحدة وأوروبا. في تصورنا المبدئي للحاجة إلى هذا البحث، فكرنا أن منطلقاتنا تختلف بطريقة نوعية عن الخطاب السائد حول الديمقراطية في مركز العالم وأطرافه، وخصوصاً في عالمنا العربي وإقليمنا الفلسطيني. لذلك نشرع في تأسيس مشروعيتنا النظرية بطرح بعض الأمثلة التوضيحية. لقد ذهبت بعض الآراء المفرطة في التفاؤل إلى أن السودان على تردي حالته الاقتصادية والسياسية على السواء، يمكن أن يخرج من أزمته التنموية وضائقته الاقتصادية فور تبنيه الديمقراطية. كما ذهبت آراء أخرى حد اعتبار أن هم فلسطين أو العراق هو هم ديموقراطي أساساً، مع أن هذين الإقليمين مبتليين بأمراض عديدة دون حاجة إلى التأكيد على واقعة غياب الاستقلال السياسي. انطلاقاً من هذه الأمثلة الأولية البسيطة فكرنا في أن الحاجة تدعو إلى العودة إلى المنابع إن جاز التعبير لفحص خصائص الديمقراطية الناجزة لا الديمقراطيات الناشئة أو أنصاف الديمقراطيات. ومن هنا نجد أن علينا فحص شروط الديمقراطية ومميزاتها في عالمها الأصلي الذي تفتحت فيه، وما زال أصحابه يميلون إلى عد أنفسهم مختلفين عن غيرهم لأنهم يجسدون قيم الديمقراطية الحقة، ويقدمون الشروط العزيزة على الاستنساخ من أجل نظام لا يضاهيه شيء في صلاحيته للحكم السياسي. ويذهب بعض من هؤلاء إلى أن الديمقراطية هي شيء يعادل "مثال الخير" بالمعنى الأفلاطوني للكلمة. ولكن آخرين يميلون إلى التخفيف من غلو هذه اللهجة بالقول إن الديمقراطية ليست الخير مجسداً وإنما هي أفضل النظم الموجودة، أو أقلها سوء على أقل تعديل. ونحن نظن أن الحكم المعياري في هذا المضمار يشكل صعوبة حقيقية من وجهة نظر الباحث الذي يصبو إلى أن يقدم قراءة موضوعية للظاهرة. ومن هذا المنطلق سوف نسعى إلى النأي بأنفسنا –قدر الإمكان- عن أحكام القيمة معتبرين أن الاستقراء والتحليل البارد يجب أن يكونا ديدننا في هذه الدارسة. نبدأ بالقول إننا نرى إلى الديمقراطية بوصفها نوعاً من نظام الحكم السياسي الملائم لإدارة الصراع الاجتماعي بفعالية عالية وبتكلفة قليلة في أوقات وأماكن معينة. لكن ذلك لا يتحقق إلا في سياقات تاريخية محددة، وذلك على وجه التعيين عندما يتشكل وضع يصبح فيه الاستغلال الاجتماعي وعدم العدالة الاقتصادية غير مرئيين بالنسبة إلى معظم السكان، مما يمكن الجدال السياسي أن ينحصر في قضايا تافهة لا تؤثر في البنية الأساس للمجتمع. في هذا الوضع يمكن أن تتم الممارسة الديمقراطية بنجاح حتى عندما يكون مستوى التطور الناجز في دولة معينة منخفضاً من الناحية الاقتصادية، أو عندما يكون المجتمع –بلغة أكثر شيوعاً- متخلفاً، ويرزح سكانه تحت ألوان من الفقر المدقع. نسمي مثل هذا الوضع الذي لا يعي الناس فيه وجود الاستغلال، على الرغم من وجوده فعلياً، بالاستغلال المعتم. وهذه فكرة موجودة من حيث المبدأ بشكل أو بآخر في الأدبيات الماركسية، وخصوصاً في مدارس التبعية والنظام العالمي بألوانها وأطيافها المختلفة. ولا بد أننا مدينون عندما تبلرت لدينا المفاهيم الرئيسة في هذا البحث عن الديمقراطية إلى التحليل الأساسي للمجتمع الرأسمالي المعاصر الذي قام به أقطاب هذه المدارس وخصوصاً إيمانويل ووالرشتين (Wallerstein)وسمير أمين. ومن نافلة القول إن هذه المدراس تتفق بشكل واضح على التقليل من أهمية الكلام على التحديث والتنمية...الخ التي تتم في ظل النظام العالمي باعتبارها مجرد ممارسات ايديولوجية تغطي واقع إنتاج الهيمنة الطبقية في مستوى كوني. إذن نقوم في سياق بحثنا باشتقاق مفاهيم قريبة من التحليل الذي تقدمه تلك المدارس. ونميل خلافاً لسيمور ليبست (Lipset) إلى القول إنه إذا كان المجتمع مصنفاً في الإطار الذي يكون الاستغلال فيه شفافاً، فإن الديمقراطية تصبح محالاً، أو على الأقل محالاً في نطاق الواقع التجريبي، بغض النظر عن كون ذلك المجتمع غنياً أو مزدهراً أو ما إلى ذلك. وفي هذا السياق فإننا نقترح ثلاثة مفاهيم لتطبيقها على الاستغلال الاجتماعي تتدرج من الاستغلال الشفاف إلى الملتبس إلى المعتم. وعلى الرغم من أننا نرى مفهوم "الالتباس" مفهوماً مفيداً و "علميا" إلا أننا نرى في لحظة الالتباس مجرد لحظة وسطية على المتصل ضمن عشرات اللحظات الأخرى. وتمتاز بتأرجح النظام السياسي لمجتمع ما بين الديمقراطية والأتوقراطية. وعندما يزداد وعي الناس نتيجة لبعض العوامل الجائزة أو العابرة، يصبح الاستغلال أكثر شفافية مما يؤدي إلى زيادة تورط جهاز الدولة الإكراهي في كبت المعارضة ولجم تحركاتها. ويمكن في هذه اللحظة أن يحدث أي شيء بما في ذلك التراجع عن الديمقراطية وإلغاء مظاهرها كافة حتى لو كانت مقتصرة على انتخابات شكلية ضحلة عديمة الصدقية. ويعلمنا بيكر (Becker) الذي كتب أثناء غليان مرجل الحرب العالمية الثانية في معرض دفاعه عن الديمقراطية الليبرالية أنه عندما تتهدد السيطرة الطبقية، فإن الفاشية تصبح احتمالاً تاريخياً قوياً. Becker,1941, p.89)) ومن ناحية أخرى إذا استمر الوضع على حاله، بحيث تكون درجة الشفافية محدودة، فإن خليطاً من الديمقراطية الصورية وقمع الدولة يمكن أن يفيا بالغرض ويوفرا ما يلزم من أجل إدارة الصراع الاجتماعي مع بقائه جوهرياً تحت السيطرة. ولكن ما الذي يجعل وضعاً معيناً حالة ممثلة لكل من الحالات الثلاث المعتمة أو الشفافة أو الضبابية أو أية درجات تفصيلية بينها؟ في رأينا أن الجواب معقد بقدر تعقيد الظواهر الاجتماعية. ولعل أحد العوامل المهمة جداً هو بنية الاقتصاد. ولكن هذا ليس كل شيء، وإلا لكان تفسير الظواهر يعتمد على علاقة سببية خطية بسيطة. والواقع يخالف ذلك. إن بلداً مثل الهند يجب أن يكون أتوقراطياً بامتياز إذا أخذنا العنصر الاقتصادي سبباً كافياً وضرورياً أو حتى كافياً فحسب للأتوقراطية. لكن الهند بلد ديمقراطي، وذلك راجع إلى أن علاقات الاستغلال الاجتماعي ليست شفافة إلى درجة كافية على الرغم من وجود اقتصاد ما قبل حداثي أساساً وطرق مباشرة في انتزاع الفائض لتحقيق تراكم الثروة. ونميل إلى أن العامل الحاسم في تفسير "نجاح" الديمقرطية الهندية إنما يعود إلى إبهام مفهوم الطبقة في الهند وامتزاجه بمفهوم الطائفة الهندوسية caste التي تأتي بالولادة ولا ترتبط بالضرورة بالوضع الاجتماعي من حيث علاقة الفرد بعملية الإنتاج كما تفهمها الأدبيات الماركسية. وهو الأمر ذاته الذي أدى دوراً هاماً في إعاقة ظهور فكرة الطبقة والأحزاب الممثلة للمصالح العمالية في الولايات المتحدة. تحتل مسألة غياب شفافية الاستغلال السالفة الذكر مكانة مركزية في بحثنا هذا، وتتصدر الجهد الذي ننوي صرفه في توضيح الظاهرة. وسوف نسعى في هذا السياق إلى البحث في تحديد بعض آليات الشفافية والعتمة التي تعمل في ظل أشكال تاريخية معينة. وقد أسلفنا القول في أن توضيح الوضع القائم هو هدفنا الرئيس. لكننا مع ذلك نرجو أن يكون هذا الجهد مفيداً في التنبؤ بالمستقبل مع تحفظنا المبدئي على كل محاولة للتعميم المطلق في المباحث الإنسانية باعتبار أن التدخل الإنساني يبقي الظواهر خارج الحتمية الميكانيكية المطلقة بحيث تظل "مرنة" ومفتوحة على احتمالات قد لا تكون في حسبان الباحث عند إجراء الدراسة. مفهوم الديمقراطية: يمكن القول إن الفكرة الأساس بخصوص الديمقراطية هي أنها سيرورة تتحقق داخل حقل تتفاعل فيه مصالح ووجهات نظر متعددة يمكن لها –وربما يجب- أن تتصارع. وذلك يعني أن هناك ميداناً يتسع لقضايا وأمور تكون مدار اختلاف وتنازع تمتاز به الديمقراطية، وذلك على العكس من الأنظمة الأتوقراطية أو –بشكل أكثر تطرفاً- الشمولية التي تريد تحقيق الاتفاق المطلق ومجانسة مصالح الجماعات وأفكارها.Rustow,1970,P363)) تلك هي الفكرة التي تتردد لدى العديد من الباحثين وفلاسفة السياسة. لكن الواقع لا يؤيد هذا الفهم تماماً. ذلك أن كون الدول الأتوقراطية تحتوي في داخلها تنوعاً أكثر أو أقل من الديمقراطيات، أو أنها تنجح فعلاً في مجانسة الناس مقارنة بالديمقراطيات، هو مسألة أخرى لا علاقة لها بالنوايا. وذلك يعني أنه إذا كان من الواضح تجريبياً أن الديمقراطيات تسمح بالتعدد بينما تحاول الأتوقراطيات منع الأصوات المخالفة، فإنه ليس من الواضح تجريبياً أن النتيجة هي وجود التعدد في الديمقراطيات وغيابه في الأتوقراطيات. ويبدو أن الأدبيات الديمقراطية تفضل الصمت حيال هذا الأمر، أو لعلها غير واعية بوجوده. ومن هنا لا بد من مساءلة الواقع التاريخي: بغض النظر عن مقاصد الطبقة السياسية الحاكمة وجهدها المبذول لتحقيق تلك المقاصد، هل تتمكن الأتوقراطية واقعياً من تحقيق نجاح أكبر من الديمقراطية في مجانسة المجتمع؟ إن توجهنا النظري يعطي إجابة بالنفي، وسوف نسعى في إطار هذه الدراسة إلى توضيح أسباب ذلك. في العصر الحديث ولدت الديمقراطية في شكل جديد مختلف عن الشكل اليوناني المباشر. ولعل من المناسب لأغراضنا أن نتبنى وصف بوهمان (Bohman) لماهية الديموقراطية. يقول بوهمان: "في إطار الإجماع الليبرالي-الديمقراطي الذي أمسك بزمام الموقف في الحقل على امتداد العقدين الماضيين، يتم تعريف الديمقراطية بواسطة نواة ضيقة تماماً من المؤسسات السياسية. وفي الحد الأدنى، تتطلب الديمقراطية التنافس متعدد الأحزاب (انتخابات نزيهة، وتنافسية، تشمل الجميع، ومنتظمة)، وسيادة القانون (الحريات السياسية والمدنية إضافة إلى قيود دستورية على ممارسة السلطة)". (Rustow,1970,P239)) هذا في الواقع هو شكل المؤسسة التي يمكن أن تلائم أمرين في وقت معاً: أن يقوم الناس من جانبهم بالتصويت واختيار ممثليهم "بحرية"، وأن يتمكن هؤلاء المختارين من قبل الناس من تقرير ما يريدون باسم الذين انتخبوهم بغض النظر عما إذا كانت قرارات المختارين تمثل إختيارات/قرارات الناخبين أو لا تمثلها. وسواء رغب المرء في هذه الديمقراطية أو رغب عنها، فإن الأمر الجوهري في هذا السياق هو أن الوصف السابق للديمقراطية يمثل الديمقراطية القابلة للعيش، أي ذلك النوع القادر على البقاء في ظل العالم الرأسمالي الحديث. وبتعبير آخر إن هذه هي ديمقراطية العصر الحديث، وذلك لأن الديمقراطية المحققة في الحداثة ارتبطت منذ ولادتها وحتى اللحظة بالنظام الرأسمالي. أما الأنواع الأخرى من الديمقراطية مثل تلك التى نادى بها روسو وماركس أو حتى هابرماس ورولز (Rawls) فإننا نميل إلى عدها شكلاً من الطوباوية Utopia. وهي بهذا المعنى تخطئ الهدف. إنها تحلم بأن يستبدل الواقعي بشكل غامض بالمعياري، وهو ما نظنه غير مسوغ منطقياً وتجريبياً على السواء. لكن علينا أن نسجل أن المفكريْن الأخيريْن قد غديا أكثر تشاؤماً عندما بينت خبرتهما لهما أنه لا يوجد على الأرجح أية طريقة عملية لبناء نظام ديمقراطي "كثيف" في ظل شروط الرأسمالية التاريخية. ويؤكد هابرماس في أعماله المتأخرة أن "إمكانيات تحقيق الديمقراطية الآن محدودة جداً بفعل ضوابط اجتماعية وتاريخية بدرجة أن الفضاء الجمعي المفتوح لا يستطيع أن يضمن أن يؤثر المواطنون في نتاجات الإجراءات المؤسساتية." (Bohman,1996,P12) ويبدو لنا مدهشاً بالفعل أن هابرماس يبدو غير قادر على ملاحظة أن عجز المواطنين عن التأثير في النتاجات هو أمر جوهري لنجاح الديمقراطية المحققة. أي أنها من وجهة نظرنا أمر إيجابي بمعنى من المعاني، فلو تمكن الناس من التأثير في نتاجات الممارسة السياسية لقاد ذلك إلى مأزق ديمقراطي على الفور. ولعل المشكلة مع هذه الرؤى الأخلاقية والليبرالية هي أنها تستبدل الشيء الواقعي بالمثال أو الحلم. وهو ما يجعلهم يخطئون الهدف لأنهم يميلون إلى انتقاد أو –حتى- رفض الشروط الضرورية لأية ديمقراطية "مستقرة." إنهم بشكل ما يفشلون في ملاحظة أن شروطهم "التعجيزية" ترقى حرفياً إلى تقويض الديمقراطية. الأصول الاجتماعية للديمقراطية: من الواضح أن عنواننا الفرعي هذا يرجع صدى بارنغتون مور (Moore,1993,P418) المسؤول بدرجة كبيرة عن فكرة تتمتع بشعبية واسعة في الأدبيات الديمقراطية فحواها أنه "لا برجوازية، لا ديموقراطية." وهذه في الواقع فكرة جذابة، لأن الشكل الديمقراطي في العصر الحديث، والمتمثل في الديمقراطية الليبرالية التمثيلية، ولد في أحضان الرأسمالية. وهذه الفكرة مهيمنة إلى درجة أننا نتعرض لإغراء القول إن معظم الأدبيات حول الديمقراطية وخصوصاً تلك التي تسعى إلى توضيح "ولادة الديمقراطية وحياتها" هي مجرد هوامش على كتابات سيمور ليبست أو بارنغتون مور. وإن الرجوع إلى عالمي السياسة المذكورين مرة تلو الأخرى قد جعل الحقل مديناً بشكل هائل لكليهما. ولا نظن ذلك غريباً بحكم أن الكثير مما يحيط بموضوعة الديمقراطية يمكن تفسيره بنجاح كبير بمساعدة أعمال الرجلين. لكن المرء لا يستطيع أن يتخلص من الشك والتردد على نحو كامل، لأن هنالك الكثير من الحالات "الشاذة" التي لا تنجح في تفسيرها نظرية "التحديث" بأشكالها المختلفة بما في ذلك تفرعاتها الشائعة من قبيل فكرة اقتصاد السوق الرأسمالي أو دور البرجوازية إذا شئنا أن نكون أكثر تحديداً. يضاف إلى ما سبق أن المرء لا يستطيع أن يفكر في الديمقراطية دون أن يفكر في التجربة اليونانية في العصر القديم، وتجارب بعض الدول الصغيرة في التاريخ العربي التي أقامت ما يمكن أن نسميه ب "الاشتراكيات الديمقراطية" من قبيل ما فعل القرامطة في البحرين. ومن الملاحظ في هذا السياق أنه من حيث أن الديمقراطية المباشرة أقرب إلى مثال "حكم الشعب" تبدو الديمقراطية الأثينية متفوقة على الديمقراطية التمثيلية الحديثة. من الصحيح بالطبع أنها كانت ديمقراطية إقصائية، وهذا ما يسمح لنا ببناء فرضية نظرية جديدة تمتلك قدرة أوسع على تغطية الديمقراطية ليس في شكلها الحديث فحسب وإنما في شكلها اليوناني القديم أيضاَ. لقد كانت الديمقراطية اليونانية إقصائية لأن حالة المواطنة اليونانية لم تكن تنحو إلى المساواة. ولو كان غالبية الناس الذين هم العبيد والنساء يتمتعون بحق التصويت لكان النظام الاجتماعي العبودي-البطريركي قد مسح من الدنيا بين ليلة وضحاها. ولكن ذلك بالطبع لم يكن متيسراً، ومن هنا فإن الديمقراطية مع حق التصويت الشامل لم تكن ممكنة. سوف ننتظر حتى العصر الحديث لنصبح قادرين على منح الناس جميعاً حق التصويت بدون أن يتسبب ذلك في تهديد النظام بأصوات الناس إلى درجة قلبه كلياً وتقويض قواعد اللعبة ذاتها، بدلاً من اللعب في إطار القواعد المسموح بها. إن هذه الخصيصة "الحداثية" هي الحد الأدنى الذي تحتاجه الدولة من أجل أن يكون لديها ديمقراطية مستقرة. وهذا الحد الأدنى لا يتوافر إلا بعد تجاوز النظم الاقتصادية المرتكزة على الزراعة وبشكل أوضح على استخراج المعادن. وسوف نعود لهذه النقطة في وقت لاحق. إذن ما هي القاعدة الأساس في اللعبة الديمقراطية؟ يبدو أن النقطة الأساس تتركز حول الحفاظ على الرأسمالية واقتصاد السوق (الحر). تعمل الديمقراطية كأفضل ما يكون –وربما أنها لا تعمل إلا إذا وإذا فقط- تمتعت الدولة بهذه الشروط. ربما أن علينا أن نقول إن "النظام" يخلق الديمقراطية، وعلى الديمقراطية أن ترد ذلك الدين أو الجميل. إن عليها أن تحفظ النظام الذي خلقها. وإذا تم تهديد النظام، فإن الديمقراطية فيما نحسب سوف تتهدد. إنها فيما يبدو علاقة تبادلية بامتياز. على الرغم من كل ما يمكن أن يقال بحق نظرية التحديث فإن منظري التحديث قد لفتوا انتباهنا إلى اتجاه مثمر حتى لو أنهم لم يلاحظوه بأنفسهم. وذلك أن التطور الاقتصادي يقوي الطبقة المسيطرة ويجعلها أكثر فعالية. فالطبقة المهيمنة في دولة متطورة هي أكثر هيمنة مما هي في بلد غير متطور ويتمتع بموارد محدودة. وهذا فيما نظن أمر مهم لنجاح الديمقراطية. إن طبقة تتمتع بالموارد اللازمة لكي تقوم بإدارة الصراع الاجتماعي بالاستعانة بسبل من قبيل الهيمنة الأيديولوجية وتحقيق الرضا الاجتماعي الطوعي عن طريق الإنفاق في قطاعات التعليم والإعلام..الخ هي طبقة مؤهلة أكثر من غيرها لتقود نظاماً ديمقراطياً مستقراً لا يحتاج إلى مؤازرة جهاز الإكراه الدولتي أو لا يحتاج إلى تلك المؤازرة إلا قليلاً. على أية حال، في شروط تاريخية معينة يظهر الصراع الاجتماعي صراحة صراعاً طبقياً. وقد كان العام 1940 لحظة الصدق المؤلم. فقد تعرضت الديمقراطية للتهديد في كل مكان. يكتب بيكر في تلك اللحظة متلبساً روحاً كينزية أو بولانية واضحة، فينتقد أيديولوجيا جون ستيوارات مل Mill)) وغيره من أتباع فكرة عدم تدخل الدولة في الاقتصاد والمجتمع، لأنه يرى أنه لكي تزدهر الديمقراطية يجب على الدولة أن تتدخل وتعيد توزيع الثروة في الإطار الأعم لنظام الملكية الخاصة. ويمضي بيكر ليؤكد بأن الزعم بأن هذا التدخل ينتهك الحريات الخاصة يبدو سخيفاً، لأن مبدأ عدم التدخل هو وهم محض. ولم يكن الواقع أبداً يشبه الوصف الذي يقدمه مل. ذلك أن الواقع يخبرنا بأن "مؤسسة الملكية الخاصة ذاتها هي تنظيم قاس جداً للمشاريع الاستثمارية والأعمال..." Becker,1941, P70)) وليس هناك من طريقة للزعم بأن السوق الحرة تماماً، قد كانت أمراً واقعياً في أي لحظة تاريخية. ينبغي أن نقول إن هدف بيكر الأسمى هو الدفاع عن الرأسمالية والديمقراطية الليبرالية. ولكن اللحظة الخاصة التي شهدها دفعته إلى التفكير في أن "تضليل" الناس لم يعد ممكناً أبداً. ومثلما يقول بيكر، فقد يكون من الصحيح أن الحضارات الكبرى قد بنيت على معاناة ملايين الناس البسطاء وتعاستهم، إلا أن ذلك لم يعد ممكناً اليوم، لأن الناس نحوا جانباً الاعتقاد القديم بأن الله هو المسؤول عن فقرهم ومعاناتهم. ومن ناحية أخرى ازداد وعي الناس بالإمكانيات الهائلة التي يتمتعون بها عندما ينظمون أنفسهم. ولذلك فإنه في حال فشل الدولة في تلبية احتياجاتهم، فإنهم يمكن أن يتجهوا نحو الثورة وتقويض النظام كله من أساسه. Becker,1941, p.85)) ذلكم هو باختصار جوهر التحليل الذي يقدمه بيكر. وهو فيما نظن تحليل متبصر يسلط الضوء بقوة على أزمة الثلاثينيات من القرن العشرين على الرغم من عدم قدرته –بطبيعة الحال- على تجاوز معطيات السياق التاريخي وحدوده. لو أن بيكر قد عاش فقط حتى الخمسينيات –ذلك أنه توفي في العام 1945- لكان رأى بأم عينه إعادة ترسيخ هيمنة البرجوازية وولادة نظرية التحديث. ولتقدير أهمية استبصارات بيكر يكفي المرء أن يلاحظ أن علماء سياسة لامعين مثل هاري إكشتين (Eckstein) يفشلون بعد نصف قرن من بيكر في شرح حالة صعود النازية في ألمانيا بالطريقة التي فعلها. إذ يقترح إكشتين أن التوافق بين نمط السلطة السياسية ونمط السلطة الاجتماعية هو الإطار الملائم لتفسير استقرار الأنظمة السياسية. ويرى إكشتين أن الديمقراطية الألمانية كانت متقدمة جداً في الفترة التي سبقت صعود النازية مقارنة بالمجتمع الألماني. وفي الوقت ذاته كان المجتمع الألماني تسلطياً، وبهذا الشكل افتقرت ألمانيا للتوافق الضروري بين شكل الجانب السياسي للنظام وشكل الجانب الاجتماعي. Eckstein,1992,P197)) لكن منطلقات إكشتين السالفة الذكر تتناقض مع معطيات الدليل التجريبي التي يمكن ملاحظتها بسهولة في وطنه بالذات. فهل كان الجانب الاجتماعي في الولايات المتحدة في القرن الثامن عشر ديمقراطياً جداً في ظل العبودية واستبعاد النساء؟ ومن ناحية أخرى، ولكي نعود إلى مثال إكشتين المفضل، هل أصبحت ألمانيا فجأة ديمقراطية جداً بعد الحرب؟ إن الإجابة بالطبع على السؤالين السابقين هي بالنفي. لكن إذا كان الرجل محقاً عندما يقول إن الديمقراطية الألمانية كانت أكثر "ديمقراطية" من غيرها، فإن المشكلة ربما كانت على الأرجح هنا، لأن كونها ديمقراطية "حقيقية" يعني من ناحية أن تختفي القدرة على إخفاء طبيعة الصراع الاجتماعي الجوهرية، ويعني من ناحية اخرى قدرة الجمهور على التأثير في مسار الأمور بدرجة أكبر مما هي في الديمقراطيات الأخرى. وهو ما يشخصه بيكر بشكل ذكي عندما يقول إن الصراع يصبح طافياً على السطح إلى درجة يصبح معها العنصر المسيطر في تشكيل السيرورة السياسية. وهنا نميل إلى القول بأن ما جاء بالنازية إلى سدة الحكم لم يكن التناقض بين النظام الديمقراطي السياسي والنظام التسلطي الاجتماعي. بل إنه كان على الأرجح التهديد الشيوعي باستلام السلطة وتقويض سلطة الطبقة الحاكمة، وقد كان تشخيص بيكر من هذه الناحية لافتاً بالفعل. الاستغلال المعتم والاستغلال الشفاف: نرغب في هذا البند في تقديم/مناقشة المفاهيم الأساس المقترحة لتفسير الظاهرة الديموقراطية. 1) الديمقراطية والأتوقراطية: تنص الفكرة الشائعة على أن الديمقراطية شفافة، وتتصف بأن دولتها ضعيفة، بينما الأتوقراطية تتصف بجهاز دولة كبير، وتتسم بنزوع شديد إلى إخفاء المعلومات عن الناس. فالدكتاتور يميل إلى الكذب وإلى الهيمنة على وسائل الإعلام من أجل تضليل الناس، بينما تكفل الحريات المتاحة في الديمقراطيات تنوع الأصوات ووجهات النظر المطروحة. ولا تستطيع الحكومة أن تخفي المعلومات بسبب وجود الصحافة الحرة التي تكشف أية انتهاكات في ظل غياب الرقابة، وهو ما يزيد من قدرة الإعلام على معالجة الظواهر المختلفة ووضعها بأبعادها المتباينة أمام ناظري الجمهور. نريد أن نوضح هنا أنه على الرغم من المظاهر، فإن من المرجح أن العكس هو الصحيح. ذلك أن الأتوقراطيات بمعنى من المعاني عاجزة تقريباً فيما يتعلق بقدرتها على التلاعب بوعي الناس. وعندما يحاولون في الأتوقراطية أن يخفوا شيئاً، فإنهم "ينجحون" في الواقع في دفع الناس إلى طلب "الحقيقة" بالسبل الممكنة كلها. وإذا ما فشل الناس في الحصول على المعرفة التي يطلبون، فإنهم يجنحون إلى تصور أسوأ السيناريوهات فيما يخص الأمر الذي تحاول السلطات التستر عليه. وغالباً ما يصل خيال الجمهور إلى مستوى متطرف يقود إلى تشخيص الوضع بأسوأ مما هو بالفعل. يبرز دونالد ويتمان (Whitman) بوصفه واحداً من الذين يعتقدون أن الديكتاتورية تتفوق على الديمقراطية في المقدرة على التلاعب بالناس. ويلخص النص التالي فكرته الأساس: "في النظام التسلطي الذي يضرب جذوره عميقاً في الاقتصاد، يغدو كل شيء سياسياً، كما أن المبادرات من القاعدة أصعب تطبيقاً من المبادرات من الأعلى." ,2007,P256) Marciano, Josslin, and Elgar) ويذهب ليستنتج أن "إبقاء الكوريين الشماليين في الظلام سيكون محالاً فيما لو كان المجتمع مفتوحاً." Ibid.P257)) لكن هل من الصحيح حقاً أن الناس في كوريا الشمالية يعيشون في الظلام؟ وإذا كانوا في الظلام فعلاً أليس المتوقع أن يقود عقد انتخابات إلى وصول الحكومة ذاتها إلى السلطة؟ لكن هل هناك من يؤمن حقاً بأن انتخابات "حرة" في كوريا الشمالية يمكن أن تقود إلى النتيجة السالفة؟ من الواضح أن الجواب على ذلك هو النفي. وإذن ما هو الشيء الذي تنجح حكومة كوريا الشمالية في إخفائه؟ هل تنجح مثلاُ في إخفاء واقعة أنها تسيطر على الاقتصاد وعلى مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ بالطبع لا. وهذا في الواقع ما يقوله الكاتب نفسه عندما يقرر أن الحكومة تضرب جذورها في الاقتصاد وأنها تتدخل في كل شيء أو حتى تقوم بكل شيء نيابة عن الناس. علينا أن نستنتج من ذلك أنه من الصعب بالنسبة للمواطن في المتوسط، أي المواطن العادي أن يفشل في ملاحظة أن الحكومة مسؤولة عما يحدث له إن خيراً أو شراً. إنه ببساطة موقف شفاف يتمكن فيه كل شخص من تقرير من يسيطر على صناعة القرارات التي تؤثر في حياة الناس. ولا يحتاج المرء إلى مساعدة غرامشي أو غيره من خبراء السياسة والمجتمع ليبين أن دولة كوريا الشمالية –أو أية ديكتاتورية أخرى- لا تستطيع أن تتدبر أمورها بدون جهاز الدولة الإكراهي لأنها لا تتمكن عموماً من تحقيق حد معقول من الإذعان الطوعي الشعبي. وما من طريق أمامها إلا التعويض عن ذلك بممارسة قوة القمع الصريحة. 2) الديمقراطية والاشتراكية: ربما يكون سؤال الاشتراكية قديماً قدم السؤال الديمقراطي ذاته. وقد تلقى هذا الموضوع اهتماماً كبيراً من نواح مختلفة. ولكننا نكتفي هنا بتقديم بعض الأفكار الأساس حول الديمقراطية في علاقتها بالاشتراكية عندما تكون ذات صلة بمناقشة شروط عملية بناء الديمقراطية. أولاً يجب ملاحظة الفكرة التي راجت في القرن 19 وفحواها أن الديمقراطية مفيدة جداً لقضية الاشتراكية. فقد تصور كثيرون أن الديمقراطية سوف تقود إلى الاشتراكية بين ليلة وضحاها. وقد اتضح لاحقاً أنها فكرة ساذجة على الرغم من تبينها من قبل العديد من المفكرين الذين توهموا أن ما يحتاجه الداعية الاشتراكي هو بعض "الحرية" من أجل تنوير المواطن العادي بما يجري حوله، ثم تحل الاشتراكية بوصفها المشروع الحق الذي لن يقف في طريقه قوة. اندثرت هذه الفكرة في الديمقراطيات الليبرالية بسبب الخبرة الواقعية للناس، لكنها ما تزال منتشرة في "الأطراف" التي تدار من قبل حكومات أتوقراطية. وتصل سذاجة الفكرة في التطبيق إلى درجة الظن بأن إطلاق فضائية تلفزيونية أو صحيفة يمكن أن يأتي بالتغيير المنشود. ومن الأمثلة على ذلك أن كثيراً من الناس قد فكروا في التسعينيات من القرن الماضي أن انطلاق قناة مثل "الجزيرة" سوف يغير البلاد العربية ويدفعها إلى الديمقراطية. كان هناك اعتقاد مفاده أن الناس في حاجة إلى "المعرفة"، التي ستقود بشكل آلي إلى نزولهم إلى الشوارع لإسقاط القمع والديكتاتورية. اتضح تدريجياً أن الأمور قد سارت في الاتجاه الآخر، لتضع سؤالاً حراقاً على طاولة الباحث في السياسة والاجتماع والإعلام وتاريخ الثورات وغيرها من الفروع المعنية: لماذا يبدو وكأن المزيد من "حريات" التعبير والمزيد من الأخبار (أي المعرفة) قد قادت إلى حالة مما يمكن وصفه باللاتسيس الجمعي؟ لعل إجابة هذا السؤال مفتاح لفهم إحدى آليات استدامة الديمقراطية. في دراسة عن الهند، يجد ت.م. ثوماس Thomas)) وباترك إيساك (Isaac) تشابهاً النموذجين الأمريكي والبريطاني، إذ يلاحظ الباحثان غياب أية منظمات عمالية أو فلاحية ما عدا تلك الخاضعة لهيمنة الإدارة وملاك الأرض والمصانع الذين قاموا بتوجيهها للمساهمة في خدمة مصالحهم السياسية. وبالطبع فإن تلك المصالح كانت منبتة الصلة بمصالح العمال أو الفلاحين. Santos,2005,P410)) كانت مدرسة فرانكفورت قد حللت آليات عمل الإعلام الجمعي وكيفية مساهمتها في "إنتاج" إنسان ذي بعد واحد بحسب تعبير هربرت ماركوز (Marcuse). وذلك بالطبع مما يسر إنتاج أفراد يسهل التلاعب بهم. ومن جهة ثانية درس منظرو ما بعد الحداثة القوى التي تسيطر على أسس معرفة الإنسان ووعيه. وكلا المدرستين تعلمنا الكثير عن الطرق الذكية المستعملة في إجهاض احتمالات ولادة أية قوى اجتماعية محملة بالوعي الاجتماعي ولو من ناحية مبدئية. من الصحيح بالطبع أن جهاز الدولة ما زال يستخدم هنا وهناك وبين الفترة والأخرى ولكن ذلك الاستعمال يقل كثيراً حتى عن الماضي القريب. 3) المركز والمحيط: إن التمييز بين هذين المفهومين و"ما صدقهما" حاسم جداً في مفهمتي لموضوعتي الاستغلال الشفاف والاستغلال المعتم. ولست أزعم في هذا السياق تقديم أي جديد فيما يخص المفهومين بالذات، فهما مصطلحان راسخان في أدبيات نظريات النظام العالمي، وليس من الصعب مراجعتهما في أدبيات تلك المدارس وممثليها الأساسيين مثل ووالرشتين وأمين وفرانك. هناك أمران رئيسان يعملان في المحيط: أولاً يبدو مستوى الحياة في المركز أعلى بكيفية واضحة من نظيره في المحيط، وهو ما تلاحظه البحوث التي تدرس الديمقراطية انطلاقاً من نظرية التحديث. ثانياً تحوز النخب في المركز موراد هائلة يسهل استخدامها في خلق الهيمنة واستدامتها. ولأن أسلوب الإنتاج الرأسمالي معتم على وجه العموم، فإن تحقق الشرطين أعلاه يجعل الديمقراطية في المركز تعمل بسلاسة كبيرة قياساً بالمحيط الذي يعاني من غيابهما. في المحيط يتم استخلاص الفائض في أحيان كثيرة بشكل مباشر وشفاف بسبب استمرار وجود أشكال إنتاج ما قبل رأسمالية في ظل النظام الرأسمالي، وهو ما قد يكون على صلة بكون دول المحيط ما تزال تعيش نمط الزراعة الإقطاعي، أو تعتمد على استخراج المعادن. وهناك فارق ثالث مهم بين المركز والمحيط ويتمثل في أن الدولة المحيطية تبدو مصطنعة، لأنها بشكل أو بآخر منتج من منتجات المرحلة الكولونيالية، وهو ما يعني أنها صممت من قبل المستعمر على نحو مضاد للسيرورة "الطبيعية" وربما على نحو مضاد لإرداة الشعوب المضهدة وتطلعاتها. إن دول المركز –وخصوصاً ما يمكن أن ندعوه النواة الصلبة أو الجزء المهيمن منها- تبدو ثمرة النمو الطبيعي الذي أنتج دولة تمثل شعباً "حقيقياً" ينتمي إلى بقعة محددة من الأرض. بينما تبدو دول المحيط مصطنعة على نحو لا تخطئه العين. يزودنا رايموند هاينبوزم (Hinnebusm) بمثال من الواقع العربي الذي يمثل حالة تكونت فيها الدولة بشكل قسري فرضته الدول المستعمرة. وقد خلق هذا التكوين المصطنع منذ البداية صراعاً بين الهويات تحت-الدولتية (القبائل والطوائف) والهويات فوق-الدولتية (العروبة والإسلام) من ناحية والدولة المحققة من ناحية أخرى. ويخلص المؤلف إلى أن الديمقراطية غير ممكنة قبل حسم المسألة القومية. Rahbek,2005,P31-2)) وذلك لأن الديمقراطية التي تسبق ذلك الحسم إنما تقود الدولة إلى حتفها، إما عن طريق تفككها إلى وحدات أصغر على أساس وحدات قبلية أو طائفية أو حتى مناطقية، وإما بواسطة اندماجها في وحدة سياسية أكبر. لا حاجة بنا للقول أن النخب الحاكمة لا يسعدها رؤية ذلك. باختصار يبدو هنا أن الناس ينكرون الحق الأخلاقي والقانوني للدولة في البقاء، وهو ما يعني أن نظاماً ديمقراطياً سوف يقود لا محالة إلى تفكك الدولة عبر إحدى الطريقتين السابقتين. الحالات: يحاول هذا البحث أن يؤسس نظرية عامة حول الاستبداد والديمقراطية. ومن هنا فإن أية دولة يمكن أن تكون ملائمة لأغراضه. ولذلك فإن الدول كلها يمكن أن تكون مجتمع الدراسة. قد تكون الولايات المتحدة الحالة الفضلى لدراسة خصائص العتمة التي تتجلى في الديموقراطية. هل هناك لحظات من الشفافية في قوس قزح التاريخ والجغرافيا الأمريكيتين؟ نعم، بالتأكيد، وذلك دون شك ملائم جداً لتطبيق مفاهيمنا. في لحظات معينة كان في الولايات المتحدة بعض من أشد أشكال الاستغلال الاجتماعي شفافية، وتحديداً نظام العبودية والقوانين الإقصائية الخاصة بالهجرة والتجليات العديدة للعنصرية. إن تحليلاً تاريخياً للمسار الطويل للديمقراطية الأمريكية حيوي جداً لفهم آليات عمل نمطي الاستغلال المعتم والشفاف في سياق سيروة تاريخية طويلة وغنية. تشكل تركيا وكاريلا وربما البنغال الغربية أمثلة على الأوضاع الضبابية حيث تتأرجح الأنظمة السياسية بين الديمقراطية والأتوقراطية. وفيما يخص تركيا فقد تمتعت طوال الوقت بديمقراطية ذات نكهة غريبة متأتية عن كونها ديمقراطية مفروضة بواسطة النخب العسكرية. وتقوم المؤسسة العسكرية في هذه الحالة بالدفاع عن العلمانية ومبادئ "الكمالية". ونود القول هنا أنه على الرغم من نزاهة اللعبة الانتخابية، فإن الأهداف التي يسعى إليها حراس الديمقراطية العسكريين عن طريق اللجوء إلى قوة الجيش عند اللزوم، ليست معتمة بما يكفي. وذلك يعني أن الجمهور التركي يعي بشكل عام عناصر الأجندة التي تمثل الثوابت السياسية والإديولوجية لحراس ديمقراطيتهم. وبإمكان المواطن التركي العادي أن يخبرنا بحقيقة الأمر الذي تدور حوله ديمقراطيتهم. ومن هنا نعد هذه الديمقراطية واحدة من أقل الديمقراطيات كثافة. ومن جانب آخر تتقاسم كاريلا التي هي "دولة" محلية في إطار الفيدرالية الهندية العناصر الأساس في الديمقراطية الهندية التي يمكن شرحها انطلاقاً من منظورنا بالاعتماد على فكرة التراتبية في الطائفة caste بوصفها أداة لخلق التوازن والإذعان في إطار الاقتصاد الهندي الشفاف على وجه العموم. وبسبب من ذلك التوازن القلق الذي لا أساس له في البنية الاقتصادية، فإن الديمقراطية الهندية مصابة بمعظم أمراض الديكتاتورية. في كاريلا على وجه الخصوص توجد عناصر من قبيل حضور بعض الأقليات الذي يتسبب في إضعاف آليات أثر الطائفة، ووسط ظروف معقدة تتوصل إلى السلطة حكومة "شيوعية" مرات عدة. وفي حالة فريدة من نوعها تقوم حكومة كاريلا بشكل فعلي بالاستغاثة والاستعانة بالجمهور، وتقوم بتحريكهم ضد دلهي التي تقوم على أية حال بطرد الشيوعيين من السلطة بشكل مباشر في مرتين على الأقل. وهذه الحقيقة الأخيرة بذاتها مثال ذو دلالة على حدود التجربة الديمقراطية وشرطها الضروري المتمثل في القدرة على إعادة إنتاج البنية القائمة من أجل أن "تعمل" الديمقراطية وتزدهر. ولعل الفارق بين صعود النازية وإخراج الشيوعيين من السلطة في كاريلا هو في رأينا فارق كمي وليس جوهرياً أو نوعياً. وبمعنى ما يمكن لنا لأغراض "قياس المقارنة" أن نفكر في دلهي كأنها تقوم بقمع شعب صغير يدافع عن قيادته الثورية في وجه عدو خارجي ما. وهذا هو الوضع الذي نجد أنفسنا فيه عندما تنتهك قواعد اللعبة الديمقراطية. إنها بالتأكيد حالة معبرة في سياق أهداف هذه الدراسة. لكننا على الرغم من ذلك نفضل تناول حالتين تتقاسمان الكثير من السمات مع الحالات السابقة وتمتازان عليها بأنهما جزء من منطقتنا بالذات، وهاتان الحالتان هما اسرائيل والسلطة الفلسطينية اللتان تعيشان على بقعة الأرض الصغيرة ذاتها. وبالإضافة إليهما فإن من الجوهري بالطبع أن ننطلق إلى دراسة تجربة "الثورات الديمقراطية" في تونس ومصر وليبيا واليمن. وهي على الرغم من خصوصيتها تظل في رأينا أمثلة قوية تنطبق عليها الأطروحات التفسيرية التي نقترحها في نطاق موضوع الديمقراطية المحققة تاريخيا. تمثل إسرائيل والسلطة الفلسطينية أمثلة على تدخل عامل الصراع القومي وطبيعة تأثيره في المعضلة الديموقراطية. ويكمن السؤال طبعاً في محور ما إذا كانت مساهمة الصراع القومي تخدم في خلق وضع شفاف أم معتم. عموماً يقودنا الاستدلال الحدسي إلى أنه يعمل في اتجاه ضد الديمقراطية، وهو ما ينتج شكلاً ديمقراطياً منخفص الكثافة. تمثل دولة مثل السعودية بطبيعة الحال حالة الاستغلال الشفاف في صورة نقية، مما يجعل يجعل الديمقراطية أقرب إلى المحال. ويجعل اقتصاد هذه الدولة منها حالة قروسطية كلاسكية حيث يحتاج الحاكم إلى ميتافيزيقا إديولوجية/دينية جنباً إلى جنب قمع جهاز الدولة من أجل ضمان الإذعان الشعبي. إن دراسة هذه الحالات باستخدام منهج التحليل التاريخي وتتبع المسار قد تقود فيما نأمل إلى تزويدنا بالدليل الذي يسند إطارنا النظري المحدوس والمتمثل في المفاهيم السالفة الذكر عن أوضاع ثلاثة أساسية تقع على متصل الاستبداد والديمقراطية يظهر فيها الاستغلال معتماً، أو شفافاً،أوغير محدد. ولكننا في السياق الراهن نكتفي بدراسة "إسرائيل" مع توافر القصد والنية إلى دراسة الحالات الأخرى أو بعض منها على الأقل في المستقبل القريب.
