|
قراءة ونقد في كتاب -ذاكرة الإسلام- للأستاذ مرزوق الحقوني-الحلقة 1
عمر سعلي
كاتب
(Omar Siali)
الحوار المتمدن-العدد: 5971 - 2018 / 8 / 22 - 16:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
((إنني في هذا الموجز لست ناقدا من أجل النقد ولا منغصا عن مجهود ، ولكني قاصدا الطريق الثالث الممكن بين دغمائيّة التفاعل الحرفي مع النص الديني وبين جفاف الأسلوب المؤسس للحداثة الغربيّة التي أضحت دينا جديدا كسابيقيها من الأديان..)).
ولابد أن أنوه في البداية، إلى فرحي بسياق هذا الكتاب، وكونه جاء ،خاصة في منطقتنا في ظرف مشحون بالتفاهات وجدال قائم على الظن وردود بين المختلفين شفويّة ليس بمقدور الزمن أن يصنع بها تراثا ثقافيّا يقف عليها الخلف ليناقش ويرجح ، هذا ما ابتلينا به من المجادلة الشفويّة العقيمة من أن توّلد فكر وتسدد نظر ، وهو الفكر والعلم من ينمو بالجدال وتنتخب جواهر أفكاره بالنقاش.
((لقد سعدت حقا وتشرفت بقراءة ما جادت به قريحة أحد أساتذتنا وأصدقائنا ، وهذا بغض النظر عن محتوى الكتاب ،فقد زدت احتراما لكاتبه لعصاميته واستعدت كقارئ مبتدئ للإستماع بتأدب إلى وجهة نظره ،لكن دون أن أهمل حق العقل كما يحب كاتب الكتاب تسميته، وحريّة الرأي دائما لدي فوق كل اعتبار ،فنقدنا لمحتوى الكتاب لا ينقص أبدا من تقديرنا للكاتب وحبنا له ،وأنا ممن يؤمن بأن الكتاب يُفصل عن صاحبه عندما ينشر ويصير مادة فكريّة لا عاطفيّة ،فمعذرة من أستاذنا مسبقا إن ثارت العبارة في بعض المواطن وقست.))
نجد في هذا الكتاب أن كاتبه يقدم سردا تاريخيا طويلا لتاريخ الإسلام منذ بعثة النبي إلى تلاشي الدولة العثمانية ، سرد مشوب في كل حلقة ومحور بقراءة شخصيّة وإبداء رأي وأحيانا نسج الحديث فقط من يفضح نفسية الكاتب وانطباعه على تلك الأحداث..يحاكم الكاتب ما يسميه الإنحراف الذي أصاب "الأمة الإسلامية" في مقتل وقوض دعائم قوتها وعنفوان النبوّة فيها،وفي كثير من المواطن بل وفي المحصلة حتّى، نجده يعزى هذا الإنحراف إلى انتصار الجهل والنفسيات على الحكمة وما يسميه العقلانيّة،بمقابل ذلك يشير الكاتب بين ثنايا الكتاب إلى "حلوله" التي سنناقشها فيما بعد وهو يرى في المجمل إمكانيّة الإئتلاف مجددا بين المسلمون أنفسهم وبين واقعهم .
لكن بسبب ضخامة الكتاب (460) وتعدد مباحثه ومواضعه وغزارة الأخبار والأراء والإستنتاجات التي ترتبط بأراء الكاتب أو بأراء مراجعه ، لم نجد وسعا ولا إمكانيّة بأن نلخص كما العادة قراءة في مقالة واحدة ، وليس بودنا كذلك إلاّ إذا ظلمنا أنفسنا والكتاب إن مررنا على كل ما طرحه حول الذاكرة الإسلاميّة دون أن ننبس ببنت شفة ، ولهذا السبب ارتأينا في تناولنا لهذا الكتاب أن نقدم سلسلة من القراءات ، كل مبحث بقراءة لوحده حتّى ننتهي من القسمين ومباحثهما ومن ثم نجهز ورقة خاصّة فكرية خالية من النقد الشكلي لتكون موجز وجهة نظرنا في طرح الكاتب ومراميه.
