إشراقة
احتلال القاهرة يبدأ ببغداد
المستقبل يبدأ أفكاراً ووقائع تتم في الماضي، وفي الحاضر تبدأ صياغتها وتجربتها .. في الستينات رفعت شعارات فلسطينية أن الطريق إلى القدس يبدأ من العواصم العربية، وأدركت الأنظمة العربية أن هذا الشعار يوحد جهود الأمة العربية ويخضع الأنظمة لإرادة الشعوب .
وغابت الفكرة عقب نكسة 1967 التي زادت الأنظمة العربية انكماشا . استعبدت مشاركة شعوبها بالتضليل والتزييف ثم بالإرهاب والسجون والتعذيب وأشكال من الأمن المركزي – أمن الأنظمة – وكلما زادت ضعفاً زادت تأسداً على شعوبها واستكانة أمام أعداء الشعوب، وانصرفت في النهاية عن قضايا أوطانها وأمتها العربية، ولهثت للاحتماء بالعدو مكنته من كل شئ مقابل كراسي حكم . ودارت الأيام لتكتشف أن استكمال التهامها والتهام شعوبها حان وقته وهي وشعوبها في أضعف حالاتها .
صدام ليس هدفاً
ارتعدت الأنظمة العربية والأمريكان والإسرائيليين عقب انتصار الثورة الإيرانية . تناقضت الأهداف النهائية وتوحدت المصالح الوقتية . كانت للعراق في وجود شاه إيران نزاعات بخصوص شط العرب . كما يمثل المواطنون الشيعة أجزاء مهمة من الشعب العراقي والكويتي والإمارات ودويلات الخليج العربي . وتوحدت إرادة ومصلحة العراق والسعودية المتزعمة لدول الخليج والكويت وغيرها في إضعاف وتحجيم الثورة الإيرانية . وعقد بالسعودية اجتماع ضم العراق والسعودية والكويت بمباركة الأمريكان . تولى العراق القتال وتولى الآخرون تمويل الحرب لكسر شوكة الإيرانيين وتحجيم أطماع الثورة الإيرانية لخلق أنظمة مثيلة بدءً من دول الخليج إلى الجزائر التي أنفق الإيرانيون في انتخاباتها من 4 – 5 مليار دولار عام 92 لمساندة جبهة الإنقاذ، وكان ما كان .. واشتعلت الحرب بين العراق وإيران طوال عقد الثمانينات، مولها الخليج وأمدها المصريون بالخبرات والأمريكان بالسلاح . واستخدمت كل أنواع الأسلحة المحرمة وغير المحرمة . حارب العراق معارك الأنظمة العربية، وتحقق للجميع هزيمة الإيرانيين وانكفاء الثورة على نفسها تلملم جراح وتضحيات الحرب العراقية العربية الأمريكية الإسرائيلية ضدها .
الجيوش لا تعرف البطالة
أثمرت الحرب جيشاً عراقياً راسخاً، وسلاحاً وتسليحاً وأبحاث عسكرية هائلة . والأهم عاش الشعب حياة حرب عشر سنوات فاصطبغت مقوماته وسلوكياته بمتطلبات حياة الحرب، وحدثت طفرة شاملة أزعجت الأمريكان والإسرائيليين والرجعية العربية .
الحرب الأمريكية الإسرائيلية 1990
أدت العلاقة الحميمة بين النظام العراقي والحلفاء الأمريكان أن استدرجوه بترتيب مقصود لاحتلال الكويت والمبررات كثيرة، فالعراق أنقذ أنظمة الخليج من الثورة الإيرانية واعتبر نفسه شريكاً في الثروة وأنهم ملزمون بإعادة إعمار وبناء العراق . لكن نظام صدام استدرج بغباء لاحتلال الكويت وبعد الاحتلال الاقتصادي الأمريكي شبه الكامل لمقدرات الخليج العربي تحقق لها المبرر الشكلي للاحتلال الأول بالجملة للأمة العربية، وبدعوى تحرير الكويت احتلت القوات الأمريكية مواقع تحكم وفعل مطلق بمواقع كثيرة .. ولأن تحرير الكويت ليس إلا ذريعة، فقد فرضت أمريكا مستخدمة الأمم غير المتحدة وسيلة لفرض حصار قاتل مدمر على الشعب العراقي، وحصار تحكم كامل على الآخرين الذين قبلوا دخول بيت الطاعة الأمريكي شكلاً الأمريكي الصهيوني واقعاً والذي وحد عدوانه على العراق وفلسطين .