الفصل الثاني اسرائيل ديمقراطية الشرق الأوسط اليتيمة: ديمقراطية ملتبسة أم نصف ديمقراطية؟ تمهيد: المجتمع الإسرائيلي مجتمع مهاجرين أقيم على أنقاض سكان البلاد الأصليين بعد نجاح المهاجرين اليهود البيض من أوروبا في إلحاق الهزيمة بهم ودفعهم إلى الهجرة. وقد أقام المهاجرون الإشكناز فور إعلانهم "الاستقلال" نظاماً ديمقراطياً على غرار النموذج الإنجليزي. وبدأ ذلك النظام العمل وفق القواعد الديمقراطية المعرفة في أنظمته الأساسية مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة إبقاء السكان الأصلانيين في وضع مهمش وفي شروط قمع شديد، وهو أمر لم يكن منه مفر بالنظر إلى الظلم الهائل الذي ألحق بسكان البلاد الفلسطينيين مما يعني عدم إمكانية العثور على طريقة أخرى لضمان إذعانهم. أما ما يمكن أن يفاجئنا فهو وجود تمييز ملموس تجاه اليهود من غير الأوروبيين البيض. نحاول هنا أن نقرأ هذه التجربة التي يعدها البعض الدرة اليتيمة للديمقراطية الشرق أوسطية. نستعرض جوانب هذه الديمقراطية مبتدئين بعرض الفسيفساء الاجتماعي الاسرائيلي، ثم نعرض للتمييز ضد الأقلية الأصلانية العربية ثم إلى التمييز ضد اليهود الشرقيين. وبعد ذلك نعرض خصائص الديمقراطية الإسرائيلية، ثم نقارنها بالتجربة الأمريكية مقدمة لمحاولة تفسيرها. إن مقارنة اسرائيل بالديمقراطية الأمريكية مهمة لغرض البحث بسبب أن قياس المقارنة analogy في هذا السياق له دلالة فعلية، لأن التشابه بين الحالتين ليس عرضياً بل يعود إلى تشارك كبير في السمات الأساسية. أولا: التركيب الاثني والديني والطائفي للمجتمع الاسرائيلي يُعَدْ المجتمع الاسرائيلي من المجتمعات الأكثر تنوعاً من النواحي العرقية والقومية والدينية والطائفية. ولعل نظرة إلى اليهود انفسهم الذين تعدهم الدولة الغاية من وجودها، تكشف انهم ليسوا متجانسين أبداً. ويرجع ذلك إلى أن اليهودية –بمعزل عن تحولها الى عنوان قومي- عنوان ديني يشير إلى قوميات وأجناس مختلفة اعتنقت هذا الدين مثلما هو الحال مع الديانات الأخرى. واضافة الى اليهود، هناك الفلسطينيون أبناء الأقلية الأصلانية الذين ينقسمون بدورهم الى ألوان وأشكال، وهو على الارجح ما عملت اسرائيل على تكريسه. ويأتي في هذا السياق انقسام الأقلية الفلسطينية الى مسيحيين ومسلمين ويهود ودروز. في الجانب الاجتماعي نجد شريحة عربية فلسطينية مميزة يخدم بعض أبنائها في الجيش الإسرائيلي –مثلما يفعل الدروز- واولئك هم البدو. (أبوشومر،2006، 43-61)وهكذا يبدو من النظرة الأولى أن اسرائيل يجب أن تقوم على مواطنة مدنية من أجل أن توفر الفرصة للنموذج الديمقراطي الليبرالي، لكنها في الواقع تصر على يهودية الدولة، فيبدو وكأن هناك حالة تماهي يتم السعي لخلقها والحفاظ عليها بين الانتماء اليهودي والمواطنة الاسرائيلية. وهو ما يشكل بؤرة توتر دائمة بين ديمقراطية اسرائيل المثالية وكينونتها الواقعية. وليس خافياً أن جزءاً من مواطني الدولة يظل "مشبوها" و "طابوراً خامساً" محتملاً و"عدواً داخليا" لا بد من الحذر منه، وهو وضع استثنائي لا مثيل له بالفعل. فحتى الولايات المتحدة لم تكن في وضع كهذا، لأنها توقفت عن "الشعور" بهذا التهديد قبل أن تمنح "آخرها الداخلي" حقوقه المدنية والسياسية، بينما منحت اسرائيل قسطاً لا بأس به من الحقوق المدنية والسياسية "لآخرها الداخلي" دون أن تتوقف عن عده عدواً محتملاً أو فعلياً. إضافة إلى ما سبق يمكن الإشارة إلى انقسام على أرضية العلمنة والتدين. فمع بداية الاستيطان بدأ الصراع بين الاتجاهات الصهيونية المختلفة، وخاصة بين المتدينين والعلمانيين، وهو ما توج بنوع من الهيمنة الدينية على مناح مجتمعية عديدة. ويعتقد أحد الباحثين بأن الصراع بين المتدينين والعلمانيين، الذي ينطوي بالضرورة على أبعاد عرقية-اثنية وطائفية –ثقافية والذي "يظهر أحياناً ويخبو احياناً أُخرى، يعد واحداً من أهم التناقضات الرئيسية التي تشق الكيان الاسرائيلي من الداخل." (مرتضى،2007،ص 523) ولكن ذلك بالطبع يظل قابلاً للاحتواء بسبب وجود الآخر العربي الفلسطيني في الداخل والخارج على السواء. وهنا يبدو لنا أن الديمقراطية الاسرائيلية في حاجة مبدئياً إلى التمييز ضد العرب الفلسطينيين حتى لو افترضنا عدم وجود صراع سياسي/قومي بين الفريقين، لأن ذلك التمييز يشكل لبنة في تكوين الهوية القومية الإسرائيلية التي تعاني من التذرر، ولما تتمكن من تجاوزه بعد. هناك أخيراً التقسيم على أساس طبقي، إذ أن المجتمع الإسرائيلي الواقعي، مثل أي مجتمع متحقق بالفعل، يتشكل من طبقات. هناك الطبقة البرجوازية العليا، والمتوسطة ، ثم الشرائح الاجتماعية الدنيا. لكن ما يظل طافياً على سطح المجتمع الإسرائيلي يظل محكوماً بشكل أكبر بالتوزيع الطائفي-الاثني. (محارب،2005،ص 45-46) وقد برهنت الوقائع أن تاريخ اسرائيل منذ ولادتها قد اصطبغ بالكفاح الذي مارسه اليهود الشرقيون بألوانهم المختلفة. وعلى الرغم من مرور عقود عدة، إلا أن نضالات "تمرد وادي الصليب" ومظاهرات "الفهود السود" التي غطت مطلع السبعينيات من القرن العشرين حتى وقوع حرب تشرين 1973، ما تزال على الأرجح ماثلة في العقل الجمعي لليهود الشرقيين الذين يقفون الآن بشكل قوي إلى جانب "شاس". ومن حيث التداخل الطبقي والإثني هرمياً نجد في أسفل السلم تماماً أبناء الأقلية العربية، ثم أعلى منهم بقليل يهود "الفلاشا"، ثم يأتي يهود الدول العربية والإسلامية ثم المهاجرون الروس الجدد. ويمكن عد الفئات السابقة مع استثناء بدرجة معينة لليهود الروس فئات مضطهدة ومنبوذة على وجه الإجمال، وإن كان بينها تفاوت في درجة المعاناة والاضطهاد. ويبدو أن معظم اليهود الامريكيين الذين هاجروا إلى اسرائيل يعملون مدراء ومسؤولين ومستثمرين، في حين أن غالبية المهاجرين الشرقيين إلى اسرائيل قد عملوا في القطاعات الدنيا. (الجباعي،2001، ص 7)وهو في الواقع ما يشي بميزة مهمة في الديمقراطية الإسرائيلة والنظام الاجتماعي الإسرائيلي الذي يستطيع ضمن هذه التركيبة المتداخلة والفسفسائية إثنياً ودينياً وطائفياً وقومياً أن يؤجل إلى زمن طويل أي صراع اجتماعي خطير. وليس من المستغرب أن الأحزاب الإسرائيلية قد اقتاتت على الصراع القومي، وتغذت انتخابياً على الأصوات كلها عبر ممارسة الألاعيب القومية، ويشمل ذلك الصوت العربي ذاته. وربما أن الحزب الشيوعي الإسرائيلي على سبيل المثال قد انتهى به المطاف إلى أن يصبح حزباً عربياً. والواقع أن المجتمع الإسرائيلي يحتاج إلى آليات معقدة لكي يتمكن من صهر "اللملومة" غير المنسجمة من المهاجرين الذين جاءوا من كل حدب وصوب يحملون معهم إرث أممهم وثقافاتها المتنوعة …الخ وليس في إمكان اسرائيل على ما يبدو أن تجد فكرة لتوحيد هذه اللملومة أفضل من فكرة اليهودية. وإذا كان البياض هو كلمة السر السحرية في توحيد الأوروبيين في أمريكا في مواجهة السكان الأصلانيين، فإن السكان الأصلانيين هنا هم من يشكل أحد المحاور المستخدمة في توحيد التنويعة اليهودية. وعلى الرغم من أن اليهودية تشكل أساسا متخيلاً ما لبزوغ قومية اسرائيلية، إلا أن هذا الأساس يعاني من صعوبات ناجمة عن التباين في مكونات فئات هذه القومية التي تبدو متنافرة لأسباب تاريخية واضحة. ومن هنا يبرز الآخر العربي محدداً سلبياً لماهية اليهودي والإسرائيلي خصوصاً إذا ما تذكرنا أن الوعي "السري" وربما العلني لليهود لا يعد الأقلية الأصلانية الفلسطينية جزءاً أصيلاً من الوجود الإسرائيلي، وإنما هي لحظة تاريخية اضطرارية قد يتم تصويبها إذا ما هبت رياح ملائمة لذلك. هكذا إذن يسهل تأسيس وحدة هشة ليهود اسرائيل بالتذكير المستمر بآخرهم المختلف ابن الأقلية الأصلانية الفلسطينية. لعل من الملائم أن نعرض في البندين التاليين لواقع هذه الأقلية ثم "الأغلبية" اليهودية الشرقية. ثانيا: واقع الأقلية العربية في ظل الديمقراطية الإسرائيلية عانت الديمقراطية منذ ولادتها تناقضاً اساسياً بين إعلانها ذي المحتوى الاخلاقي عن المساواة والحرية التي لا تميز بين المواطنين، وبين واقعها الفعلي الذي بدأ في أوروبا الغربية والولايات المتحدة بشكل متواضع بإعطاء حق التصويت للذكور أصحاب الملكيات مستثنياً النساء والعبيد والفقراء. لقد ولدت نظاما أوليغاركياً صُمّمَ لما فيه مصلحة الذكورالأغنياء فحسب. لكن الديمقراطية الإسرائيلية محظوظة كونها قد ولدت في ظروف مواتية بالقياس إلى الديمقراطيات السابقة. فقد حصلت النساء على حق التصويت في أوروبا والولايات المتحدة عموماً قبل تأسيس اسرائيل ببعض الوقت. ومن ناحية ثانية تلقت الطبقات الفقيرة دفعةً للأمام بفضل الشيوعية من جهة، ودولة الرفاه من جهة أخرى. وهكذا فإنه لولا معضلة يهودية الدولة لاستطاعت إسرائيل تجنب نقاط الضعف التي عانت منها الديمقراطيات في اوروبا الغربية والولايات المتحدة، بحكم الاستفادة النظرية من أخطاء الماضي وتجاوزه إلى فضاء أشد ايماناً والتزاماً بالقيم الإنسانية. ولدت اسرائيل بعد تحقيق النصر على النازية والقوى الديكتاتورية بعامة. وبهذا المعنى فقد كان الزمن زمن العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان. وربما كانت مناسبة طريفة بالفعل أن اسرائيل قد ولدت في السنة ذاتها التي ولد فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد بدا وكأن اسرائيل بناء يمكن تصميمه كما يشاء المرء لأنه يشبه أن تبني مدينة على أرض خالية لا يشوبها شائبة فتخططها وترسمها على أجمل ما يمكن. وإذن فقد كان بإمكان اسرائيل نظرياً ومع تجاهل روابطها التاريخية بالاستعمار وطبيعتها ذاتها...الخ أن تكون "اسرائيل" التي يبنيها الرب بالذات، لتشكل تجسيداً لمشيئته العلوية. لكن الأمور لم تسر على ذلك النحو. وليس سبب ذلك على ما يبدو الجريمة المقترفة بحق سكان البلاد العرب الفلسطينيين والمتمثلة في عملية التطهير العرقي التي لحقت بهم. إنما المشكلة التي عانت منها اسرائيل كما سيتضح فيما بعد، هي أنها لم تسر في ذلك التطهير حتى النهاية. تلك معضلة سوف تواجه اسرائيل منذ تولد نظاماً ديمقراطياً يضع جزءاً لا بأس به من السكان قيد الإقامة الجبرية. وهو ما يشبه ولادة الديمقراطية الأمريكية محملة بثمار الحرية وحقوق الإنسان محتفظة مع ذلك بجزء من السكان العبيد وجزء آخر من "الغرباء الأصلانيين" الذين يقيمون في البلاد دون أن يحملوا جنسيتها. مثل هذه التناقضات الصعبة نظرياً والمؤلمة واقعياً لا تحل بقرارات مجردة ولا بتكليف مجموعة من الباحثين بإعداد دراسة حولها. إذ لا بد للتاريخ من أن يجد حلها الملائم في ظل سيرورة معقدة من الشروط الداخلية والخارجية المتنوعة. بإيجاز نقول إن أزمة الديمقراطية الاسرائيلية انما يتسبب فيها وجود أبناء الأقلية الأصلانية الفلسطينية. لقد واجهت إسرائيل منذ البداية مشكلة "عادية" اذا ما كان الحديث يدورعن الدول الاستيطانية الكولونيالية، وهذه المشكلة بالطبع تتعلق بكيفية ادماج من يتبقى من السكان الاصليين في النظام الاجتماعي والسياسي لدولة الاغلبية ذات الطابع الديمقراطي. أما خصوصية اسرائيل فإنها تنبع من قرار واع بعدم السماح باندماج أبناء الأقلية العربية الفلسطينية في المجتمع لأنهم ليسوا يهوداً وليس بإمكانهم ان يصبحوا يهوداً، كما أن احتمال أن تتحول هذه الأقلية إلى أغلبية يظل سيفاً مسلطاً على رقبة الدولة اليهودية. ولذلك فإن الدولة لا "تستطيع" بدئياً إلا أن ترفضهم، وهي تفعل بدهاء عبر تعريفها لنفسها بأنها دولة اليهود الذين لا يمكن ان يكونوا يهودا إلا لانهم ولدوا يهوداً. والتجنس في هذا الباب لا موضع له. كما أن السماح بزيادة عدد أبناء الأقليات لا يجوز لأنه يعني القضاء على الدولة. وذلك كله لم يمنع اسرائيل منذ ولادتها من تكرار القول بانتمائها الى التقاليد الحداثية الديمقراطية. بل أن تعد نفسها في طليعة الدول الحرة الراعية لقيم الليبرالية وحقوق الانسان وكل ما من شأنه أن يكون من سمات الدولة الديمقراطية. سنت اسرائيل القوانين بغرض مصادرة الاراضي من الفلسطينيين الذين أصبحوا مواطنيها، ومن ذلك قانون أملاك الغائبين الذي أدى إلى أن تكون نصف الأراضي المصادرة مملوكة لأفراد يقيمون داخل دولة اسرائيل ويحملون هويتها وجنسيتها. ويبدو أن الاقلية الاصلانية العربية قد فقدت 35% من اراضيها بعد ان اصبحت تتمتع بالمواطنة الاسرائيلية. (شاهين، 2010) في المقابل يتم منح الامتيازات المطلقة لليهود في الأرض وغيرها. وقد أوضح بن غوريون ذلك تماماً في العام 1950 لدى مناقشة قانون العودة في الكنيست عندما قال إن " قانون العودة هو من القوانين التي تُشَكل مصدر [وجود] اسرائيل، وهو يضمن أحد أهم غايات دولتنا، غاية جَمعْ المنافي، يحدد هذا القانون أنّه ليس الدولة هي التي تمنح اليهود خارج البلاد حق الاستيطان بها. وإنما يكمن هذا الحق في كل يهودي لأنّه كذلك في حالة ما عبرَ عن رغبته بذلك." (دلال،2009، ص 40) طبعاً هذا الحق المطلق لليهود في فلسطين والذي يشبه فكرة حقوق الإنسان الطبيعية بتعاليه على الدولة وعدم استمداده الحق منها يقابله حق الفلسطينيين المشكوك فيه في التمتع بالإقامة في اسرائيل كونهم ليسوا من أبناء هذه البلاد "الموعودين" الأمر الذي أحوجهم إلى القانون الوضعي للدولة لكي يصبحوا مواطنين، وبهذا المعنى فإن لفلسطيني يكتسب حقه في هذه البلاد بالتجنس الذي أتاحته قوانين الدولة على نحو استثنائي. ومن المفارقة بالفعل، أن المواطنين الفلسطينيين الأصلانيين يبدون أقرب إلى الهوية المدنية المشتقة من علاقة الدولة مع مواطنيها مقارنة باليهود الذين يعلون على الدولة وبالتالي تبدو مواطنتهم أقرب إلى فكرة القبيلة أو الأمة الدينية التي تتجاوز الدولة بما هي مفهوم وممارسة وضعيين ومدنيين. وهكذا يبدو أن التمييز ضد المواطنين العرب كان هو القاعدة مثلما أن محاباة اليهود قانون مشرع في دولة تعلن نفسها دولة لهذا الصنف من الناس دون غيرهم. وتلاحظ الباحثة دوريت جيفن:"أن المجتمع الاسرائيلي صعب ومعقد وليس بالأمر السهل أن يستطيع أحد غير يهودي العيش أو التعايش في المجتمع الإسرائيلي." وتتابع الباحثة آراءها بخصوص العنصرية الاسرائيلية قائلة إن "العرب مثلاً والذين هم موجودون منذ قيام إسرائيل ويحملون هويات إسرائيلية لم يجدوا مكاناً لهم في المجتمع الإسرائيلي ومن المستحيل أن يحصلوا على المساواة التي يحلمون بها." (أبوشومر، 2006 ، ص 194) وذلك مؤشر على صعوبات الديمقراطية الإسرائيلية التي تظل ديمقراطية من ناحية وإقصائية من ناحية أخرى. لكن ذلك قد يوحي بأن اسرائيل هي دولة ديمقراطية لا تعاني من تحديات كأداء في حال غياب العرب، لكن من أجل أن نتفحص هذه الأطروحة علينا أن ننتقل إلى قراءة موجزة للقطاع الآخر الذي تعرض للاضطهاد منذ نشأة الدولة ونعني به اليهود الشرقيين. ثالثاً :قصة اليهود الشرقيين: لعل تاريخ اليهود الشرقيين من الأمورالأهم التي تستدعي المقارنة بين الديمقراطيتين الأمريكية والإسرائيلية. ففي الحالتين نجد البياض شرطاً للامتياز، وفي الحالتين نجد اللون والافتقار "للأوربة" المتحضرة عاملاً حاسماً في انسداد الافاق في وجه المرء لكي يصيب قسطاً من النجاح. وليست مصادفة أن شبان "المصرارة" الغاضبين في العام 1971 قد اختاروا اسم "الفهود السود" عنواناً لحركتهم التي قاومت ما عدته تمييزاً ضد اليهود الشرقيين وتعاملاً مزرياً معهم من قبل الدولة التي بدت