أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد مضيه - النظام الأبوي إشكالية التخلف في المجتمع العربي-4















المزيد.....


النظام الأبوي إشكالية التخلف في المجتمع العربي-4


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 5971 - 2018 / 8 / 22 - 11:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


النظام الأبوي –إشكالية تخلف المجتمع العربي -4

استعمار ثقافي مخفي أهدر الطاقات
أخذ الباحث بمقولة غرامشي القائلة ان "القهر اللاقسري"- وهو قهر الحاجة في ظروف العجز حيال الطبيعة يتجلى مع استيراد السلع المتطورة من الغرب - يعادل الإقرار الطوعي بالعرقية الذاتية ، وهو أشد خطرًا من القهر المادي الموظف من قبل السلطة، إذ الأخير ملموس ومدرك ومرفوض لذلك- نقول ان "القهر اللاقسري للاستعمار الثقافي يمكن النظر إليه على أنه السياق الأوسع الذي تنهض فيه ثقافة المستعمِر طامسة لثقافة المستعمَر" [94]. هذا التلاقي في ظرف غير موات يولد القناعة بتفوق الآخر ، ومن ثم الرضوخ الطوعي لهيمنته. وتتجلى خطورته في إدخاله في طيات المنهاج التعليمي في المدرسة والجامعة. ومثال صارخ إدخال زيوف الفكر الاستشراقي بصدد تاريخ فلسطين القديم في المنااهج المدرسية بدون نقد او تمحيص.
يطلق الباحث على هذا الاستعمار الثقافي "عقدة الخواجا، شاهدا على النقص في الثقافة المحلية مقابل تفوق كل ما هو اوروبي. ولذا فعلى كل من أراد الجودة والقوة والمقدرة والصدق ان يتمثل بالأوروبيين. وقد تجسد هذا المنحى معرفة وممارسة في قيام معظم الأقطار العربية بتبني أنظمة تربوية كان للمبشرين الأوائل اليد الطولى في إرسائها "[96] . نظم التربية أدخلت العلماء ولم تدخل العلم ، لم تتم تنمية البحث والاستنتاج ،إنما الذي تكاثر هو الحفظ والنقل وتخزين المعلومات. "رافق الاستقلال السياسي نوع مغاير وغير مباشر من الاستعمار الثقافي ، إلا أنه كان اوسع انتشارا ؛ إذ أنه لم يستمد هيمنته من سيطرة سياسية او عسكرية مباشرة، بل من اختراق الثقافة الغربية للنخبة الأبوية الجديدة ، مضافا إليها سيطرة وسائل الإعلام الغربية وشيوع قيم المجتمع الغربي الاستهلاكي وحاجاته"[100]، وما اوسع تلك الحاجات وما أشد تنوعها. لم تعد الحاجات تلبي مطالب فسيولوجية بل غدت مسابقة في تزاحم الاستعراضية. في المجتمع الاستهلاكي تغدو مكانة المرء الاجتماعية في ما يستهلكه ويدخله في استعمالاته وليس في ما ينتجه او يقدمه للمجتمع.
واخطر من هذا كله ان المنتجين المحليين، مزارعين وحرفيين لا يشكلون نخبة المجتمع، ولا قوته الدافعة للتطور والتقدم. يتعزز النزوع للتعلق بنموذج من التطور تقرره النخب الفوقية." التغيير الاجتماعي لا يحصل إلا بالسيطرة من فوق ، أي ليس بثورة الجماهير ، بل من خلال القيادة الحكيمة . الخبراء والمثقفون وحدهم المؤهلون لإجراء التحديث وتنفيذ التغيير ...كيف يمكن إذن شرح الحقيقة بأن العرب ما زالوا يستوردون العلم والتقانة (التكنولوجيا) بعد مرور قرن ونصف من انفتاحهم على العلوم الغربية"[100]. وما يصدره الغرب من علوم وتقانة هو ما تجاوزه التطور العلمي وغدا متخلفا. "المؤسسات الأجنبية عززت انماط التربية الغربية وروجت استخدام اللغة الإنجليزية لغة اتصال علمي ، إضافة الى إعطاء الأولوية لسبل العلم الاجتماعي التجريبي وانماط التفكير والممارسة الاميركية "[101]. في ضوء هذا الواقع الملبد بالغفلة والانصياع التام لمرشدات الدعاية الامبريالية فإن "الثورة الثقافية (او الاستقلال الثقافي) تكتسب معناها الأصيل ، إذ انها تشير الى نضال أضنى من الصراع السياسي واطول مدى"[101] . التغيير الثقافي الثوري سيرورة واعية وهادفة تنطلق من الإدراك بأن "فرض نموذج التدريب المتبع الى خلق مثقفين وخبراء يميلون الى الولايات المتحدة ومؤسساتها السياسية والاقتصادية"[102] حيلة مخادعة وشرك تورطت فيه أجيال من التربويين العرب .
