أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - مظهر محمد صالح - الطبقة الرثة والإستبداد الشرقي في العراق/الجزء الاول















المزيد.....

الطبقة الرثة والإستبداد الشرقي في العراق/الجزء الاول


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5985 - 2018 / 9 / 5 - 01:27
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


الطبقة الرثة والإستبداد الشرقي في العراق/الجزء الاول

مظهر محمد صالح



مدخل في ولادة الطبقة الرثة
{الخبز إذا وجد.... ولا شيء غيره..!}: بهذه العبارة الصريحة أظهر الروائي "نجيب محفوظ" براعته الفكرية في روايته "زقاق المدق" لكي يسمح لنا أن نتسلق جدران التاريخ الاقتصادي للشرق ونضع أخاديد الفكر وعمق المعنى للوقوف على مفهوم "الطبقة الرثة" (التي هي وليدة العقد الاجتماعي الرث)، معرّفين إياها بأنها {طبقة واسعة من المجتمع لا تستطيع أن تبلور أهدافها أو تنظم مطالبها، ولا يمكنها صياغة برنامج اقتصادي واجتماعي وهوية وطنية. وإنها تشترك بهمٍ واحد هو الخوف من المجهول (ندرة رغيف الخبز) وفقدان الأمن، وتبحث عن الكسب غير المنتج وغير المشروع قبل توافر الإنتاج، وتتحين فرصة الإنقضاض على الممتلكات العامة، وتحمل السلاح خارج القانون، وتنمو وتنتشر مع استشراء الفساد السياسي، وتحتمي بأذرع ايديولوجية مشوهة، مثالها: قوة العشيرة أو العصبة السياسية الرديئة أو قوة الآصرة الدينية أو مشتقاتها الطائفية. وتجتمع الطبقة الرثة بكليتها مرتكنة على عقد إجتماعي بدائي تفكيكي رث}.
تأسست الدولة العراقية الحديثة سنة 1921م على أنقاض "عقد اجتماعي ثنائي"
جرى بموجبه عزل العملية الإجتماعية -الإقتصادية لأرياف العراق التي ضمت قوى بشرية وقتذاك زادت على 85% من سكان العراق، وفاقت في الوقت نفسه التكوين الاجتماعي والحضري والسياسي للمدينة العراقية. ولما كان العقد الإجتماعي يمثل الإرادة المشتركة للأفراد في إنشاء مجتمع سياسي يخضع لإرادة سلطة عليا هي المَلكية الدستورية، فإن القوى النافذة في المجتمع الريفي العراقي قد اجتمعت آنذاك واتفقت على تقاسم المجتمع السياسي وتكوين مجتمع ريفي خاص بها ضمن التراتبية الهرمية للسلطة المَلكية المركزية العليا.
فقد تنازل الملك فيصل الاول عن جانب من سلطاته الرسمية للأعراف العشائرية المحدودة المسماة بـ"السنينة" في فض المنازعات القانونية داخل مجتمع العشيرة الواحدة. وكذلك تم اصدار "قانون العشائر" لفض المنازعات ما بين التجمعات العشائرية نفسها ومنح القوى شبه الإقطاعية (بكونها قوى مهيمنة على نشاط الأرض وحيازتها) قوة نفاذ القوانين القبلية وأصدار احكامها في آن واحد. وهنا اكتفت الدولة المركزية بتنظيم البنية التحتية الزراعية، كتسجيل حقوق ملكية الأراضي الزراعية وحيازتها (التي استحدثها العقد الاجتماعي الثنائي)، وبناء السدود وحماية أنظمة الري والبزل وغيرها. فأصبح دورُ الحكومة المركزية في الأرياف اللامركزية بمثابة علاقة مستدامة، إذ ارتبطت الأرياف ونشاطها الاقتصادي بقوى نافذة هم أشباه الإقطاع بإظهار هيمنتهم السياسية والقانونية المطلقة، وهو تطوير متقدم لأنظمة الإستبداد الشرقي، سواء في الحيازة الزراعية أم في الإنتاج وتحصيل الفائض الزراعي وإدارة العمل الفلاحي. وعُدّ الفلاحون طبقة رثة تعمل بالسخرة معدومة الأجر(أي قوة لا أجرية) تدافع عن وجودها ضد تفشي المجاعة. لذا لم يختلف النمط السائد في الإنتاج في معطياته عن النمط الآسيوي حتى في هذه المرحلة التاريخية من القرن العشرين، فقد أمسى شبه الإقطاع داخل الريف بمثابة وجود قانوني للسلطة المركزية في تسييره لنظام مستحدث من أنظمة الإستبداد الشرقي يرمي إلى ضبط مجتمع الفلاحين والهيمنة على الفائض الإقتصادي من الريع الزراعي في أعمال السخرة لمصلحة السلطة المركزية وعبر ممثليها من أشباه الاقطاع.