في نظرهم دولة الإشكناز لا مدافع. ويرى سامي شطريت Chetrit أن بداية وعي اليهود القادمين من الدول العربية والإسلامية ومن دول البلقان بأنهم يهود "شرقيون" مثلت الأساس الذي سيمكنهم من النضال في مواجهة لعبة "فرق تسد" التي مارسها الإشكنار بغرض إبقائهم شيعاً وطوائف يسهل التلاعب بها. (شطريت،2005،ص 65) وهذا الفهم يتضمن القول بأن النخبة الإسرائيلية هي نخبة اشكنازية بيضاء. وبالتالي فإن الدولة تعمل بشكل يؤازر مصالح النخبة المهيمنة التي تستخدم جهاز الدولة الإكراهي من أجل تحقيق مصالحها. ويبدو أن العلاقة بين النخبة والدولة في الحالة الإسرائيلية قد تكون أشد وضوحاً مما هي في حالات أخرى مثل الولايات المتحدة من ناحية الزواج الصريح بين الدولة والنخب مما ييسر أن توظف النخب أجهزة الدولة لتكريس سيطرتها. شكل الشرقيون نسبة 50% من المجتمع الإسرائيلي بحلول العام 1952 ولكنهم حازوا القليل مما يمكن اعتباره حقهم في الكعكة الاقتصادية القومية. ومن الواضح أن النخب الإشكنازية قد فسرت ذلك بتخلفهم وبدائيتهم التي لا يد لإسرائيل أو نخبها فيه. لقد جاؤوا من "بلادهم" على الصورة التي هم عليها. وقد عملت الدراسات "العلمية" الإشكنازية مثلما سلفها الأوروبي والأمريكي على تفسير الأعراض التي تلازم اليهودية الشرقية من قبيل الميل المفرط إلى العنف وما يرافقه من تفاصيل تتعلق برفع الصوت أثناء الحديث وحركات الجسد. وفي هذا السياق يبدو أن المغاربة بالذات قد نالوا نصيب الأسد من "البحث العلمي" الأمر الذي لا يثير الاستهجان إذا ما تذكرنا أن الأفعال العنيفة التي تميز البدائية الشرقية في أسوأ صورها من قبيل "تمرد وادي الصليب" وحركة "الفهود السود" تعود إليهم. (شطريت، 2005، ص 67-123) من هنا كان لا بد من معرفة الجذور التي تتسبب في سلوكهم غير الطبيعي. من ناحية جذور الهيمنة على الحياة السياسية والاقتصادية في اسرائيل لصالح البيض فإنها تعود بطبيعة الحال إلى الانتداب البريطاني الذي سهل هجرتهم واعترف بهم بحكم الأمر الواقع زعامة لليشوف الذي يعبر عن الجماعة اليهودية المقيمة في فلسطين قبل إعلان قيام الدولة. وهكذا تم التأسيس لهيمنة واضحة على السياسة والاقتصاد لمصلحة المهاجرين من أوروبا. وبحسب شطريت فإن اليهود السفارديم المقيمين في فلسطين قد تراجع حضورهم وبهت أثرهم إلى درجة أنه لم يعد لهم وجود يذكر. ومن هنا فإن السياق الأساس للهيمنة الإشكنازية البيضاء ليس مغايراً لأية هيمنة مارستها أية أقلية أو أغلبية أوروبية بيضاء حيثما حلت في بقاع الأرض بعد هجرتها من موطنها القاري. ولا يلزم فيما نظن أكثر من أن نزيح المسحة الصوفية-الأسطورية التي تميز الخطاب الصهيوني العلماني في جوهره حتى ندرك أن اسرائيل جزء من الكل الأوروبي، وأنها لا تفعل ما يدهش بنشأتها على التمييز لصالح البيض الذي يشكل جوهر المشروع الأوروبي القائم على تصدير الفائض السكاني إلى العالم الجديد أساساً، وإلى بعض المستعمرات في العالم القديم الذي يشكل في مثلثه الضلعان الآسيوي والأفريقي أرضاً خصبة للاستغلال بسبب الشروط التاريخية التي سادت منذ القرن الخامس عشر. يظهر من المعطيات التاريخية أن الأمور في أحياء اليهود العرب وغيرهم من اليهود الشرقيين الذين منحوا بيوت المهجرين الفلسطينيين ليسكنوا فيها كانت أبعد من أن توصف بأنها على ما يرام. فقد كانت المعاملة الدونية هي القاعدة في مجالات السكن والعمل والتعليم ومستوى الدخل وكل مظهر من مظاهر الحياة الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية. وهو ما سيقود بعد أقل من عقد على قيام إسرائيل إلى انتفاضات جدية تقطع صفو شهر العسل الذي عاشه بن غوريون والقيادة الإشكنازية. وقد تنبه بن غوريون بسرعة إلى الخطر الكامن في نهوض الشرقيين، وأوضح ذلك في رسالة إلى الزعيم السفاردي الياهو اليسار إذ قال إن نشاط الأخير في صفوف اليهود الشرقيين قد يضر بقضية اليسار الإسرائيلي الذي يهيمن ممثلاً بمباي على المشهد السياسي. (شطريت، 2005،ص ،92،130) والواقع أن هذه اليقظة مؤشر على الوسائل المستخدمة في إدارة المعركة الاجتماعية عبر الخليط المعتاد من القمع المباشر والهيمنة الأيديولوجية و "اللعب" على التناقضات والخلافات مما يعطي في النهاية المزيج الملائم من أجل إبقاء الأمور على حالها مع تقديم بعض التنازلات الضرورية في بعض الأحيان من أجل تجنب كارثة تقوض النظام نهائياً عن طريقة ثورة جذرية تنتج علاقات مختلفة بشكل كامل. هذه اليهمنة مع ذلك تعرضت لمنغصات حقيقية مثلها "تمرد وادي الصليب" و"حركة الفهود السود" مع ملاحظة أن الثانية كانت علامة فارقة بالفعل في مسيرة الكفاح الشرقي ضد الهيمنة الإشكنازية. يقع وادي الصليب الذي هو حي عربي أصلاً في أسفل جبل الكرمل. وعندما أنجز تهجير العرب الفلسطينيين، أسكن مكانهم يهود من شمال أفريقيا. وقد كان عدد سكان الحي من هؤلاء اليهود لحظة وقوع "التمرد" خمسة عشر ألفاً. ومثل قصص التحركات والانتفاضات الشعبية كلها، كان هناك مجموعة من العاطلين عن العمل يجلسون في مقهى ويبدو أن أحدهم قد ثمل وبدأ يعربد فحضرت الشرطة لاعتقاله، وكان أن أطلق أحد أفرادها الرصاص على الرجل دون سبب واضح، فبدأ الجمع في إلقاء الحجارة على أفرادها، ثم "انفجر" الغضب وانطلق العنف ضد كل شيء وخصوصاً البنوك والمحال في الأحياء الراقية المجاورة ومركز حزب مباي. وقد ردت الشرطة باستخدام الهراوات وضربت بشكل مبرح كل من وقع في طريقهم بما في ذلك النساء والأطفال. وقد روى بعض المعتقلين كيف تعرضوا للضرب القاسي أثناء استجوابهم من قبل الشرطة. ويبدو أن كتائب غير نظامية مقربة من ديان وبن غوريون حملت اسم "كتائب الصاعقة" قد شاركت في قمع المتظاهرين وإبقائهم بمنأى عن أماكن اجتماع ونشاط قيادات مباي وسط صمت غريب من الصحافة التي تجاهلت ما كان يجري. (شطريت، 2005، 5، 163، والواقع أن هذه القصة على صغر حجمها وأثرها باعتبارها حدثاً عابراً في المجتمع الإسرائيلي أمكن للصحافة السائدة أن تتجاهله تماما، إلا أن ذلك لا ينفي احتوائها على مكونات الطريقة والآلية التي تتبعها النخبة الإشكنازية ضد اليهود الشرقيين وضد الأقلية الأصلانية الفلسطينية مع اختلاف درجة القمع وشدته وسخاء العروض. ومن ذلك محاولة تحقيق الهيمنة عن طريق التجهيل المقصود والمنظم وبناء الأساطير التي تجعل المرء يحمل نفسه أو طائفته المسؤولية عن مصيره بسبب تقصيره لأن الدولة –بالطبع- دولة ديمقراطية حرة تتيح الفرص للجميع على قدم المساواة، وليس خطؤها أن فرداً أو فئة اجتماعية لا تستطيع لأسباب تعود إلى طبيعتها أن تستفيد من هذه الأجواء. وقد تم استخدام أساليب التفرقة والاختراق الداخليين للجماعة بغرض إضعافها وتفكيكها من الداخل. وهو ما نجده بشكل واضح في استخدام الفهود الزرق في الانتخابات ضد الفهود السود مما أدى على ما يبدو إلى إضعاف فرصهم في الفوز بأي مقعد. وتم كذلك توظيف معطيات النسيج الاجتماعي الفسيفسائي لضرب أجزائه بعضها ببعض عندما يكون ذلك مفيداً في تكريس هيمنة النخبة. وأخيراً تم استخدام جهاز الإكراه بما لديه من إمكانيات ضخمة تتمثل في الأفراد والأسلحة والعتاد والمعتقلات..الخ وكذلك اللجوء إلى العصابات أو الكتائب الأخرى التي قد لا تكون جزءاً مباشراً من القوات النظامية. وهو ما يذكر ولو من بعيد بجماعات مثل الكو كلكس كلان Ku Klux Klan التي كانت تتصرف بوصفها ذراعاً غير مسؤول للنخبة البيضاء، وتقوم بإرهاب السود والأقليات "الملونة" والاعتداء عليها. ومن هذه الناحية علينا أن نتذكر النجاح الأمريكي في احتواء الراديكالية السوداء لنقارنها بنجاح اسرائيل في المسعى ذاته. ولا بد أن إعادة تنظيم الوعي الشرقي لن تتحقق قبل أن ينحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يوفر فرصة ذهبية لتوحيد الصفوف ضد الخطر الخارجي. وهكذا تنجح الديمقراطية الإسرائيلة في "نهاية الأمر" في تحقيق الهيمنة مع الظهور بمظهر الديمقراطية الحقة التي لا تلجأ إلى القمع إلآ نادراً وفي مواجهة أعمال شغب ...الخ. لكننا "للأسف" نلمح في الأونة الأخيرة حراكاً متزايداً في أوساط أبناء الأقلية الأصلانية قد "يضطر" الدولة لإعادة الاعتبار للسبل القمعية المباشرة لجهاز الإكراه التابع لها. وعندها سوف نجد أن حظ اسرائيل حتى اللحظة من الظهور بمظهر الديمقراطية الليبرالية كما يصفها "مثال" الديمقراطية يتعثر بسبب صعوبة تحقيق الهيمنة في مضمار السيطرة على الأقلية الأصلانية العربية. وإذا كان هذا التساؤل ليس من شأن هذه الدراسة إلا أننا لا نستطيع تجنب الإغراء النظري لطرحه: ألن تذهب اسرائيل في آخر المشوار "من أجل حماية ديمقراطيتها" إلى طرد الفلسطينيين جميعاً إلى الخارج، خارج اسرائيل أو حتى خارج حدود فلسطين الانتدابية كلها؟ هذا سؤال تاريخي بامتياز، لكننا لا نرى هناك محالاً نظرياً في الإجابة عليه سلباً أو إيجاباً. رابعاً: إسرائيل والولايات المتحدة: مقارنة نظن أن مقارنة النظام السياسي الإسرائيلي بالديمقراطية الأمريكية مفيد لغرض البحث بسبب أن قياس المقارنة في هذا السياق قياس مشروع وصحيح. ولا بد لنا من الإشارة في البدء إلى أن العام 1948 قد حقق حلماً مهماً بالنسبة للثقافة اليهوسيحية وخصوصاً في طبعات بروتستنية معينة. كانت ماسوتشوستس وبنسلفانيا وغيرهما ما شكل اسرائيل الأولى التي جاءت في زمن كان الناس يظنون فيه أن أطفال اسرائيل سيعودون إلى وطنهم بعد آلاف السنين. من الواضح أن فكرة عودة "شعب الله إلى أرضه"، كانت قد تحولت إلى ميثولوجيا على امتداد القرون، وما كان الشخص العادي ليأخذها بجدية أبداً. لكن شروطاً ومصادفات وسياقات ليس هنا موضعها، قد أدت إلى تحقق الحلم، وولدت معجزة جديدة غير معجزة الولايات المتحدة التي كانت في واحد من أوجهها استعارة اسرائيلية. مع اسرائيل في أرض الميعاد التوراتية نحن أمام الحقيقة الواقعية، ولا داعي لأية استعارات أدبية أو دينية. لقد جاء الشعب الأبيض المختار إلى "اسرائيل" الأمريكية محملاً باعتقادات التميز والتفوق، ولكنه مع ذلك أصر على بناء نظام سياسي ديمقراطي، فكانت النتيجة ديمقراطية للبيض وإقصاء واستعباد وإبادة لمن لا ينتمي إلى شعب الله الأبيض المختار. فهل اختلفت تجربة اسرائيل الحقيقة عن اسرائيل الاستعارة؟ قد يبدو أن إجابتنا يجب أن تكون "لا" صريحة وقاطعة. ولكن الصحيح أن اسرائيل الجديدة لم تكن نسخة من اسرائيل القديمة. فهنا لم تتم إبادة ولم يحدث استعباد لأحد. ومن الواضح أن اسئلة المساواة والعدالة والحقوق المتكافئة قد ولدت هنا في فلسطين المستوطنة باليهود البيض أسرع بكثير من سابقتها الأمريكية. وعلى الرغم من أن طيفاً واسعاً من المجموعات السكانية التي لا تتفق مع مثال الشعب المختار قد تعرضت للتمييز، إلا أن المثال الإسرائيلي يختلف في شدة ذلك التمييز اختلافاً بيناً. في الولايات المتحدة تم الانحطاط بالأقلية الاصلانية المسماة بالهنود الحمر إلى حضيض يسمح بالاجتثاث التام في ظل تخصص شركات ربحية ثم الجيش الأمريكي الناشئ بمطاردتهم في كل مكان لا لسلب أرضهم فحسب وإنما بغرض إزاحتهم من المشهد نهائياً. وتعويضاً عنهم وبسبب الحاجة إلى العمل في الزراعة، تمت أوسع عملية للتجارة الكونية للعبيد التي كانت أبعد ما تكون عن شروط التجارة الحرة النزيهة كما يفهمها آدم سميث. في سياق تاريخي لا نظير له تم اقتحام القارة السوداء واصطيد البشر، بالشباك. وعلى طريق العبودية الدامي كان لا بد من قتل أعداد هي أضعاف من وصلوا أحياء. وقد عانى هؤلاء ونسلهم ردحاً طويلاً قبل أن يحصلوا على حقوقهم المدنية والسياسية بعد قرون من الاستعباد. ومن البدهي أن يوجد في حالة اسرائيل بعض التشابه مع النموذج الأمريكي فيما يخص التعامل مع السكان الأصليين، لكن ذلك لا يصل إلى حدود التطابق في الأساليب البشعة الموظفة في التخلص من البشر التي برهنت على فاعلية هائلة أدت إلى اختفائهم في أمريكا بشكل شبه كامل. لكن إذا كان هناك اختلاف بين الولايات المتحدة واسرائيل في التفاصيل، فإن هناك تشابهاً في الأسس والخطوط الرئيسة لا تخطئه العين. نحن في كلا الحالتين نواجه مجتمعاً استيطانياً كولونيالياً يصبح أغلبية بفعل الابادة مثلما في الولايات المتحدة، أو التطهير العرقي مثلما في الحالة الإسرائيلية. ونجد في النموذجين أن المواطن من الدرجة الأولى يغدو المستوطن الابيض بينما يصبح ابناء البلاد الاصليين أقلية تحاول، ويحاول النظام الديمقراطي للأغلبية ان يجد تعريفاً لها بشكل ينسجم مع طبيعته الفعلية أو مع فهمه المخلص أو المرائي للديمقراطية. ولعل المراءاة أو الإخلاص في هذه الأحوال لا يغيران في جوهر الأمر شيئاً، لأن الذهاب بعيداً في "مغازلة" الفكرة الديمقراطية-المثال قد تنشئ وضعاً يتم فيه استغلال متطلبات وشروط ذلك المثال لإلحاق الاذى بالمجتمع الاستيطاني الوليد. والواقع أن المرء لا يتفاجأ من انخفاض كثافة الديمقراطيتين إلى حد مدهش. ذلك أن شروط المحافظة على الديمقراطية والامتياز للنخب البيضاء في وقت معاً ما كان يمكنه أن يثمر أكثر من ذلك الوضع الذي يجعل اسرائيل والولايات المتحدة في موقع يقترب من المنتصف على متصل الديمقراطية والاستبداد. ومثلما اشتكى السود وغيرهم من "الملونين" من سوء المعاملة معبرين عن ذلك بوسائل متعددة من بينها الوسائط الفنية فقد فعل اليهود الشرقيون شيئاً مشابهاً عندما أدركوا أنهم قد خدعوا على نحو قاس من حيث أنهم جاءوا إلى جنة أرض الميعاد ليجدوا حياة مليئة بالذل والتمييز، وليجدوا أن ما قيل لهم محض سراب. يبدو لنا ان هذه هي الاشكالية الرئيسية التي واجهها المجتمعان الديمقراطيان الامريكي والاسرائيلي. ويبدو لنا أيضاً أن صعوبات النظام الديمقراطي الاسرائيلي أشد استعصاء بحكم عدم نجاحه مقارنةً بسلفه الامريكي في تحجيم السكان الأصليين إلى درجة تجعل حضورهم باهتاً بما فيه الكفاية ليعمل النظام الديمقراطي بكفاءة على الرغم من وجودهم أو حتى بسبب وجودهم باعتبار أنهم أقلية معارضة راديكالية تعيش داخل النظام الديمقراطي وتنتقد الأغلبية المسيطرة وتعارضها بالسبل الديمقراطية فيكفل لها النظام الديمقراطي ذلك. ولعل ما يميز الحالة الأمريكية الراهنة هو أن مشاركة السود أو عدمها لا تؤثر في شيء ذي بال. أما في اسرائيل فإن الوضع أشد صعوبة في الزمن الراهن. ولكنها مع ذلك تصيب نجاحاً لا بأس به. وسوف نحاول قراءة ذلك عبر محاولة الاجابة على السؤال: هل أمكن للديمقراطية الإسرائيلية ان تتعايش مع العنصرية؟ بمعنى هل تنجح اسرائيل في ان تظل ديمقراطية على الرغم من وجود جزء مهم من السكان-المواطنين لا يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة أو الفعلية عند مقارنتهم بمواطني "الدرجة الأولى"؟ يشكل السؤال السابق جوهر الإشكالية الديمقراطية الإسرائيلية التي يرى فيها الكثير من الباحثين حالة غريبة من نوعها لأنها تحاول الجمع بين الديمقراطية وما تحمله من قيم المساواة وعدم التمييز الاثني والعرقي والديني، وبين الاصرار العنيد على يهودية الدولة التي هي هوية قومية ودينية معاً. وفي سياق هذا التناقض لا بد من الاشارة الى ضحيته الاساس المتمثلة بالأقلية الاصلانية الفلسطينية. وإنه لمن من الاهمية بمكان أن نقوم بتوضيح كيف تقوم اسرائيل بالجمع بين هذه المتناقضات، وما الذي تعمله للتغطية والتمويه، وما هو مقدار النجاح الذي تحققه في إطار ذلك كله.