قراءة في المبحث الأول من القسم الأول الذي يتناول المقدمة والمرحلة بين بعثة النبي حتّى مقتل علي ابن أبي طالب:
لكن ولكون الملاحظات في هذا المبحث أغلبها شكليّة أو أسلوبيّة فسنقدمها في شكل عوارض أساسيّة .
-في قضيّة العقلانيّة :
نجد أن الكاتب يطلق مصطلح العقلانيّة في مواضع لا تناسب لها وربما يقصد بها العقل العربي بتعبير عابد الجابري أوالعقل الإسلامي بتعبير محمد أركون ،أو العقل البرهاني بالخصوص حسب تقسيمات الجابري للعقول العربيّة .هذا لأن مفهوم العقلانية في نظريّة المعرفة يطلق على كل فكر يستند إلى الإستنتاج والمنطق ،أي يتخذ من العقل والإستنباط معيارا للحقيقة بدلا من التجربة والحس ،أي أن العقل وعملياته وقدرته على إنشاء المعرفة لا دخل للحس والواقع والتجربة فيها ، وهذه ميتافيزيقيّة وعرفان مقنع (العرفان أو الإشراق هو تلقي المعرفة عن طريق الذوق أو الكشف أو الجذبة /عن طريق الروح /أي عن الله مباشرة)، ومثاليّة صرفة أيضا (إقالة الفكر عن واقعه المادي و الإجتماعي) .
وأما إذا كان الكاتب يقصد ما طرحه محمد عابد الجابري من تفصيلات العقل والاّعقل فإن أسلوب الجابري هذا قد اعتبر من أضعف المناطق في فكره التي نالت ما نالت من سهام النقد، خاصّة ما صنفه خارج العقل كالشعر والنثر الذي اعتبر أن لغته خاضعة للحس والوجدان وليس للعقل، وهذه علمويّة أخطر على مرامي الكاتب من الإيديولوجيّة والإطلاقية التي يمقتها ،ولا يمكن من هكذا أسلوب أن يقترب إلى دقة، لأنه وضع الأسلوب هو الحقيقة والحقيقة هي الأسلوب، وأبعد من ذلك نجد الكاتب يطرح مصطلحا يحوي تناقضا وهو "العقلانيّة الإسلاميّة" رغم أنه إذا ما قدسنا العقل وجعلناه الفيصل في كل شئ كما يدعوا الكاتب لفندنا نبؤات الرسل ومعجزاتهم ولأسقطنا كل دعوة قامت على الوحي .
فالمعرفة العقليّة تنافي قطعا المعرفة الإيمانيّة ، وكل ما ناد بالتوفيق في تاريخ ما يسمى بالفسلفة الإسلامية أثبت الزمن أنها لم تكن إلاّ تقيّة من أصحابها درئا للملاحقة والقتل،ولا أقصد هنا ابن رشد لأن ابن رشد عندما كان قاضيا شرعيا كان يطلب الحكم على الناس بالإعدام أو الرجم وفقا للنص الديني الحرفي،وفي الليل يصرح ولا يخفي أن القرآن للعامة والفلسفة والحكمة للخاصّة ،أي أن القران خطاب شعبوي ويجب أن يكون كذلك لكونه يخطاب الجماهير في صحراء نائيّة...هذا إذا لم نحاكم من أنحت هذه المفاهيم حتى صارت إلى العولمة والحداثة سلاحا ضد القيم والأخلاق وركنا أساسيّا للداروينيّة الثقافيّة والسياسيّة في حربها ضد الخصوصيّة وفصل الإنسان عن واقعه وحقيقته الإجتماعيّة .
