|
من سيُسجن في سبيل العلَم؟
جواد بولس
الحوار المتمدن-العدد: 5974 - 2018 / 8 / 25 - 15:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من سيُسجن في سبيل العلَم؟ جواد بولس
رغم الاحتجاجات العديدة عليه، لم يتردد بنيامين نتنياهو في الدفاع عن قانون القومية، وقام بعرض أهميته في خدمة الأيديولوجية اليمينية الجديدة وتمكينها من تطبيق توجّهاتها على أرض الواقع، خاصةً فيما يتعلق بمكانة المواطنين العرب في إسرائيل، ومِن بعدهم بحقوق سائر المجموعات وبضمنها اليهودية التي لا يتوافق فكرها مع مخططاتهم.
ففي تعقيبه الأول بعد مظاهرة الطائفة المعروفية وصرخة أبنائها العرب الدروز ضد القانون، أكد رئيس الحكومة على أن قانون القومية سوف "يحصّن قانون العودة ويرفعه إلى مكانة جديدة لأنه قانون يمنح لليهود فقط المتواجدين في جميع أرجاء العالم حق العودة إلى إسرائيل والتجنس الفوري فيها؛ بينما سيمنع، بالمقابل، استغلال بند جمع شمل العائلات الذي أجاز بعد اتفاقيات أوسلو دخول آلاف الفلسطينيين وتوطنهم في إسرائيل".
وقد حاول البعض تهميش القانون الجديد واعتباره خطوة اشهارية معدومة الأهمية والتأثير، وذلك في موقف يضعف احتمالات مقاومته المؤثرة من جهة واحدة، ويسهل على الحكومة الإسرائيلية "صرفه" في قوانين عنصرية اضافية وقرارات تنفيذية خطيرة، من جهة ثانية.
قد يكون "قانون العلَم" أول التطبيقات العملية المستفزّة التي سيواجهها الفلسطيني المواطن في إسرائيل، فمع إعلان وزير الأمن الداخلي عن نيته بفتح سوق التسلح الشخصي لكل من خدم في الجيش ، قدّمت زميلته في حزب الليكود، عنات بيركو، مشروع قانون يقضي بحبس كل من سيرفع علم دولة أو تنظيم معاديين لمدة عام، ويشمل ذلك رفع العلم الفلسطيني في المظاهرات.
لن تقتصر مبادرات اليمين الاسرائيلي على حظر رفع العلم الفلسطيني ؛ ولن يكون صعبًا أن نتوقع أين سينصب دعاة هذه السياسات القمعية فخاخهم المبتكرة ، وكيف سيحاولون جرّنا وزجنا في خانات المواجهات القادمة.
اعتمدت سياسات القياديين العرب في الماضي وما زالت تعتمد أسلوب الدفاع وردّات الفعل على القرارات الإسرائيلية؛ واليوم ، إذا ما تداركنا بأنفسنا خطورة الواقع ومأساة المستقبل، قد تجبرنا سياسات اليمين المعلنة على إعادة صياغة الأسئلة والتفتيش على بدائل لأجوبة نمطية أدمنّاها، أو تدفّعنا ثمن المراهنات غير المحسوبة.
جميع هوّيات القوى السياسية الناشطة بين المواطنين العرب معروفة، بتميّز واختلاف عقائدها وبرامجها، فبعضهم لن يعيد حساباته ولن يبدّل من قناعاته، ولكن على الآخرين التحلي بالشجاعة والحكمة والمسؤولية والوعي باستباق تلك الضربات المتوقعة، والعمل على تفادي وقوعها أوّلًا ، وثانيًا، استعداد لمواجهتها من دون مغامرات ومزايدات و"طبطبات".
لن أناقش في شرعيات الحجج التي تبني عليها القوى السياسية مواقفها وبرامجها السياسية فكلٌ مسؤولٌ عن "ضيعته"، ولكني أطالب وأتوقع تغييرًا في بعض "الثغور" كي نكون مهيّئين لصدّ هجمات اليمين ودرء مخاطر مخططاته التي لم تعد مستورة أو مغلّفة.
من سيسجن إذن من أجل العلَم؟
لا يمكننا الإجابة على هذا السؤال بشكل قاطع وبحماس وبتخمينات مجازفة، قبل أن نتعاطى في البداية مع مقولة يروّجها الكثيرون بأن "ليس لدى العرب المواطنين في إسرائيل ما يخسرونه" !
فهل هذا صحيح؟
للإجابة على هذه المسألة أهمّية كبرى في تحديد الإجابات على مسائل نضالية هامة، وذلك لأنّ الأمم خبرت دور معايير المصالح الشخصية ومكانتها في تشكيل مشاعر الانتماءات القومية وبناء هوياتها الجمعية.
فهل تعيش الجماهير العربية لحظة غضب ثورية ستدفع أفرادها إلى مواجهات وتضحيات شخصية قد تكبدهم مخاسر جسيمة ؟ هل تعيش شرائح مجتمعنا في حالة غضب وطنية تدفعهم الى تفضيل مقاومة قانون العلم أو غيره مهما كان الثمن الشخصي مقابل ذلك؟
اعتقد أن الاجابة على هذه التساؤلات ومثيلاتها واضحة.
