أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد حسين يونس - أوهام مهدرة..لديكتاتورعادل















المزيد.....



أوهام مهدرة..لديكتاتورعادل


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 5986 - 2018 / 9 / 6 - 21:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بالامس دار علي صفحتي بالفيس بوك حوارا بيني و بين الاصدقاء محمد البدرى و عبد الحميد علي و حسين منصور ..حول عبد الناصر لقد كان لكل منهم رؤية غير إيجابية علي كلمة (نهضة) التي ذكرتها في جملة (( ثم معركة يونيو 67 التي أنهت أحلام عبد الناصر في نهضة كان يخطط لها ..و إستسلام خليفته لما أملته علية أمريكا و إسرائيل و إستعذاب السكون و الارتخاء لثلاثة عقود .))
انا لست من دراويش الناصرية ..و لا من جماعات الناصريين المحدثين أو القدامي ..و لكنني أحمل للرجل ومنهجة علاقة هادئة تأملية خاصة تطورت عبر السنين سأعرضها بإيجابياتها وسلبياتهاعلي حضراتكم .
لقد كان عبد الناصر و صحبه العامل الاساسي في تكوين شخصياتنا و حياتنا و نظرتنا إلي الامور و المستقبل ..و كانت لكلماته سحرا لا يمكن إنكاره ..و لتغيراته السياسية أثرها الذى لم يزول حتي اليوم في سنين شيخوختي الاخيرة ..
علاقتي بعبد الناصر لم تكن ساكنه أو نمطية أوثابته لم تتغير من اليوم الاول الذى إستقبلته فيه بمنزلنا حتي اليوم الاخير الذى ودعت فيه جثمانه و هو محمول علي أعناق الجماهير لقد كانت علاقة صاعدة هابطة متحمسة منزعجة .. محبة كارهه كما لم يحدث مع أى قائد أو رئيس من بعده ...لقد كان عبد الناصر .. فلنبدأ نقاشا أرجو أن يتسم بالمنطق و العقلانية ، حتي لو لم ننته لوحدة في الراى أو حتي تقارب .
لا أذكر تماما متى رأيته لأول مرة .. كان يدق على جرس الباب فتفتح الشغالة ثم تنادى ضيوف.. أذهب الى حجرة " المسافرين " كما كان يحلو لأمى تسميتها وأفتح الباب الخارجى ليدخل غاضا بصره .
أفتح شيش الشباك المتصدر للحجرة او أضئ الكهرباء وأنظر اليه مبتسما مرحبا ، كان يسألنى : " حسين موجود ". وكنت أرد :" أيوة يا أنكل.. اتفضل ".
أغادر الحجرة الى والدى لكى اخبره ان أنكل جمال ينتظره ، ثم أعود لحجرة المسافرين ارحب به حتى حضور والدى، فأجده يتأمل الصور المعلقة على الحائط للجدود وأفراد العائلة وبعض الرسومات المقلدة عن لوحات عالمية رومانسية كانت والدتى تهواها وتنسج حولها القصص ( بالطبع لم تكن صحيحة ) أسأله ماذا يريد أن يشرب ، وكان يرد باقتضاب : " قهوة سادة " . .
فى بعض الأحيان كان يسألنى عن مدرستى أو عن الدروس التى اتعلمها ، وفى مرة سأل عن الصور المعلقة ، فلما حكيت له حواديت أمى ابتسم وهز رأسه استغرابا .
عندما يحضر والدى مرحبا أنسحب ، فى بعض الأحيان كان يحضر " أنكل " عبد الحكيم أو محمد المنشاوى أو محمد الصعيدى وبعدها يجلسون جميعا يتناقشون في أحوال البلد وكان المنشاوى أعلاهم صوتا .. و عامر لا يتكلم و إنما يبتسم و ناصر يستمع بإهتمام ثم يكون له فصل الخطاب في النهاية .. في يوم إلتقطت أطراف حديث عن ما يحدث في قصر الامير محمد علي ولي العهد بالصعيد من مهازل توقفوا عن إستكمال سردها عندما دخلت و هم يبتسمون ..في بعض الاحيان يلتفون حول منضدة ، يوسع لها فى وسط الحجرة وكراسى مستعارة من داخل المنزل ، يلعبون الكونكان لساعات متاخرة ، لم اكن أشهد نهايتها عادة ، وأنما أرى تأثيرها فى صباح اليوم التالى ، على أمى وأبى .. فاذا كانت متوترة وهو صامت ، فمعنى ذلك انه قد خسر ، أما إذا كان يغنى وهو يحلق ذقنه فهذا دليل على مكسبه .

عندما امسك أبى الجريدة اليومية "الأخبار " وبدأ يصيح بتهليل ، كان يشير لصورتين ويسألنى من هؤلاء .. تعرفت بسرعة على " أنكل" عبد الحكيم ، فلقد كان يحضر أحيانا بزيه العسكرى ، وفشلت فى التعرف على الآخر، عندها ضحكت أمى وقالت : (( جمال .. مش عارفه !! ))...
لقد كان جمال عبد الناصر أحد الضباط الذين قاموا بانقلاب 1952 شخص منا نعرفة يرتدى ملابس تشبه ما يرتديه والدى .. و يدخن بشراهه مثل أقاربي ..و يضحك بصوت عالي .. و يسخر في بعض الاحيان عندما نناقشه ونختلف معه ويتحمس عندما نؤيدة ومؤدب و مراعي عندما نستضيفه و ننادية بأنكل جمال .
فى مدرسة فاروق الأول الثانوية ، حضر بعض الضباط برئاسة اللواء محمد نجيب ، الذى ألقى خطبة ، عندما رأيت جمال بينهم .. جريت لأمسك بيده بين دهشة المدرسين والناظر ، وربت هو على رأسى قائلا : (( إزى حسين !! )) .. ومن يومها أصبحت المتحدث الرسمى باسمه فى المدرسة والمتتبع لخطبه فى الجرائد والاذاعة ،أحفظها وأردد مقاطع منها ، واقلد طريقته فى الكلام خصوصا عندما يقول (( أيها المواطنون )) ...