وأيضا ودائما في نطاق بحث الكاتب في الدائرة الإسلامية فهذه العقلانيّة التي يطرحها الكاتب وطرحها قبله الجابري في حديثه عن جدال النقل والعقل الممثلان في سجال مدرسة الكلام الأشعرية الناطقة باسمها أبو حامد الغزالي (قبل أن يتصوف/ تماهى الكاتب مع الجابري باعتبار العقل مستقيل منذ الغزالي) وبين مدرسة الحكماء والفلاسفة الممثلة في ابن رشد كإسم فاقع ممثل للعقل (العقل الأرسطي/أثنى الكاتب كثيرا على الجابري) إبان تلك الفترة ،فإن افتراض ما زعمه ابن رشد في إمكانيّة وصول العقل لوحده لما وصل إليه الأنبياء مسألة ساحرة ،لكنها عرضة لأن يفندها أغبى فقيه وبالنص القراني والمنطق، فإذا كان للعقل كل تلك القدرة في معرفة الحق فلماذا الله دائما يبعث بالأنبياء ليقولوا للناس ما يراه الله هو الحقيقة ،فسيكفي العقل وحدة للبشر لبلوغ الحقائق؟ والعقل قسمة ربانيّة عادلة على كل حال .زد إلى ذلك لكان كل المفكرون يصلون إلى نفس النتيجة ،فالأسلوب عندهم يقتضي ذلك لإعتبارهم العقل (أداة التفكير) وحدة مستقلة قادرة من تلقاء ذاتها على إنتاج المعرفة .(العقل مرتبط بالله "العقل الكلي"حسب نبي الحداثة الغربية مالنبرانش ).
نستطيع أيضا وبجرأة أن نتهم الجابري وأيضا الكاتب بالشوفينيّة سواء عندما انطلقوا من موقع إيديولوجي حين أقروا بوجود مفهوم إسمه "العقل العربي" أو حين قسموا الفقه بين فقه مغربي وفقه مشرقي (وردت في المحور الثاني ) ،وهذا منشأه موقف الجابري حين أنصف الفقهاء المغاربة ووصفهم بالعقلانية (الفقيه ابن حزم الأندلسي) بينما جمع الأغلبيّة الساحقة من فقهاء وفلاسفة وعلماء المشرق ورماهم باللآعقل والعرفان ، حتى كبار فلاسفتهم وأطبائهم ، فكيف يكون لطبيب يخترع الأدوية أن لا يستخدم العقل وأن لا يكون له عقل برهاني ؟ والواقع أن الفيلسوف المسلم كان يجمع أكثر من عقل ويستخدم أكثر من أسلوب في آن معا، وهذا أيضا دليل على خطأ التقسيمات العلمويّة الإسقاطيّة للجابري ومعه الكاتب (بتجريد العالم العربي من سياقه التاريخي الكوني نستطيع أن نتهم الكاتب بالتأثر بالإستشراق ولنا عودة لهذا الموضوع )، ففي التاريخ وعلى مدى مئات الألاف من السنين كان الشخص الواحد يمكن أن يكون عالما عظيما في ميدان علمي صرف وتكون نزعته عرفانية ،ولدينا ابن سينا وابن خلدون (له رسالة في التصوف منشورة تحت عنوان شفاء السائل وتهذيب المسائل) وابن حيان والبيروني وهؤلاء العلماء لهم عقل ولاشك ومنهج تجريبي شامخا (أين يمكن أن نصنف المنهج التجريبي ؟) لا يزال يصدح كرائد إلى الأن في أروبا والعالم..
((يبدوا أن الكاتب بالرغم من عدم تصريحه بأن هناك خصوصيّة ما لما يسميه "العقلانيّة الإسلاميّة" فإن افتراض هذه الخصوصيّة قد ألغتها علمويّة أسلوبه التي أدت به إلى مثاليّة ، وبنفس أسلوبه هذا يدافع عن نقل العقل الإسلامي مباشرة من القوالب الثيولوجيّة والميثولوجيّة إلى العقل العلمي ، وإلى أين ؟ إلى عصر الحداثة ،وبأداة العقلانية الرأسماليّة (عقلانيّة ديكارت وبيكون ومالنبرانش ) التي فرقت بين ذاتيّة الإنسان وموضوعانيّة العالم وجعلت الثنائيات الأسلوب الأول للتحليل والوجه الأبرز للحياة ، التي فتحت الباب أمام الإنحرافات الكبرى في التاريخ ، ليس انحراف جماعة أو فرقة إسلاميّة وإنما انحراف السيطرة على الطبيعة وحق التسيد عليها بدل التناغم معها ..ثم تعويض الطبيعة بالشعوب الأقل "تعقلا" فكتبت من نفس الحبر التقويمات العقلانية الذكيّة لتبرير الإستعمار ،ومن ذلك الأسلوب أيضا تم الإجهاز كليا على الميتافيزيقيّة محولين إياها إلى سلة لكل شئ غير "مجدي" وغير مربح ..هذه هي عقيدة النيولبيراليّة الأن وتلك هي جذورها في الأسلوب والمناهج ،وليس اعتبار الشعر والأدب أحد تعبيرات الإجتماع في خانة "اللاّعقل" حسب الكاتب والجابري إلاّ إشارة للبيب للرغبة في تشييئ كل شئ وتبضيعه وفي النهاية القضاء على شاعريّة الحياة وإعدام روحها على أسوار المعامل والأبحاث النووية ..)).
