حاتم استانبولي
الحوار المتمدن-العدد: 5966 - 2018 / 8 / 17 - 13:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الوطن ما بين الوطني والديني !
الدين هو منظومة من المفاهيم الأخلاقية والأجتماعية والأرشادية حاكت المجتمعات الأنسانية في منطقتنا لتنظيم وتحديد العلاقات المجتمعية بين افراده وقبائله. و الدين يعطي السلطة قوة روحية غيبية تمكنها من التحكم في المجتماعت البشرية ولكي تبرر حروبها وغزواتها تحت رايات الحق الألهي . وحيث ظهر الدين قبل ظهور الدولة الحديثة كانت الحروب والغزوات ترسل عبر القارات للسيطرة واخضاع التجمعات البشرية لسيطرة القوى الكبرى ونشات الأمبراطوريات و شنت الحروب فقط من اجل السيطرة وكانت دائما حروب مكلفة للغازي وللمغزو وحيث ان كل الحروب والنزاعات قائمة على احتكار السلطة وتطويع المجتمعات لسلطة راس المال فان متطلبات تدوير راس المال تستلزم قوى بشرية لتحويل السلعة لنقد واعادة تدويره في السوق , فقد استلزم ان يحصن راس المال واصحابه بقوة روحية تبرر سلوكهم وحروبهم وقتلهم وسبيهم واخضاعهم للشعوب , وهنا نشات الظروف الموضوعية لنشوء الفكرة الدينية والتي يستطيع راس المال ان يسيطرمن خلالها على مجتمعاته الضيقة المحيطة ويبرر غزواته للمجتمعات الأخرى تحت عنوان الدين والأستحققات الغيبية ما بعد الممات. وكانت دائما مادته الفئآت الأكثر فقرا في المجتمعات ,ومع تطور المجتمعات البشرية وتطور راس المال وتمركزه اصبح هنالك ضرورة لتحديد طابع وطني له مرتبط بالمكان , واصبح المكان له اهمية ملموسة ونشأت الثقافات والحضارات التي ارتبطت بالمكان, ( اليونانية والرومانية والفارسية والهندية والصينية واليابانية والمصرية وبلاد ما بين النهرين و و و) وبدأ التعرف والتعارف على ضرورة فرض مفهوم الحدود وكانت تاخذ من العوائق الطبيعية محددا لها متلازما مع تطور وسائل وادوات الانتاج الاقتصادي التي تتطلب لسوق لمنتجاتها , واثناء تطور المجتمعات البشرية وتشكل الأمبراطوريات بدات تتلبور نزعة الهوية وبدأت حروب اخرى ليست ذات طابع ديني وانما قومي. مع تفكك الأمبراطوريات نشات الحاجة لمفهوم الوطن المرتبط في المكان والزمان من حيث النشأة التاريخية لهذه المجتمعات.
لكي تنظم المجتمعات برزت الحاجة لنشوء الدولة وسلطتها وكانت الدولة ضرورة لراس المال وتمركزه ,الذي كان العامل الحاسم والمحرك لنشوئها, وانحسر دور الفكرة الدينية وتراجع لصالح فكرة الوطن (والدولة) وكان لنابليون دور حاسم في اخضاع السلطة الدينية الى سلطة الدولة في اوروبا واخراجها من دورها السياسي الشمولي وحصرها في الدور الروحي .
عندها انطلقت اوروبا في مسيرة التقدم الفكري والثقافي والأقتصادي والأجتماعي والسياسي ومن خلال ثنائية الحرب والحوار اتفقت ان الأقتصاد هو المحرك للقوة وفعاليته وتبادل منتجاته هو الذي يحدد خريطة تعارض الدول وتحالفها ونقلت صراعها لخارج حدودها الأقليمية, وكانت دائما ما تصل الى مساومات فيما بينها على حساب مصالح شعوب المستعمرات .
أما في منطقتنا فلم تقم الدولة العربية بناء على متطلبات تطور وحاجة المجتمعات ,وانما بناء على متطلبات وحاجات المستعمر (سايكس - بيكو ) ولهذا فان دورها بقي محصورا في حدود مصالح المستعمر الذي فرض بناء فوقيا مرتبط به ان كان بشكل مباشر او غير مباشر ومع مرور الزمن كان الصراع قائما ما بين مصالح المجتمعات وبين شكل ودور الدولة القائم المرتبط بمصالح المستعمر المباش او الغير مباشر ومع تعاظم اهمية منطقتنا بعد اكتشاف الطاقة واهميتها لدول الغرب والشرق كان لا بد من انشاء قوى داخلية وخارجية لأستمرار سيطرة راس المال (الغربي) .
خارجيا :فان الموافقة على انشاء دولة اسرائيل هو حاجة راسمالية استحضرت الفكرة الدينية لتجميع يهود العالم لأنشائها ليكون لها دور مستقبلي في استمرار تفتيت المنطقة من ناحية وملاذ آمن لراس المال الصهيوني وهنا تقاطعت المصلحة الصهيونية مع مصالح الدول الأستعمارية . واما العامل الداخلي فكان باعادة انتاج الفكرة الدينية لمواجهة قوى التحرر الوطني على قاعدة انها قوى ملحدة تغيب الدين لصالح القومية والأشتراكية .
حيث كان تناقضها الأساسي مع القوى وبعض الأنظمة التي استقلت نسبيا عن السياسات الأستعمارية كان تحالفها عميقا مع الأنظمة التابعة مع مركز رأس المال وتنتقل معه حين ينتقل مركزه ,واخذت عدة تعبيرات حزب التحرير الأسلامي والأخوان المسلمين والوهابية وجميع هذه الأتجاهات تاخذ من المذهب السني مرجعية وتتنافس على احقية تمثيله .