ثلاث مرات قفزت واقفا .وطفرت الدموع من عينى لا أستطيع التحكم فيها وانا أستمع اليه .. عندما كان يصرخ ويقول : (( إذا قتلونى فقد وضعت فيكم العزة ، فليقتلونى الآن فقد أنبت فى هذا الوطن الحرية والعزة والكرامة )) بعد نجاته من محاولة محمود عبد اللطيف اغتياله فى المنشية عام 1954
وعندما أعلن تأميم الشركة العالمية لقناة السويس ، كنت حينها قد انهيت دراستى الثانوية واستعد لدخول كلية الهندسة..
وعندما خطب فى الجامع الأزهر معلنا مقاومة الشعب للعدوان الثلاثى ، وكنت قد أصبحت طالبا بكلية الهندسة متحمسا للدفاع عن بلدنا ضد العدوان الثلاتي أغني ((حنحارب..حنحارب كل الناس حتحارب .. حتي النصر تحيا مصر )).
لقد إقتتنا علي خطب عبد الناصر و علي الاغاني التي كان كبار المغنيين يرددونها من خلال الاذاعة .. ((سلح جيش أوطانك و إتبرع لسلاحة علشاني و علشاتك بيضحي بأرواحه )).. ((يا جمال يا مثال الوطنية ..أجمل أعيادنا القومية دة نجاتك يوم المنشية )) (( عل الدوار عالدوار .. راديو بلدنا فيه أخبار )) .
وهكذا حتي بداية الستينيات كنت أتابع خطب جمال عبد الناصر وقراراته وأدافع عنها كما لو كانت قراراتى شخصيا لدرجة أنه عندما أبدى والدى اعتراضه على تأميم القناة وتخوفه من قوة الانجليز والفرنسيين و إحتمال مهاجمتهما لمصر ، دافعت عن القرار بكل ما أملك من منطق شاب وعلي الرغم من قولة لي ((والله م إنتم فاهمين حاجة )) كنت مصرا علي اننا سنضحى جميعا فى سبيل وقف العدوان اذا ماحدث
إبتعد أبى عن رجال الانقلاب ، ولكنه كان يراسل ( من طرف واحد ) عبد الناصر ، يرسل له وجهات نظره التى كان بعضها معارضا لقراراته و تدور حول أهمية إقامة حياة ديموقراطية سليمة ..فلقد كان يعتبر نفسه صديقه الذى طالما حاوره ..ومع ذلك علي عكس توقعات الكثيرون لم يلحق به أى أذى من هذه الهواية الغريبة .
عام 52 كنت مجرد طفل.. يقرأ بصعوبة الجرائد التي يشتريها والده .. و منها جريدة (مصر الفتاة) المعارضة للحكومة والتي عندما تم مصادرتها غيرت العنوان إلي (الاشتراكي ) أو ما يشبه ذلك و إستمرت في سياستها الناقدة ..و كانت القاهرة قد تم حرقها في يناير من نفس السنة ..أو علي الاقل وسط المدينة وممتلكات الاجانب و اليهود ..أعقبه أول ظهور للقوات المسلحة في الشارع لحفظ الامن الداخلي ، لم يكن معروفا من الفاعل ولكن أدى هذاإلي تغيير متتالي و سريع للوزارات بصورة غير معتادة ..و كان الاخوان المسلمين قد إغتالوا رئيس الوزراء النقراشي فإغتالت الداخلية رئيسهم حسن البنا .. و إعتقلت أعداد منهم ..و كنا نخرج في مظاهرات من مدرستي بالعباسية نهتف ضد الملك و الانجليز بقيادة الوفدى مصطفي موسي .. و كان سراج الدين باشا وزير الداخلية شخصية غير محبوبه هو و البوليس السياسي وباقي قيادات الحزب فيما عدا مصطفي باشا النحاس .
و كان والدى متحمسا لاحمد حسين(مصر الفتاة ) و فتحي رضوان(الحزب الوطني القديم ) يحضر مؤتمراتهم في البيت الاخضر و يتحرك في مسيراتهم مصطحبا إياى ..وكان لا يهاجم الاخوان رغم أنه لم يكن منهم .. و لكنه مثل شباب هذا الزمن كانت له وجهة نظر كونها من خلال تفاعلة مع الحياة الثقافية والسياسية الغنية ولا تتلاقي مع قناعات الاخرين إلا في كره الانجليز بسبب إحتلالهم لمصر .. فهو يدعو لمقاطعتهم و عدم تقديم خدمات (للاورنوس ) الخاص بالقوات الرابضة حول القناة و لكنه لم يكن يؤيد الكفاح المسلح و يرى أن من يقومون به يضربون رؤوسهم في الحيط .
لقد كانت مصرقبل إنقلاب الضباط تفور و تثور علي الاحتلال و أعوانه من الباشوات خصوصا بعد تغلب جناح أصحاب الاقطاعيات الاغنياء( البدراوى وسراج الدين ) علي شباب الوفد و الطليعة الوفدية وإحتلالهم مكان القيادة .. لذلك لم تكن غريبة علي المصريين كلمات عبد الناصر عن مقاومة الاستعمار و أعوان الاستعمار و لم يندهش الناس من قوانين الاصلاح الزراعي وكانوا يرونها عادلة .. بل لم يتعاطفوا مع الملك المخلوع وإبنه وأسرته..ولم يظاهروا الاحزاب التي تم حلهاحتي الوفد صاحب الشعبية الكبرى .. و كانوا متمسكين (بالاتحاد و النظام و العمل)و هيئة التحرير التي أنشئت علي غرار تنظيمات الفاشيست و الفوهرر لتحل محل الاحزاب .. ثم بمبادىء الثورة الستة .. خصوصا إقامة حياة ديموقراطية سليمة.
في السنوات الاولي من حكم الضباط .. حدثت خلافات وصراعات عديدة بين المنقلبين..وإن تبلورت في تيارين أحدهما يطالب برجوع الجنود لمعسكراتهم و تسليم الحكم للمدنيين أيدتهم مظاهرات عديدة في الشارع تقول ( يسقط الحكم العسكرى ) .. و أخرى تدور حول فكرة الديكتاتور العادل المأخوذة عن (موسيليني و هتلر و ستالين ) وما حققوه من تقدم سريع لاوطانهم وهذه أيضا أيدتها مظاهرات خرجت تقول (تسقط الديموقراطية )..