-كلام في قضيّة الحريّة :
نفرح للكاتب استبعاده الجبريّة ،رغم أننا لم نفهم اعتباره للدولة الأمويّة قدرية (ص130)،ولا حقيقة تألمه من أثار الفتوحات الإسلاميّة من سبي وقتل وفي نفس الوقت انبهاره في آخر المبحث باتساع دائرة الدولة الإسلاميّة ،ورغم أني أشعر بعاطفة الكاتب المتضاربة بين ادانته للجرائم التي ارتكبها الفاتحون وبين امتنانه لوصول الإسلام إلى الأماكن التي وصل إليها ، فإنه جدير بأن أبين أصل غموض الكاتب حين اعتبر الفتوحات دفاعا عن النفس ،فربما مرر هذا درءا لذكر ما كان متعارف عن أقسام الجهاد، بين جهاد الدفع وجهاد الطلب ، وجهاد الدفع كما هو معروف خاصيّة جميع المجتمعات والكائنات الحية التي تدافع عن نفسها من أي عدوا خارجي وهي غير جهاد الطلب ،والقصد طلب الأجر وفي الإيديولوجيات الأخرى يتم بناءا على الشرعيّة الثوريّة وعقيدة الحتميّة التاريخيّة ، وفي الإسلام بناءا على ما يعتبرونه حق الحقيقة وحق الله وهي في نظرهم الإسلام وأن محمدا رسولا للعالمين يجب أن تحكم نبوته العالم أجمع ،وهذا ليس قولي بل ما سار عليه الخلفاء في فتوحاتهم تنفيذا لأيات قرانيّة وأحاديث ،كحديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .."و "وأورثناكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شئ قدير " الأية 27 من سورة الأحزاب ، وهذا بجانب أيات بالعشرات تحرض على القتال ولعقيدة لا تأمن بحدود ولا وطن فبتالي كيف لها أن تقف في حدود معينة ؟ وإذا ما افترضنا أن الشعوب الأخرى لم ترضي بالتخلي عن خصوصياتها ومعتقداتها بالتي هي أحسن كما يقولون فمن يقيها شر السيف والسبي الذي حدث تحت أعين صحابة الرسول؟
وفي شق الحريّة كذلك لم نستطع معرفة رأي الكاتب بدقة حول معالجته لهذا المفهوم خاصّة أنه يرتاح ويدعم حروب الردة ولم يدين الفتوحات الإسلامية بينما نجده في مواطن يدافع عن حريّة الإعتقاد ، ولا نعتقد أنه يغفل في معالجته للردة ما ذهب إليه علي عبد الرازق الذي كثيرا ما استشهد به بكون قتال أبو بكر للمرتدين هو صحيح شعار ديني ولكنه قرار سياسي وقتال من أجل استتباب ملك الدولة ،أي هو حق المُلك وليس حق الله، وهذا الزعم أيضا يضرب في صميم الشورى لأن القبائل البعيدة لم تبايع أبو بكر ولم تشاور حتى في أمر ولايته ،ولغياب ألية معرفة رأيها أهي أغلبيّة أم أقليّة فإن قتالها واستئصالها يطرح علامة استفهام كبيرة .
وأيضا نتساءل مع الكاتب حول موقفه من الدولة المدنيّة وهل يرى بالخلافة ؟ لأن هذه أمور لابد من تبيانها أولا لنعرف طبيعة الحرية التي يقصدها .(ولأن أيضا الكاتب اعتبر بعض جذور الإنحراف سياسيّة فعليه أن يعطي حلول في هذا الجانب).