في مجال التربية تبرز عقبة استثنائية في المجتمعات العربية فقط: العامية واللغة المكتوبة ."الفرد يستوعب العامية بعفوية من الوسط في طور نموه في بيئته العربية، إلا أنه يتوجب عليه فيما بعد تعلم اللغة الأخرى على أنها لغة ثانية ، تماما وكانها لغة اجنبية ... وقد نتج عن هذه الثنائية بين الفصحى والعامية محصلة هامة تكمن في ترسيخ الانقسامات الاجتماعية التقليدية وطمس الأسس المادية والطبقية للتباين الثقافي""[105].
نمط التعليم الدارج عزز المحافظة في جميع قضايا المجتمع، ومن اكثر مخرجاته السلفيون. تبين ان عدد المعاهد الدراسية لا ينجز تقدما ، إنما ينجز التقدم والتحديث المجتمعي من خلال نوعية التعليم ونمط التربية . " أثر التشويه الذي احدثته الامبريالية اكثر وضوحا في المآل الثقافي. فمن الوجهة الاجتماعية – السياسية كان لاستعمار الوعي (وكذلك اللاوعي) نفوذ اوسع من الاحتلال العسكري او الهيمنة السياسية في دفع عجلة تطور البنية الأبوية المستحدثة. ومن هذا المنطلق لا يمكن النظر مجددا الى المشكلة كما تأخذ بها نظرية التحديث- أي باعتبار أن التحديث يهدد " المجتمع التقليدي" او أن مصاعب التنمية تترسب ثم تؤدي الى تشكيل "متخلف"- بل يتوجب الأخذ بوجهة النظر القائلة بان المجتمع الأبوي قد اضطر الى تبني النماذج الاقتصادية والأنماط الثقافية الأوروبية في ظل أوضاع مشوهة ناتجة عن الهيمنة الامبريالية ، والسيطرة الثقافية والتبعية الاقتصادية"[95]
وفي مرحلة الاستقلال الوطني انتشرت مراكز التعليم العالي ومؤسساته في الوطن العربي بسرعة فائقة، إلا انها لم تخرج علما بل علماء ولا علوما طبية بل اطباء ولا علما اجتماعيا بل علماء اجتماع، وهكذا دواليك. ومع أن خريجي هذه المراكز والمؤسسات كانوا في معظمهم قوميين وطنيين في اتجاهاتهم السياسية ، إلا أنهم كانوا ثقافيا ونفسانيا تحت تأثير الغرب، مشكلين بذلك قطاعا منفصلا هو اكثر قطاعات المجتمع تبعية للثقافة الغربية. ويمكن فهم ذلك في ضوء ان النخبة العربية المثقفة عقب فترة الحرب العالمية الثانية كانت بشكل عام مناوئة للماركسية ، إذ كان الغرب يشكل بالنسبة اليها المعيار الأساسي لقياس كل أمر ، من طريقة الملبس حتى أساليب التعليم الملائمة للأطفال، وإلى الطريق السليم للتنمية الاقتصادية و"بناء الدولة". وعليه فإن الشكل الطبيعي للتغير الاجتماعي من وجهة نظر هذه النخبة كان يتجسد في التمسك المطلق بمبادئ التنمية الغربية القائمة على الاقتصاد الرأسمالي والسوق الحرة"[96]
يولي الباحث اهتماما خاصا بتربية الطفولة، فحياة الفرد يقررها نمط التربية في البيت والمجتمع منذ السنوات الأولى. يجدر الاهتمام بإنشاء مكتبة داخل كل بيت ، وان يكون الكبار قدوة للطفل في احترام الكتاب وتناوله باستمرار . ينطوي ترسيخ قيمة الكتاب والمطالعة لدى الطفولة المبكرة على أهمية خاصة حيال ثورة المعرفة الإليكترونية. فالإليكترون أقوى جاذبية ، وصحيا لا يجوز ترك الطفل امام التلفزيون او الكمبيوتر اكثر من ساعتين؛ فقد يشكل الجلوس الطويل احتمالية الإصابة بالسمنة ومرض السكري."القراءة هي القنطرة نحو الإبداع والتغيير؛ فإن الكلام ، وهو حكر على السلطة القائمة وفكرها السائد، هو الشرط اللازم للاستقرار والاستمرارية. ومن هنا مركزية الحوار الأحادي في كافة أصناف الخطاب الأبوي المستحدث في أنماط التعبير والتفاعل بين الأفراد وفي سلم القيم والعلاقات التي تضفي مصداقية عليها وتعزز مكانتها"[108].
