|
معسكر التدريب - من حكايات الحي القديم
فلسطين اسماعيل رحيم
كاتبة وصحفية مستقلة
(Falasteen Rahem)
الحوار المتمدن-العدد: 5974 - 2018 / 8 / 25 - 13:17
المحور:
سيرة ذاتية
طالعلك يا عدوي طالع من كل بيت وحارة وشارع طالعلك ،، هي يا عدوي ،، هي اذكر في الحي القديم ، حي دور المعهد الزراعي الفني في الكوفة الذي انتقلنا إليه بعد أن صار والدي منتسبا لهيئة المعاهد كأفضل سائق للآليات الزراعية ، اعطونا بيتا صغيرا في ركن الحي ، يشرف على البساتين التي قام والدي باستأجارها من الدولة ، كما ضم ابي حديقة كبيرة كانت مجاورة للبيت الى الحديقة الصغيرة التي كانت لنا ،بطريقة وضع اليد، هي كانت مجاورة لنا وتقع ضمن اراضي هيئة المعاهد ، فلما لا ،خاصة وان هذا اتاح لنا أن نمارس قرويتنا في مجتمع متمدن جدا بالنسبة للمكان الذي قدمنا منه، فهذه الدور نظيفة جدا ومجهزة بكل شيء ،بأسيجة تتيح للجار أن يرى حديقة جاره ، وبشرفات أسطح منخفضة ، والناس في هذا الحي مهذبون ويبادرون بالتحية ،ويعرفون بعضهم بحكم العمل في المؤسسة ،كذلك كان هناك باص مدرسي لأبناء المنتسبين ، وسكن خاص للعزاب ومثله للعازبات، القادمين من بلدات بعيدة نسبيا عن مكان عملهم ، كما هي الاقسام الداخلية للطالبات والطلاب ،كانت المدنية في ابهى تجلياتها أمام واجهة البيت ، حيث تنظر إلى الأمام ، لكن هناك في الخلف، خلف بيوت الدور، كانت معركة البقاء ،الوجود والوجه الحقيقي للإنسان ، في اول يوم لنا في ذلك البيت الذي قضينا فيه سبع سنوات ،كانت من اجمل سنوات عمري ، فقنا صباح اليوم الأول ، على صيحات جنود ، طالعلك ياعدوي طالع ، من كل بيت وحارة وشارع ، وجيناك يا عروبة جيناك ،جينا حتى نقاتل وياك ، اذكر ان اختي عرب كانت صغيرة جدا ، فبدأت بالبكاء والصراخ ،ظنا منها انهم قادمين لاخذها، كان أولئك الجنود الذين يجوبون خلف البساتين الواقعة خلف الدور السكنية ، بمجموعات مرتبة ومنتظمة ، عراة الصدور ، ممشوقي الأجساد ، يضعون أيديهم على احزمتهم ، ويقفزون بطريقة تنم عن خفة ولياقة عالية ، كانوا متطوعي الجيش الشعبي ، والذي كان مركزه خلف بيوتنا ، هناك حيث تفتحت عيني ولسنوات متتابعة على اناشيدهم الصباحية ، وكانوا حين يودعون مجموعة للجبهة ،كنا نودعهم معهم ، فقد نشئت بيننا وبينهم صداقة بعد حرب عنيفة حول حراسة بستاننا من غاراتهم في الظهيرة ، اذكر مرة وجدنا انا واخي عمار ، جنديين جالسين في ظل النخيل يشربون عرقا وخمرا ، وقامت حميتنا عليهم فضربناهم بالحجارة ، ونحن نصيح بهم كفرة ،مشركين ، فلما قاموا يتبعونا بالعصي والحجارة ، تسلقنا نخلتين عملاقتين وكلما ضربونا بالحجارة ،كنا نصيح الله اكبر ،الله أحد أحد ، فينفجر الجنود الذين تجمعوا بالضحك ، حتى جاء ابي لينقذنا من عبثهم ، هذه الحادثة تذكرني ايضا بمساء كنا نجمع الحطب فيه فصادف أن جاء جنديا كبيرا في السن نوعا ما ، بالنسبة للجنود الذي صرنا نعرفهم ، كان هاربا من المعسكر ، وتتبعه سيارة بيضاء ،لاندكروز، فلما وصل قربنا ، انبطح على الأرض للاختباء،فقمنا نحن الصغار بوضع السعف وبقية الحطب عليه ،دون أن يطلب هو منا ذلك ، شيئا ما كان يقول بوجوب مساعدته ، فالرجل وحيد واعزل ويلاحقه مجموعة بسيارة حديثة كانت يومذاك ، وحين مروا لم يروه ، فذهبوا يبحثون عنه في مكان آخر ، فقام الرجل ينفض عنه الحطب ، قائلا يجب أن أرى عائلتي الليلة ولم يقبلوا أن يعطوني إجازة فقمت بالهرب، لم يتطور بعد فهمنا إلى كلمة فار من الجيش، لكن يومها عرفنا أن الحرب فيها من القسوة الكثير. نشأت بيننا وبين معسكر الجيش الشعبي صداقة امتدت حتى نقل معسكرهم إلى ناحية أخرى من مدينتنا، وكنا نعرف العاملين فيه والمدربين، والضباط المشرفين عليه،كنا نحن الصغار نذهب للتفرج