|
شيوعيون ومع ذلك يعرضون عن التعرف على الإتحاد السوفياتي !!
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 5966 - 2018 / 8 / 17 - 19:59
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يبدو أن العنوان غريب الوقع على الأسماع لكنه هو الحقيقة على الرغم من أن التعريف البورجوازي للشيوعيين هو أنهم عملاء الإتحاد السوفياتي أو أزلامه ومجندوه على الأقل . الحرب العالمية الثانية أثبتت بالتجربة الصعبة والمريرة أن الدول الرأسمالية الغربية العظمى الثلاث، فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، لم تكن أكثر من دمىً بجانب العملاق السوفياتي الذي سحق وحده النازية الهتلرية والفاشية الكميكازية حتى التراب وحفظ الحرية لمختلف الشعوب في العالم . هذا ما شهد به تشيرتشل في رسالته إلى ستالين بتاريخ 6 ابريل نيسان 43 إذ قال .." أنا أعي بكل ما أملك من وعي بأنكم العمالقة ونحن لسنا مثلكم " – ونحن من تشيرتشل تعني الدول الغربية الثلاث التي قضت كل سني الحرب وهي تحارب ايطاليا ولم تدخل في أية معارك ضد ألمانيا – وهو ما تسبب بانتصار جميع الشعوب وخاصة في أوروبا لنمط النظام السوفياتي الإشتراكي . غير أن الإدارة الأميركية برئاسة مجرم الحرب هاري ترومان بعد الراحل الكبير والصديق الحميم لستالين فرانكلين روزفلت، ورثت أحقاد النظم الإمبريالية وأشهرت سياسة العداء للاتحاد السوفياتي فسارعت إلى الإلحاح على استرداد السفن والشاحنات المعارة وأتلفتها مؤكدة أحقادها البهائمية بالرغم من أنها ما كانت لتنتصر على اليابان لولا الجيوش السوفياتية التي حطمت خلال النصف الثاني من شهر أغسطس 45 كامل الجيوش البرية اليابانية في منشوريا . استمرت اليابان في حربها ضد دولتين عظميين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي هذه المرة لثلاثة أسابيع بعد القنبلة الذرية الثانية في ناغازاكي في 9 أغسطس – لم تستسلم اليابان بفعل القنبلتين الذريتين كما يسود الإعتقاد . كانت جريمة الحرب التي اقترفها ترومان باستخدام السلاح الذري في قصف المدنين وليس أهدافاً عسكرية هو مجرد انتقام للعدوان الياباني على بيرل هاربر الذي أوقع خسائر جسيمة بالولايات المتحدة قبل أن تكون طرفاً في الحرب، وبسببه دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية بجانب الحلفاء . وفي العام 47 قدمت الولايات المتحدة لدول غرب أوروبا بموجب مشروع مارشال في مقاومة الشيوعية ما مجموعه 12.5 مليار دولار وهي تساوي اليوم 500 مليار . وفي العام 49 شكلت الولايات المتحدة وبريطانيا – بقيادة حزب العمال اليساري الخؤون في حين كان ونستون تشيرتشل المحافظ اليميني يطالب في خطابه الشهير في فولتون أمام ترومان 1946 بعقد تحالف حضاري ثقافي بين الدول الناطقة بالإنجليزية – شكلت حلف شمال الأطلسي العسكري الذي سخر منه ستالين مر السخرية وصرح بالقول .. "لن نحاربكم بل سنهزمكم بالمنافسة السلمية" . كانت السياسة الثابتة لستالين بعد الحرب هي الحفاظ على السلام في العالم وهزيمة القوى الإمبريالية بالمنافسة السلمية والتطوير المتسارع لقوى الإنتاج . خلال السنوات الخمس التالية للحرب نجح الاتحاد السوفياتي في إعادة إعمار البلاد لأفضل مما كانت علية وهو ما طيّر صواب غورباتشوف كما وصف في كتابه "البريسترويكا"، وما لم تقم به دول غرب أوروبا خلال عشر سنوات مع أن الدمار لم يلحق بها بما يوازي نصف الدمار في الإتحاد السوفياتي . في العام 51 بدأ الإتحاد السوفياتي خطته الخماسية الخامسة التي كانت ستضع المجتمع السوفياتي على عتبة الشيوعية برفاه في العام 55 لا مثيل له في تاريخ العالم ؛ كان ذلك هو المشروع الذي سيحقق هزيمة الغرب بالمنافسة السلمية كما توعّد ستالين ويحقق انتصار الإشتراكية على الصعيد العالمي .