أسلوب التربية حال دون تبني المنهجية العلمية ؛ وهذا يعود إلى التباسات اللقاء الأول مع العلوم الأوروبية "كانت النظرة الى العلم خلال مرحلة النهضة التي شكلت تكون النمط السائد للفكر الأبوي المستحدث عقائدية في جوهرها ، دون الالتفات مليا الى النظرية العلمية ومنهجها . ارتكزت عقيدة النهضة الى العلموية بينما بقيت نظريتها في المعرفة قائمة على الأبوية . تم التعبير عن هذه الثنائية تحت شعار العلم والإيمان ومؤخرا رد الأصوليون هذا الشعار الى الحياة. إذ انه اساس المحافظة في آن على نقاء العقيدة وسلطة المجتمع. وبخلاف اليابان التي كانت حتى ذلك الحين تستورد بانتظام العلم والتقانة من أوروبا ، وتحولهما إلى مقتنيات فكرية ومنهجية فعالة، فإن الأبوية المستحدثة العربية كانت منصرفة الى تبني موقف أدبي – ديني من اوروبا ومن التاريخ والذات، فحرمت نفسها ومنذ البدء من أي فرصة للتطور (كما فعل اليابانيون وباتساق يدعو الى العجب) باتجاه موقف مستقل واع كان ليمكنها بعد استيعاب صدمة اوروبا من تمهيد السبيل امام الفهم العلمي. وكان عماءً مطبقا وملحاحا قد حال دون ستيعاب الجيل الأول لهذا التناقض الجوهري بين العلم والعقيدة ، وهو تناقض ماثل في صلب الفكر الغربي ، كان اليابانيون قد وعوا ابعاده وعواقبه منذ البداية؛ ولذا بقي الوعي العربي خاملا وجامدا وقانعا في مصاف سابق على التفكير العلمي ومنصرفا الى التمحيص الأدبي - العقائدي وقادرا على صياغة الفكر الساذج فحسب "[119-120]
في الفصل الثامن – نقد جذري للثقافة الأبوية المستحدثة- استهل الباحث مطالعاته بمقتبس من مقال كتبه صديقه الشاعر أدونيس، افتتح به مجلته" مواقف طليعية"، التي صدرت عام 1969، جاء فيه:" الثقافة كفاح ووحدة عمل وفكر .إنها الثقافة التي لا تعنى بتفسير العالم او الحياة او الإنسان إلا لغاية أساس، تغيير العالم والحياة والإنسان. إنها الثقافة – الثورة." يبرز الباحث الفكرة الماركسية ليوضح أن جميع المحاولات النقدية للثقافة الأبوية المستحدثة توقفت عند الوصف والتفسير وقصرت عن التغيير.
ارتد الفكر الأبوي الى الدين يدافع به عن نفسه. وعلى صعيد اللغة تغير ت مفردات الخطاب الأبوي وصاغ تعابير جديدة، كشفت ضيق أفق الخطاب الأبوي المستحدث، تذيل التفسير الساذج لطبيعته السياسية البيانية. اورد الباحث محمد اركون وعبد الله العروي وصادق جلال العظم والياس مرقص وحليم بركات، ممن وجهوا انتقادات في العمق لخطاب النظام الأبوي.