دون أن نخشى شيئا ، كانوا يحرسوننا ، اذكر مرة تسللنا بين طائرات الهليكوبتر التي جائت تودع مجموعة منتقلة للجبهة ،حيث الحرب مع إيران مشتعلة ، وكانت الهليكوبتر حين تحط في المعسكر فهذا يعني أن شخصية من القصر الجمهوري حضرت ، وكان يومها اسم طه ياسين رمضان حاضرا بقوة، فتسللنا انا واخي عمار بين السمتيات، وهذا اسم الطائرات الهليكوبتر آنذاك، تسللنا بينها آملين في الصعود إليها ، فعثر علينا الحرس، وكانوا عمالقة بالنسبة لمن نعرفهم ، فأخذوا يلعبون بنا الكرة ، يتقاذفون أجسادنا الصغيرة فيما بينهم ويضحكون ، حتى جاء المدرب محمد ديالى، وهكذا كنا نسميه نسبة إلى المدينة التي جاء منها ، وأذكر أنه فارعا اشقرا بحمرة مفرطة ، وكان يعرفنا بحكم اننا صرنا نتخذ من معسكرهم مسرحا للهونا في أوقات استراحتهم ، فشفع لنا وعاد بنا إلى بيتنا مع اكياس مليئة من مونة الجيش ،التي كانت لسبب ما لذيذة جدا ،ربما لاننا نتقاسمها مع جنود حقيقيون آنذاك ، كان حين يفرغ المعسكر من كل مجموعة تودع وانتظار مجموعة جديدة تأتي ، كان هناك فاصلا زمنيا بينهما، يومين وقد يمتد لاسبوع ، كان معسكر الجيش الشعبي يبدوا فارغا تماما ، وكنا حين يفرغ منهم ونذهب للهو هناك كنا نشعر بالفزع ، خصوصا القلعة الترابية التي بنوها من أكياس التراب ، والتي كنا نسميها بلغتهم الموضع، كانت الريح تعصف بالمعسكر الفارغ، فتنقل اصوات الجنود ليلا ، لهوهم وغناؤهم وكتب الشعر والروايات التي كانوا يعيرونياها حين يغادرون ،فامتعتهم الثقيلة والسلاح والجبهة الفاتحة فاها آنذاك لم تكن لتترك متسعا لكتاب بين يطقاتهم، وهكذا كان اسم المتاع العسكري يومها ،يطق، بحسب ما تعلمته منهم ، كان المعسكر حين يفرغ من الجنود تماما ،يتحول الى ساحة لهو لنا ،كنا نقوم بكل التدريبات التي يتدربونها،تسلق الجدران ،والزحف تحت الاسلاك، الدخول في الأنفاق الممتلئة الزيت والسخام اثر النيران التي كانوا يشعلونها أثناء التدريبات ،ثم حين يصل الأمر إلى القلعة، الموضع، كنت اجمع الرصاص الفارغ ،البوش، والقنابل اليدوية البلاستيكية، واقرء الاسماء والعبارات التي تركوها على أكياس التراب هناك ، وكنت أشعر بالحزن العميق ، فهؤلاء الذي صاروا اصدقاء قريبين جدا كانوا يرحلون بسرعة كبيرة ، ليحل محلهم اصدقاء جدد يرحلون بشكل اسرع، لمدة التدريب التي كانت في الاول تمتد لأكثر من شهرين ،صارت تختصر إلى شهر ومن ثم إلى ثلاثة أسابيع ، لان الحرب تزداد اشتعالا واتساعا،ولم تعد الأجساد تكفيها ،ولا تصبر حتى تنضج معرفتهم بالسلاح ، كانوا يأتون بسرعة ويرحلون بسرعة ،لدرجة اننا لم نعد نحفظ أسمائهم ،حتى تلاشى المعسكر تماما حين تم نقله الى ابو صخير ، الجهة الثانية والبعيدة جدا من المحافظة ، وقام الأهالي من الفلاحين ،وسكنة الدور في المعهد الزراعي الفني آنذاك باخذ مخلفات المعسكر ،للاستفادة منها في صنع قن للدجاج ، وبيت الماعز ، في بيتنا ، الذي كان يربي اشهر معزة شامية في الحي ، هكذا كان اسمها الشامية نسبة إلى أصلها ، في حين نهبت الشبابيك والأبواب ،وكل شيء من قبل أناس آخرين جاؤوا بسيارات كبيرة ،فاقتلعوا حتى شيلمان ( حديد ) السقوف ، وصار المعسكر عبارة عن خرابة ، تذر الريح في مواقده جمر الاسماء دون أن توقد نارا ، فقد هفتت فيه الاناشيد والصباحات الحماسية التي تركت بذرتها في قلب طفلة تشبهني ، فلم تمت ولكنها لم تكبر ايضا .
#فلسطين_اسماعيل_رحيم (هاشتاغ)
Falasteen_Rahem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشامية ووردة الدار -من حكايات الحي القديم
-
كابينة الهاتف - من حكايات الحي القديم
-
الجيران - من حكايات الحي القديم
-
من حكايات الحي القديم
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|