|
البركة في مظاهرة تل أبيب
جواد بولس
الحوار المتمدن-العدد: 5966 - 2018 / 8 / 17 - 03:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
البركة في مظاهرة تل أبيب
جواد بولس
يعدّ نجاح المظاهرة التي دعت إليها "لجنة المتابعة العليا لشؤوون الجماهير العربية "، يوم السبت الماضي في تل-أبيب، انجازًا نضاليًا وصرخة مدوّية في وجه سياسات الحكومة اليمينية العنصرية السافرة. بيد أنّ أهميتها السياسية الحقيقية ستبقى مرهونة بما سيتلوها من خيارات عمل وبرامج مستقبلية؛ فإما أن تطوى كصدى عليل في مسيرة جماهير تبحث عن مرفأ آمن ويواطر راسخة، وإمّا أن تثبت كخطوة واثقة في طريق شاق وطويل.
لن تنتقص الانتقادات التي وجّهها البعض من وقع ما أثارته المظاهرة في المشهد السياسيّ الإسرائيليّ العام، فهي ستبقى إشارة على استعادة العافية والرجاحة القياديّتين عند من خطّطها ونفّذها ووقف على رأسها، وذلك رغم تحريض رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وجوقات اليمين العنصرية عليها، ورغم من قرّعوها وزايدوا باسم "طهارة الحق" وردّدوا ما عهدنا من شعارات معوّمة ، أو عادوا وبشّروا بالنصر القريب الذي يقف على الأبواب.
عرفت نضالات الجماهير العربية تاريخًا طويلًا من الصراعات الحزبية الداخلية؛ فبعد خسارة "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" لتفرّدها بصدارة النشاط الجماهيري والسياسي، نشأت عدة قوى عربية محلية يهتدي بعضها بالفكر القومي على تفرّعاته، كما ولدت إلى جانبها الحركات الاسلامية التي خلقت في مجتمعاتنا واقعًا جديدًا وفكرًا دينيًا وسياسيًا اعتمد على تعريفات مغايرة ومستوردة لمعنى ومكانة الدولة ولطبيعة الحكم فيها، وعزّز الدعوة إلى مقاطعة انتخابات الكنيست.
خسرت معظم الأحزاب العربية من مواقعها وقوتـها، فبدأنا نلحظ تراجعًا في ثقة الجماهير بمؤسّساتـها القيادية وابتعادًا عن انشطتها، حتى دخل المجتمع في حالة من "الفطام السياسي" والقلق، خاصة بعد استشراء مظاهر العنف وتداعياته الكارثية. ولقد ملأت قوى وشرائح "عربية اسرائيلية" حديثة جيوب ذلك الفراغ، كما حصل مثلًا في ادارات العديد من المجالس المحلية والبلدية وبين نشطاء في مؤسسات المجتمع المدني.
في هذا الواقع الخطير؛ اكتسبت دعوة لجنة المتابعة للتظاهر في تل أبيب، أهمّية مميّزة، إلا انّ القوى السياسية لم تتعامل معها بنفس المستوى والمسؤولية، وقد نجد بينها من صلّى من أجل فشل "متابعة بركة" ورفاقه المنظّمين؛ فرغم تأكيده على أنّ شعارات المظاهرة ومضامينها قد وضعت بالتوافق بين جميع مركبات لجنة المتابعة، خرج بعض النشطاء عن ذلك التوافق، ومارسوا قناعاتـهم الفئوية بأساليب أضعفت صفّ الوحدة الضرورية من جهة، وزوّدت قوى اليمين العنصري بفرص التهجم على شرعية المظاهرة والتشكيك بأهدافها، من جهة أخرى.
لن يشفع لمن سيدّعي أنّ هذا اليمين لم يكن بحاجة الى ذريعة للانقضاض على قيادات المظاهرة وعلى المشاركين فيها، فالأوْلى والأسلم أن تتصرّف "الضحية" بحكمة فائقة وبحذر مضاعف، لا سيّما أمام قنّاص يتربّص بشهيّة لا تعرف الشبع وبأهبة للضغط على الزناد.
تعالى بركة والمنظمون على جميع تلك الخربشات والمناكفات، وقدّم خطابًا مسؤولًا يحاكي خطورة الحدث ويتطرّق الى معظم محاور القضية التي "بعروتـها" انطلق عشرات الآلاف من المواطنين العرب ومعهم آلاف من اليهود الديمقراطيين الذين يعارضون تحوّل إسرائيل الى دولة مارقة وإلى مسخ لوحش مقيت؛ فقانون القومية هو أكثر من مجرّد تشريع عنصري؛ لأنه بمثابة بوّابة حقيقيّة لتهجيرنا المخطّط.
لقد عرّت الاختلافات حول المظاهرة هشاشة الوحدة بين الأحزاب والحركات المجتمعة تحت سقف لجنة المتابعة، وأعادت وكشفت عن منسوب الرياء المتفشّي في دهاليزها. ولقد رأينا كيف تناست شخصيات جبهوية وشيوعية اتهاماتـها الخطيرة السابقة لرفاق لهم كانوا قد دعوا الى الشراكة مع القوى اليهودية الصهيوينة وبناء جبهة نضالية لمواجهة الفاشية، وتحوّلوا فجأة الى متصدّري الدّعاة والمؤيّدين لهذا النهج. ورأينا كيف أمطر ناشطون في أحزاب، شارك قياديّوها في اتخاذ قرار المتابعة بخصوص المظاهرة، فهاجموها بسيل من الأسئلة والتساؤلات المشككة والمخوّنة أحيانا: فلماذا تل- ابيب؟ ولماذا ساحة رابين؟ ولماذا المهادنة والانبطاح على عتبات المواطنة؟ ولماذا الشراكة مع القوى الصهيونية؟ ولماذا الدروز ؟ ولماذا بدون أعلام فلسطين؟ ولماذا الكنيست؟ وما الى ذلك.
