ظاهرة الفاشية الثقافية
وليد يوسف عطو
2018 / 8 / 24 - 17:43
ظاهرة الفاشية الثقافية
لمعرفة جذور العنف في مجتمعنا العراقي ,علينا دراسة وتحليل ظاهرة الفاشية الثقافية , والتي تنعكس بدورها على اوجه الحياة المختلفة والصراعات فيها .تتميز ثقافة المجتمع العراقي بتقديس الشخصيات والرموز الدينية والمذهبية والحزبية والعسكرية .
من كان مقدسا لايجوز نقده. من هنا يفتقر مجتمعنا العراقي الى المرونة والواقعية والتعددية , والى الحوار .فالتقديس يتعارض مع الحوار .هنالك اشكال مختلفة من الصراعات في مجتمعنا العراقي, من صراع ثقافي وحضاري يعكس اختلاف البنيات الثقافية للمجتمع بين ثقافة المدينة وثقافة الريف ,وبين ثقافة سكان مدينة بغداد الحضارية وبين ثقافة المجتمع الزراعي في غرب العراق والذي يختلف عن ثقافة سكان شمال العراق, اقليم كردستان العراق وسهل نينوى ,هذه المناطق تحتلف عن تقافة منطقة الفرات الاوسط وجنوب العراق .
بالاضافة الى الصراع الثقافي هنالك صراع حضاري بين الريف والمدينة وصراع مناطقي وصراعات عشائرية وطائفية سياسية .ان ظاهرة التقديس افرزت لنا ظاهرة الفكر الاحادي وتم تكريس هذه الاحادية بالانقلابات العسكرية . ان فشل السياسات الحكومية في معالجة مشكلة الارض وملكيتها في ظل الحكومات الملكية والجمهورية جعل فقراء الفلاحين يزحفون باتجاه المدن الكبرى مثل بغداد والبصرة بحثا عن فرص للعمل ,وهم مشبعين بتقاليد القرية, وتكون علاقتهم متوترة مع سكان المدن للفوارق الطبقية والاجتماعية والنفسية .لقد انعكست هذه الاوضاع على المثقفين من اصول فقيرة وريفية يحاولون فتح(مبازل ثقافية )لفلترة المدينة وثقافتها وتحويلها الى قرية كبيرة .نجد هذا الصراع الحضاري والثقافي ايام التحولات والانقلابات الكبرى حيث تضعف او تختفي سلطة الدولة مثل احداث انقلاب عام 1941 واحداث 14 تموز 1958 ووضع مدن العراق بعدالغزو الامريكي للعراق عام 2003 . لقد شاهدنا اعمال القتل والسحل والنهب واشعال الحرائق .
من نتائج هذه الصراعات انحياز المثقف من اصول ريفية , بصورة عامة ,الى بيئته ومعاداته للمدينة حتى لو سكن في الغرب فانه عند عودته الى العراق يعود للسكن في مسقط راسه .الكثير من المثقفين الذين سكنوا الغرب عاشوا في كانتونات مغلقة( معازل ), وبذلك لم يندمجوا في المجتمعات الغربية .
من هنا تبرز خطورة افكار بعضهم في مجاولة فرض معتقداتهم على غيرهم .من هنا يكون المثقف اكثر فاشية وتخريبا من السياسي . انهم لايطيقون نجاح اي مثقف اخر في عمله .فالاضواء يجب ان تسلط عليهم فقط .وهم لديهم حاشية من المطبلين تقوم بتقديس افكارهم,وبذلك ينتفخون من الزهو والكبرياء الفارغ .
لقداثبتت احداث العقود الماضية ان المثقف العراقي اهتم بالسياسة والايديولوجيا ولم يهتم بصناعة الحياة . بذلك كان دور المثقف تخريبيا اكثر من السياسي . المثقف يهتم بالشعارات وبالسرد ولا يهتم بتفكيك المسكوت عنه في الخطاب الثقافي والفكري.لقد تحول الكثير من المثقفين عبر العقود الماضية الى صوت وبوق للرئيس وللنظام وللاحزاب ,او للرموز الدينية.من يروج للدين وللمذهب وللايديولوجيا وللعشيرة لايمكنه ان يتحمل النقد والحوار, لذا تزدهر ظاهرة الفاشية الثقافية والتي تؤدي في واقع الامر الى الاحتقانات ولاحقا الى العنف الجسدي والنفسي .
لم نقم في حياتنا بالفصل بين الموقف السياسي وبين الصداقة. ولم نعزل بين الجانب الثقافي والجانب السياسي , ومن لايفصل بينهما لايمكنه ادارة الحوارات .من كان يفتقد الى الهوية والى الحماية والى القوة دخل في الاحزاب السياسية , حيث يتحول الرمز او الحزب الى مصدر قوة وعز بديلا عن الامة والوطن .