خامساً:ماهية النظام السياسي الإسرائيلي وحدود ديمقراطيته تاسست دولة اسرائيل في 14 ايار من العام 1948. ومثلما يقول موقع وزارة الخارجية الاسرائيلية الإلكتروني باللغة الانجليزية فانها قد تأسست مثل غيرها من الدول الديمقراطية على هدي من المبادئ والمؤسسات التي تجد أساسها في القوانين الأساسية التي تشكل بناء تحتياً لملامح النظام الحكومي وحقوق المواطنة. ويعرف الدستور المقترح اسرائيل على أنها "دولة يهودية ديمقراطية" مكرساً بذلك هذا الطابع في دستور الدولة بالذات. يرد في البند الثاني (مصطفى،2009،ص 23): "اسرائيل هي دولة يهودية وديمقراطية، وتؤكد بنود الدستور الطابع اليهودي للدولة في كل ما يتعلق بقضايا :حق العودة والجنسية ورموز الدولة، والتي تم تدوينها في الدستور بشكل واضح مكرسا الطابع اليهودي للدولة." وهناك تيار يهودي يعترف ان ديمقراطية الدولة في صراع دائم مع يهوديتها. ويدعي هذا التيار أن الديمقراطية تسمح "للأعداء من الداخل" باستغلالها ضد يهودية الدولة، لذلك يظل هناك حاجة دائمة لتقليص مساحة الديمقراطية وتوسيع الطابع اليهودي للدولة وربط المواطنة باستحقاقات معينة. (المرجع نفسه،ص 21) والواقع أن هذا الميل للتأكيد على يهودية الدولة على حساب ديمقراطيتها قد اشتد في الآونة الأخيرة بشكل يخالف إلى حد كبير نماذج أخرى تتقاطع مع النموذج الإسرائيلي مثل النموذج الأمريكي. لكن ذلك ليس مدهشاً لأن الفارق بين النموذجين مهم بالفعل. ففي النموذج الأول انتهى فعلياً أي تهديد لهيمنة الرجل الأبيض وأصبح إعطاء السود وغيرهم حقوقاً شكلية لا يقدم أو يؤخر في شيء. أما هنا فإن وعي المواطنين الفلسطينيين الأصلانيين المتنامي وتزايد عددهم باتجاه تشكيل نسبة تقترب من الربع إضافة إلى وجودهم بقرب عمقهم الفلسطيني والعربي المجاور تماماً، يضع اسرائيل في مأزق جدي، ويصبح التوجه الديموقراطي مكلفاً جداً. وهو بالطبع توجه لا تستطيع النخب المسيطرة حالياً في اسرائيل أن تتبناه ما لم تكن هناك شروط تاريخية ملموسة ترغمها على ذلك. وما دامت تلك الشروط غائبة تظل إمكانية الدمقرطة الإسرائيلية الكاملة أمراً مستبعداً واقعياً بالفعل. ولعل من المهم في هذا السياق أن نتعرض لقراءة كميرلنج Kimmerling للمجتمع الإسرائيلي وتفسيره لآليات التعامل مع الفلسطينيين. يوجد ثلاث حالات توضح العلاقة بين المجتمع المحلي الأصلاني والمجتمع الاستيطاني الوافد، وأولى هذه الحالات هي الإبادة الشاملة للمجتمع الاصلاني والاستيطان مكانه، وهذه الحالة يمثلها حسب كميرلنج الولايات المتحدة. الحالة الثانية هي اندماج المجتمع الاستيطاني بالسكان الأصليين وخلق مجتمع واحد ناجم عن ذلك الامتزاج، وتلك حالة أمريكا الجنوبية. وأما الحالة الثالثة فهي التي تنطبق على إقامة اسرائيل على يد الحركة الصهيونية. وتم فيها إقامة المجتمع الاستيطاني الى جانب المجتمع الاصلي أو بجواره، كما قسم المكان والحيز بين مجموعتين سكانيتين متعاديتين. ويميز هذه الحالة نزعة واضحة لدى المجتمع الاستيطاني باتجاه التوسع وتضييق الحيز على المجتمع الأصلي بشكل تدريجي. (غانم ومصطفى،2009، ص62) وإذا كنا نتفق مع كميرلنج في أن النموذج الإسباني في أمريكا الجنوبية نموذج قائم بذاته، إلا أننا نرى في النموذجين الإسرائيلي والأمريكي نموذجاً واحداً مع اختلاف درجة النجاح. فبينما نجح النموذج الأسبق تاريخياً ربما بسبب ملائمة الظروف والأوضاع السياسية الكونية والمحلية، في إنجاز مهماته تماماً، فإن المجتمع الاستيطاني الوافد في الحالة الإسرائيلية لم ينجح في تحقيق اتجاهه الفعلي حتى نهاية الخط. وما كلام كميرلنج على وجود ميل لدى المجتمع المستوطن للتوسع إلا دليل على صواب تحليلنا الذي يرى فيهما نموذجاً واحداً. إذ أن استمرار الرغبة في التوسع إنما يعني في الواقع مواصلة العمل من أجل إزاحة الآخر الأصلاني نهائياً إما بقتله أو طرده. وعلينا أن نتذكر أن إخراج السكان الأصلانيين نهائياً من المشهد الأمريكي قد استغرق ثلاثة قرون، وليس هناك ما يمنع نظرياً من أن يصل النموذج الإسرائيلي إلى تلك الغاية. وقد يصلها بشكل أسرع مما حدث في الولايات المتحدة، كأن ينجز إزاحة الفلسطينيين في قرن أو ما أشبه، وعندها سنجد أننا في الواقع نواجه مثالاً آخر من الحالة ذاتها. ويعالج إريك كوهين Cohen الأمر من زاوية أخرى مؤكداً على الطابع الإشكالي للديمقراطية الإسرائيلية. يرى كوهين إن اسرائيل لم تطور ديانة مدنية شمولية من النوع الذي يمكن ان يستوعب المواطنين جميعا بغض النظرعن أصولهم الاثنية ودياناتهم، ويضيف أن "ديانة" اسرائيل المدنية ذاتها قد صُممت لاستبعاد العرب. وقد تجنبت الدولة تطبيق مباديء المواطنة الشمولية التي تضمنها إعلان الاستقلال على السكان العرب الذين بقوا بعد النكبة. وفي الحقيقة تم التعامل مع هؤلاء بوصفهم أبناء أقلية عدوة مهزومة لا مواطنين اصلانيين في الدولة الجديدة. في السياق ذاته الذي يرتبط بمحاولات توضيح أن اسرائيل بلد لا يراعي التقاليد الديمقراطية بما يكفي، يحدد بنزيمان ثلاثة مؤشرات للديمقراطية: الجانب الحقوقي والجانب المؤسساتي وجانب الاستقرار، ولكل من تلك الجوانب خصائص معينة. وفيما يخص الحقوق تحتل اسرائيل الدرجة الدنيا من حيث إعطاء الحقوق للاقليات وخاصة في الجانب السياسي الذي حصلت فيه اسرائيل على ثلاثة من اربعة مما يعني وجود التمييز والقمع والإقصاء بحق الأقليات. (بنزيمان وآخرون، 2003،ص 20) وفي اتجاه نقد الديمقراطية الاسرائيلية ذاته يقدم نغبي Negbi مساهمته في سياق الحديث عن القانون من حيث النزاهة كمؤشر على ديمقراطية النظام. ويصل نغبي إلى القول بالفشل الذريع لمنظومة أجهزة سيادة القانون الاسرائيلية في حماية الديمقراطية من الذين يحاولون تدميرها من الداخل. ويقوم الكاتب بعرض لاشكال تدهور القانون من خلال مؤسستين حيويتين في الدولة وهما المستشار القضائي للحكومة والصحافة. ويبدو حسب رأيه ان تلك العوارض تهدد الديمقراطية وتنسفها وخاصة مؤسسة الاعلام والصحافة التي تقف عاجزة عن اداء مهمتها في محاربة الفساد، وصولاً إلى التواطؤ مع النخبة الفاسدة في تقويض أركان الديمقراطية. وانسجاماً مع ذلك فقد اشار مؤشر الديمقراطية الى التراجع الواضح في دور الصحافة. (نغبي،2005،ص31-53) وفي مقابل هذا النوع من النقد الذي يبين عدم اتساق الديمقراطية الإسرائيلية مع مثال الديمقراطية المفترض، نجد آراء أخرى تركز على طبيعة الخطاب الإسرائيلي الإعلامي والأيديولوجي اتجاه الأقلية العربية. وتنتهي هذه الآراء بالطريقة ذاتها إلى أن إسرائيل تتناقض مع الديمقراطية. وبالطبع فإن ذلك لا يصل حد القول بأن اسرائيل ليست بلداً ديمقراطياً، لأن اسرائيل ليست بلداً أتوقراطياً ما دامت تنظم الانتخابات الدورية من أجل اختيار من يجلس في كرسي الحكم. من الواضح أن الديمقراطية الإسرائيلية بسبب مما ذكر أعلاه تمثل نظاماً يقع على المتصل في موقع قريب من المنتصف على الرغم من أننا نظل مصرين على عدها ديمقراطية بسبب تنظيمها انتخابات متعددة ونزيهة. وفيما نقدم خلاصة هذا التحليل. سادساً:إذن هل اسرائيل ديمقراطية؟ لعل الأساس الذي ننطلق منه في بحثنا لا يستطيع إنكار الديمقراطية الإسرائيلية اعتماداً على مثال اشتراكي أو إنسانوي أو حتى ليبرالي لا وجود له إلا في أذهان فلاسفة السياسة وأصحاب نظريات الديمقراطية الذين يخلطون بين حكم القيمة المعياري من ناحية وحكم الوصف أو الواقع أو الاستقراء من ناحية أخرى. ولذلك نذهب إلى القول اعتماداً على خصائص الديمقراطية المتحققة إن اسرائيل دولة ديمقراطية. وتتفق حججنا في هذا المجال مع "أصدقاء" اسرائيل الذين ينافحون عن ديمقراطيتها لأغراض مختلفة، تجد أساسها في حكم القيمة الإيجابي أخلاقياً الذي يسبغ على الدول التي تتبنى الديمقراطية بسبب اقتران الديمقراطية بالخير. غني عن البيان أن هذا الموقف لا يتفق مع مذهبنا في هذه الدراسة. وفي هذا السياق نشير إلى أنه على الرغم من أشكال التمييز الواضحة التي تمارسها اسرائيل إلا أن هناك من يقف مثلنا في صف القول بديمقرطيتها. ومن هؤلاء بنيامين بوغراند Pogrund المهاجر من جنوب أفريقيا والذي يستفيد من أسلوب المقارنة لإثبات أن اسرائيل لا يمكن أن تكون بلداً للفصل العنصري. وفي مقالة له بعنوان "اسرائيل ليست دولة فصل عنصري لأن العرب يمارسون حق التصويت فيها" ينتقد المزاعم التي تدعي بأن اسرائيل بلد عنصري، وذلك لأن حق التصويت مكفول للفلسطينين، إضافة إلى أن المواطنين العرب يعيشون مع اليهود داخل "الخط الأخضر" ويتشاركون معهم المدارس والمشافي والمواصلات العامة والمهن المختلفة. ويروي بوغراند تجربته الشخصية عندما كان نزيل أحد المشافي في القدس، وكيف أن الطبيب الجراح كان يهودياً بينما الطبيب المخدر كان عربياً فلسطينياً، في الوقت الذي كان فيه الممرضون والممرضات خليطاً من ذلك كله. ويدافع بوجراند عن قانون العودة مبيناً أنه لا يقوم على اسس تعصبية دينية بل إن كل يهودي أو كل من ولد لابٍ أو جدٍ يهودي من احد الجهتين بإمكانه العودة الى اسرائيل. كما يهون من شأن عدم السماح بعودة الفلسطينيين مبيناً أن ذلك أمر يحدث في حالات الحروب، وينطبق ذلك على حالات تاريخية كثيرة مثل المانيا والتشيك، وليست اسرائيل فريدة من نوعها في هذا المضمار. وعلى الرغم من أن هناك بعض التمييز في التعامل حتى مع بعض اليهود مثل السفارديم، فإن إسرائيل تتقدم بإضطراد نحو المزيد من توسيع القاعدة الديمقراطية وشروط المساواة في نواحي الحياة كافة، وهو ما يكشف عدم جدية الاتهامات لاسرائيل بأنها دولة عنصرية او غير ديمقراطية او ما شابه ذلك. (Pogrund,2005) يمد عزمي بشارة أيضاً يداً تساعدنا في إصدار حكمنا الوصفي –غير المعياري- عندما يؤكد أنه "يقوم في اسرائيل نظام فصل السلطات الذي يتطور بإستمرار، وترافقه آليات توازن ورقابة فيما بينها، ويعتبر القضاء مستقلاً، وما زال يطور هذه الاستقلالية، وتعتبر المحكمة العليا نفسها مؤهلة لحماية قيم الديمقراطية المعبر عنها في القوانين الاساسية، وتعتبرها بمثابة دستور يؤهل المحكمة ان تفسرها" ومن ناحية أخرى "تسود في اسرائيل حرية صحافة وتعبير عن الرأي ومنظومة حقوق مواطنة متطورة تشمل نظام تامينات اجتماعية. وتتوسع حرية التعبير عن الرأي باستمرار في إطار ازدياد تبلور المجتمع المدني وما يترتب عليه من حقوق باستقلال عن الدولة، وبخاصة في إطار حقوق الفرد." (بشارة،2005، ص 12)وعلى الرغم من أن بشارة يحدد تناقضين بنيويين أساسين في الديمقراطية الإسرائيلية يتعلق أحدهما بكون اسرائيل، دولة استعمارية وديمقراطية في الوقت ذاته، ويتعلق الثاني بالعلاقة بين الأمة والقومية والدين والمواطنة، إلا أن بشارة لا يصل حد نفي الديمقراطية عنها، وإنما يتحدث عن صعوبات ومشاكل تعاني منها هذه الديمقراطية. وهو في رأينا أمر يمكن أن تعده أية دولة ديمقراطية أمراً مشروعاً، بوصفه مشكلة تبحث عن حل مثلما سوغ بوغرند آنفاً صعوبات اسرائيل العنصرية. والحقيقة أن اسرائيل تمثل حالة ملائمة جداً في الزمن الحاضر –مثلما كانت الولايات المتحدة في الماضي- لتوضيح ماهية الديمقراطية وخصائصها وما الذي يجوز فيها وما الذي لا يجوز. وهي من ناحية أخرى حالة جوهرية في توضيح مشروعية التعريف الذي انحزنا له للديمقراطية بوصفها طريقة في الوصول للسلطة تعتمد على انتخابات حرة ونزيهة ويمكن للفائز فيها أن يجلس في مقعد الحكم في الأعم الأغلب، ما لم يكن هناك ظروف استثنائية: إن الخشية من وصول الشيوعيين إلى السلطة في ألمانيا قد قاد إلى الفاشية، أما في اسرائيل فلا شك أن زيادة العرب إلى درجة تهديد فعلي بأن يمسكوا مقاليد الأمور يمكن أن تكون سبباً في تطهير عرقي جديد أو تغيير القوانين لمنعهم من التصويت ...الخ وربما تلجأ اسرائيل إلى الخيار الأول بسبب إدراكها أن الثاني حل مؤقت يتعلق بإدارة أزمة أكثر مما هو بحلها، ولذلك فإنه لا يمكن استبعاد أن تقوم اسرائيل بعملية تطهير واسعة أو تبادل سكان أو أراض ...