|
إبن الخال
طارق ناجح
(Tarek Nageh)
الحوار المتمدن-العدد: 5990 - 2018 / 9 / 10 - 04:40
المحور:
سيرة ذاتية
حسب الأوراق و المُحرَرَات الرسمية .. هو إبن الخال ، ولكن حسب المشاعر و العلاقات الإنسانية .. هو أخ و صديق . لم تكن الألفية الثالثة قد تجاوزت عامها الأول عندما جلسنا على جذع نخلة مقطوع و مُلقى على شاطئ نيل قريتنا . عامان تفصل بيني و بينه .. هو الأكبَر .. حًتَّى بين إخوته الخَمْس .. كان يُحَدِّثني حائراً عن خططه المستقبلية .. عن مواصفات فتاة أحلامه .. ماذا يفعل إذا ما قرر الزواج ؟؟ هل يهدم بيتهم القديم المتهالك ، ويعيد بناءه ؟؟ و لكن على الرغم من كونه بيت صغير جداً على أسرتهم إلا أنه سيحتاج إلى أموال كثيرة حَتَّى يستطيع بناءه طابقين على الأقل . هل يستأجر شَقَّة في المدينة .. و لكن عمله في طابا سيتطلب منه الغياب عن البيت أسابيع .. فهل سيترك الشقة خاوية ، و هو يدفع إيجاراً لها ؟؟ أفكار كثيرة كانت تراوده .. كان يسألني ، على الرغم مِن أنني الأصغر سناً، عن المواصفات الشخصية الواجب توافرها في عروس المستقبل ، لأنه بالنسبة للمواصفات الجَسَدِيَّه التي يرغبها ..فكُلَّنا سواء .. عيون خضراء .. بَشْرَةٌ بيضاء ..أمَّا شعرها فطويل .. شَعَرَة كستنائي و الأخرى صفراء ( مِن الآخر ليلى علوي ، ليلى فوزي ، ليلى طاهر ، أو حَتَّى ليلى بنت الجيران ) ، و كنت أقول له أهم شئ أن يكون كلاً منكما يُحِّب الآخر .. و كنت أحكي له قصة أو قصتين من قصص فارس الرومانسية " يوسف السباعي " رحِمَهُ الله ، التي يغوص من خلالها في أعماق النفس البشرية الأمَّارة بالسوء أحياناً و المليئة بالحبِّ أحياناً أخرى ، لإثبت له وجهة نظري . هو بالنسبة لي مثل أعلى .. بل بالنسبة لأي شاب مُكافِح و طموح .. لم أسمعه يوماً يلعن الدنيا و الظروف ، رغم قسوتها و ظُلمَها . خرج للحياة و العمل وهو لم يبلغ الرابعة عشر من العُمرِ .. كان يغيب طوال الأجازة الصيفية .. ثُمَّ يعود بعدها ليضَمِّد جراحة و إصاباته التي حدثت له أثناء العمل في المقاولات أو أي شئ يُدِّر دخلاً ليساعد نفسه و أخوته في مصاريف المدارس .. فـالخال لا يملك سوى عمل مؤقت في سنترال الحكومة بقريتنا .. و الدعاء لإبناءه الذين يعتبرهم سَنَدُه و عُكَّازَهُ في الحياة . لم يُحبِطُه حصوله على مؤهل متوسط " دبلوم الثانوية الزراعية " .. فقد خرج مِن خدمته العسكرية برخصة قيادة مهنية درجة ثالثة .. و عَمَل لفترة في القاهرة في أعمال شاقة لا تتناسب مع طموحاته .. و لكنه صَبُور .. لا تَهِزَّهُ الدنيا و عظَائم الأمور .. و من صبرت عيناه على الظُلمّه لابد أن ترى النور .. و عندما جاءته الفرصة تَشَبَّس بها .. سيعمل في شركة كبرى في طابا في مجال الزراعة .. و إستطاع خلال فَترة وجيزة أن يطوِّر من نفسه و يثبت