أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عمر أبو رصاع - عبقرية طه حسين (7) كيف أصابت الثورة طه حسين















المزيد.....

عبقرية طه حسين (7) كيف أصابت الثورة طه حسين


عمر أبو رصاع

الحوار المتمدن-العدد: 1506 - 2006 / 3 / 31 - 09:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حب المعرفة كأي حب وإن كان أسمى من أي حب ، فهو مكتنف بتلك الرغبة في الاستزادة دائما ، ولأن المعرفة لا حد لها فعشقها متجدد متولد، ذلك أن علته في ذاته يتجدد ويتولد ويتسع أفقا وعامودا.
ما تصيب من المعرفة شيء حتى تراك راغبا بازدياد ، ولتجدن نفسك كلما علمت أكثر جهلت أكثر ، ذلك أن العلم كالدائرة ؛ كلما قصر في تحصيله المرء كانت تلك الدائرة في عينه كالنقطة وما يعرفه منها مركز النقطة فيخال نفسه أحاط العلم ووسعه ، لكنه إذا ما اختلف لتحصيل العلم والمعرفة واستزاد منها وعلم نظامها ابتعد عن مركز تلك النقطة وتبين من حوله المعرفة دائرة تتسع كلما اغترف من معينها اتسعت أمام ناظريه أكثر مما كانت ، فعلم أنه إنما أصاب من العلم أقل مما يعرف بوجوده !

سأل السائل يوما أرسطو : لما اختارك المجمع الإلهي أكثر من يعرف في آثينا؟
أجاب : لأني الوحيد في أثينا الذي لا يعرف شيء سوى أنه يعرف أنه لا يعرف!!!

لماذا هذا المدخل؟
هو نتاج سؤال ابتدرت به نفسي : لماذا هذا التعلق العجيب لطه حسين بالعلم والمعرفة والرغبة في النيل منهما والغرق في بحرهما؟

كنت بداية أجبت هي الطريق التي ينبغي أن يسلكها انسان ضرير ليصنع في هذا العالم له كيانا محترما ومصدرا للدخل يعتاش منه، لكن هالني فعلا هذا الشغف الكبير الذي جعل طه حسين بهذا النهم وهذا الاقبال منقطع النظير على التحصيل ، فأتراه كان عسيرا على طه حسين أن يحقق حلم أبيه ويجلس إلى أحد أعمدة الأزهر بعد أن ينال العالمية ؟

لا أظن أن ذلك كان عليه عسيرا وما كان الأمر يلزمه وهو الفطن كثير الدرس والاختلاف إليه أن يحصله ولو رضي عنه التيار المحافظ الذي كان يسيطر زمن الشيخ حسونة على الأزهر فما كان ذلك عليه عسيرا أبدا ، ثم الحجة البينة على خصوم طه حسين والطاعنين بأمانته : لو كان طه حسين من ذلك النوع الانتهازي الوصولي المستعد لبيع نفسه وبأي ثمن حتى يصل ما يريده أكان المنطق هذا يقتضيه أن يتوافق مع التيار المهيمن في الأزهر أم أن يثور عليه ويعلن له العداء وينتقده ويجهر بالآراء التي تعدها المشيخة كفرا داخل الأزهر؟

لو زعم الطاعنون أن آراءه التي دعى إليها فيها خطأ ومخالفة لتاريخ أو دين لكان ذلك يسيرا جائزا بل مقبولا منهم وحق لهم ، ولكان قولهم هذا محل نظر وجدال ، لكن كما كان طه حسين نفسه يردد عجزوا عن تفنيد حججي وأرائي فنزعوا للمطاعن.