الخ إذ ليس من الممكن المحافظة على الديمقراطية مع السماح بتحول العرب إلى أكثرية سكانية أو حتى إلى قوة فاعلة. وهذا في رأينا يعادل موضوعياً فكرة انكشاف الاستغلال بحيث يصبح المجموع معادياً للنظام القائم ولا يعود ذلك النظام قادراً على إعادة إنتاج ذاته بالاستعانة بالأدوات الديمقراطية. هنا يبدو انكشاف الظلم أمراً حاصلاً بالفعل، ولكنه ظلم يتعلق بالأقلية التي لا حول لها ولا قوة في ظل النظام الديمقراطي بالضبط لأنها الأقلية. ومن هنا فإن الديمقراطية تظل في هذه الحالة ناجعة باعتبار أن الأغلبية ما تزال مع النظام. أما إن تحولت الفئة المنتقصة حقوقها إلى أغلبية، فلا بد أن ذلك سيحتاج إلى تصحيح الوضع جوهرياً عن طريق أساليب متطرفة تتراوح بين الحرمان من التصويت أو الحرمان من حق تكوين أحزاب مستقلة، وتتصاعد باتجاه التطهير العرقي والترحيل الجماعي وصولاً إلى المذابح والإبادة. وعلى الرغم من غرابة هذه الاحتمالات وتطرفها الظاهري، إلا أن التاريخ المعاصر بالذات يعلمنا أنها احتمالات واقعية، ويمكن أن تسوغ عند الحاجة لها، فليس التطهير ولا "الترانسفير" ولا أي ممارسة أخرى بشيء من الماضي البعيد أو المنسي في تاريخ البشرية، بل هو واقع يهيمن على الحياة الحديثة والمعاصرة. ويذهب نور مصالحة مثلنا إلى القول بأن التطهير ممكن بالفعل. وقد بين مصالحة أن اسرائيل لم تتغير منذ ولادتها من ناحية إيمانها بضرورة التخلص من الفلسطينيين، كما أكد أن "الترانسفير" عقيدة ثابتة لما تهتز بعد في أوساط النخب الإسرائيلية إن تكن يمينية أو يسارية. (مصالحة،1998) ويميل الإجماع الصهيوني إلى أطروحة أن اسرائيل لا يجوز أن تتنازل عن شبر من أرض الميعاد مع ضرورة طرح الفلسطينيين خارجاً لتصفو الأرض لأصحابها اليهود. والحقيقة أننا لا نقرأ في تطور الديمقراطية الإسرائيلية نقلة نوعية تشكل قطعاً مع الماضي القريب الذي قامت خلاله بأعمال التطهير، كما أن دواعي التطهير ربما تكون قد تعززت داخلياً في الزمن الحاضر. ومعنى هذا أن "عجز" اسرائيل الواقعي عن القيام بعملية تطهير سريعة جديدة إن صح فعلاً، فإنه لن يكون ناجماً عن تغير في أخلاقية morality الديمقراطية الإسرائيلية، وإنما نتيجة لاعتبارات براغماتية تاريخية، تسهم في دفع النخب باتجاه "إبداع" وسائل أخرى لمواجهة معضلة تزايد أعداد السكان الأصلانيين الفلسطينيين غير المرغوب بهم من قبل الفئات اليهودية كافة. والواقع أن اسرائيل لا تسلك في الممارسة اليومية، وعلى وجه أخص في جانب الدعاية والإعلام، بالطريقة الواضحة التي رسمناها سابقاً. وهي حتماً متفوقة من نواح كثيرة على التجربة الأمريكية من حيث تغليفها لمشاريعها وقناعاتها بقشرة تسمك أحياناً وترق أحياناً من التظاهر باحترام قواعد اللعبة الديمقراطية الليبرالية ومراعاة عناصرها الأخلاقية المزعومة في المثال. وهناك على سبيل المثال سيل من الادعاءات التي تتعلق بالصحة والرفاه وتنمية المجتمع المحلي والتعليم ...الخ (شليف،2005،ص 6) ومن الأمور الطريفة تماماً في سياق تسويغ الممارسات القائمة على التمييز العنصري والقومي في الديمقراطية الإسرائيلية القول بأن الدفاع عن الديمقرطية قد يقتضي بعض المخالفات الديمقراطية. وفي هذا المعنى يتكرر الكلام الذي يشير إلى أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، وبناء عليه فإن من حقها أن تقوم ببعض الأشياء الضرورية من اجل الدفاع عن حدودها ومواطنيها. وفي هذا السياق ايضاً يتم التأكيد مثلما يفعل اللوبي الصهيوني المنتمي الى "أيباك" AIPACان الولايات المتحدة وإسرائيل تتقاسمان القيم الديمقراطية وقيم الحرية إضافة إلى تاريخهما المشترك بوصفهما ملاذاً وملجأً للبشر المضطهدين والمظلومين. ولعل إحدى النقاط الدفاعية الموجهة ضد نقاد اسرائيل هي وجود نواب عرب في الكنيست الإسرائيلي فضلاً عن تمتع الأقلية العربية كلها بالمساواة وحقوق الانتخاب. (Arjan&Barry,2003 ) والمفارقة في هذا الدفاع الذي يلاقي الكثير من الرواج خصوصاً لأنه يتمتع ببعض الصدقية من ناحية غياب الديمقراطية عن الدول العربية، هو أنه يضحي بالكثير من التقاليد الديمقراطية بغرض الدفاع عنها. هذه هي جوهر النقاط التي تستعمل للدفاع عن اسرائيل وغالباً ما يتصدرها أو يزينها جميعاً فكرة أن اسرائيل دولة ديمقراطية يتيمة في محيط معادي وأنها مضطرة إلى القيام بكل ما في وسعها مع بعض التجاوزات الاضطرارية في سبيل أن تحافظ على ديمقراطيتها بالذات. خلاصة: اسرائيل حالة ديمقراطية ملتبسة أشرنا إلى تسجيل عزمي بشارة تناقضاً في جوهر الديمقراطية الإسرائيلية لأنها تفشل في أن تفعل ما تفعله الدولة القومية الديمقراطية التي تحول المواطنة الى اساس الانتماء إلى الأمة الحديثة بغض النظر عن أصول المواطنين القومية. كما أن إسرائيل لا تستطيع حتى تخيل الفصل بين الدين والدولة. (بشارة،2005، ص 16) ويؤكد بيت هلاحمي Bait Hallahmi إن اسرائيل لا تستطيع ان تكون ديمقراطية، لان تحولها الى دولة ديمقراطية، يعني توقفها عن ان تكون دولة يهودية، لذلك لا يشير الاعلام الاسرائيلي إلى اسرائيل أبداً بوصفها دولة ديمقراطية، وإنما بوصفها دولةً يهوديةً وديمقراطية. "ان سبب ذلك هو أن الاكتفاء بعبارة دولة ديمقراطية يعني نسف فكرة يهودية الدولة." ومن هنا تفشل فكرة المواطنة الاسرائيلية Nationality وذلك بسبب وجود التباين بين الجنسية الاسرائيلية Citizenship التي تشمل اليهود وغير اليهود والمواطنة التي لا تشمل إلا اليهود. ويقول ايضاً أنه يوجد في اسرائيل حملة جنسية اسرائيلية ولكن لا يوجد مواطنة اسرائيلية، لأن الجنسية الاسرائيلية لا تعني المواطنة. (Hallahmi,2008 )ويذهب إلى مثل هذا الرأي الشائع العديد من المثقفين والكتاب الفلسطينيين. ومنهم وليد سالم الذي يرى في الدولة العبرية "إثنوقراطيا" كما أن "تحول إسرائيل من الإثنوقراطيا إلى الديمقراطية مرهون بتنازلها عن كونها دولة لليهود فقط، وتحولها إلى دولة لكل مواطنيها." (سالم،2000،ص188) لكننا نعاود التأكيد أن هذا كله لا يساوي القول بوجود تناقض نظري عند وصف اسرائيل بالديمقراطية. فقد كانت الولايات المتحدة مثلما رأينا دولة البيض فقط وقتاً طويلاً دون أن يحول ذلك بينها وأن تكون دولة ديمقراطية تثير الإعجاب في أوروبا –مهد الديمقراطية- والعالم أجمع. وهذا بالطبع لا ينتقص من أهمية المثالب التي يلفت هلاحمي وغيره نظرنا إليها. فاسرائيل تعاني فعلاً من مشكلة تمييز عنصري أو إثني أو ديني أو كلها معاً. ولا بد أن نعد إصرارها على يهودية الدولة أمراً غير أخلاقي وغير عادل ولا يطرح تسوية "منطقية" للصراع القائم مع العرب والفلسطينيين، ولكن ذلك أمر، والقول بأن الديمقراطية ذاتها تنسف من جذورها أمر آخر. وبسبب الثنائية استبدادي/ديمقراطي القائمة في نظرية السياسة ونظرية الديمقراطية بالذات فإن اسرائيل لن تجد مكانها مهما تعرضت للنقد والانتقاص بين الدول الاستبدادية. وهو أمر لا يسر من يريدون القول بأن اسرائيل لا تمثل دولة ديمقراطية أخلاقية، أو أن اسرائيل بلد تمييز عنصري أو أبارتهايد، وذلك بالطبع يعود إلى إشكالية تتعلق بامتياز الديمقراطية المضمر. ونؤكد مرة أخرى على أن حل هذا الإشكال النظري إنما ينبع من التخلص من حكم القيمة الإيجابي فيما يخص الديمقراطية. اسرائيل بالطبع بلد ديمقراطي يميل إلى تبني خصائص ما من الأنظمة الاستبدادية، ويمارس خلطته الخاصة فيما يخص الهيمنة غير المباشرة أو الإخضاع بالإكراه. وليس في هذا ما ينفي أو يسوغ الظلم التاريخي الصارخ الذي تعرض له الفلسطينيون. ولكن ذلك ليس جوهرياً في موضوع الديمقراطية بحسب فهمنا لها وضمن تعريف إجرائي مبسط يرتبط بمسألة الانتخابات وتداول السلطة. المشكلة هنا تكمن في المنطلق النظري. أي أنها موجودة لدى كتاب يصرون على أحكام قيمية تتعلق بالديمقراطية. ولا يهدف أي من هؤلاء الكتاب فيما نحسب إلى القول بأن اسرائيل دولة غير ديمقراطية مثلما هي السعودية مثلاً أو الأرجنتين في ظل الحكم العسكري أو تشيلي بينوشيه Pinochet. إنهم بمعنى من المعاني يحثون النخب الإسرائيلية على السلوك وفقاً للنموذج الديمقراطي، لكن ذلك النموذج المزعوم ليس مشتقاً من التجربة. وعلى الرغم من أية انتقادات يمكن أن توجه لسلوك الدولة الديمقراطية، فإن ذلك لا يساوي القول بأنها دولة استبدادية. ومرة أخرى نؤكد أن حل هذه الصعوبة النظرية يتطلب الكف عن استخدام مصطلح الديمقراطية بشكل "غنائي" بربطه بأشكال القيم الإنسانية العليا ربطاً تعسفياً غير مشتق من التجربة. وفي هذه الحال يمكن للمرء أن يرى جوهر الديمقرطية وحدودها. إن الديمقراطية الإسرائيلية "تنجح" من خلال مجموعة من الإجراءات ضد السكان الأصلانيين الفلسطينيين في البقاء على قيد الحياة، وذلك على الرغم من أن هذه الإجراءات ذاتها تجعلها ديمقراطية منخفضة الكثافة إلى حد كبير بالفعل. وتتمثل هذه الإجراءات أساساً في الإلحاح على إبقاء الأقلية العربية الفلسطينية تتأرجح بين الاندماج بدون مساواة إلى الفصل بدون أتونوميا. حيث لا يشمل الاندماج مساواة جماعية للفلسطينيين في اسرائيل بل مساواة فردية منقوصة ، والدولة تريد الفصل بين المجموعتين من خلال خطاب الاغلبية وهي تريد للعرب الفصل بدون اعطائهم الحقوق الجماعية للاقلية القومية . (مصطفى،2009،ص 27) وتسوغ إسرائيل سياسات الاحتلال وسياسات التشريع التمييزية بحجة الدفاع عن الديمقراطية، وهو من وجهة نظر معينة تدمير للديمقراطية بحجة حمايتها. ومن ناحية أخرى تقول نيتا عمار Amar إن ما تدافع عنه الديمقراطية الإسرائيلية هو هوية الدولة، اذ لا بد بالنسبة لأصحاب هذا الخطاب من حماية هوية اسرائيل اليهودية. وهذا الخيارالذي يحد من مدى الديمقراطية كان خيار الدولة منذ ولادتها، ولذلك فقد كان لا بد من التضحية بفكرة دولة لكل مواطنيها، كما كان لا بد من إضعاف الخطاب المدني لمصلحة خطاب ديني- إثني – قومي. وللأسف فإنه في هذا السياق مهما كانت الواجهة التي تتعلق بحقوق الإنسان والمساواة فإنها لا تضمن ممارسة ًخالية من التمييز الذي يصل حد التفكير في عمل شيء ما ضد نسبة المواليد العالية لدى الأقلية الأصلانية الفلسطينية. (Amar,2011) وتجيء التعديلات القانونية في السنوات الأخيرة كإحدى آليات التوفيق بين الديمقراطية وممارسة العنصرية تجاه الاقلية العربية الفلسطينية. وهذه التعديلات تمثل علامة واضحة على صعوبات بنيوية تحول دون أن تكون اسرائيل بلداً ديمقراطياً ضمن المثال الليبرالي الذي يحاول كل نظام ديمقراطي أن يدعي التزامه به. و"يمكن فهم التعديلات القانونية التي أُجريت وبشكل واضح وصريح بهدف حرمان أبناء الأقلية الفلسطينية من إمكانية النضال بطرق ديمقراطية من أجل تحويل دولة إسرائيل من دولة قومية مُعَرَّفة بمفاهيم إثنية ثقافية ضيقة، إلى دولة مدنية." (جمال،2009،ص68) ولكن ذلك إنما يعني في الواقع أن ما تقوم به اسرائيل من ممارسات وإن تحلت بفنون الخطاب الانفعالي الذي يحاول تغطية الوقائع باللعب على أوراق مرغوبة –خصوصاً في الغرب- من قبيل الديمقراطية وقيمها إلا أنها تظل قشرة رقيقة يمكن أن تزاح بيسر ليظهر من تحتها التمييز والممارسات المناقضة للديموقرطية/المثال بشكل كبير. وبناء على ما سبق لا يبدو لنا أن جملة الممارسات الإسرائيلية يمكن أن تتفق مع الحدود الدنيا من خصائص الديمقراطية ذات الكثافة العالية. ولعل الطريقة الوحيدة لكي يتم إنقاذ الوصف "الديمقرطي" لاسرائيل إنما يكون بالاكتفاء بأنها تجري انتخابات نزيهة دورية يمتلك الجميع فيها حق التصويت والترشح للكراسي المختلفة. لكن من الواضح أن هذه الديمقراطية ليست شيئاً يختلف كثيراًعن أنظمة حكم تعسفية تتصف بصفات سلبية عديدة. وإذا كان هذا التعريف قادراً على أن ينقذ اسرائيل من تهمة أنها بلد غير ديمقراطي فإنه سيقوم على الأغلب بإيقاع الديمقراطية ذاتها في وضع تصبح فيه ديمقراطية بدون محتوى قيمي يعد مسؤولاً عن تفضيل الناس لها، ولا بد أن هذا النوع من الديمقراطية لا يعد مكسباً لحقوق الإنسان والمواطن ولن يعني الكثير بالنسبة للمرء إن كان بلده ديمقراطياً أو غير ذلك إذا كان وصف الديمقراطية لا يضمن حماية شيء من حقوق الإنسان. لكن ذلك في الواقع هو أكثر ما زودتنا به الديمقراطية المشتقة استقرائياً من التجربة. وإسرائيل لا تشكل بدعة في كثير أو قليل. إنها بلد ديمقراطي يقوم على التمييز وعقلية القبيلة والقمع المنظم للآخر باللجوء إلى جهاز الدولة الإكراهي، إضافة إلى الفصل العنصري الذي بدأ يتفاقم في العقدين الأخيرين، لكن اسرائيل دولة تجري فيها انتخابات دورية نزيهة وعادلة ولا ُيمنع أحد من المشاركة فيها بأي معنى إلا من خلال القانون الذي تلتزم به الدولة. إنها حالة من الحالات التي لا تنجح النخب فيها في إخفاء الظلم والاستغلال والإقصاء عن طريق الأيديولوجيا وما يتصل بها، فتضطر الدولة إلى استخدام طرق مباشرة. وبذلك يبدو أن اسرائيل تظل على متصل الاستبداد والديمقراطية بلداً ديمقراطياً يميل بقوة إلى ناحية النظم الاستبدادية لأنه يمارس أشكالاً صريحة ومختلفة من الاضطهاد القومي والإثني، بما في ذلك القتل والتطهير العرقي والتهجير والاستيلاء على الأرض...