|
هل انتهى دور منظمة التحرير الفلسطينية ؟
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 5991 - 2018 / 9 / 11 - 13:52
المحور:
القضية الفلسطينية
قرار واشنطن يوم العاشر من سبتمبر الجاري بإغلاق مقر منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وبالرغم من دلالته السياسية الخطيرة وانه يأتي في سياق جهود امريكية لتصفية القضية الفلسطينية إلا أنه لا يخرج عن سياق سيرورة متواصلة منذ سنوات لإزاحة منظمة التحرير الفلسطينية كعنوان لمرحلة التحرر الوطني عن المشهد السياسي ليس فقط على يد القوى المعادية للشعب الفلسطيني بل من طرف الفلسطينيين أنفسهم وهذا ما رصدناه من خلال إفشال محاولات استنهاض المنظمة لتستوعب الكل الفلسطيني ومن خلال اعترافات الدول بحق الفلسطينيين بدولة فهذا الاعتراف على حساب اعترافها بمنظمة التحرير وعلى حساب مكانتها ،حتى المفاوضات والحوارات سواء حول المصالحة الوطنية أو التسوية السياسية مع الاحتلال ، وقد تداخل الموضوعان في الحوارات الأخيرة في القاهرة ، تجري بين الفصائل الفلسطينية منفردة وخصوصا حركتي فتح وحماس أو بين بعضها والأطراف الخارجية مع غياب منظمة التحرير الفلسطينية ، حيث كان من المفترض أن الذي يفاوض حركة حماس فريق يمثل منظمة التحرير وليس فريق مفاوض فتحاوي . بلا شك يجب إدانة قرار واشنطن الأخير بخصوص منظمة التحرير وكل قراراتها وسياساتها تجاه الشعب الفلسطيني كما نؤكد على تحميل إسرائيل المسؤولية عن الاحتلال وعن الانقسام وفشل جهود المصالحة الخ ولكن لا يمكن تحميلهما المسؤولية عن فشل جهود إعادة بناء واستنهاض منظمة التحرير لتستوعب الكل الفلسطيني ، الأمر الذي يطرح تساؤلات هل توجد إرادة فلسطينية وخصوصا من حركتي فتح وحماس أو تواطؤ غير معلن منهما على تغييب منظمة التحرير عن المشهد السياسي كل طرف لحساباته الخاصة ؟ . لا ينتابنا وهم بأن إسرائيل والولايات المتحدة لا تريدان إحياء منظمة التحرير كعنوان لحالة التحرر الوطني الفلسطيني بل ما زالتا تتعاملان معها كحركة إرهابية ولكن الضربة الأشد إيلاما لمنظمة التحرير هي التي تأتي من داخل المنظومة السياسية الفلسطينية بحيث يمكن القول بأنها أصيبت بنيران صديقة وهو الوصف المُبدع للكاتب أكرم عطا الله عندما تحدث عما أصاب المشروع الوطني . ما آل إليه حال المنظمة يستدعي الرجوع قليلا إلى الوراء مستحضرين تأسيس المنظمة ومنطلقاتها الأولى . قبل أربعة وخمسين عاما تأسست منظمة التحرير الفلسطينية لتجسد آمال الشعب الفلسطيني بالتحرير والعودة حيث جاء في المادة 26 من الميثاق الوطني : "منظمة التحرير الفلسطينية الممثلة لقوى الثورة الفلسطينية مسؤولة عن حركة الشعب العربي الفلسطيني في نضاله من أجل استرداد وطنه وتحريره والعودة إليه وممارسة حق تقرير مصيره ، في جميع مجالات الميادين العسكرية والسياسية والمالية ، وسائر ما تتطلبه قضية فلسطين على الصعيدين العربي والدولي ". وفي عام 1974 كان الاعتراف بها ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني في مؤتمر القمة في الرباط مما قطع الطريق على أية جهة عربية تسعى لتمثيل الشعب الفلسطيني ،ومنذ ذلك التاريخ والعالم يتعامل مع المنظمة كعنوان للشعب الفلسطيني ،والفلسطينيون يتعاملون معها كممثل وحيد لهم . كانت شرعية المنظمة وتمثيلها للشعب تستند على /وتستمد من المرتكزات التالية : 1- استيعابها لكل القوى السياسية القائمة آنذاك بالرغم من اختلافاتها السياسية والأيديولوجية . 