تصدى محمد اركون بالنقد والتحليل اللذين كبتتهما على الدوام القراءة التقليدية السائدة. اختار أركون منهجا علمانيا يستفيد من تداخل العلوم الإنسانية لغرض تفسير القرآن. كيف تتم المعرفة وكيف يتم إيصالها مشكلة لا تختص بالمنهجية فحسب، بل إنها متجذرة في السلطة السياسية المهيمنة والعقيدة الدينية السائدة.
وهاجم عبد الله العروي الخطاب الأبوي المستحدث في كتابه ازمة المثقفين العرب وادان توجهاته السلفية الانتقائية. تبنى الفكر التاريخي النقدي (130)، ودعا لتبني الماركسية النقدية منهجا وأداة تحليل ومصدرا موحيا للمقولات النقدية على خط الماركسية.
إثر هزيمة حزيران ، حيث تكشفت مظاهر التخلف القابعة في ثنايا المجتمع العربي، وجهت انتقادات الى البنى الفوقية في المجتمع (الثقافة والفكر والأيديولوجيا الغيبية). "تصدى النقد الماركسي الجذري في كتابات الياس مرقص للسلطة الدينية والسياسية ، يقوض الوعي الزائف ويفسح المجال لبناء مجتمع ‘ عربي عصري كليا’". الفقه لا يتحكم بالفكر الديني الأصولي فحسب ، بل يسيطر على كل نماذج الفكر في المجتمع الأبوي المستحدث، بما في ذلك التيارات الماركسية و الليبرالية والإصلاحية"(132).
وسجل صادق جلال العظم على المجتمع الأبوي الأخذ بالوجهة الدينية ، نظرا لكونها عقيدة تدفع الى الاغتراب لتعزيز الوضع السائد القائم على القمع الاجتماعي والكبت الفكري.(138)
ثم دخل علم الاجتماع النقدي عام 1970يرفض التجريدات العقائدية ويلح على أسلوب التجريب- التصنيف كما في كتاب حليم بركات الرائد "المجتمع العربي المعاصر- بحث اجتماعي استطلاعي"، اورد فيه "أسعي لتحليل الظواهر في أطرها الاجتماعية وفي حالة تداخل وتفاعل بعكس التحليل المثالي المجرد المطلق" (133). شدد على التناقضات القومية الاجتماعية وعلى طبيعة الصراع في سبيل التغلب على هذه التناقضات.
ودخل ميدان النقد أيضا عالم الاجتماع سعد الدين ابراهيم يركز على المنهج التجريبي: القاعدة البشرية ، القاعدة الإيكولوجية(البيئية)، الهيكل الطبقي ، الهياكل الإثنية والهياكل المؤسسية. عرض الباحث بنيوية كمال أبو ديب ومحمد بنيس يشرح فكر عبد الكبير الخطيبي، ثم أجمل رأيه في تلك الانتقادات:
لغة النقاد غريبة في معانيها الحرفية ومدلولاتها المجازية على السواء. يكتبون بلغة غير عربية، وانغمسوا كل في واحدة من الثقافتين - الفرنسية اللاتينية والإنجلو اميركية- اللتين يفصلهما بون صارخ من حيث المزاج والحساسية وأنماط التفكير والإدراك. نقاد الثقافتين يتعرفون على بعضهم عبر "الترجمات "، التي ينهض بها الفرنسيون والإنجليز والأمريكان، والتي تختص بثقافتيهما او خطابيهما او نصيهما.بالتالي يتعرفون على ثقافاتهم وتقاليدهم عبر المناهج والتصورات التي تستخدمها كل من هاتين الثقافتين لفهم ذاتها وغيرها من ثقافات العالم(137) .
لم تعد للتعبيرات العربية الشائعة المدلولات نفسها المتعارف عليها وتعرضت الأشكال التقليدية للتنقيح والتفكك، وتم الإعراض عن الأساليب البيانية وأهملت كليا.(138). يبدو المجتمع الأبوي في نظر النقديين من المثقفين واقعا خارجيا يمكن رصد ظاهراته عن بعد بموضوعية وعلمية، وباتوا يشكلون تيارا تتعاظم قوته ويزداد تأثيره . توفرت لهم الفرصة للتأثير الناجع على وجهة النقاش الدائر في الخارج بين المغتربين أنفسهم وفي الوطن العربي نفسه. النقد الجذري يستمد فعاليته من انماط تحليل وتفسير مكتسبة ، ويمثل المرحلة الأولى من الوعي الذاتي المستقل، التأليف والإبداع والتجاوز(رؤية مستقلة ، نظرية أصيلة ).
