|
عن قيمة الحرية والليبرالية
مصعب عيسي
الحوار المتمدن-العدد: 5975 - 2018 / 8 / 26 - 23:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مفهوم الحرية ظل ينظر الية دايما باعتبارة عدوا لمجموعة كبيرة من الاتجاهات والافكار اليسارية واليمينية، لا سيما التقليدية منها المهتمة بالتغيير الاجتماعي، خصوصا بعد ارتباط الحرية (بالليبرالية) كمفهوم اكاديمي ظل يشتغل منذ قرون علي مفهوم الحرية بعد ان جعل منه في النهاية فلسفة سياسية واجتماعية. فالمعني المجرد لكلمة "حرية" كان ولا يزال مقترنا بوجود الانسان ككائن حر، فقد ظلت الحرية (كقيمة وجودية) مقررة ومعترف بها (ضمينا) منذ ان وجد الانسان علي هذة البسيطة، والاديان ايضا قررت ذلك وقد كان هدف الرسالات السماوية الرئيس (تحرير الانسان من كل القيود التي كانت تعيق من قدراتة) جاءت الاديان لتحرير الناس من القيود الغير انسانية التي كانت عليهم كالعبودية والرق وعبادة وتعظيم الاشخاص والظلم الاجتماعي كالعنصرية والاستعلاء العرقي والسخرة ووأد البنات (في الاسلام مثلا) والربا وغيرها من القيود التي حجمت من قدرة الناس في ان يكونوا احرارا، وليس هذا فحسب، فقد أكدت ايضا ان باستطاعة البشر الكفر بها او ما يعرف (بالردة) في الاسلام اذا تعارض ذلك مع حريتهم الشخصية في الاختيار. لكن السؤال هو من الذي حصر فهمنا للحرية في مفاهيم معينة ومصادمة لما نعتقدة او نفكر فية إيدولوجيا !؟ علي الرغم من ان هناك تراث تاريخي وفكري عريض يرفض دوما ان نسجن أنفسنا في هذا الصندوق الصغير .!!
ان مفهوم الحرية مفهوم ارحب آفقا من ان ننظر الية نظرة ايدولوجية (دوغمائية) مغلقة. فنحن نجد ان انة حتي في التاريخ الما قبل ميلادي وجدت مصادر لافكار أعتمد عليها لاحقا في بلؤرة الكثير من المفاهيم حول الحرية، فكلمة (حر و liber) الاغريقية القديمة كانت تعني (المواطن الحر في اثينا) في قبل في عصور ما قبل الميلاد 500 م.ق تقريبا. انها عصور تقول (اغلب المصادر) ان الفلسفة او العلوم التي تشتغل علي العقل لم تكن سائدة فيها كخط عام. الا فيما تلي ذلك من قرون (600ق.م) فصاعدا. ومع ذلك كان الانسان يعرف ما معني ان يكون حرا، اذ كان يدرك تماما ما مدي حوجتة لهذة القيمة. فالحرية كقيمة ظلت دايما موجودة، وان تعددت اشكالها وسبل استخداماتها. فما نرآة من تصورات تصادمية احيانا لمفهو الحرية هي في الحقيقة تصورات فعلية للحرية او (اجرائية) اي عندما نريد ان نجعل للحرية معاييرا (ثابتة) في الدولة والدساتير وانظمة الحكم والاقتصاد وصياغة القيم الاجتماعية ...الخ، وهذا ما يعرف بالليبرالية كمنهج او (كفكرة سياسية واجتماعية) فرضتها الظروف التاريخية في اوروبا (عصور التنوير والنهضة والاصلاح الديني ..الخ) وعلي النقيض من ذلك نجد ان لا خلاف علي القيمة الاصلية او (الجوهرية) للحرية كحق طبيعي نحتاجة بالفطرة.
في التاريخ الما قبل ميلادي برزت الكثير من الافكار الفلسفية حول الحرية، تلك القيمة التي كان ينظر اليها علي انها ليست قيمة نحتاجها فقط عندما يتم تضييقها علينا، او حين نشعر بفقدانها في مجالات الحياة – ارسطو مثلا شخص بشكل ربما واضحا هذا المعني في كتابة (الاخلاق النيقوماخية) اذ يقول "واضح ان الثورة ليست في الخبر الذي نأكلة وانما بما هو مفيد لحريتنا فقط لأجل الحصول علي شئ آخر" (1) هنا يعلي أرسطو من قيمة الحرية في ان جعلها العامل الاهم علي العامل الحيوي المهم لحياة الانسان (الخبز) فالحقيقة ان تعزيز الحرية والمفاهيم المرتبطة بها اقتصاديا واجتماعيا ليست بالامر الجديد علي الاطلاق. أذ نجد ان ادم سميث او (ابو الاقتصاد) كما يحلو للكثيرين تسميتة، كان مهتما وبشكل صريح بالحريات الانسانية بشكل عام في اغلب كتاباتة خصوصا كتابة الاهم (ثروة الامم) وكذلك كارل ماركس وساذكر علي سبيل المثال ما قالة في رسالة لانجلز (تلميذة وصديقة) حيث اكد ماركس علي اهمية " اهمية ابدال هيمنة الظروف والمصادفة علي الافراد بهيمنة حرية اختيار الافراد علي المصادفة والظروف" (2) ركز ماركس علي اختيارات الافراد الحرة، وهو الاقتصادي الذي عاش كل حياتة لأجل انصاف الطبقة العاملة، فها هو يدعوهم للارادة في انتهاج حريتهم لهزيمة المصادفة والظروف التي ربما تخدم بعض اولي الحظوة من الاستغلاليين (تجار الاقطاع وائتلاف الاقطاع والبراجوازيين فيما بعد) فماركس كان يعلم مدي خطورة تحجيم دور هذة الفئة وتقليص حريتها فيما عرف (بعمالة السخرة) وهي كما هو معلوم، انها عمالة تعتمد فقط علي المجهود بالبدني للعمال ويتم افراغ عقولهم بذلك من اي معني (حرياتي) خوفا من وعيهم ازاء ما يعانون منة من استعباد في العمل – ولا ريب ان تعزيز الحريات العامة (لمن قراء) لجون ستيورات مل يجد ايضا انها كانت محور كتابة (النفعية) خصوصا انكار الحريات العامة للمراة.