محمد نجيب ركب موجة الديموقراطية و علي الجانب الاخر قاد عبد الناصر الفريق الذى يرى بأنه الاحق بأن يتولي الحكم كديكتاتور عادل .
محمد نجيب كانت له شعبية كاسحة في الشارع المصرى و السوداني علي أساس أن أمه سودانية !!..و كان يظاهره الاخوان المسلمين .. و ياللعجب بعض تيارات اليسار الماركسي الذى بدأ علاقته بالنظام الجديد برفض الحكم العسكرى .
تفاصيل الصراع موجودة في كتب عديدة سجل فيها رجال الانقلاب مذكراتهم .. و إن كنت أعتمد عادة علي (( الان أتكلم )) لخالد محي الدين الاكثر صدقا و وعيا .
و هكذا بعد إعتقال أعضاء الطرف الديموقراطي و محاكمتهم (عسكريين و مدنيين ).. و ذبح عاملين من عمال كفر الدوار (خميس و البقرى ) تقبل المصريون أن يكون لهم زعيم ديكتاتور عادل بعد 1954 .. يتقدم بهم إلي ما وصل إليه هتلر بالمانيا خلال سنوات محدودة رغم أعباء معاهدة فرساى التي فرضها عليهم المنتصرون بعد الحرب العالمية الاولي .
إختفي محمد نجيب .. و إختفت الاحزاب .. و إنكمش دور اليسار و الاخوان ..وبدأ عبد الناصر مرحلة تجميع كل الخيوط بين يدية بتأميم ممتلكات الاجانب و تمصير الخدمات و إنشاء (شركة الحديد والصلب كبداية لتحقيق حلم التصنيع من الابرة للصاروخ )و مديرية التحرير و تعمير الصحارى..مستعينا بعدد محدود من زملائة الضباط كان أهمهم عبد الحكيم عامر الذى تولي تأمين القوات المسلحة ضد أى إنقلاب تال .
لنقف قليلا أمام هذه الفترة التي دامت حتي عام 56 .. فلقد كان علي القناة قوات بريطانية بكثافة .. و كان الجيش المصرى لازال في مرحلة الاعداد تنقصة العدة و التدريب..بل كان هناك خبراء إنجليز يوجهونه ..و كان الملك فاروق قد ورط الجيش في حرب فلسطين دون إعداد أو ذخيرة .. (إلا الحماس ).. فلقي الجيش هزيمة..حركت عواطف الضباط ضد النظام بأضلاعة الثلاثة الانجليز و الملك و الباشوات و أحزابهم .. و سيعجب العديد منا و يتساءل.. كيف تحركت القوات المصرية من الوادى لسيناء عبر الجيوش المحتله المنطقة إلا إذا كان ذلك بمعرفة الانجليز ومشغلي قناة السويس ومباركتهم .. بل سيعجب البعض لماذا لم تتدخل القوات البريطانية لإنقاذ فاروق من رجالة .. و سيتحدث البعض عن كتاب لعبة الامم و دور أمريكا في نجاح الانقلاب و مساندته.
ثم ستطرح أسئلة أخرى عن أسباب إنتهاء شهر العسل بين الضباط و إنجلترا و فرنسا بعد الاستقلال وتأميم القناة.. و ما تلاه من تخلي أمريكا عن تمويل السد العالي .. رغم أنه في نفس الوقت .. إصدرالرئيس الامريكي أيزنهاور الاوامر للمعتدين علي بورسعيد بالعودة من حيث أتوا .. وما تلي ذلك من موقف مرور إسرائيل في خليج العقبة و قناة السويس .. الذى لم يكن المصريون يعرفون عنه الكثير .. ثم صفقة السلاح التشيكي و الميل للمعسكر الشرقي .
كل هذه الاسئلة التي لم يجاب عليها منطقيا ولا زالت محل جدل بسبب غياب المعلومات الصحيحة و التعتيم المقصود من الحكام و المستمر كسياسة مصرية حتي اليوم ..قد يدل علي أن الامور لم تكن تتحرك بتوجيهات أمريكية أو بريطانية أو طبقا لخطة مسبقة كما يدعي البعض .. وأن قبول صفقة الاسلحة التشيكي وإنضمام مصر لمعسكر عدم الانحياز .. و دعم البلاد المستعمرة كي تنال حريتها لم يحدث عن تخطيط قصدى.. وإنما قادت له الاحداث و الميديا المواتية للتحرر الوطني بعد الحرب العالمية الثانية ..وكان لنهرو و تيتو دورا ما مضادا للإستعمار و مؤيدا للتنمية المستدامة للشعوب وقد يكون لليسار الماركسي المصرى الذى تبع توجيهات السوفيت بأن عبد الناصر زعيما وطنيا .. دور أخر تطورحتي وصل إلي المرحلة الثانية من فترة حكم عبد الناصر
أن تعمل تحت رئاسة الديكتاتور(( الذى يملك رقبتك)) مخاطرة تتطلب أن يكون لديك مجموعة من المهارات الخاصة.. فعليك أن تكون من القادرين علي قرأة أفكارة ورغباتة دون أن ينطق ثم تتبناها كما لو كانت أفكارك الشخصية.. وأن تتقن اختفاؤك في ظلة لا يشعر بك الاهو .. واذا ماحدث واضطرتك الظروف لان تتكلم فعليك أن ترجع كل أفكارك والقرارات والانجازات لتوجيهات سيادتة ..بالاضافة لاهمية أن تكون يقظا تعرف اتجاهات القوى .. ولا تقوم بالوشاية الا في الوقت المناسب مع عدم تحديد مصدرها فعليك أن تبنيها للمجهول مثل ((بيقولوا،اشاعات،سمعت)) فتتجنب المواجهة ومعارك لا تعرف نهايتها وتظل مغسول اليد نظيفا.
أغلب الذين أحاطوا بالبكباشي جمال بعد نجاح الانقلاب لم تكن لديهم هذة المهارات فأطاح بهم واحدا تلو الاخر بما في ذلك زعيم المنقلبين المعلن ((محمد نجيب)).أما من بايعوه زعيما وقدموه بطريقة ((يا ولدى هذا عمك جمال))..فلقد نجوا حتي النهاية وكان أجرهم عظيما .