2- ممارستها للنضال بكل أشكاله ضد إسرائيل . 3- تجسيدها للهوية الوطنية الجامعة . 4- شخصية الرئيس أبو عمار الكارزمية والتوافقية والشعبية . 5- وجود حركة فتح كأكبر فصيل عسكري وسياسي بدون منازع على رأسها آنذاك . 6- الاعتراف العربي والدولي بها . هذه الشرعية والمكانة للمنظمة أصابها عوار بنيوي ووظيفي بسبب ما واجهت من تحديات خارجية وبسبب أخطاء داخلية ويمكن تلخيصها كما يلي : 1- الموقف الإسرائيلي الرافض للمنظمة وهو رفض تجسد بممارسات إرهابية ضدها عبر العالم ومحاربتها في المنظمات الدولية . 2- الموقف الأمريكي المعادي للمنظمة منذ إنشائها ووضع المنظمة على قوائم الإرهاب وأخيرا إغلاق مكتبها في واشنطن . 3- تحفظ بعض الدول العربية في التعامل مع المنظمة بل ودخول بعضها – الأردن ولبنان - في مواجهات مسلحة معها ، ومحاصرتها في بعض المراحل كما جرى بعد اتهامها بتأييد العراق عند غزوه للكويت 1990 ثم أثناء محاصرة أبو عمار في رام الله 2002 . 4- توقيع اتفاقية أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية وما رافق ذلك من اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل وما ترتب على قيام السلطة من التزامات أمنية بينها وبين إسرائيل . 5- الالتباس حول ميثاق المنظمة بعد دورة المجلس الوطني في قطاع غزة 1996 وما جرى من شطب وتعديل لبعض مواد الميثاق . 6- خلال مرحلة اوسلو صعدت إلى مراكز القرار نخبة سياسية واقتصادية من الليبراليين الجدد والكومبرادور وذوي الارتباطات الخارجية تسلقت لمواقع قيادية وعملت على تهميش المنظمة وبدا الأمر وكأن السلطة وهذه الطبقة السياسية الدخيلة على العمل الوطني تمارسان انقلابا هادئا على المنظمة وما تمثله من ثوابت وطنية وتعبر عنه من إجماع وطني . 7- تقدم عملية المفاوضات والحراك الدولي لتجسيد خيار حل الدولتين ساعدا على تهميش منظمة التحرير وإبقائها في حالة انتظار حيث الانشغالات بالسلطة والدولة غطيا على الانشغال بالمنظمة بل إن هذه الأخيرة فقدت استقلاليتها المالية وأصبحت تعتاش على ما تجود به السلطة عليها من أموال . 8- ظهور أحزاب سياسية من خارج منظمة التحرير تنازعها على الشرعية ، وخصوصا حركة حماس التي ظهرت بداية كبديل عن المنظمة ثم فسرت نجاحها في الانتخابات التي جرت في 25 يناير 2006 لانتخاب أعضاء للمجلس التشريعي لسلطة الحكم الذاتي وكأنه تفويض شعبي لها لتمثيل الشعب الفلسطيني . 9- عدم جدية حركتي فتح وحماس في استنهاض منظمة التحرير كحركة تحرر وطني لكل الشعب الفلسطيني . حركة فتح حسمت أمرها بخيار الدولة من خلال العمل السياسي والمفاوضات ، وحركة حماس ما زالت تعتبر نفسها مشروع إسلامي كما يبدو أنها حسمت أمرها بدويلة أو كيان منفصل في قطاع غزة عن طريق المفاوضات والوساطات وخصوصا بعد وصول المقاومة أو الجهاد الحربي لطريق مسدود . وصول التسوية لطريق مسدود وسياسة ترامب الواضحة في عدائها وتنكرها لكل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني واتخاذه خطوات عملية بهذا الشأن تمس مدينة القدس وحق العودة وحل الدولتين وأخيرا إغلاق مقر المنظمة ، وما وصل إليه الحال الفلسطيني من انقسام وحصار وفقر في قطاع غزة يقابله تكثيف الاستيطان والتهويد في الضفة الخ ، كل ذلك كان وما زال يتطلب تجديد شرعية المنظمة ولا شك ولكن ليس من خلال الرفض اللفظي فهذا الأمر لن يغير من الواقع شيئا وقد تتفوق فيه