النقد البنيوي وما بعد البنيوي هو التيار الأقوى في مجمل حركة النقد الجذرية العربية في الوقت الحالي. تكمن أهميته في فعاليته التفكيكية التي تعمل على الإطاحة بالمواقف السائدة بنفاذها الى خطاب الأبوية المستحدثة والدخول في ثناياه وتعرية سلطته الأحادية والانفتاح على التعددية، والإقرار بحقوق المستضعفين. لكن لهذا النوع جانبا آخر يعاني من قصور ما في إطار الوضع السياسي والعقائدي العربي القائم- استبعاد الممارسات السياسية مركزا على اللغة والنص مبتعدا عن الواقع السياسي المعاش . التفكيك لا يكفي بل يحتاج الى تجميع لتوحيد المعارضة المبعثرة. كيف يمكن التعامل مع شمولية ظاهرة المجتمع الأبوي المستحدث دون الأخذ بمنهج شمولي لفهم التاريخ والمجتمع ككل؟ فليس من العجب ان يتغاضى الأنفذ بصيرة بين النقاد الجدد عن الاعتراف بأن الثورة السياسية تبدو ضرورة ملحة لا مفر منها في آخر المطاف؟
في الفصل التاسع – هيمنة البرجوازية الصغيرة- يبدي الباحث ملاحظة حول عدم تشكل شعب عربي قبل غزو نابليون لمصر؛ كانت تجمعات قبلية التمايز الطبقي مغيب في وعيها اليقيني الراسخ.
عام 1970 بدا ان البرجوازية الصغيرة قد تنامت وتعاظمت أهميتها ، بحيث كان مؤهلا لها ان تحتل مكان الصدارة في الحياة السياسية والاجتماعية . لم تتطور طبقتا البرجوازية والعمال لتصبح أي منها طبقة مستقلة قادرة على التحكم بالحياة السياسية والاجتماعية. تفجرات الأرياف عجلت الهجرة الى المدن وتضخمت البطالة المقنعة، ما ترك أثرا على الثقافة الشفوية الريفية وتقاليدها وساعدها على الاستمرار حال ذلك دون تطور ثقافة ووعي بروليتاريين وظهورهما بوضوح"(148).
البرجوازية الصغيرة بطبيعتها شرائح متناثرة لا تشكل طبقة ، تتطلع للارتفاع ، بعضها ينجح في المسعى ، والأكثرية يجري إفقارها وتتدهور الى الطبقة المسحوقة. أما حال صعودها الى المسرح فتنحو البرجوازية الصغيرة للتطلع الى الطبقة العليا، إما بالمصاهرة او المشاركة في نهب المال العام ونشر الفساد الإداري. وبالفعل تحولت البرجوازية الصغيرة التي استلمت الحكم في البلدان العربية كافة إلى انظمة ابوية قمعية واغتنت من نهب القطاع العام.
بالمقابل عول لينين في مرحلة المد الثوري في عشرينات القرن الماضي، على ترقي البرجوازية الصغيرة في الاتحاد السوفييتي الى بناة واعين للاشتراكية بجانب الطبقة العاملة، شريطة تنفيذ ثورة ثقافية سلمية تقضي على الأمية وتضع كل مصادر الثقافة من كتب وإبداعات فنية بمتناول افراد الشعب كافة .
"البرجوازية الصغيرة في المجتمع العربي غير منتجة تتوجه نحو الاستهلاكية، ومكانتها في الساق الإنتاجي هامشية وعرضية. وقيمها وعلاقاتها الاجتماعية تقليدية ما يفسر تذبذبها العقائدي وتأرجح توجهها الاجتماعي والسياسي، تحمل اوضح تعبير عن الأبوية المستحدثة، بين التقليد والحداثة ، بين العلمانية والدين، بين الرأسمالية والاشتراكية ، بين الإنتاج والاستهلاك. لا أمل في الخروج من التناقضات ما يدفع باتجاه الانهيار في نهاية المطاف"(148). لكن الحياة الاقتصادية تولد كل يوم شرائح برجوازية صغيرة تتناقض نظراتها، وتتوزع اهتماماتها بين الديمقراطية والاستبداد.
