|
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول التطور الحضاري والمجتمع العبودي ط- انهيار الحضارة العبودية 1- 23
عبدالله اوجلان
الحوار المتمدن-العدد: 1504 - 2006 / 3 / 29 - 05:34
المحور:
القضية الكردية
4ـ علاقة النظام العبودي بالزمان والمكان: ثمة موضوع آخر يجب تعريفه وهو الزمن التاريخي للأنظمة وعلاقاتها بالظروف الجغرافية، فاستيعاب علاقة كل نظام مجتمعي بما نسميه بروح الزمان وبالقوالب الروحية والذهنية الأساسية للمرحلة أو العصر الذي جاءت فيه يحظى بأهمية على صعيد نيل المعلومات الصحيحة، فمن الصعوبة بمكان إسناد التشكل الذهني والروحي لعصرنا إلى علاقات النظام العبودي، ولا يمكن ذلك إلا بعملية تحول لبنية المجتمع التي تحملها شخصية الإنسان عن طريق تحريف كبير وتخريب للوعي، والذي يقابل ذلك هو وعي وإدراك الحرية ومستوى مقاومة الإرادة والنزعة العامة للعصر، إن الأبعاد التي ستحمل هذه المواقف وتطبيقاتها أكبر من ذلك بكثير، إذ لا نصيب لأي تطبيق مناقض لطبيعة العصر بالتقدم إلا في الحالات الخاصة" حروب، تمردات" لأن حالة الاتصال الموجودة والقوانين الكونية ومستويات الوحدة السياسية لا تعطي لتطبيقات كهذه فرصة الديمومة لفترة طويلة. ولهذا السبب فإن لأسلوب العلاقات العبودية علاقة وثيقة مع المراحل التي يتم فيها الاعتراف بحقوق الإنسان حتى الآن، وببقاء الاتصال ضعيفاً وعدم تشكل المؤسسات السياسية الداخلية والخارجية التي تقوم بالمحاسبة، فالهيمنة المطلقة للسلطة السياسية والدينية "هناك تداخل بين السياسة والدين" على أعضاء المجتمع هي الميزة الأساسية للنظام، لم تكن مؤسسات طبقة المالكين في النظام العبودي تجبر الفرد على الارتباط بالعلاقات التي تعتمد على الإشباع وحسب، بل عليه أن يؤقلم ذهنه وروحه وكل حياته وفق هذه العلاقة، وكانت الرابطة الزمنية للعبودية في العصور البدائية مرتبطة مع الإنسان بهذا النمط من العلاقات، لقد تم هنا إنشاء رابطة ديالكتيكية كاملة بين تشكل المجتمع وبين الزمن، وهذا ليس اختياراً طوعياً، لأنه حسب الفيزيائي أنيشتاين، فإن الزمن باعتباره بعداً نسبياً يقيد النظام، إنه بمثابة قوة كاملة، ومثلما لا يمكن أن يوجد النظام العبودي دون زمن، فلا يمكن أيضاً الحديث عن تشكل مجتمع لا يعيش مع الزمن، ولا يكفي قياس الزمن بحوادث الطبيعة على أنه مؤثر فقط، فالأهم من ذلك الوصول إلى مقياس المجتمع مع الزمن، فالزمان في العلوم الاجتماعية لم يستوعب بعد ولم يتم إبراز تأثيره، وأي علم اجتماعي صحيح تتوقف درجة صحته على تعيين مقياس الزمن وإضافة البعد الزمني على كافة العلاقات والتناقضات وتكوين الحركة الاجتماعية، وبناء عليه يمكن تحديد مراحل رئيسية إذا وضعنا ترتيباً زمنياً تاريخياً للحضارة العبودية. 1 ـ ولادتها وتطورها: من المحتمل أن هذه المرحلة استمرت في الفترة بين العامين 3500 ـ 2500 ق.م، حيث تم إنشاء الدولة، وتمت البرهنة على قدرة النظام على الاستمرار، فهو مناسب للتوسع والاستيطان، ويمكن لهذا النظام أن يعطي طابع السلالة أو المجموعة السياسية التي تتمتع بالسلطة المطلقة للكهنة ـ الملوك الذين تستروا خلف الوضع الذهني والروحي للإنسان، وخلف المثيولوجيا التي أخذت شكل مجمع الآلهة "بانتيون"، وفي الوقت الذي كانت فيه الهيمنة الإيديولوجية هي الأساس، فإن الإدارة السياسية الحديثة العهد كانت تأتي في المرتبة الثانية، وكانت السلطات المهيمنة التي أقامت الدولة تنظر إلى كافة العلاقات على انهما ملكيتهم المطلقة، ويمكن تسمية هذه المرحلة بنظام الملوك ـ الآلهة، فلقد تشكل جوهرها في الحضارة السومرية وأكثر ما تأثر بها هي حضارة المصريين وحضارة الهارابا في البنجاب والمهنجدارو ويعتقد أن مصر شهدت هذه المرحلة في الفترة بين 3000 ـ 2350 ق.