سيادة الرئيس كان يمتلك نظرة فاحصة سابرة تربك من يتحدث الية نظرة في الغالب كان يمتلكها راسبوتين ،هتلر،اتاتورك، شاة ايران، صدام حسين .. نظرة تجعلك تتوقف عن التفكير أو تشغيل المخ وتردد كلماتة .. ثم تتحمس لها .. ثم تندفع لتنفيذها .. وعندها تكتشف كم هي معيبة .. ولكن بعد فوات الاوان فالقائد لا يمكن مراجعة قراراتة .
القائد قام بالمفاوضات مع المحتل الانجليزى وتخلي فيها عن السودان و إنتهت للجلاء في الموعد الذى كان مقررا في معاهدة 1936 باليوم ...و الاتفاق علي عودة القوات البريطانية لقواعدها في حالة تهديد خارجي لامن القناة .
و رحلت القوات البريطانية تاركة قواعدها .. لتعود بعد شهور فيما سمي بالعدوان الثلاثي .. و لولا أوامر أمريكية و إنذارات سوفيتية ..لإستمرت حتي الان .
القائد أمربتدمير الحياة السياسية القديمة و حل الاحزاب ثم بإنشاء هيئة التحرير .. فالاتحاد القومي .. فالدستور المؤقت .. فالاتحاد الاشتراكي ..و أثناء الوحدة مع سوريا ..كان دستور الوحدة وكلها جاءت من وحي ارادة الزعيم فأهدر بها امكانية تطويرتجربة ديموقراطية ليبرالية متعددة الاحزاب زاولها المصريون لسنين.
لتبقي مصرحبيسة الحزب الواحد حتي بعد أن أصبح بها 32 حزبا لا يعرف مقراتهم الا لجنة تنظيم الاحزاب .
القومية العربية..تأييد ثورة الجزائر ..الوحدة مع سوريا ..الوحدة مع إمام اليمن و العراق ..الانفصال..تأييد انقلاب ليبيا ثم اليمن ضد الامام .. انتشار أفراد المخابرات والدعاه المسيسين في الدول العربية والافريقية لنشر عقيدة الناصرية ...التورط في حرب اليمن .. معاداة السعودية.. ثم موجة حذر من الانظمة الحاكمة الملكية موجهه ضد رجال مصر .
وفي النهاية ورغم كل مجهود اذاعة صوت العرب كادت أن تندلع حربا بسبب مباراة كرة قدم بين مصر والجزائرلتحميلهم الزائد ضد مصر.
امريكا صديق الدول المستعمرة والامل في مساعدة الشعوب المقهورة من الامبراطوريات القديمة .. في أول إحتفال لنجاح الانقلاب .. بنادى ضباط الزمالك .. أوقف عبد الناصر البث بالميكرفون .. و أنبأ المحتفلين بأن أمريكا وافقت علي تزويد الجيش بمدرعات تكفي لواء مدرع .. فصفق الجميع فرحا ..في 54 بعد اليأس من وصول سلاح أمريكا تمت صفقة سلاح من الكتلة الشرقية.. و إنقلبت الموازين لتنضم مصر إلي كتلة الحياد الايجابي .. بريوني وباندونج..الانحيازللاتحاد السوفيتي وتنفيذ سياستة في المنطقة ..معاداة الاستعمار أينما كان..الاحلاف العسكرية العربية..الجامعة الاسلامية.والنتيجة أمريكا منحازة للطرف الاخر داعمة لاسرائيل والسعودية ضد مصر ناصر ..
وفي النهاية أمريكا بيدها 99 بالمائة من أوراق اللعبة ..ومعاهدة كامب دافيد.
الاصلاح الزراعي الاول .. الاصلاح الزراعي الثاني ..مقاومة الاقطاع .. مديرية التحرير ..تفتت الملكية الزراعية.. تجريف الارض مع التوسع العمراني..سيطرة البيروقراطية علي الزراعة والفلاح من خلال جمعيات تعاونية متحكمة.. انهيارالزراعة .. فشل تعمير الصحارى ..
وأخيرا مصر أكبر مستورد للقمح في العالم.. الفلاح يشرب مياه مخلوطة بالمجارى ويروى زراعته بمياة الصرف الصحي و يسمدها بالحمأة (البقايا الصلبة بعد جفاف مياه الصرف الصحي).
مصادرة ممتلكات الاجانب ..المؤسسة الاقتصادية..قوانين يوليو الاشتراكية.. تمصير البنوك..تأميم شركات المقاولات والمصانع ..التخطيط لاقامة مصانع لانتاج من"الابره للصاروخ ".. ثم تسيب وقلة خبره الضباط في إدارة القطاع العام ..نقص في العمله الحرة يوقف تجديد الماكينات أو تزويدها بقطع غيار ..يؤدى إلي فشل حلم النهضة الصناعه في سد احتياجات المجتمع
والان بعد خصصة الشركات ووقف المصانع المصرية عن الانتاج نستوردها كلها (معدات،سيارات،طائرات،قطارات،ملابس،أحذيه،اكسسوارات،أدويه، أغذية ، حلويات كمبيوترات تليفونات)
أوامر التكليف للمهندسين والأطباء .. القوى العاملة توظف كل الخريجين .. تضخم الجهاز البيروقراطى .. إنشاء وزارات الثقافة والاعلام والاسكان والتعمير والنقل والاتصالات والتنمية الادارية والبيئة والتجارة الداخلية والتجارة الخارجية ، وأغلبها لا يحتاجه المجتمع إلا إذا استوردنا لإدارته بشر من الخارج .
و الان بطالة مرتفعة .. وأداء معطل للجهاز الحكومي و خسائر مستمرة لشركات القطاع العام الصناعي ..و القاهر و الظافر .. صواريخ فشينك .