ولايخفى من الوجهة التأريخية أن جل المجتمعات التقليدية قد شُيدت على قاعدة صلبة مفادها الخوف من الندرة، وعلى رأس تلك الندرة كانت ندرة الغذاء، سواء كان الحال في مصر القديمة أو بابل أو اليونان أو حتى منغوليا. فقد حظيت الزراعة بحواضن بشرية استغرقت على الدوام 80% من السكان وهم منغمسين في انتاج "الغذاء" لإشباع الحاجات الغذائية المباشرة. وعلى الرغم من ذلك تظهر المجاعات بين الحين والآخر لعدم قدرة المزارعين على توفير الغذاء بشكل مستدام، ما جعل الخوف من المجاعة ظاهرة مستدامة. فالجوع والمجاعة هما من الأمور العتيدة والجامحة والحقيقية التي ربطت الاهتمامات السياسية بالاقتصادية.
وبهذا فإن الخوف من المجاعة قد سوغ بنفسه الحكمَ القمعي والتسلط والاستبداد الذي ساد في كل مكان، بما في ذلك العقد الاجتماعي الثنائي الملكي العراقي. فقلما تجد من ينكر حقيقة أن أولئك الذين هم عرضة لنقص الغذاء هم بحاجة إلى حماية من متخذي القرار؛ وعلى هذا النحو سار شبه الإقطاع في العراق الملكي، إذ أن دوره في السيطرة على المحاصيل الزراعية منعَ الإضطراب الاجتماعي فيما لو ترك التصرف في تلك المحاصيل من دون ضوابط.
فقد وجد "توماس هوبز" Thomas Hobbes (1588-1679)م أن الإنسان في مرحلة ما قبل المجتمع (الحالة الطبيعية State of Nature ) يتركز اهتمامه على مصلحته الذاتية مع وجود ندرة في الغذاء وغياب السلطة، ما يجعل الحياة صعبة التحمل وقاسية جداً، فيخشى كل فرد على حياته، ويصبح اللايقين حالة شبه مطلقة. ولذلك فإن هذه المرحلة تتضمن أسوء الظروف التي يمكن العيش فيها، ولا سبيل من هذا المخرج الصعب إلا بالعيش تحت قوانين مشتركة عن طريق سلطة حاكمة.
فالسلطة هي الشيء الوحيد الذي يقف حائلاً أمام العودة إلى الهمجية أو الخنوع لقوتها وقبولها، حتى وإنْ كانت جائرة، إذ أطلق عليها هوبز تسمية "العملاق الجاثم" (لوفاثانLeviathan) مستعيراً إياها من الكتاب المقدس، بوصفها ضماناً لطمئنة العيش والحيلولة دون العودة إلى المرحلة الهمجية عبر عقد اجتماعي ناقص يقوم على انتزاع فائض الإنتاج الزراعي في ظروف ما قبل الرأسمالية.
ومنذ أن وجد "كارل ماركس" أن المفتاح الحقيقي لكل أوضاع لشرق بما في ذلك سماء الشرق (الدين)، قد قام على غياب الملكية الخاصة للإرض وتوليد أنظمة الاستبداد الشرقي، فقد أصبح مفهوماً لماذا ظلّ التملك حتى في ظل نظام شبه الإقطاع في الحقبة الملكية العراقية يصطبغ بصبغة الحيازات الزراعية الكبرى وليس التملك المطلق، وأن 90% من أراضي العراق هي أرض موقوفة للدولة في طبيعتها منذ دخول الإسلام العراق قبل 1400عام!
والسؤال هو: لماذا لم يصل الشرق إلى مرحلة ملكية الأرض المطلقة حتى في شكلها شبه الاقطاعي؟". يرى "وتفوغول" Wittfogol صاحب كتاب "الاستبداد الشرقي" 1963، أن المناخ الصحراوي ومن ثم المساحات الصحراوية الكبرى التي تمتد من الصحراء الافريقية عبر جزيرة العرب وفارس والهند وهضاب آسيا العليا قد التزمت بالري الهيدروليكي أو الري الصناعي ليكون وسيلة الزراعة وشرطها الأول. وعلى هذا الأساس فأن الحضارة الشرقية وجوهر وجودها قد قام على وجود الاقتصاد الهيدروليكي كما يقول "مونتيسكيو" عند تأمله لحضارة الشرق في كتابه "روح القوانين". وإن مجتمعاً يعتمد على هذا النمط من الاقتصاد لابد أن يرتب مظاهر سياسية واقتصادية وفكرية واجتماعية ذات نمط إنتاج مميز سمّاه ماركس بـ"النمط الآسيوي للانتاج"، إذ ترتبط الحيازة الزراعية بالمشروع الهيدروليكي للحكومة المركزية وتوليد مجتمع هيدروليكي منتج للغلال مؤلف من طبقة اجتماعية رثة هاجسها الخوف والحفاظ على النوع، وتخشى بطش السلطة الهيدروليكية اللامركزية المسماة بنظام شبه الإقطاع الذي أصبح وكيلاً للسلطة المركزية بكونه قوة قمعية وإدارة اقتصادية تعمل بالإنابة في تحصيل الفائض الزراعي. كما مثّل شبه الإقطاع كقوة أو سلطة هيدروليكية عليا، أنموذجاً جوهرياً في الإدارة البيروقراطية المطلقة، حتى قبل أن يصبح قوة شبه عسكرية أو قوة تتصرف في الأرض وتسيطر عليها. وهو الأمر الذي لاغنى عنه في إدامة الاستبداد الشرقي المركزي عبر ذلك الأنموذج الملكي العراقي ودوره في تنسيق أنظمة العمل وعلاقات الإنتاج وسد سبل العيش بالحد الإدنى.