ماذا لو فرض قانون جديد مثلًا على جميع المشافي وصناديق المرضى في البلاد ضرورة التزام جميع الطواقم الطبية العاملة داخل المستشفيات بإجراء جميع المحادثات بينها باللغة العبرية فقط، كما نشر مؤخرًا عن بعض المستشفيات ؟ فهل سيعترض الأطباء والممرضين والتقنيين، وبعضهم يشغلون مواقع قيادية في أحزابـهم السياسية وحركاتـهم الإسلامية، ويتحدّون هذا القانون حتى لو أدّى تحدّيهم الى خسارة وظائفهم؟
وماذا سيفعل المعلمون والمعلمات لو فرض عليهم قانون جديد توقيع وثيقة ولاء للدولة وقوانينها مقابل قبولهم موظفين في سلك التعليم؟
وماذا لو قررت الحكومة فرض صيغة خدمة وسطية تستعيض عن عملية التجنيد الالزامي ليست كالخدمة المدنية المتبعة حتى الآن ، كشرط من شروط المواطنة المتساوية ؟ وماذا وماذا؟
هكذا استفززت قريـبتي وهي تتحفّظ بغضب على تساؤلاتي؛ فالقضية، حاولتُ أن استدرجها الى نقاش مغاير، ليس إذا كان رفع العلم الفلسطيني في تل أبيب وحيفا يعدّ حقًا للمواطن الفلسطيني في إسرائيل؛ فهذه بديهية وأكثر، ولكن ما الفائدة من وراء رفع العلم في مظاهرة جاء آلاف العرب إليها ليحتجّوا على قانون خطير ومعهم بعض آلاف من اليهود لبّوا دعوة لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، وهي الجهة المنظّمة وذلك بهدف اسقاط هذا القانون ؟
فإذا استهدف المتظاهرون والدّاعون هذا القانون واذا كانت مشاركة يهود معنا مرجوّة ومطلوبة واذا كان رفع العلم حاجزًا بوجه انضمام قوى يهودية أخرى، إذن فما فائدة رفع العلم في هذه المظاهرة تحديدًا ؟
سوف يجيبني كثيرون بمنطق الشعور وباسم الحق المقدس تمامًا كما أجابتني قريبتي؛ فحقّنا كفلسطينيين أن نرفع علم فلسطين لأنه علمنا، ولسنا بحاجة لتضامن يهودي يشترط حضوره بعدم رفع علم فلسطين.. لا أقلل من قيمة هذه المشاعر ولكن...
هنا في هذه المساحة الملتهبة والملتبسة يكمن دور القائد والقيادة التي يجب أن تؤمن بدورها كحامية وكخادمة وكمنقذة لأبناء لشعبها وقيادته نحو شواطئ الأمن والسلامة، حتى لو كان ذلك بعكس ما تمليه مشاعرهم الصادقة وعطور مذابحهم المقدسة ! القيادة الحقة لن تنضم الى معركة قد يموت فيها الجنود وهم "لا يعرفون من كان منتصرًا".
قيادة الحركة الصهيونية فهمت دومًا "منطق الشرق" ومشاعره وقدسية الحقّ في شعائره، وبنوا كثيرًا من خططهم، وما زالوا يبنون، وفقًا لهذه الفرضيات؛ ونحن إذا ما حطّمنا القوالب وكسرنا أصفاد الماضي ونفضنا الغبار عن سلاسلنا القديمة، سنصطدم في جحيم المواجهة التي يريدون أن تكون قريبة وحاسمة.
للعرب في إسرائيل ما يخسرونه، على ما يبدو، واليمين يعرف ذلك، فلقد كان أوصلنا مفكروه الى هنا، ويقينهم أنّ الرهان على انتفاضة من أجل "قانون العلم" سابق لأوانه فعلينا لذلك، أن نفتش عن درهم وقاية لأنه أسلم لنا من دراهم العرب ومن مراهم البيانات والشعارات.
وأخيرًا، لولا يقين اسرائيل من صمت الأخوة العرب ومن تواطؤ بعضهم علينا، لخشيَت قياداتها من أزوف ساعة الغضب، لكنّها تحاول انهاكنا بالعقل وبالحديد بعد ان اصبحنا أكثر من سقاة ماء وأكبر من حطابين؛ فعلينا ان نستمر بحكمة الآباء ونمضي في رحلتنا الجبلية مدجّجين بالحق وبالإصرار، وبالكثير من العقل ومن التبصر ومن اليقين.
#جواد_بولس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البركة في مظاهرة تل أبيب
-
إسرائيل والمسألة الدرزية
-
قانون القومية اليهودية وصراعات القبائل العربية
-
قانون القومية:-إسرائيل فوق الجميع-
-
فلسطين دمعة التاريخ الحارة
-
بين يسارهم ويسارنا
-
فيليتسيا الفلسطينية
-
القائمة المشتركة و- المثلية الجنسية- في الكنيست
-
أسرى فلسطين الاداريون، إلى أين؟
-
هل زهافا جلئون حليفة أم عدوة ؟
-
قرار-عاجز-حكيم
-
بين حيفا وغزة يمّ ومثقفون وحلم
-
ماذا اذا كان قاضيك غريمك؟
-
حيفا عيّافة الزبد وولّادة المنى
-
ملاحظات أوّلية حول مسيرة عودة لم تبدأ
-
مسيرة العودة، بين مد وهدّ
-
نتنياهو ضيف على بوتين، ألقاء بين صديقين؟
-
رغم الهواجس، نعم للمجلس الوطني الفلسطيني
-
نزار الضحية رقم 14
-
أسرى حرية وليس أرقامًا للنسيان
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|