م، وأما الحضارات الأخرى فقد شهدتها بين أعوام 2500 ـ 2000 ق.م. كانت الميثولوجيا هي الشكل الأساسي للفكر في هذا الوقت، لغتها شعرية، إذ كانت لغة الشعر مسيطرة على كافة أشكال الأفكار الميثولوجية في الأزمنة الأولى، وكان الشعر هو المعبر الحقيقي عن صفاء الحياة وسكونها، واللغة الشعرية هي رياضيات الحياة، والعلاقات التي تتمزق فيها الشاعرية هي علاقات تنم عن الانحطاط والاغتراب، والتظاهر الشعري للحياة يعتبر تجاوباً صحيحاً مع جوهرها، والابتعاد عن الشاعرية له علاقة بفقدان الحياة عن قرب. عند تناول هذا الموضوع يجب إلا نقع في الخطأ التالي؛ لا يمكن لمقاييس الأوزان، ترتيب المقاطع، الطول والقصر أن توضح حقيقة الشعر، وهي مجرد تفصيلات، فالامر الحاسم والأساسي والمحدد في لغة الشعر هو الجوهر الذي تتناوله وليس الجمل الموزونة والشكليات المختلفة الأخرى، وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه المرحلة تتضح من خلال مؤسسة الكتابة، وهناك علاقة أكيدة بين ولادة الحضارة وبين نظام الكتابة، وطبعاً عندما يقال ذلك لا يقصد به إشارات الأحرف والأرقام وحسب، بل والإشارات التي تعكس الفكرة، وبهذا فإن مرحلة فكرية وصلت الى هذا المستوى قادرة على خلق الحضارة. ظهر أيضاً فن عمارة المعابد والقصور باعتبارها إحدى المؤسسات الأساسية، فلا يمكن الحديث عن مرحلة عبودية لا تمتلك معابد وقصور، فقد تم إنجاز كافة القصور والمعابد في بداية مراحل النشوء واستمر التطور فيما بعد على هذا الشكل في المراحل اللاحقة، وكان نظام الملكية يمثل شكل العلاقات الدنيوية التي تسيطر عليها الآلهة، وكانت الملكية الجماعية هي الشكل السائد فالأرض هي ملك للجماعة، والادارة مصدرها إلهي، وما على العبيد إلا أن يقوموا بوظائف الخدمة. كانت المدينة مكان الاستقرار الأساسي، وهي المؤسسة التي تحدد روح المرحلة وذهنيتها، ولبدء الحضارة علاقة كبيرة مع دولة المدينة، فالمدينة لا تمثل شكل الاستيطان الفيزيائي فقط، بل كانت مركز المجتمع السياسي والاجتماعي الذي يخلق الروح والذهنية الجديدين، وتطورت وتكاثفت الحرف لكنها لم تكن مستقلة بعد، وتحكمها العلاقات العبودية كجزء من القصر والمعبد، وأساسها يعتمد على امتلاك الإنسان، وتحظى بشكل العلاقات المشابه للتجارة النامية، ويصعب الحديث عن الطبقة الوسطى وتكون شخصياتها، فقد كانت علاقة الحاكم والمحكوم، والإداري والمدار؛ المطلقة، علاقة من يملك كل شيء من جهة ومن لا يملك من جهة أخرى هي السائدة في كل المواضيع، ولا يمكن الحديث عن أية هوية أو إرادة أو حرية للطبقة الوسطى. كانت أدوات الإنتاج بشكل عام من إبداعات المجتمع النيوليثي، وبدخول إدارة المدينة الجديدة إلى الملكية الجماعية ظهر نمط جديد للعلاقات، ولا يصادف في هذا العهد أي إبداع بصنع أدوات خاصة به، ويصح هذا أيضاً على الأرض التي نظمت، فالري الصناعي والطبيعي كانا من أكثر الظواهر التي تم الارتباط بها، وتركت المجموعة الاثنية مكانها للمجتمع الطبقي، وتطورت ثقافة السلالات الحاكمة، وإن فهم المؤسسات المادية والبنية الروحية ـ الذهنية لتلك الشريحة الزمنية وتحليلها، هو من مسائل ومهام علم التاريخ الأساسية. 2 ـ مرحلة النضوج والانتشار: تشمل هذه المرحلة الفترة الممتدة بين 2500 ـ 500 ق.م، واختلفت من مركز لآخر، وأهم ميزات هذه المرحلة أن النظام أصبح أكثر رسوخاً وانتشاراً، ويترك المجتمع السومري في هذه المرحلة مكانه للبابليين والآشوريين في حوالي2000 ق.