الفصائل الأخرى على منظمة التحرير ، وليس من خلال تغيير بعض أعضاء المجلس الوطني ومؤسستي المركزي والتنفيذية ، بل من خلال إعادة بناء وتفعيل المنظمة باستيعاب القوى غير المنضوية فيها وإن تعثر ذلك الآن يجب اتخاذ قرارات واضحة ومُلزمة التنفيذ بالتحرر من قيود اتفاقية أوسلو واستنهاض الحالة الوطنية ومواجهة حقيقية مع الاحتلال على الأرض ، وكان الرهان أن تكون الدورة الثالثة والعشرون للمجلس الوطني نقطة انطلاق هذا التحول الاستراتيجي إلا أن الأمور سارت باتجاه معاكس . في ظل سلطة مأزومة ومجلس تشريعي فئوي ومقاومة في غزة خرجت عن سياق التحرر الوطني وباتت تلعب دورا وظيفيا لأصحاب مصالح ضيقة داخليا ولخدمة اجندة خارجية ، فإن الأمر يتطلب سرعة عقد دورة توحيدية للمجلس الوطني وإجراء انتخابات شاملة وخصوصا أن صفقة القرن تستهدف الكل الفلسطيني ، وإن لم يتم الاتفاق على دورة توحيدية فإن الخشية من أن يتم تصفية منظمة التحرير كعنوان للكل الفلسطيني وأن تنزلق الأمور لأن يتحول المجلس المركزي لكيان سياسي يحل محل المجلس الوطني ومنظمة التحرير كمرجعية للسلطة الفلسطينية في الضفة فقط يقابله مجلس تشريعي كمرجعية لسلطة حماس في غزة ، وهذا ما سنتطرق له في مقال قادم . [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما الذي يجري ل (النظام السياسي الفلسطيني ) ؟
-
إلى فصائل المقاومة الفلسطينية المجتمعة في القاهرة
-
اتفاقية هدنة أم صفقة القرن ؟
-
الحركة الوطنية الفلسطينية : أين أخطات القيادة الفلسطينية
-
الحركة الوطنية الفلسطينية : شرعية المنطلقات والتباس الممارسة
...
-
حتى لا تنجح سياسة كي الوعي فيما فشلت فيه الحرب
-
المصالحة الفلسطينية : تغيير في أولوياتها واطرافها
-
قانون القومية الإسرائيلي والميثاق الوطني الفلسطيني
-
المثالية والواقعية في الصداقة والسياسة
-
المصالحة الوطنية الحقيقية كالسلام يصنعها الأقوياء
-
العالم مع عدالة القضية الفلسطينية وليس مع حزب بعينه
-
تفكك المعسكر الغربي بعد انهيار الشرقي
-
قطاع غزة بين الحل الوطني والحلول غير الوطنية
-
فشل محاولات كي وعي الشعوب العربية تجاه فلسطين
-
صفقة القرن وسباق الدبلوماسية والحرب
-
الانقسام وشماعة العقوبات على غزة
-
مظاهرات رام الله وانقلاب حماس وحكم العسكر
-
المساعدات الإنسانية ليست مقياسا للمواقف السياسية
-
المشكلة ليست فيمن يقاوم الاحتلال بل في الاحتلال ذاته
-
حرب حزيران 1967 بين روايتين
المزيد.....
-
الحوثيون يعلنون استهداف حاملة الطائرات الأمريكية ترومان وقطع
...
-
الضفة الغربية.. توسع استيطاني إسرائيلي غير مسبوق
-
الرسوم الجمركية.. سلاح ترامب ضد كندا
-
إسرائيل تلغي جميع الرسوم الجمركية على المنتجات الأمريكية قبي
...
-
-البنتاغون- لـCNN: إرسال طائرات إضافية إلى الشرق الأوسط
-
موسكو لواشنطن.. قوات كييف تقصف محطات الطاقة الروسية
-
الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء جديدة في رفح
-
تصعيد روسي في خاركيف: هجمات جديدة تخلّف إصابات ودمارًا واسعً
...
-
-صدمة الأربعاء-.. ترقب عالمي لرسوم ترامب الجمركية
-
بيليفيلد يطيح بباير ليفركوزن من نصف نهائي كأس ألمانيا
المزيد.....
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
/ غازي الصوراني
-
حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية
/ فتحي كليب و محمود خلف
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|