نحن نرى مطمئنين أن الدكتور طه حسين لو كان انتهازيا وصوليا لكان أيسر له أن ينحى ما نحى له خط الشيخ حسونة ، وما كان أهون الأمر عليه ، وهو الذي شهد له أشياخه بالنجابة والفطنة . كما أنه وقت بدأ ثورته على الأزهر ما كان له من طريق غيره يسلكه ولا اتصال بالمطربشين ولا الجامعة لدرجة أنه كان لفترة يفكر في الانصراف عن الأزهر والعود إلى قريته . ثم أمامك اختياره للدروس التي كانت محل نقمة على من يدرسها ومن يختلف لها ، هذه واحدة ، وأما الثانية فهي طبعه ونزوعه للشك والاختلاف ، وقد برز ذلك أول ما برز عندما رفض طه حسين أن يكون الكم المهمل الذي لا يعيره الناس اهتماما ، وربما بدأت هذه النزعة لديه أول الأمر بدافع الرغبة في جذب الانتباه وتلك حال كل غلام فطن نجيب ، لكنها نزعة سرعان ما تحولت إلى اتخاذ الشك منهجا والتساؤل عرفا في التحصيل ، وأقول بشكل عام وعقب نظر واسع أتاحته لي تجربتي من اتصال بشرائح واسعة من الأكاديميين والمثقفين أنهم طائفتان الأولى وفيها الكثرة الكاثرة وتضم بين حناياها العقول المستسلمة المنكبة على ما حصلت تقدسه فهذا قاله فلان ؛ وفلان هذا لا يربوا الشك إليه ، وهذا الموروث المقدس كيف تشك فيه أو تقلل من عظمته؟ وهذه قوانين وضعها العالم الفلان فكيف تشك في صحتها ؟ وهذا ما اصطلح عليه الفقهاء أو العلماء فمن أنت حتى تشكك فيه أو تزعم غلطه؟

هذه طائفة لا تبدع ، ولا تضيف وإنما هي هكذا تنصرف إلى ما وجدت مطمئنة ، تعيش على الفتات وشرح الحواشي وتتوهم العلم بنفسها وهي لا تعدوا كونها حافظة له لا أكثر .

أما الطائفة الثانية فهي تلك التي حوت القلة القليلة من الثائرين ، وأقولها مطمئنا لهذا الوصف أيما اطمئنان ؛ فالمبدع انسان لا منتمٍ بمعنى أنه لم يرضى بالقائم ويقبله ويسلم به كما أتاه بل سعى لإدراك الاشكاليات الجدلية التي اكتنفته وهب إليه يصب عليه نقده ويحاول اكتشاف علائقه وتعرية تناقضه لينتهي من ذلك إلى تجاوزه وتكريس نمط أكثر تطورا ورقيا في الفهم ، وتلك سنة التطور التي جعلها الله قانون الوجود وهؤلاء بالذات وقودها الحقيقي ، هؤلاء عزيزي القارئ هم الذين امتلكوا ملكة مهمة هي ملكة الاستغراب والشك ورفض التسليم بالمعطيات الجاهزة دون تمحيص وفحص إنها ملكة الفلسفة بالذات والقدرة عليها.

فكيف التحم طه حسين بها وكيف امتزج عقله بنظامها ؟

تلك الملكة هي الشرط الضروري الذي يخلق فيلسوفا أو لنقل عقلا متفلسفا ، والمتفلسف هنا ليس ما درج الاستخدام العامي عليه كنعت للمسفسط ، إنما التفلسف : القدرة على الشك والاستغراب والأسئلة حول الاسئلة نفسها وحول النظم والمعارف والحقائق ، تلك الملكة كالعضلة التي يربيها ويقويها التمرين على استعمالها ويقمعها للأسف البالغ كما يحصل في مجتمعاتنا مصادرة الاسئلة المنبثقة عنها وتجريمها بالعرف تارة وبالموروث أخرى وبالتكفير تارات وتارات، فالمجتمعات متى تكلست مفاصلها اكتملت فيها بنية المفاهيم والعادات والأعراف والمعتقدات والقوانين وصارت تابوهات لا تقبل الشك فيها ولا جدالها وصار من نظامها ما تقوم به قامعة لأي تبدل في بيئتها الاقتصادية الاجتماعية مميتة لأي تغيير معطلة لأي ابداع من شأنه أن يغير في تلك البنيات شيء.