-في قضيّة العدل والأخلاق (الأخلاق هنا ليس بالمعنى الفلسفي) :
كثيرا ما وجدنا تناقض عند الكاتب في هذا الموضوع ، ويتجلى التناقض في بغضه للإسترقاق وسبي النساء والأطفال بينما هو راض على أداء الخلفاء المسلمون ويسميهم بالمهديين ، رغم أن غزو مصر وفارس والعراق والشام قد تم في أثناء حكم الخلفاء الراشدون الذين بكلام الكاتب نفسه كانوا راضون عن هذا الإسترقاق والإستعباد وانتهاك النساء وجلبهن عنوة إلى معسكرات الجزيرة العربيّة ، وبالتالي لا ينفع نقد الكاتب للسلوكات الشخصيّة للقادة في هذا الجانب دون معالجة جذور هذا السلوك وأنه فعل مصان بالأدبيات والنص وأنه من حق كل أحد امتلاك "الأمات " والجواري .
وفي موضوع الأخلاق دائما نجد الكاتب غالبا ما يسحر بسلوك الأفراد فيمدح عدل خليفة وزهد أخر في مقابل التشنيع على إسراف قائد والغمز عن خليفة آخر ، ومثل هذه الأحكام لا تؤسس لحكم عادل ولا تبحث حقيقة في جذور الإنحراف ، لأن سلوك الأشخاص ليس معيارا في كلا الجانبين وليس به يُحكم على التجربة ، بل بالنصوص وتطبيقاتها وبوجود المساءلة المؤسسية نستطيع أن نحكم على عهدة الخلفاء الراشدون ونحاكم اغتناء بعض قاداتهم العسكريين الذين ذكرهم الكاتب في الصفحة 94،فالإغتناء ليس خطأ هؤلاء القادة وإنما العلة في المنظومة كلها وفي أصل إباحة السبي والغنيمة والإغارة ،وفي النظام الإقتصادي الوليد برمته.
-في قضيّة بدايات الصراع السني الشيعي :
نجد أن الكاتب هنا قد حمّل الجزء الأكبر من مسؤوليّة ما يسمى بالفتنة الكبرى في صدر الإسلام إلى النفسيات وبالغ في الإخباريات وفي تضخيم دور "اليهودي" المسمى عبد الله ابن سبأ في الوقيعة بين المسملين ، وهذا محتمل، ولكن مبالغة الكاتب ووقوفه عن النبش في الأسباب الأخرى فيه في نظرنا حيف "بالعقلانيّة" التي يدافع عنها الكاتب ، فلولا وجود بيئة ملائمة جدا لإنفجار مثل ذلك الصراع لما أثر عليه مكر شخص أو شخصين ولا نعتقد أن الوضع الإقتصادي لأل أبي سفيان النافذ في التجارة بين الحجاز والشام بعيد على أن يؤثر في الصراع فأبي سفيان نفسه هو من كان يقود القريشيين ضد الرسول حفاظا على وجاهته ومصالحه وهو نفسه أيضا من قاد المحاولة لقيادة الدولة الإسلامية الوليدة .ومن الناس الذين قاتلوا معه ومن الفقراء الذين قاتلوا مع علي نستشف بعض الإستنتاجات ،ولا نلغي في نفس الوقت عصبيّة الصحابي علي لقبيلته أل هاشم واللآخر لبني أمية وهذا ذكره الكاتب وكلا الإستنتاجان منطقيان ، وإن غاب الخبر فعلينا بالأثر كما يقولون.
وعودة إلى عبد الله سبأ ،فتحميله المسؤولية الأكبر على ماسي المسلمين كما يزعم الكاتب فيه انتقاص واضح للذكاء و"العقلانيّة " ،لأن أغلب تحركاته لم يذكرها المؤرخين المشهورين ، وليس باستطاعة رجل أن يقوم بكل ما قام به ، كما أن طبيعة مشاركة أبناء الخلفاء كابن أبو بكر الصديق في التحريض وقتل عثمان يعطي الإجابة أكثر عن المحركات الحقيقيّة للخلاف ،فمن الخطأ إذن التهرب والخجل من هذه الأحداث ورميها عن شخصيّة قد تكون وهميّة ، وأصدق دراسة علميّة تاريخيّة لهذه الفتنة ما قام به يوسف العش ، وكتابه في ذلك (الدولة الأمويّة ) الذي استبعد فيه روايات الواقدي معتبر لدى كل الفرق الإسلاميّة باستثناء بعض الشيعة .