لعلها من سخرية الأقدار، إذا كان للأقدار أن تسخر، أن ينجح رفاق ستالين في قيادة الحزب في اغتيال ستالين بالسم أثناء العشاء في منزل ستالين مساء 28 فبراير شباط 1953 فيتغير تاريخ العالم على غير ما توقع المجرمون السفلة . ما يمكن تأكيده في هذا السياق أن الذين شاركوا في اغتيال ستالين، بيريا ومالنكوف وخروشتشوف، لم يكونوا ضد الشيوعية بمفهومهم بل ضد ستالين بعد أن أعلن عزمة على إحالة جميع أعضاء القيادة بمن في ذلك ستالين نفسه إلى التقاعد ؛ ومن أجل ذلك كان ستالين في المؤتمر العام التاسع عشر الذي عقد قبل ثلاثة أشهر فقط، في أكتوبر 52، قد أصرّ على انتخاب 12 عضواً إضافياً إلى المكتب السياسي كي يكون عدد أعضاء المكتب 24 عضواً بدل 12 كما اعتاد أن يكون، وكان ذلك بعد أن أهاب بمندوبي المؤتمر ألا ينتخبوا الأعضاء القدامى دون أن يستجب لطلبه المندوبون . في الحقيقة أن دافع بيريا الشخصي لدس السم في كأس شراب ستالين في ذلك العشاء الحدي في التاريخ هو ليس نفس دافع مالنكوف وخروشتشوف فقط، بل كان قبل ذلك قطع الطريق على إعدامه كخائن . في يناير 53 تم اعتقال تسعة أطباء من مصحة الكرملين بتهمة التآمر على صحة قادة الدولة والحزب . التحقيقات المكثفة أخذت تشير إلى أن وزير أمن الدولة لافرنتي بيريا لم يكن بعيداً عن تلك المؤامرة خاصة وأن الأطباء لا يدخلون الكرملين بغير موافقة بيريا وهو من كان قد نظم اليهود أعداء النازية في الاتحاد السوفياتي وأن ستة أطباء من مجموع المتآمرين التسعة هم يهود . وما أكد أن بيريا كان ضليعاً بالمؤامرة هو إطلاقه سراح المتهمين ومنع محاكمتهم بعد أيام قليلة من رحيل ستالين والقبض على كبير المحققين وإعدامه وسحب جائزة ستالين من الطبيبة التي أفشت سر المؤامرة . لقد ثبت بالدليل القاطع على أن بيريا هو من دبر اغتيال ستالين بالسم فتغدى بستالين قبل أن يتعشى ستالين به . إلى هذا الحد يمكن تبرير تغافل الشيوعيين عن خطورة الأحداث في عمق الحياة السوفياتية والقبول بالتقرير الطبي الذي أعلن وفاة ستالين بسبب النزيف في الدماغ بالرغم من أن الأشخاص الذين كانوا على مساس بحياة ستالين الشخصية لم يقنعهم ذلك التقرير كما لم يقنع مولوتوف رفيق العمر لستالين رغم الجفاء بينهما مؤخراً .
لكن كيف يمكن تبرير تغافل الشيوعيين عن اجتماع الأعضاء السبعة المتقادمين في المكتب السياسي والذين كان ستالين قد طالب بإزاحتهم من القيادة، إجتماعهم قبل تشييع ستالين إلى القبر واتخاذ قرار يبطل قرار المؤتمر العام للحزب بانتخاب الأعضاء الجدد الإثني عشر في المكتب السياسي، ومن المعلوم لدى مختلف الأحزاب الشيوعية أن قرار مؤتمر الحزب العام غير قابل للإبطال أو التغيير أو التحريف !؟ وكيف يجوز تبرير تغافل الشيوعيين عن اجتماع اللجنة المركزية في سبتمبر ايلول 53 لتقرر إلغاء الخطة الخمسية بادعاء أنها توهن وسائل الدفاع عن الوطن كما أذاع بيانها ، بينما اللجنة المركزية كان قد انتخبها مؤتمر الحزب من أجل تنفيذ الخطة الخمسية بكامل تفاصيها وأرقامها وستكون مسؤولة عن أي تقصير في ذلك !؟ بل وما هو أنكى من ذلك أن اللجنة المركزية أصدرت بياناً تلفيقيا كاذبا يزعم أن مالنكوف استقال من الأمانة العامة للحزب بسبب القصور في الموسم الزراعي بينما استقالة مالنكوف كانت بسبب أن المكتب السياسي رفض أن يرصد أموالاً للسير في تطبيق الخطة الخمسية من أجل الإنفاق على صناعة الأسلحة . ذلك هو ما كان الإنقلاب الحقيقي على الشيوعية . الحزب الذي اتخذ مثل ذلك القرار هو حزب الخونة، خونة الشيوعية دون شك . الأسلحة لا تبني الاشتراكية بل تبني الفاشية وقد رأينا منها لوناً باهتاً في تشيكوسلوفاكيا ونراها اليوم في أبشع صورها في سوريا .
الحرص الشديد في التفسير الماركسي للتاريخ يؤكد دون مشاحة أن اغتيال ستالين في الساعات الأخيرة من فبراير شباط 53 قد حول تاريخ العالم من مسار النصر للإشتراكية ولبروليتاريا العالم إلى مسار فوضى الهروب من الاستحقاق الإشتراكي بقيادة البورجوازيبة الوضيعة في كل أطراف العالم . بيريا ومالنكوف وخروشتشوف ظنوا أنهم سيحتلون مكان ستالين إلا أنهم كانوا أصغر بكثير من أن يملأوا الفراغ . حال رحيل ستالين انتقل مطبخ القرار الوطني من قيادة الحزب إلى قيادة الجيش والجيش هو الذي أمر الحزب بإلغاء الخطة الخمسية لصالح الصناعات العسكرية .
(يتبع)
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشيوعية - المؤنسنة ! -
-
ما زال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية - 12
-
ما زال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية - 11
-
ما زال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية - 10
-
ما زال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية - 9
-
ما زال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية - 8
-
ما زال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية - 7
-
ما زال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية - 6
-
ما زال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية - 5
-
ما زال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية - 4
-
ما زال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية - 3
-
ما زال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية - 2
-
ما زال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية
-
يا أيها الشيوعيون المفلسون !!
-
الحزب الشيوعي الأردني عدو الشيوعية
-
المُسْتثقِفون..-المثقفون- !!
-
الشيوعيون المفلسون والمرتدون لا يقرؤون التاريخ - 2
-
الشيوعيون المفلسون والمرتدون لا يقرؤون التاريخ
-
اليسارَويّة مجرد نفاق سياسي
-
في الهذر المذر لحسين علوان حسين
المزيد.....
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|