الخ لكن اسرائيل تبقى بحكم التعريف الإجرائي المكتفي بإجراء الانتخابات، بلداً ديمقراطياً، لكن من واجبنا أن لا نسقط على هذه الكلمة أية أبعاد أخلاقية. توصيات الدراسة: 1. ربما تظل هناك حاجة إلى التعمق في سمات الديمقراطية الاسرائيلية وخصائصها. 2. لا بد من القيام بدراسة حالات أخرى لأنظمة الحكم وخصوصاً دول ما عرف بالربيع العربي من قبيل تونس ومصر واليمن وليبيا. وهذه الدراسات تكتسب أهمية في ذاتها إضافة إلى ضرورتها من أجل اختبار النظرية المقترحة في هذه الدراسة وتطويرها. المراجع العربية اسم المؤلف الأخير، الاسم الأول، (العام)، اسم البحث، اسم المجلة، المجلد (العدد)، أرقام الصفحات
1. أبو شومر، توفيق، (2006)، الصراع في اسرائيل، ط1، غزة-فلسطين، دار فلسطين للطباعة والنشر. 2. أبوساحلية، سامي، (2003)، التمييز ضد غير اليهود في اسرائيل، ترجمة ماري شهرستان، سوريا، الاوائل للنشر والتوزيع. 3. بشارة، عزمي، (2005)، من يهودية الدولة حتى شارون: دراسة في تناقض الديمقراطية الاسرائيلية، رام الله-فلسطين، مواطن- المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية. 4. بنزيمان، عوزي واخرون، (2003) اسرائيل ديمقراطية شكلية: مؤشر الديمقراطية لعام 2003. رام الله-فلسطين، مدار: المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية. 5. الجباعي، كرمز، (2001)، المجتمع الاسرائيلي :حقائق ودلالات، بيروت-لبنان، المنارة. 6. جريدة القدس المقدسية، 14/3 /2010. 7. جريدة القدس المقدسية، 20/3/2010. 8. جريدة القدس المقدسية ،1/4/2010. 9. جمال، أمل، ( 2009)، أنماط تشكل اللامساواة القومية في إسرائيل، قضايا اسرائيلية ،عدد 33. 10. رغيب، ياسر، (2002)، فلسطينيو 1948: الهوية ،الواقع والمستقبل، بيروت-لبنان، مركز باحث للدراسات. 11. دلال، مروان، (2009)، قضاء إسرائيلي ،تاريخ ، سجالات وحدود، رام الله-فلسطين، مدار: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية. 12. سالم، وليد، (2000)، المسألة الوطنية الديموقراطية في فلسطين، رام الله-فلسطين، مواطن-المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية. 13. شاهين، أحمد لطفي، دور القوانين الإسرائيلية في مصادرة الأراضي الفلسطينية. http://www.pal-stu.com/vb/showthread.php?t=14880 14. شطريت، سامي شلوم، (2005)، النضال الشرقي في اسرائيل. ت سعيد عياش، رام الله-فلسطين، مدار: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية. 15. شليف، هرئيل، (2005)، العربية كلغة اقلية في اسرائيل من وجهة نظر مقارنة، مجلة عدالة الالكترونية، عدد 14. http://www.adalah.org/ara/publications.php#newsletter 16. غانم، أسعد، ومصطفى، مهند، (2009)، الفلسطينيون في اسرائيل :سياسات الاقلية الاصلية في الدولة الاثنية، رام الله-فلسطين، مدار: المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية. 17. محاجنة، أحمد، (2008)، الأقلية الفلسطينية والأكثرية اليهودية على ضوء الوثائق، مجلة دراسات، عدد 5. 18. محارب، عبد الحفيظ، (2005)، دراسات في المجتمع الاسرائيلي، القاهرة-مصر، مكتبة دار الكلمة. 19. مرتضى، إحسان، (2007)، الاثنيات والطوائف اليهودية في اسرائيل، بيروت-لبنان، باحث للدارسات. 20. مصالحة، نور، (1998)، أرض أكثر وعرب أقل، بيروت-لبنان، مؤسسة الدراسات الإنسانية. 21. مصطفى، مهند،(2009)، الانتخابات الاسرائيلية العامة وتفاقم خطاب الطابع الإثني ل "الدولة اليهودية"، قضايا اسرائيلية، عدد 3. 22. نغبي، موشيه، (2005)، في اسفل المنزلق: تاملات في طريق التدهور السريع، رام الله-فلسطين، مدار: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية. 23. ييري، يورام، (2004)، الصحافة الاسرائيلية:عودة إلى النموذج القديم المجنَّد والمنضبط، في يورام ييري وآخرون، الجيش يحتكر تفسير الواقع، رام الله-فلسطين، مدار: المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية.
المراجع الأجنبية 1. Arjan, Fased. Barry, Nigle. “Israel Discovers that Democracy is not an Israeli Value”, the electronic INTIFADA 22-5-2003. http://www. electronicintifada.net/v2/article1512.shtml. 2. Becker, Carl,(1941) Modern Democracy, New Haven-USA, Yale University Press. 3. Bohman, James, (1996), Public Deliberation, Cambridge, Massachusetts-USA, MIT press. 4. Cohen, Erich. In: Kimmerling, baruch, (1989),The Israeli State and Society, New York-USA, State university of New York Press. 5. Eckstein, Harry, (1992), Regarding Politics, Berkeley-USA, University of California Press. 6. Marciano, Alain, Josslin, Jean-Michel, And Elgar, Edward,(2007) Democracy, Freedom, and Coercion. Cheltenham-UK, Edward Elgar Publishing. 7. Moore, Barrington, (1993), Social Origins of Dictatorship and Democracy: Lord and Peasant in the Making of the Modern World, Boston-USA, Beacon Press. 8. Rustow, Dankwart A., (1970), Transitions to Democracy: Toward a Dynamic Model, Comparative Politics, Vol,2, No. 3. 9. Rahbek, Birgitte,(2005), Democratization in the Middle East: Dillemas and Perspectives, Aarhus- Denmark, Aarhus University Press. 10. Santos, Bouventra De Sousa, (2005), Democratizing Democracy, London-UK, Verso.
مراجع الانترنت
1. Palestinians in Israel s ‘democracy’: The Judaization of the Galilee in: http://www.middleeastmonitor.org.uk/resources/briefing-papers/806-palestinians-in-israels-democracy-the-judaization-of-the-galilee. 2. http://www.mfa.gov.il/mfa/government/branches%20of%20government/executive/israeli%20democracy%20-%20how%20does%20it%20work . accessed: 5-/4/2010 3. Benjamin Pogrund. Israel is a democracy in which Arabs vote - Not an apartheid State. http://www.zionism-israel.com/ezine/Israel_democracy.htm 4. http://www.youtube.com/watch?v=q38l-6x_ad0 5. www.globa/research.ca/articles/ben108A.html 6. http://www.alternativenews.org/index.php?option=com_content&view=article&id=2450
Abstract This research invistigates the idea of democracy theoretically and "historically" in the light of the failure of the last wave of democratization that the Arab countries were supposed to witness. It has become conclusively clear that democracy is not a decisive and compulsory step in the path of all peoples and nations towards "progress" and modernity. This led us to review the idea of democracy theoretically and try to develop it by proposing a new theory to explain the democratic phenomenon and its autocratic antagonism. In this theory, we argue that there are three forms of social / political exploitation that determine the success of a democratic process: 1. There is a form of opaque exploitation clearly manifested in "advanced" industrial capitalism in (western) Europe and North America where it seems to the public that their social destiny is their individual affair and that the state is not related to their economic´-or-financial status, poverty´-or-wealth. This situation allows democracy to thrive because of the absence of the regime s most serious challenge: to take responsibility for social misery, which requires change and revolution. 2. In the event that the exploitation is transparent and visible to the public, as is the case in rental´-or-pre-industrial countries, the accumulation of wealth of the dominant class is obtained by taking the surplus -dir-ectly and violently. This process requires the interference of the state apparatus of coercion and prevents the decisiveness of democracy, because it leads to the demise of the regime immediately through the ballot box. 3. There is a situation between the two in which a country oscillates politically between democracy and autocracy, which applies to cases such as Turkey, Israel, Tunisia, Karila (in India) and others. I call this situation the obscure case. We present Israel as a model for low-density democracy that oscillates between control through the use of media, ideology and control through the use of the coercive state apparatus. In this context, Palestinian Arabs in 1948 seem to be a serious problem that remains the main reason for the existence of Israel in the middle position between democracy and autocracy. This subject is discussed in detail in order to understand the mechanisms of its work, and to try to predict its evolution
#ناجح_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استعصاء التفكير في زمن التحريم
-
أمنستي والهجوم الاستعماري على سوريا
-
العودة إلى المعتقلات التعليمية
-
قائد الجبهة الشعبية وحل الدولة الواحدة
-
أزمة الاقتصاد التركي
-
منتخب فلسطين 1934
-
جرائم الحرب المغفورة في غزة واليمن
-
الخلاص من إرث -أوسلو- شرط لاستنهاض المقاومة الفلسطينية
-
خالد جمال فراج في ضوء الاحتفالات بعهد التميمي
-
نخب النفط وجدلية الصراع مع المشرق واليمن
-
نظام الأسد الخائن وتحرير الجولان
-
نساء غربيات يدعمن فلسطين
-
الجهاد السوداني بين اليمن وفلسطين
-
نكتة القرار الفلسطيني المستقل
-
التطهير العرقي: كيف نواجهه؟
-
هموم فلسطينية
-
أفيون كرة القدم
-
أهلاً إسماعيل هنية
-
نضال المثقفين السهل ضد سوريا
-
حراك الأردن
المزيد.....
-
العراق يعلن توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل وفقدان 5500
...
-
ما هي قوائم الإرهاب في مصر وكيف يتم إدراج الأشخاص عليها؟
-
حزب الله يمطر بتاح تكفا الإسرائيلية ب 160 صاروخا ردّاً على ق
...
-
نتنياهو يندد بعنف مستوطنين ضد الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربي
...
-
اشتباكات عنيفة بين القوات الروسية وقوات كييف في مقاطعة خاركو
...
-
مولدوفا تؤكد استمرار علاقاتها مع الإمارات بعد مقتل حاخام إسر
...
-
بيدرسون: من الضروري منع جر سوريا للصراع
-
لندن.. رفض لإنكار الحكومة الإبادة في غزة
-
الرياض.. معرض بنان للحرف اليدوية
-
تل أبيب تتعرض لضربة صاروخية جديدة الآن.. مدن إسرائيلية تحت ن
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|