-في قضيّة التصوف :
نجد أن الكاتب للأسف يتماهى تماما مع وجهة نظر الجابري بعلمويّتة الصرفة حين يشن هجوما على التصوف والنزعات القريبة منه ويعتبرها مؤامرة الحضارات الأخرى، باعتبار التصوف استكانة وتخلف فكري وعقلي بينما في الأصل هو أرقى أشكال الثورة الأنطولوجيّة والأبستمولوجيّة ، ومثالا للإرادة الحرة في البحث عن الله وتأسيس العلاقة معه بعيدا عن الوسطاء وبعيدا حتى عن النص ،وهنا نقصد أس التصوف وفلسفته ولا نعالج طرائقه ولا جهال منتسبيه جهلا،وفي كل حال احترامنا له لا يلغي اعتبارنا إياه اتجاها مثاليّا خالصا ، ولو ولّدته جذور ماديّة إذ عبر في أصله عن رفض الواقع السياسي والإقتصادي أي لذلك الإنحراف الذي يقصده الكاتب ويمقته.
هذا إن لم نساءل الكاتب حول سبب اعتباره بعض الأفكار ذات الجذور الخارجيّة مؤامرة من الحضارات الأخرى وهو يقصد الفرس والهند بينما في نفس الوقت ينبهر بالعقل الأرسطي وإنتاجات الإغريق.وهل هجومه على الأفكار الوافدة لم يلغي إيمانه بالحريّة ؟ كما نخشى أن يكون كاتبنا سقط في نفس موقف الجابري المعروف منطلقاته الإيديولوجية .
عوارض ختمايّة للورقة الأولى :
-من الصعب جعل الدين وخصوصا الدين الإسلامي علمانيّا بالإلتفاف، ولا يمكن إسقاط التجربة الغربيّة عليه(النجاح في لجم الكنيسة) ، لأنه الإسلام ليس فيه معاملات فقط مثل الإنجيل ،بل قوانين وشرائع ، وفي هذه القضيّة الشائكة إما أن تنحاز للعلمانيّة بتقويماتها أو لا تكون .،لأن العلمانيّة لا تثق أو نستوعب بداخلها من يقدر مستقبلا على ذبحها . -لا يوجد إلتقاء بين العقل والدين لأن الدين إجابة وليس سؤال وسيصير جميلا خفيفا دون عسر الأذهان في استخدامه في السياسة أو فرض المنهج العلمي عليه ،أو بالبحث له من الإكتشافات العلميّة على يؤكد علميته . -لن تنتهي الصراعات حتى إذا نجحنا في إلحاق الدين بالحداثة لأن الصراعات تحركها جذور ماديّة أعمق أحيانا من الدين ، وبماذا نعزي مثلا اندلاع الحرب العالمية الثانية في أروبا بعد انتصار "العقل" على الكنيسة. -نعتقد أن تجاوز قوة النص الديني لا يتأتى إلا بمدرسة تأويليّة قويّة للنص ولذلك مدحنا الصوفيّة بحذر ،لأننا رأينا في تفسيراتها وفي فلسفتها أساس لإعادة إنتاج تفسيرات لطيفة للنص ومنطلق فهم أكثر تكاملا للسؤال القديم/ الجديد .ماذا يريد الله ؟
#عمر_سعلي (هاشتاغ)
Omar_Siali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشيعة دهاة في السياسة وحذاري من أخذ اليسار مطيّة
-
قراءة في كتاب _الألهة التي تفشل دائما_ لإدوارد سعيد .
-
قراءة في كتاب _من الذي دفع للزمار-الحرب الباردة الثقافيّة_ ل
...
-
ملخص وكلام في كتاب _الرواية والإيديولوجيّة _ للكاتب الجزائري
...
-
كلام في فكر ومنهج الأستاذ منير شفيق على ضوء كتابه -في نظريّا
...
-
زبدة وأهميّة كتاب -الحداثة والهولوكوست - لزيجموند باومان.
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|