م، وتطورت مرحلة السيطرة البابلية والآشورية بشكل متداخل، لأنها جرت بشكل متداخل ومتناقض ورغم ذلك تتكاملان مع بعضهما البعض، وشهدت الأعوام من 2000 ـ 1600 ق.م، مرحلة الولادة والتطور ومن 1600 ـ 1000 ق.م مرحلة النضج المتوسط ومن 1000 ق.م ـ 100 م مرحلة الذروة والانهيار وأما الحضارة المصرية فقد مرت بمرحلة الولادة والتطور بين الأعوام 3000 ـ 2350 ق.م، وبمرحلة النضج المتوسط ما بين 2000ـ 1800 ق.م، وبمرحلة الذروة والانهيار 1500 ق.م إلى صفر، في حين ان حضارة الهارابا لم تتمكن من الاستمرار وزالت في أعوام 2000 ق.م، وأما التسلسل الزمني في الصين فكان على الشكل التالي: 1500 ـ 1000 ق.م، مرحلة الولادة والتطور، وما بين 1000 ـ 500 ق.م مرحلة النضج المتوسط، ومن 500 ق.م ـ 500 م مرحلة الذروة والانهيار، وفي الهند ما بين 1000 ـ 500 ق.م مرحلة الولادة والتطور ومن 500 ق.م ـ 500 م مرحلة النضج المتوسط، وما بين 500 ـ 1000م مرحلة الذروة والانهيار، والحضارة الإغريقية الرومانية هي عموماً نتاج لمرحلة نضج وتفسخ، أما بالنسبة للحضارات التي في مستوى أدنى مثل حضارات الحثيين والميتانيين والفينيقيين والعبريين والكريت، فقد كانت تشبه النموذج الرئيسي، وتحاول أن تعيش بشكل كلي أو جزئي ضمن نفس المراحل. إن الميزة الأكثر وضوحاً لهذه المرحلة هي النمو والانتشار عن طريق التوسع، لقد ارتفعت العديد من مستوطنات المرحلة السابقة والمدن التابعة لها إلى مستوى دويلات المدن، وولدت مراكز رئيسية جديدة، توزع المدن في جغرافية الشرق الأوسط كان أشبه بخريطة توزع النجوم، وأصبح الطابع الكهنوتي لنظام الدولة في المرتبة الثانية، وباتت أكثر ما تكون عبارة عن مؤسسة تقوم بمهمة إيديولوجية، وشعرت السلطة السياسية بأنها تمتلك قوة قريبة من الله ومارست هذا الشعور بحيث تعاظمت وكثرت المعابد والقصور وأزداد تأثير المؤسسة الملكية. وعلى صعيد التطور الاجتماعي، كان ميلاد الطبقة الوسطى واكتسابها شخصية خاصة، الميزة الأساسية للمرحلة، وشكلت فئة التجار والحرفيين نواة لتضخم المدن، ولعبت دور القوة المحركة في التطور الاقتصادي والاجتماعي وفي العلاقات القائمة بين المدن وبين المدينة والريف، ونال الحرفيون استقلاليتهم، وغدا للتجار تأثير يماثل تأثير دويلات المدن الصغيرة، لقد شكلت طابع شخصية التاجر والحرفي أساساً للآشوريين في البداية، وللفينيقيين والكريت والقرطاجة والعبرانيين والعديد من الدويلات الصغيرة في سواحل الأناضول، ويعد هؤلاء من أهم الطبقات الاجتماعية التي تأتي في الدرجة الثانية بعد مؤسسات الكهنة والملوك والتي ستلعب دوراً هاماً. وعلى الصعيد الاقتصادي فقد تطورت السلع وتزايدت المواد التي أصبحت موضوعاً للتجارة باستمرار وتطورت تجارة الرقيق وظهرت ورش تشبه المصانع، وكانت الكثير من الأعمال الاقتصادية تتابع تطورها خارج إشراف الدولة خاصة وأن الحضارة العبودية شهدت حوالي عام 1500 ق.م مرحلة "عولمة" يمكن أن يطلق عليها عولمة عصر البرونز، لقد بدأ النظام يعيش سعادة مرحلة النضج، ولأول مرة دخلت مؤسسة دبلوماسية غزيرة الهدايا الى العمل، وبهذا فان حضارة الشرق الأوسط كانت تعيش في عصر الثقة بالنفس بشكل لا يتزعزع. وتعرضت مثيولوجيا العصور الأولى للانكسار ليتطور الدين التوحيدي الذي ينطلق من عدم إمكانية تحول الإنسان إلى إله وعدم إمكانية تجسيد الإله في صنم، وهذا ما قاد عملية الانكسار الذي حدث، والتكامل بين الاقتصاد والتعبير الذهني عن التجارة المتمثل بالمصطلح الجديد "الإله الواحد" كان تدفع اكثر بهذا