ايديولوجيا الطبقة الرثة
أفرز الإستبداد الشرقي في العراق الملكي ايديولوجيا صنعتها قوة الأستبداد نفسه، لا تمتلك فكراً مقتدراً على صناعة المشروع التاريخي في التطور الطبقي لنفسها سوى الانكفاء على مفهوم الطبقة الرثة التي عملت بالسخرة لمواجهة فوبيا المجاعة.
وفي هذا الشأن، يقول "وليم بروز" William Burroughs (1914-1997)م الروائي الأمريكي الذي مزج بين الفانتازيا والواقعية: {....من البديهي إن كل المذاهب وكل العبادات وكل الأديان تشرع عقيدتها فتجعلها قانوناً عندما يسمح لها الإمساك بالسلطة أن تفعل ذلك..}. وبهذا عُدّ الدين ايديولوجيا تلقائية للطبقة الرثة، وهو نشاط حكومي مسيطرٌ عليه. وإن الطوائف والتطبيقات الدينية هي خاضعة لسيطرة السلطة، وهي عرضة للقمع إذا ما صارت تهدد أمن الدولة أو منظومة الاستبداد الشرقي. ويلاحظ أن دولة الإستبداد الشرقي قد أجازت لنفسها الشرعية من خلال التكوين الايديولوجي الثيوقراطي، وكانت ترى في نفسها الأمرَ الإلهي ما جعلتِ الحياةَ الاقتصادية والاجتماعية وكأنما هي نتاج لإرادتها، بوصفها مصدر الخير الوحيدBenevolence alone .
فطالما ترى الدولة نفسها بأنها المانحة للحياة من خلال الزراعة، فإنها مخولة وحدها أن تعطي القليل للناس، وأن تنتزع فائض العمل وفائض الانتاج من مزارعيها، لذلك تغدو الأعمال التطوعية في نظر نظام الإستبداد الشرقي أعمالاً مزيفة ولصيقة بالطبقة الرثة ولا تقارن بالأعمال العظيمة للدولة حسب ادعائه. كما تقتصر الحريات العامة على القضايا غير المهمة والهامشية التي لا تشكل مصدر تهديد للدولة، في حين يحل نظام من الرعب والخوف والإخضاع المستمر للأفراد عبر أنظمة التجسس والإبلاغ بما يمنع الاستقلال الايديولوجي أو التبشير به؛ فضلاً عن إرهاب الشخصيات الإجتماعية والسياسية البارزة من خلال إضعاف أمنهم الشخصي والحط من مراكزهم الإجتماعية وتقييد ممتلكاتهم.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرأسمالية المعولمة: حقيقة ام وهم؟/الجزء الثاني
- الرأسمالية المعولمة: حقيقة ام وهم ؟/الجزء الاول
- حقوق التلوث:الخطط والأسواق
- الاقتصاد التركي و التدخل الحكومي في السياسة النقدية.
- يوم العازبين في الصين : سعادة أم كآبة؟
- لغز النمو الصيني..!
- الصين :ذراع من فولاذ
- ماعون الصين الأعزب
- الركود الطويل:متلازمة الاقتصاد الرباعية/الجزء الثالث
- الركود الطويل:متلازمة الاقتصاد الرباعية/الجزء الثاني
- الركود الطويل : متلازمة الاقتصاد الرباعية/الجزء الاول
- زوجتي بلا عمل
- الشباب وتطور حواضن العمل الرقمية
- المزرعة الرأسمالية
- حول النار:مقياس بوشمن
- خوان بيرون : حوار الخادم والسيد
- لاكاديمية الاقتصادية: (من الاحادية النظرية الى التعددية الفك ...
- الاكاديمية الاقتصادية: (من الاحادية النظرية الى التعددية الف ...
- موزمبيق: الكسارة الاقتصادية وجوزة البلاذر/الجزء الثاني
- موزمبيق: الكسارة الاقتصادية وجوزة البلاذر/الجزء الاول


المزيد.....




- -خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس ...
- أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
- أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
- قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
- السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب ...
- نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات ...
- اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ ...
- تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
- للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م ...
- مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر ...


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - مظهر محمد صالح - الطبقة الرثة والإستبداد الشرقي في العراق/الجزء الاول