(3) كما نجد ان فريدريك هاييك كان من الحريصين علي وضع مفهوم الحرية كأطار افتراضي صاغ بة مفهومة (الحرياتي) في الاقتصاد حيث قال " الاعتبارات الاقتصادية ما هي التي توفق ونلائم علي اساسها اغراضنا المختلفة وليست كلها في النهاية اقتصادية" (4) هنا ربما كان يقصد هاييك (الحرية الموضوعية) المتجاوزة للاقتصاد كعلم يهدف لاشباع الرغبات الرغبات المادية فهي، اي الحرية الموضوعية تعني "حريتنا ان نفعل اي شئ نريدة دون قيود نحس من خلال ذلك انه يمثل لنا امرا مهما ذا قيمة" (5) وهي الحرية التي تعزز من حرية الاختيار نفسها وتتميز بأنها متجاوزة لاولويات الفرد الضرورية مثل ان (يتمتع بصحة جيدة وتعليم مجاني ومتوفر ورعاية صحية اولية ...الخ).
ان الحرية بمختلف اشكالها وتنوعاتها هي النهاية قيمة أنسانية . لذا فأن تصوراتنا القاصرة احيانا للحرية ليست في كونها قيمة أنسانية (اصلية) وانما في قيمتها (الفعلية) عند انتقالها للعوامل النسبية،مثل (كأنما ما هنالك عنوان كبير رئيسي تخللة اسئلة واجابات فرعية) ان شعورنا الحقيقي بالحرية يمكننا من ان نقوم باعمال نشعر بالرضاء تجاهها وتمثل لنا امرآ قيمآ، وهذا ما يجعل من الحرية وحرية الاختيار قيما مهمة. سواء كانت هذة الحرية (فلسفة ليبرالية) لادارة دواليب الدولة وانظمة الحكم، او (قيمة اجتماعية) تجعل من البشر كائنات متفاعلة وفاعلة بصورة حقيقية، او حتي في أطار الاقتصاد باعتبارها الحرية قيمة مهمة للعمل الاقتصادي المنفتح. فالحرية ليست مرتبطة عضويا بمجال ما من هذة المجالات دون الآخر، وانما هي فقط ضرورية لنجاحها بشكل افضل "ان اهمية ان نكون احرارآ لعمل شئ بذاتة لا علاقة لة بالسؤال عما اذا كنا نحن او الغالبية سوف نفيد علي الارحج من تلك الامكانية" (6) او كما قال جان جاك روسو. واعتقد انة كان علي صواب تماما فيما ذهب الية، لأنة بني افتراضة فيما يبدو علي الاهمية الاصلية للحرية وهي ان نكون احرارا في اختيار ما يمكن او لا يمكن ان نفيد بة في الواقع.
وختاما. أنني بشكل عام حاولت التقريب لشئ مهم، وهو ضرورة الفصل بين (الحرية والجوانب العملية المرتبطة بها) فالحرية في معناها الفعلي (العملي) ليست ثابتة ويمكن اشتقاقها من قيم ثابتة ومتجذرة (عادات وتقاليد المجتمع مثلا) فقوانين الحريات المنصوصة في أطار الدولة والدستور تختلف عن قوانين حرية السوق والتبادل التجاري، وكذلك عن قوانين الاسرة والزواج والميراث ...الخ. لذا فأن للحرية وجوها كثيرة. لكن اهميتها كقيمة وجودية حاضرة في وعي الانسان ككائن حر قبل كل شئ. فهي ليست دعوة للانحلال والتعري والزنا وفتح البارات والانادي، كما يتشدق الكثير من المتشككين حول الليبرالية. ان وجة الحرية من حيث هي عملية بتعين ان نفكر فيها علي انها (فرصة) نحتاجها جميعا بغض النظر عن اختلافاتنا الفكرية والايدولوجية.
1- ارسطو - الاخلاق النيقوماخية ص 18 2- ماركس - رسائل الي انجلز (رساله عن رأس المال) ص12 3- جون ستيورات ميل - المنفعة والاقتصاد ص190 4-فريدريك هاييك - النفعية والرأسمال ص70 5- امارتيا صن - التنمية حرية ص10 6- جان جاك روسو - الدولة والقوانين ص11
#مصعب_عيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الحرية والليبرالية
-
الحاكمية والحدود والخلافة والجهاد (مفاهيم ضد التقدم والحداثة
...
-
نحن في السودان. هل نحتاج لتغيير مفهوم الاحزاب او تغيير الدول
...
-
مصطلحي(العدالة-المشروعية) محاولة قراءة للعنف الديني(1)
-
في ذكري الاستقلال.السودان الي اين؟
-
العلمانية وسؤال الدين في مجتمعاتنا
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|