كفاءته .. إسترجع ما درسه في الثانوية الزراعية ، و أضاف عليه الكثير من المعلومات عن أنواع النباتات و أشجار الزينة .. الأمراض التي تتعرض لها و علاجها .. كل هذا باللغتين العربيه و اللاتينية .. و إستطاع عندما ترك المهندس الزراعي ، المسئول عن مجموعة فنادق بأكملها ، العمل أن يَحِّل مَحَلَّهُ لمدة عام كامل أو أكثر .. ربما لم يحصل على مزايا ماديَّه ، و لكن يكفيه ثقة المسئولين عن الشركة الكبرى في قُدراته .. و إحترموا طموحاته .. لم يتذمر عندما لم يوفروا له سيارة مثل المهندس المستقيل ليقودها على طول الطريق المؤدي للفنادق ليتابع حالة الزرع يومياً .. فَيمشِي على قدميه بضع كيلومترات أو يزيد يومياً .. صيفاً و شتاءاً .. و ما أدراكم ما الصيف و الشتاء في صحراء سيناء !! فقد كان يتعامل مع الزرع بحبٍ شديد و كأنهم أبناءه . و عندما بدأ الحلم يتحقق شيئاً فشيئا ، و إستطاع أن يهدم البيت العتيق و شرع في بناءه .. و قبل أن يُكمِل عِقدَه الثالث .. نفذت إرادة الله .. رحل عن عالمناعلى إثر حادث مروري ، و هو مُتَجِهٌ لعملِهِ بطابا في السابع عشر من نوفمبر من العام ألفين و خمس ميلادياً . رحل صاحب القلب الطيب العطوف .. رحل الشاب الرياضي الذي لم يعرف من مُذهِبَات العقل .. المُسكِر أو الملفوف .. رحل الشاب الذي لم تهزمه الحياة و الظروف .. رحل الشاب الذي لم يعرف قلبه معنى الخوف .. رحل من عالم وعر خطير .. عالم قد تتوه فيه و أنت تبحث عن الضمير .. عالم من تظن به الخير تجده شرير .. و ما نظِنَّه نحن شَرْ ، فالله أعلم بما هو خَير .. رحل بجسده فقط .. لكن محبته ، طيبته ، أخلاقه ، و عزيمته .. ستظل تحيط بنا إلى آخر العمر . ----------------- هذه الكلمات ألحَّت علي إلحاحاً حَتَّى تخرج رغم أنها أدمت القلب و أدمعت العين . لم أتحدث عنه بصيغة الماضي ( فأقول كان .. و كان .. و كان ) لأنه سيظل حَيَّاً في قلوبنا مدى الحياة .. إلى روحك الطاهرة .. يا إبن الخال
#طارق_ناجح (هاشتاغ)
Tarek_Nageh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوميات زوج مطحون
-
حبك فاق الإحتمال
-
في دراما رمضان : كثير من العنف .. قليل من الحب
-
بروس لي .. الأسطورة و الحلم
-
أبوكم السقا مات
-
عمارة يعقوبيان
-
الحلم مستمر
-
سائق الميكروباص (1)
-
على ضفاف نهر الحب (5) و الأخيرة
-
جعلوني مجرماً … تشريد 53 أسرة وإهدار مايقارب 15 مليون جنيه
-
جيت لي .. قلب مجهد و أسطورة لن تموت
-
على ضفاف نهر الحب (4)
-
على ضفاف نهر الحب (3)
-
على ضفاف نهر الحب (2)
-
على ضفاف نهر الحب (1)
-
في مترو المرغني
-
عندما يتكلَّم الحُبّ .. يَصمُت العُشَّاق
-
لعنة أغسطس
-
البابا شنودة الثالث .. شاعراً
-
الرجل الذي أضاع في الأوهام عمره
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|