سيطر مفكرو البرجوازية الصغيرة على المشهد الثقافي في مستوييه الثقافة العليا والثقافة الجماهيرية. وكانت النزعة الاستهلاكية مفصل التحول لدى البرجوازية الصغيرة في خمسينات القرن الماضي(والأدق في اوائل الستينات طرحها المستشارون الاقتصاديون للرئيس الأميركي ، جون كندي). كانت الاستهلاكية مشركا عطل برامج التنمية الاقتصادية لبلدان العالم الثالث كافة. وفي المجتمع العربي أشاعت اتجاهات سلبية(151):
1- اقليمية بدل القومية
2- تركيز الإنفاق الحكومي على منع تدخل عسكري أجنبي مباشر ، إسرائيل على وجه الخصوص،
3- صعوبة التعبئة السياسية في الأرياف العربية
4- تعثر الماركسية العربية وتخلفها سياسيا ونظريا ( وكان للجمود الستاليني دوره في هذا الفشل).
5- سوء استخدام سلاح النفط.
الفساد الإداري في ظل الاستهلاكية افضى الى تشكل برجوازية بيروقراطية باتت تعمل لصالحها وتغلغلت في ثنايا الدولة العميقة، ومنها درج الحكم على اختيار الوزراء. هي اخطر شرائح البرجوازية على قضايا التقدم والديمقراطية تجمع بأيديها سلطات التشريع والتنفيذ وتتحكم في السلطة القضائية ، وهي ذات مصلحة في كبح التغيرات التقدمية وتكلس الحكم الأبوي المستحدث."أبدت البيروقراطية في الجيش والتربية والتجارة مظهرا خارجيا حداثيا ؛ لكن بنيتها الداخلية أبوية بالضرورة"(152). بات العمل الوظيفي ثانويا، حيث جرى تقديم الولاء على الأداء في النظام الأبوي، الذي احتضن العصبيات الطائفية والعرقية والعشائرية، وانسجمت معه في تقديم الولاء على الأداء وإقصاء المعارضة . بات المجتمع العربي اكثر مجتمعات العالم طاردا للكفاءات، واستقر على رأس قائمة الدول من حيث الفساد واضطهاد الأقليات والمراة ، ويشغل أدني القوائم من حيث جودة التعليم وطلب المعرفة والمطالعة ونشر الكتب والترجمة عن الثقافات الأجنبية. في هذه الأجواء الموبوءة بات " المسعى لإقامة علاقات نفوذ شخصية أجدى واكثر فعالية من بذل مجهود في أداء العمل الوظيفي"(153)



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهدئة تحت سيف قانون يهودية الدولة؟!
- إشكالية التخلف في المجتمع العربي-3
- إشكالية التخلف في المجتمع العربي(2من4)
- إشكالية التخلف في المجتمع العربي(1من4)
- الفصل قبل الأخير من مسرحية الصراع على فلسطين
- صفقة القرن ثمرة الانحطاط السوقي للسياسات الأميركية
- الراحل برنارد لويس مثقف الحرب الباردة والليبرالية الجديدة و ...
- أعظم خطر يهدد البشرية -2
- أعظم خطر يهدد البشرية
- هي الفاشية عنصرية دموية مندمجة عضويا بالامبريالية
- أول أيار في حقبة الليبرالية الجديدة
- مخططات تدميرسوريا نظاما ومجتمعا-2
- دور الولايات المتحدة في تدمير سوريا-1
- نصائح احمد صبحي منصور تحابي الاحتلال وتغفل مسروعه الاقتلاعي
- نصائح الدكتور احمد صبحي منصور المحترم -4
- نضائح الدكتور احمد صبحب منصور المحترم -3
- نصائح الدكتور احمد صبحي منصور المحترم -2
- نصائح الدكتور احمد صبحي منصور المحترم 1
- متى يظفر شعب فلسطين بالعدالة
- زيوف وتلفيقات ضمن مكائد الامبريالية


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد مضيه - النظام الأبوي إشكالية التخلف في المجتمع العربي-4