الديموقراطية كما تصورها الزعيم ..القوميه العربية كما ارادها الزعيم.. تخفيض ايجارات الاسكان كما قرره الزعيم ..قوانين يوليو كما راى الاشتراكية الزعيم ..كلها عاهات يعاني منها المصريون حتي اليوم بعد وفاته باربعين سنه لصعوبة الرجوع فيها أو تعديلها أوالغاءها
ترسانه أمن غير محدود عددها وغير محدد مهامها تخترق جميع المؤسسات ومنشات البلد ..تعليم يهتم بالكم علي حساب الكيف فلا ينتج الا الجهالة والغيبوبة..جهاز حكومى بيروقراطى متضخم .. مستشفيات تعانى من الاهمال وعجز الامكانيات .. أجهزة إعلام غافلة وغير مؤثرة .. تحويل الازهر لمفرخة أصولية تبشيرية ..كلها جاءت من أفكار الزعيم وطبقا لإرادته وتخطيطه ، وإن كان درة إنتاجه الثلاث أرباع مليون عسكرى أمن مركزى ، المخصصين لقهر أى حركة تغيير يحاولها الشعب .
كيف تحولت الاحلام الوردية إلي تلك الكوابيس المنهكة و المعطلة ... في عام 1961عندما كنت فى السنة الثالثة عمارة وكان على أن أرسم وأجهز وأحبر لوحات مشروع نهاية العام ، كان عبد الناصر يقرأ الميثاق الوطنى .وكنت حريصا على أن أنهي عملي وفى نفس الوقت أقوم بسماع حبيب الملايين ، لذلك فلقد أحضرت الراديو ووضعته بجوار اللوحة وكنت اتبادل التركيز على الرسم وسماع كلمات مثل .. العمل حق العمل واجب العمل حياة .. تحالف قوى الشعب العامل .. الحرية الاجتماعية .. حتمية الحل الاشتراكى .. الكفاية و العدل جناحا الحرية فكان لي راى أخر
عندما حفظت الميثاق ، كنت لا أمل من ترديد (( ان الحرية الاجتماعية طريقها الاشتراكية ، إن الحرية الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق إلا بفرصة متكافئة أمام كل مواطن فى نصيب عادل من الثروة الوطنية .......، إن ذلك معناه ان الاشتراكية بدعامتيها من الكفاية والعدل هى الطريق الى الحرية الاجتماعية)).
لقد كان نورا ونبراسا وأملا لطالب كلية الهندسة الذى كان على وشك الدخول لمجال العمل فى وطن (( تتلاقى عليه جميع عناصر الانتاج ، على قواعد علمية وأنسانية ، تقدر على مد المجتمع بجميع الطاقات التى تمكنه من أن يصنع حياته من جديد )) ..لقد تصور الشاب أنه قد آن الاوان لنجني ثمار عمل ( الثوار ) للخروج ببلدنا من مستنقع التخلف المصاحب للإستعمار إلي براح البحار العالية للأحرار .
عملت ضمن مجاميع القوة الضاربة للزعيم منذ نعومة أظافرى .. بدأت مراقبا ثم متعاطفا ثم هاويا ثم محترفا.
كنت أراقب الحملات التى يطلقها الضباط لجمع الأموال لتسليح الجيش ، وكيف كانت تتحرك عرباتهم فى زفة إعلامية تذيع أغنية عبد الوهاب (( زود جيش أوطانك واتبرع لسلاحه .. )) وكانت النساء من فرط الحماس ، يخلعن مصاغهن ويسلمنه لمسئولى الحملة ، والرجال والشباب يقدمون كل ما يقدرون عليه ، حتى الأطفال لقد أعطيتهم ما في (( الحصالة )) التى كنت (( أحوّش )) فيها مصروفى وكنت راضيا .
عندما بدأ العدوان الثلاثى ، تحولت الى درجة المتعاطف ، فاشتريت من وكالة البلح خوذة وانضممت الى الدفاع المدنى المرتبك الذى لا يعرف لنفسه دورا أو ماذا عليه ان يقوم به ، عدا الحركة فى الشوارع ليلا مطالبا السكان باطفاء الانوار أثناء الغارات .
بعد نهاية العدوان ، تطوعت مع فرق التعمير وذهبت لبورسعيد التى دمرتها الحرب ، وهناك عانينا الأمرّين ، تركونا بدون طعام أو ماء ولكل مجموعة خيمة مهلهلة تشاركنا فيها فئران جبلية ضخمة وبدون عمل مثمر إلا نقل بعض غلقان التراب.
لقد اكتشفت أنا وأبناء جيلى مبكرا ، أن الشعارات وحدها لا تكفى و ان الطريق الى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة كما كان يقول تشرشل ..فالحماس الذى صاحب حملة التبرعات لتسليح الجيش إنطفأ عندما علمت أن اغلب ما جمع قد تسرب ، وان الباقى كان ضئيلا بحيث لا يشترى سلاحا .
وهكذا توقفت عن المشاركة فى حملات رجال الثورة ومشاريعهم .. معونة الشتاء .. هيئة التحرير .. معسكرات التدريب العسكرى .. وبالخصوص أى نشاط يتصل بجمع التبرعات .
الصاغ محمد جارنا ، إنتقل الى ضاحية مصر الجديدة ليجهز عش الزوجية للزوجة الجديدة إبنة الأصول فى شقة تم الاستيلاء عليها من الأجانب المطرودين ، كذلك البكباشى سليمان ، إنتقل بأسرته الى شقة فاخرة فى وسط المدينة كانت ( أيضا ) من غنائم معركة طرد الأجانب .