اما عن المذاهب الأخرى فقد بقيت لمئات السنين منطوية تحت رايات الأسلام ولم ياخذ التعارض بينها حيزا الا عندما اصبح لها موقف من عملية التحرر الوطني وانخراطها بها .
على سبيل المثال فان ايران كانت تلتزم بالمذهب الشيعي على مدار مئات السنين وفي عهد الشاه ولكن السعودية ودول الخليج كانت تقيم معها افضل العلاقات وكانت وكيل راس المال الحصري في المنطقة وعندما تغير دورها كدولة ووقفت ضد مركز راس المال تحولت الصداقة الى عداوة في ليلة وضحاها .
ان دور الأتجاهات الدينية السياسية والمدعومة راسماليا تدخل في صراع تناحري مع الدولة الوطنية , ودائما تنحى منحى مسالما مع الدولة الكمبرادورية (التابعة) .ودعنا ندقق بسلوك راس المال حيث ياخذ موقف حاسم من تدخل الدين في الدول الغربية نراه يدعمهم ويغذيهم في منطقتنا ,وبحكم تعدد الثقافات والقوميات والأديان والمذاهب فان الفكر السياسي القائم على اساس الفكرة الدينية يكون اقصائيا في حده الأدنى والغائيا في حده الأقصى والفرق بين الأخوان والوهابية وبين النصرة وداعش والقاعدة بكل تفرعاتها هو فرق بين اتجاهيي الأقصاء والألغاء.
اللذين ياخذان اشكال عديدة من التهجير وعدم السماح للأفكار الأخرى بالمشاركة او حتى الوجود , الى سياسة الذبح والقتل والتهجير والتشريد .اما عن سياسة راس المال فقد وظف الفكرة الدينية لمحاربة كل ما هو تقدمي ووطني وقومي , واخرج من رحمهم التيارات التكفيرية والألغائية والتدميرية لينفض على المجتمعات من اجل تفتيتها وليقطع الطريق لأسقاط الدولة الكمبرادورية والانتقال للدولة الوطنية, وتدمير كافة المكتسبات الأنسانية لشعوبنا من تعليم وصحة وثقافة وتاريخ وموارد طبيعية وسرقة ثروات شعوبنا .هذا ما يحدث في ليبيا والعراق وسوريا ومصر و الباقي على الطريق حتى دول الخليج والتي تظن نفسها انها محمية فالأيام القادمة ستثبت ان تغول راس المال لا يهمه شكل او اسم هذا الملك او ذاك وانما تهمه مصالحه وتراكم ثرواته ولحل مشاكله وازماته فانه ياكل لحم اخيه واولاده فكيف عندما يخص الأمر استمراريته .
ان الفكر السياسي الديني يتعارض مع الهوية الوطنية والقومية ويفتح الباب امام التعارض والتناقض على اساس احقية الفكرة الدينية ومن يملك الحق في التعبير الصحيح عنها ويدخل في تناقض وتناحر مع اتجاهات في مذهبه والمذاهب الأخرى والغاء للطوائف والأديان الأخرى .
أما عن انخراط الأتجاهات الدينية في حركة التحرر الوطني فانه يخرجها من ثوبها الديني ويضعها في الثوب الوطني التحرري ويجعلها تتعارض مع منشأها الفكري ويضعها امام مفترق طرق بين الوطني والديني ويحكم شرط نجاح استمراريتها ووعي قيادتها من حيث امساكها للتوازن ما بين الديني والوطني التحرري بحيث يحسم التعارض بينهما لمصلحة الوطني التحرري (تجربة حزب الله والجهاد الأسلامي في لبنان وفلسطين).
هذا يضعنا امام الموقف من المشهد في العراق وسوريا وفلسطين وليبيا ..فان الموقف ضد القتل والأقصاء والتهجير على اساس الفكر والدين والمذهب والقومية هو موقف ضد الأنسانية وتنوع ثقافاتها وحضاراتها .
ولنتذكر ان الأنسانية هي موجودة قبل الأديان , والدين هو فكرة وحيز فعلها الطوعي يشكل جزء من الفكر الأنساني وفي بعض المحطات الأنسانية ساهم الفكر الديني في تدمير ثقافات وحضارات واخضع شعوب وخيرها بين ترك ثقافتها وحضارتها او تشريدها والغائها .... وفي سياق آخر وقبل اندماج الفكر الديني بحركة رأس المال فقد ساهم ايجابا في التخلص من البربرية وتعميم المفاهيم الأخلاقية التسامحية ووقف الى جانب المظلومين امام سلطة الأقطاع .
وبرايي ان الأنحياز الى الوطن والتعايش والأحترام بين جميع مكوناته هي الصيغة الأكثر انسانية وتفتح الآفاق للتطور والتقدم الأنساني .
اما عن الألتزام بالفكرة الدينية فان مفاعيلها وظهور نتائجها ليس في حياتنا وانما بعد بعثنا مرة اخرى ولهذا فان معيار الأحقية الألهية ليست انسانية ولا تملك اي مجموعة استخدام السلطة والحق الألهي لمحاسبة الآخرين كون الجميع سيخضع للحساب من قبله ( حسب الرواية الدينية) واذا فعل فانه يخضع السلطة الألهية الى السلطة البشرية ويعطي نفسه الصفة الألهية في الحساب بين العقاب والثواب .
#حاتم_استانبولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