الحرب الأمريكية .. إسرائيلية عربية
أياً كان الرأي في صدام ونظامه والفروق الهامشية بينه وبين الآخرين . فقد أثبتت الأيام أن العراق رتب نفسه على حياة الحصار ولم يكن صدفة سماح أمريكا باستيلاء الليكود الأكثر تطرفاً من العمل عل السلطة في إسرائيل مع صعود اليمين الأمريكي، ومحاولة الاثنين استكمال الصياغة الأمريكية الصهيونية للأمة العربية في عملية أعلن بوش ووزير خارجيته بوقاحة سافرة أن الغرض هو البدء رسمياً بالعراق وصولاً لكل الدول والأنظمة العربية، مع أن الثنائي الصهيوني الأمريكي يواصلون جريمتهم بدءاً من موريتانيا والسودان مروراً بالحصار الطويل على ليبيا . وهاهي إسرائيل بالضغط الأمريكي تعلن بوقاحة عن حقوق مزعومة في مياه النيل . وتتوالى الأخبار عن سيطرة إسرائيل على قطاع بحري مصري ..
الحرب العالمية الثالثة
ليست مصادفة أن تهب دول وشعوب العالم تتصدى للهيمنة الأمريكية الصهيونية على مقدرات العالم . هذه الدول والشعوب تعرف أن أمريكا تريد إخضاعها على أرض العراق . فانتفضت فرنسا وألمانيا وبلجيكا وروسيا والصين والهند شعوباً وحكومات تشاركها شعوب العالم بدءاً من الشعب الأمريكي للشعب البريطاني الذي يفرض على بلير تراجع وراء تراجع لتصد الهيمنة الأمريكية على مقدرات العالم بمنعها من ركوب الأمم غير المتحدة . ترفض العدوان على العراق وعلى نفسها .. وخسرت أمريكا الحرب رغم تجييش الجيوش الجرارة والأسلحة الغبية التي توجه بالأقمار الصناعية لمعركة من الواضح إذا دارت عجلة الحرب لن تكون نزهة على أرض العراق وعلى مساحة الكرة الأرضية .
مرحلة جديدة
تزايدت الهمجية الأمريكية بعد أحداث سبتمبر 2001 ، واستشعرت شعوب العالم مخاطر الأخطبوط الأمريكي . واستعادت الشعوب توازنها وبدأت الصحوة تتزايد لدى الشعوب الإسلامية في مواجهة ما يحدث بالعراق وفلسطين .. تداعيات مأساوية شكلت بدايات سيكون لها تأثير إيجابي خطير، فهل يكف البعض عن تبرير الجريمة الأمريكية الصهيونية . هل يدركون أن هذه الشعوب أكثر من احتياجات الحرب مع العراق عشر مرات، وأنها جاءت لتبقى في معركة متواصلة تبدأ ببغداد، وتكاليف إبقاءها تستهلك ممتلكات ومدخرات كل العرب .. "الاستشهاد أولى من الانتظار" . هل ندرك جميعاً أننا مستهدفون وأن الطريق إلى القاهرة بدء مبكراً من بغداد والقدس . هل ندرك أن معركتنا في مصر وغيرها تجري الآن بأرض العراق وفي أروقة الأمم المتحدة ومع شعوب العالم .
الهجوم المضاد
لم يكن العالم كله مهيأ ومعبأ ضد أعدائنا الحقيقيين – أمريكا وإسرائيل – كما هو الآن . ولم تكن حساسية العالم متزايدة ضد أسلحة الدمار الشامل وضد الحرب وانتهاك حقوق الإنسان كما هي الآن، ومن المناسب والهام أن تبدأ شن حرب ضد امتلاك إسرائيل لكافة أسلحة وأفكار الدمار الشامل .. ولعل أولى خطوات الدفاع عن مصر والأمة العربية في معركتها القائمة الدائمة مع إسرائيل وأمريكا . هل نتوقف عن وهم السلام الضائع أو المستحيل . هل نمسك مصيرنا بأيدينا نعطي كل ما هو مصري وعربي أولوية مطلقة . هل نضيع تحالفاتنا الدولية مع خصوم خصومنا .. المعركة الشكلية على أرض العراق انتهت بصرف النظر عن التفاصيل . وتعددت المراكز الدولية وخرج الوغد الأمريكي جريحاً مهاناً، لم يستطع تجميع مجرد أصوات داخل مجلس الأمن وستكون هزيمته في الجمعية العامة أكثر هولاً . العالم تغير سواء أدركنا أو لم ندرك . استفدنا وقوينا جبهتنا بالتوحد مع الرافضين للهيمنة الأمريكية الصهيونية . أولم يستفد قصار النظر .
البعض لا يتصور مجرد الحياد مع أمريكا
يا سادة أنتم تستضعفون وطنكم وأنفسكم . الله رب الشعوب وأمريكا عدوتها . لسنا في حاجة إليهم . هم الذين استفادوا ونحن خسرنا . جربوا أن تتمسكوا بمصالح أوطانكم . افهموا أن الخطوة القادمة بدأت . الشعوب ستفرض إرادتها على الجميع ولم يعد لأحد . ستهزم أمريكا وإسرائيل ولو بانتصارات مهزومة .. وسوف تنتصر الشعوب ولو بانكسارات منتصرة .
أبو العز الحريري
نشرت بجريدة التجمع – العدد 91