لقد بدأت جحافل الضباط تطفو على السطح طاردة الوزراء والمديرين والمهندسين والمعلمين ، والقضاة رافعين شعار(( أهل الثقة بدلا من أهل الخبرة )) ومبشرين بأسلوب ثورى فى الادارة والعمل ، بدأ بضرب السنهورى باشا بالحذاء فى عقر دار العدالة ، وتحديد إقامة النحاس باشا لأنه خطب بعد صلاة الجمعة فى جماهير الأسكندرية ، ومحاكمة سراج الدين باشا محاكمة هزلية ، وقلب السيد كمال الدين حسين الضابط نظام التعليم ظهرا على عقب بعد أن أصبح وزيرا للتربية و للتعليم بدلا من المعارف
ومع ذلك فلقد كنت من الجيل الذى بهره الرئيس بخطاباته وحمسه الفنانون ومؤلفى الأغانى لصالح الثورة والثوار ، فلم أهتم بما لاحظه الكبار من تفشى الفساد والعشوائية والتخبط فى إدارة البلاد ، وأخطاء المديرين من الضباط الفادحة .. لقد كانوا يتكلمون أمامنا عن مجوهرات الأسرة المالكة التى صودرت ثم هربت ثم ضبطت معروضة للبيع فى الخارج ، فنقول حقد الرجعية .. وكانوا يقصون كيف أن لجان المصادرة كانت تأخذ السجاد الفاخر المصادر وتضع مكانه سجاد بالى من بيوتهم وفازات " سيفر" من القصور وتحل محلها أخرى مقلدة .. وأن السجاد والأثاث والفازات الأصلية موجودة فى منازل الضباط فنقول إشاعات وأكاذيب .. لقد جندت نفسى ( مجند هاو ) للدفاع عن الزعيم ورجاله بايمان أن هذا الرجل لا يمكن أن يكون مخادعا وانه عليم ببواطن الأمور وما يدور حوله ، ولن يسمح بأى تجاوزات أو استغلال للنفوذ أو تسيب .
عندما أصبحت مهندسا رفضت الانضمام للاتحاد الاشتراكى ومنظمات الشباب ، كنت أريد أن أظل هاويا يعبر عن فهمه الشخصى لتطور الأمور ، وولاءه غير مملى عليه ، وحبه عفويا للثورة وقائدها ، كان هذا يستلزم أن أقرأ ، أفهم ، أتعلم ، وكان فى السوق عشرات الكتب والمجلات الموحية والمثقفة ، أختار منها ما أشاء حتى ذلك اليوم الذى كنت أناقش مجموعة من الزملاء الضباط حديثى التخرج ، فى موضوع كتبه لطفى الخولى فى مجلة الطليعة ، عندما إنقض على ضابط أكبر وخطف منى المجلة وقال محذرا : (( مش قلنا بلاش الشيوعيين دول )) وكاد هذا المنقض أن يتسبب فى ضياع مستقبلى مدعيا أننى شيوعي احاول عمل تنظيم فى القوات المسلحة .. الغريب أن الموضوع الذى كنت اتكلم عنه هو إنتخاب الرئيس جمال بنسبة 99.9 % ولكن جو الرعب الذى عشناه ، جعل الجميع يتجسسون على الجميع ، وكم كان حجم الضحايا كبير .
لإعادة تأهيلى ، دٌفع بى الى إدارة التوجيه المعنوى بالقوات المسلحة حيث عقدت دورة تثقيفية للضباط لمدة ثلاثة شهور ، إلتقينا فيها مع كبار مثقفى ومنظرى النظام الجديد ، كان الهدف أن نتعلم ماهية الاشتراكية العربية وديموقراطية ناصر المصرية ، ونكون دعاة للثورة والثوار داخل القوات المسلحة ، وهو ما حدث فى نهاية الدورة ، أصبحت محترفا أدرب وأربى وأعلم جنود القوات المسلحة وأغذيهم بالأفكار التى جعلتنا ( هم وأنا ) نتصور رغم قصور الامكانيات والتسليح وفوضى التدريب أننا أقوى جيوش المنطقة ، لقد كان الخداع الأكبر الذى شاركت فيه كضابط توجيه معنوى محترف .
عندما هزمنا فى 67 إنطلقت خفافيش الظلام تنهش رأسى ، لقد غرر بنا وقدمت لنا اشتراكية مزيفة لا تزيد عن كونها رأسمالية دولة ستالينية أو هتلرية ، ( راجع صعود وسقوط الرايخ الثالث ) وزاولنا ديموقراطية كسيحة تقوم على استفتاءات مزورة ، ومجلس شعب نصفه يجهل القراءة والكتابة و النصف الاخر لا يتقن إلا التصفيق ، بحيث أصبح حوار النواب سطحيا لا هدف منه الا الرقص مع رجوع الزعيم عن قرار التنحى .. مجلس شعب يتلقى التعليمات من الحكومة ولا يعلو اى صوت داخله على توجيهات الرئيس .. وشددنا الحزام بعد أن انهار اقتصادنا .. زراعة بدائية فاشلة .. صناعة عاجزة عن المنافسة فتفرض منتجاتها على الشعب بضعف أسعار مثيلاتها العالمية ولا تحصل عليها الا بالواسطة لندرتها ، وتجارة خربة فى الداخل والخارج ونظام بنوك محلى تحول الى خزينة ، وقروض بجميع العملات يصعب تسديدها ، وأموال تنفق على مغامرات الخارج بدلا من إصلاح الداخل ، وقائد تخبط ، يصور له المحيطين أنه لا يخطئ أبدا فى قرار ، فأصبح مستبدا منفردا بالسلطة يتصرف كأبناء الآلهة ...
صديق كتب لى بأن عبد الناصر وعهده ، يكفيه أنه لم ينكل بقبطى بسبب أنه قبطيا أو تحدث فى زمنه مجازر جماعية للقبط كالزاوية الحمراء والكشح أو ما يجرى الان في المنيا .. وأنا ألفت نظره الى قائمة الأقباط الذين نالوا نصيبهم من كرم عبد الناصر ورجاله فى السجن والتشريد ومحاربة الأرزاق بسبب كونهم أصحاب فكر أو انتماء سياسى " لويس عوض ـ فخرى لبيب ـ صنع الله ابراهيم ـ ميخائيل رومان ـ فوزى حبشى ـ أبو سيف يوسف ـ ألفريد فرج ـ صليب إبراهيم - ميلاد حنا ـ ألفريد نسيم " وغيرهم كثيرون.
كتب سير والاس بدج ((ومع ذلك فان المصريين عملوا وفقا لمنطق متماسك.. فهم قد آمنوا بكونهم أمة مقدسة ملوكهم الهة متجسدة ..))
الكهنه ( مثقفي ورجال اعلام زمنهم ) كان لهم علي مر التاريخ عادتان .. الاولي محو أسماء السابقين من ملوك واحلال المعاصرين مكانها مدعين أن الملك الذى يخدمونه هو صاحب كل الانجازات السابقه واللاحقة ..والثانية هي تزوير التاريخ وتأليف مآثر وانتصارات لاسيادهم اما مبالغ فيها أو لم تحدث.