لا أحد ينفي حق السائلين في السؤال ولا حق المحتجّين في الاحتجاج، ولكن تبقى القضية فيما وراء التساؤلات وفي تأثيرها الحقيقي على العمل المشترك؛ فمعظم هؤلاء ينتمون لفكر ولجماعات لا تؤمن بالعمل العربي اليهودي المشترك بشكل عام؛ وبعضهم يؤكّدون على عدم جدوى النضال ضد قانون القومية وأشباهه من دون مواجهة الحركة الصهيونية ذاتها والانتصار عليها؛ في حين يختلف المعارضون الاسلاميون عن جميع هؤلاء بقناعتهم، ويؤمنون بأن الفرج قريب بدون ريب وبأنّ اقامة دولة الخلافة في شرقنا، وعاصمتها القدس، صار قاب قوسين وأدنى.
تكمن المشكلة في ما اذا اختلف الفرقاء على الأهداف وعلى تشخيص أعراض الصراع وعلى تحديد معسكرات الأعداء والحلفاء وعلى وسائل وآليّات النضال، فإنّ شراكتهم ستكون مجرّد قوقعة أو سراب؛ وعندها ستتحوّل مظاهرة، تستظلّ بجناح المواطنة، إلى عمل انـهزاميّ ومنبطح، وستصير مشاركة عاموس شوكين وامثاله مداهنة لليسار الصهيوني وخيانة، ورفع علم فلسطين في شوارع تل ابيب سيمسي أهمّ من جميع أهداف المظاهرة ومن مشاركة آلاف اليهود فيها.
حقّهم أن يسألوا ويتساءلوا، وما دمنا في حضرة السؤال والتساؤلات فحقّنا ان نسأل ونتساءل ؛ فهل يخبرونا مثلًا كيف السبيل إلى إقامة دولة الخلافة على أرض فلسطين؟ وما مصير دولة إسرائيل ومصير مواطنيها من يهود وغير مسلمين؟ وماذا يتصوّر من يربط مقاومة قانون القومية وسائر القوانين العنصرية الخطيرة بمواجهة الصهيونية أولًا والتغلب عليها؟ فهل سننتظر، كما أكد بعض القوميين في سبعينيات القرن المنصرم، حتى نحرر "سبتة ومليلة" المغربيتين من الاحتلال الاسباني وبعدها ستضمن القدس تحريرها؟ ما هي الوسائل النضالية الكفيلة بحصولنا على دولة المواطنين الكاملة؟ وكيف سنقنع ملايين المواطنين اليهود في اسرائيل بقبول تحويل إسرائيلهم الى إسرائيلنا المشتركة، كدولة لجميع مواطنيها؟ وما مصير من لن يقتنع بمطالبنا؟
الشعب بحاجة إلى أجوبة حقيقة على هذه المسائل وغيرها؛ فالقضية لا تقتصر على "قداسة الحق" أو على رومانسية الثورة، مع أننا أصحاب الحق وأصحاب الأرض أيضًا.
معظم الأجوبة على ما سألت واضحة، وهنا تكمن المأساة، فهي، على ما يبدو، واضحة كذلك لحكام إسرائيل؛ فلقد كان أجدادهم أوّل من قالوا "من جاء ليقتلك قم باكرًا واقتله".. والبقية عند القراء.
وأخيرًا ، إنها مجرد خربشات على صفحة حدث مبشّر، أتمنى أن يعيدنا إلى جادّات الصواب ومعاقل الحكمة لتقودنا نحو القلعة المتينة والنضال الصحيح؛ فنحن الضحايا، وعلينا أن نقاوم الظلم كما قاومه أباؤنا الذين بقوا في موطنهم ورفضوا جميع إغراءت السراب الذي كان ملفوفًا بعباءات العروبة على الدوام، وحذّروا من إغواء الشعارات المطربة حتى السُّكر، ومن وعد السماء لأنها كريمة ليس فقط معنا نحن العرب !
لقد صرخ محمد بركة كما صرخ معلّموه القدامى وقال "لن نرحل فنحن هنا باقون" ووعد بأن تبقى ميادين نضالاتنا في قلب الدولة كما هي في يركا وراهط وأم الفحم والناصرة وكفرياسيف.
فالبركة في تل-ابيب ! والقول كما قال محمد في تل- أبيب. فهل من عهد وأمل وجديد ؟
#جواد_بولس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسرائيل والمسألة الدرزية
-
قانون القومية اليهودية وصراعات القبائل العربية
-
قانون القومية:-إسرائيل فوق الجميع-
-
فلسطين دمعة التاريخ الحارة
-
بين يسارهم ويسارنا
-
فيليتسيا الفلسطينية
-
القائمة المشتركة و- المثلية الجنسية- في الكنيست
-
أسرى فلسطين الاداريون، إلى أين؟
-
هل زهافا جلئون حليفة أم عدوة ؟
-
قرار-عاجز-حكيم
-
بين حيفا وغزة يمّ ومثقفون وحلم
-
ماذا اذا كان قاضيك غريمك؟
-
حيفا عيّافة الزبد وولّادة المنى
-
ملاحظات أوّلية حول مسيرة عودة لم تبدأ
-
مسيرة العودة، بين مد وهدّ
-
نتنياهو ضيف على بوتين، ألقاء بين صديقين؟
-
رغم الهواجس، نعم للمجلس الوطني الفلسطيني
-
نزار الضحية رقم 14
-
أسرى حرية وليس أرقامًا للنسيان
-
هل تنازلت فلسطين عن - قيامتها-
المزيد.....
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
-
إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق
...
-
مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو
...
-
وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
-
شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
-
فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|