كيف استطاع طه حسين اختراق هذه الحلقة الجهنمية ؟

الاجابة لا تقتصر على نجابته وعبقريته الذاتية ؛ فالعبقرية ليست بنت صدفة ولا نتاج معجزة فالمعجزات انقضى زمانها ، بل العبقرية نتاج بيئة كانت تعج بالتناقضات فنتأ فيها ما أربك ركود بركتها التي أسنت قرونا . كان دوي مدافع نابليون لازال حاضرا في ذهن المصريين وكان مشهد المماليك بسيوفهم خارجين لقتاله حاضرا في أذهانهم أيضا ، هو مشهد يربك البركة حتما ، خرجوا لطرد لويس الملك الفرنسي الجديد!!!
يريدون احياء سنة الأجداد بيبرس وقطز وقبلهما أقطاي وعز الدين أيبك وشجرة الدر!!!
لكن مهلا نابليون تجر جيوشه المدافع ، أوربا عبرت قرونا سقطت في بركتنا الآسنة، وهنا ما عاد من الممكن أن تظل البركة راكدة فالحجر ألقي والبركة اهتزت وقدم السحرة الجدد سحرهم ففر الأزاهرة من صحن المسجد مستعيذين بالله من الشيطان الرجيم ، وفكت طلاسم حجر الرشيد ، ونقرت المطبعة نسخة من القرآن الكريم!
حمل محمد علي وأبنه ابراهيم باشا تجربة النهضة على الأكتاف ولا نريد أن نتحول إلى التاريخ وكيف تآمرت تركيا العثمانية أسوأ المحتلين على الأطلاق في تاريخنا مع الفرنسيين والأنجليز لإجهاض التجربة، لكن ما أنتج طه حسين وأنتج قبله وبعده العظام من أمثال سعد زغلول وقاسم أمين هو ذلك بالضبط وهو أيضا الذي أشعل عتمة مصر في الثورة المصرية الكبرى 19-23 والتي أثبتت أن الحياة تدفقت في العروق المصرية.

طه حسين استفاد من المناخ الذي خلقته الثورة وقبله تجربة النهضة من أعلامٍ كقاسم أمين وسعد زغلول ومحمد عبده والأفغاني ومصطفى كامل و كأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد وعبد العزيز جاويش وغيرهم وغيرهم الذين هم بحق الثائرين الذين رفضوا القبول بأن التخلف قدر. – يتبع –



#عمر_أبو_رصاع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبقرية طه حسين (6) سقوطه في العالمية وانحيازه للجامعة
- عبقرية طه حسين (5) ثورة طه حسين على الأزهر
- عبقرية طه حسين (4) طه حسين طالب الأزهر
- عبقرية طه حسين (3) وحيدا مهملا بلا أنيس أو خليل
- عبقرية طه حسين (2) الألفية وما أدراك ما الألفية
- عبقرية طه حسين (1) لماذا يهاجمون طه حسين؟
- مبدعٌ متبعٌ معاً
- فلسطين إلى أين؟
- مصر والنهضة
- حمدي قنديل ضيفا
- يسقط فقه الذكرية
- بين العلمانية والمكفرة
- عمان يا حبيبتي
- كم اندلس ضائع نحتاج؟
- هل نتجه نحو دولة ديموقراطية لكنها شمولية قمعية ؟
- إغتيال الحريري والإنسحاب السوري
- حتى يرجع اللحن عراقيا
- مزابل التاريخ تنتظركم
- هذا ماقاله لي سعد زغلول
- أنا الحلاج يا وطني


المزيد.....




- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عمر أبو رصاع - عبقرية طه حسين (7) كيف أصابت الثورة طه حسين