اشهر من زور التاريخ في مصر كان تحتمس الثالث الذى ازال كل ما يتصل بحتشبسوت بعد وفاتها كذلك رمسيس الثاني الذى الف له الكهنة معركة قادش التي اباد فيها منفردا جيشا بكامله انهار خوفا ورعبا من طلعته البهية.
الملوك والكهنه وجهان لعملة واحده تفرزها الديكتاتورية التي حكمت مصرمنذ تاريخها الاول وحتي الزمن الذى عاد فيه مثقفيها للسير علي درب الاجداد مؤلهين رؤسائهم .
عبد الناصر بدأ حكمه بتقاليد ملوك مصر القدامي ..مسح وشوه وشكك في كل من سبقه من ملوك وقادة بدأ بمحمد علي واسماعيل وسعد زغلول والنحاس والملك فاروق وانتهي بمحمد نجيب .. حملات متتالية توصم كل منهم بكل ما تفتق عنه ذهن البطانة الاعلامية.
ثم تم محو اسم" الوفد "من كل المشاريع التي جهزها كخطة انجاز وقدمت بإسم ((الزعيم)) .. اتفاقية الجلاء لم يتقدم خروج الانجليز من مصر ساعة عن الزمن المحدد في اتفاقية الوفد .. لقد خرجوا في 18 يونيو 1956 بعد عشرين سنة من معاهدة 1936..السد العالي مشروع اعد الوفد تفاصيله منذ 1937 لوقاية خزان اسوان وتوليد الكهرباء..الاصلاح الزراعي قدم قانونه النائب محمد خطاب وكان للنواب ملاحظات ادت الي اعادته للمراجعة..مجانية التعليم بدأت مع وزارة طه حسين وكانت وزارة المعارف تعد مشاريع تطويراسلوب تطبيقها حتي يتمتع بها من يستحقها من المتفوقين ..الا تحاد العام للعمال تسبب اقالة حكومة الوفد بعد حريق القاهرة في تأجيل اعلانه .. تسليح الجيش من الكتلة الشرقيه كانت مفاوضاته قائمة مع مصطفي نصرت وزير الدفاع في حكومة النحاس وكان الاتفاق وشيكا ..توصيل المياه النقية للقرى وبناء مساكن شعبية كانت مشاريع ابراهيم باشا فرج وزير الشئون البلدية والقروية.. بمعني أن السادة الثوار بعد أن احتلوا دواوين الحكومة وعبثوا باوراق من سبقهم اعلنوا عنها راجعين بالفضل لانفسهم حتي يحلوا مكان الوفد في صدور الامة .. المحزن حقا أن كل هذه المعلومات متوفرة وموثقة وموجودة بالكتب والمجلات والنشرات والدراسات ولا يلتفت لها.. تماما مثل تجاهل التحقيق الذى نشر في جريدة ((المصرى اليوم)) وفيه أن حسن البنا أوصي أن يخلفه كمرشد للاخوان (( جمال عبد الناصر )).
المرحلة التالية في تأليه الحاكم ( بتأليف مآثر وانتصارات له ) كفاه الفنانين مشقتها، فبعد أن دان له حكم مصر وامتلك مفاتيح الخزائن كان كل من يرغب في الثروة أو الشهرة يدلي بدلوه بصورة لم يتمتع بها أى رئيس او ملك اوديكتاتور سابق بما في ذلك هتلر ..الصحافة التي أممها والاذاعة التي سيطر عليها الرقباء من رجاله تحولت الي اجهزة بث ودعاية تفوق اجهزة جوبلز.. ومن هنا جاء اهتمام الزعيم بزيادة الصحف ومحطات البث الاذاعي بجميع اللغات فضلا عن انشاء اول تلفزيون بالمنطقة .. لقد كان هدفه التأثير ليس علي المصريين فقط بل علي الشعب من المحيط للخليج ..وفي إفريقيا و بلاد الواق الواق ... الاستعراضات العسكرية .. أعياد الزهور .. حفلات الطلاب بالاستاد .. الخطب الجماهيرية .. السوق الدولى للصناعة والزراعة .. المعرض الدولى للكتاب ، الافلام الميلودراما (الناصرصلاح الدين ..الايدى الناعمة .. و درة الدرر إنت من الاحرار ياعلي .. رد قلبي )) كانت كلها أدوات تصب فى مجرى واحد يؤدى الى تحسين صورة الزعيم وتحصين الشعب ضد أى أفكار مضادة أو كاشفة للحقائق .
وهكذا ألــَه المصريون رئيسهم ، كما لو كان إبنا " لرع " أو " آمن " أو " حورس " فكان بامكانه أن يتواجد وسط آلاف من البشر وهو آمن ، حتى لو حملوا عربته فوق الأكتاف وساروا بها " عبد الناصر بين الجماهير دون حراسة" لوحة يجب أن يحفظها كل سياسى مصرى ليعرف أن بالامكان فى ظروف معينة أن يأمن لنفسه بين حشود الشعب ولا يحتاج لجيوش من رجال الأمن .. لقد تشيع الشعب بكامله من أبناء المنطقة من المحيط للخليج لذلك البطل الأسطورى الذى رسمته لهم أجهزة البث والدعاية الموجهة لغزو عقولهم وقلوبهم .
يقول وليم شيرر : " ليس فى وسع انسان لم يعش مثلما عشت فى سنوات طويلة فى بلد يحكم بطريقة جمعية أن يدرك بسهولة ، مدى الصعوبة فى التخلص من النتائج المفزعة للدعاية المخططة والمستمرة لذلك العهد ، وكثيرا ما أجد نفسى فى المواجهة إما فى البيوت أو المكاتب أو فى محادثات عرضية مع إناس لا أعرفهم فى مطعم او مقهى ، فأجد منهم تأكيدات غريبة وعجيبة ، تصدر من أشخاص يبدو عليهم التعلم والذكاء ، ومع ذلك فمن الواضح انهم كانوا يرددون كالببغاوات بعض التفاهات التى استمعوا اليها فى الاذاعة أو قرأوها فى الصحف ، وكثيرا ما كنت أندفع بالاغراء الباطن المنبثق من داخلى فى قول الحقيقة ، فأجد أمامى فى غالب الحالات تشكيكا فى صحة ما أقول أو صمتا مرعبا وكأننى قد كفرت بإله خالق " .. إنتهى الجزء المقتطع من كتاب وليم شيرر عن هتلر وليس عن عبد الناصر .
(( بعد انتهاء الحرب ، سألوا واحدة من المتحمسات للنازى .. كيف تم هذا ؟ فردت : لقد تم كل شئ بسرعة وعلى خطوات بحيث تسربت هذه الأفكار الى دمائنا ببطء يوما بعد يوم ، وكانت الانتصارات القومية تجعلنا لا نرى الواقع التعس الذى نعيشه ، وتصبح كل أعمال العنف التى تحيطنا ، ثمنا مناسبا لعودة الكرامة ))..
وهكذا كنت أنا مثلها .. وهكذا كان جيلى مثلها مع فارق أنها عرفت الحقيقة و إستوعبتها .. و تغيرت.. أما نحن فإننا ننكر و نرى ما حدث له أكثر من وجه ورواية بحيث أن البعض لازالوا يتمنون لو أن ناصر حكم مصر مثل محمد على ( 17 مايو 1805 حتى 2 أغسطس 1849 ) أربعة واربعين سنة .
عندما تخرجت من الكلية الحربية ضابطا مهندسا وسافرت الى اليمن ، بدأت علاقتى بعبد الناصر يصيبها الوهن ، فلم أكن مقتنعا أن أذهب الى هناك لمساعدة من يتربصون بنا ، سواء للحصول على أموالنا أو قتلنا ، لم أكن مقتنعا ( رغم الرشاوى التى قدمها لرجال الجيش بالبدلات والمعافاة من الجمارك والسكوت على البضائع المستوردة التى يجلبونها معهم )أن علينا دفع كامل ثمن إنتفاخ ذات رئيسنا بأن يتفكك الجيش ويعانى من التسيب فى التنظيم والتسليح ، لقد انهارت مبادئ الميثاق عن العدل والمساواة والحرية ، ولم تعد خطب عبد الناصر تبهرنى بنفس القدر الذى كانت عليه يوم أن كان يدافع عن حرية قناة السويس فى مواجهة العدوان الثلاثى .
عندما أسرت بعد حرب أظهرت أن نظام الثوار كان مقاما بالكارتون الذى طار مع أول هبة عاصفة ، وسهرت ليلا كاملا راقدا على وجهى لتجنب أن أصاب يالرصاص الذى يطلقه جنود الأعداء ، كان شعار ارفع رأسك يا أخى يدوى فى أذنى كانعكاس لرأسى المنخفضة مع آلاف الأسرى المجاورين ، وعرفت أن العلاقة العاطفية التى تربطنى بهذا الرجل " بهى الطلعة " , " ساحر الكلمة " , " باعث الثقة " " صديق الفقراء والمستضعفين " قد تحتاج الى مراجعة ..
عندما تغلب عقلى على عواطفى وبدأ يعدد أخطاء بهى الطلعة ، بدأت أشعر أنه كان كالمرض القاتل الذى تخلل كل خلايا عقلى وقلبي و أن الفكاك منه شديد الصعوبة ، فلقد كان لعقلى حيله التى لا أنساها أبدا فى مواجهة الأخطاء ، " إنه لا يعلم " , " لقد خانه المحيطين " , " ماذا كان سيفعل أمام ضغط أمريكا " , " المجتمع بكامله يحتاج لتغيير " , " الديكتاتور العادل بديل الديموقراطية لشعب جاهل " , " هؤلاء الذين نكل بهم ما هم الا أعداء الثورة " .. وفى كل مرة أكتشف حيل عقلى الباطن كان يحل محل سحر الحب ( والأغانى التى تدر الدموع فى العين) الرعب من المستقبل ، لم أعد أثق فى الزعيم ، ولم أعد أحبه .
علاقتي بعبد الناصر- كما ذكرت من قبل - لم تكن ساكنه أو نمطية أوثابته لم تتغير .. لقد كانت علاقة صاعدة هابطة متحمسة منزعجة .. محبة كارهه كما لم يحدث مع أى قائد أو رئيس من بعده ...لقد كان عبد الناصر
عندما توفى كان والدى يبكيه ممسكا بمنشفة ضخمة مسح بها دموعه المنهارة بدون توقف ، وكنت أشعر أن كابوسا قد انزاح من علي كتفي ، وأنه قد آن الأوان لأن أمتلك خياراتي وأعيش كفرد ناضج لا يخضع لسحر كاريزما الرئيس ، ولا أى رئيس .
ومع ذلك فأمام الجماهيرالمتزاحمة الحاملة للنعش طفرت الدموع من عينى ، لوحت للخشبة الحاملة للجسد قائلا وداعا ، سوف نفتقد صوتك وطلعتك وقوتك ، ولكننا سننجو من شطحاتك التى حولتنا الى أمة تتعثر في متاهات العصر و لا تستوعب مسالكها.



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رموز من قش..و أبطال من ورق
- تخيروا نوابكم فإن العرق دساس
- تداعيات حفل تنصيب الرئيس .
- إستبد ، يستبد ،إستبدادا .
- صالة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة.
- إنكم تتسامحون أكثر مما يجب .
- دوام الحال من المحال ..سنتغير
- الحاضر تحيطة ضبابات الجهالة
- المستقبل علومه أصبحت عصية علينا .
- ماض غير موثوق من صحته
- ضباطنا العظام ..و التكريم بقوة القانون .
- قرنان من الخمول و الإنكسار
- كيف سقط اول و أخر رئيس منتخب في مصر
- دليلك للتعرف علي موظف فاسد
- لبست ثوب العيش لم استشر.
- نعم .. المليونيرات يحكمون ويتحكمون .
- نظرة لما بعد حرق الاعلام .
- ما هي الخطوة التالية يا سادة ؟؟
- بونابرت في مصر..
- نشأة الحضارة (ول - ديورانت )


المزيد.....




- كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
- -نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح ...
- الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف ...
- حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف ...
- محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
- لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد حسين يونس - أوهام مهدرة..لديكتاتورعادل