الاتجاه،كمثل حجر الأساس للبنى الإيديولوجية التي تخاطب كل البشرية، فبينما يتم تجاوز مرحلة الآلهة التي تحمي المدينة أو القبيلة، يبدأ الله وهو يحتضن البشرية جميعاً، ويمثل تقليد الإله الواحد ليلعب دوره التاريخي، ومن الواقعية أن نتحدث عن الانعكاسات المعنوية ودورها التاريخي الذي لا يقل عن دور الظروف المادية. يعد استخدام قوة الحصان في جر عربات الحرب واحدة من التطورات الهامة لهذه المرحلة، فلقد ازدهرت المؤسسة العسكرية لأول مرة بفضل استخدام العربات التي تجرها الخيول لذا كادت ان تصل مكانتها إلى السماء، نعم لقد بدأت أهم قوة مسرعة للتاريخ. إن هذه التقنية الموجودة تحت سيطرة الطبقة العليا بالإضافة إلى الأسلحة البرونزية، كانت تبشر عن عصر القيادات العسكرية القوية، ولقد وصلت هذه السيطرة بشخص حمورابي ملك بابل إلى أقوى تعبير لها. 3 ـ المرحلة التقليدية للحضارة أو عصر الذروة والانهيار: جرت هذه المرحلة في الفترة الزمنية ما بين 500 ق.م ـ 500م، ففي الوقت الذي تركت فيها ميزوبوتاميا موقعها المركزي في الحضارة للإمبراطورية الميدية ـ الفارسية في الشرق، تركت مصر والأناضول موقعها المركزي للحضارة الإغريقية ـ الرومانية في الغرب، لقد تجاوزت إمبراطورية ميديا ـ الفرس التزمت والتطرف البابلي والآشوري لتمثل مرحلة تتميز بالعدل والسلام، وتركت خلفها مرحلة الفراعنة والنمروديين الذين خلقوا خيالاً لا يتزعزع، وبشرت بزمن لم تعد فيه العبودية قَدَراً، وأن الحرية والخلاص أمور ممكنة وكان ذلك بمثابة تعبير عن إمكانية تحطيم السلاسل العبودية التي التفت حول البشرية حتى أعناقها، وفي الوقت الذي كان فيه الإغريق والرومان في الغرب، يسندون بظهرهم إلى قوة العقل والفلسفة ليوصلوا نظامهم إلى الذروة، كانوا يزرعون كل عناصر الانحطاط في داخلهم، فبينما كانت جمهورية روما العبودية وديمقراطية أثينا تؤكدان قوة الفلسفة، كانت تعترف أيضاً بعدم مواكبة النظام لها، ولا يمكن أن تبقى السلطة التي أوصلت نفسها إلى مرتبة الإله والتي تمثل الخاصية الأساسية للحضارة العبودية أن تبقى في حيز واحد مع الاعتقاد المتحرر والإرادة والفكر لفترة طويلة من الزمن، فصعود أي نظام إلى الذروة ناجم عن وجود التناقضات السابقة لمرحلة الانحلال مثلما تكون هذه التناقضات سبباً لانحطاطها وانهيارها أيضاً، نظراً لأنها تفعل فعلها في القطب المضاد، فعندما يقوم التناقض بتطوير أحد أطرافها تتسبب في سقوط الطرف الآخر، وبذلك يكون النظام قد دخل في أسرع مراحله، فالتسارع ينم عن زيادة دور الزمن، حيث تكون السرعة هادمة وبانية في نفس الوقت، والتسارع في أية بنية يعني توفر عناصر الانهيار والتأسيس وتحريكها من جديد، وبهذا المعنى يكون التاريخ قد دخل في مرحلة التسارع ابتداءً من أعوام 500 ق.م، وبدأت مرحلة الانتقال من الطرف الشرقي للحضارة إلى طرفها الغربي على ظهر الحصان في أسرع وقت، ودخلت الحركة التجارية السلعية والفكرية في قطع نفس المسافة ودورانها بنفس السرعة، ففي حين كانت عملية التمايز بين الشرق ـ الغرب في مرحلة تطور، كانت الحركة بين هذين القطبين مستمرة على كافة المستويات، وترك النزاع الفارسي الإغريقي مكانه للصراع الروماني الساساني، ودبلوماسية التوازن جلبت معها تكوينات جديدة وكثيرة. شهدت هذه المرحلة بالإضافة إلى طاقة الحيوانات حالة تطور تسمح بالاستفادة من طاقة الريح والماء بشكل اكبر، وبدء باستخدام النقود، وتطورت مهن الزجاج والكتاب في هذه المرحلة، وتطور فن عمارة المدن التقليدية بشكل لا مثيل له وتعمقت جذور العلمانية وواصلت الطبقة الوسطى تطورها الكمي والنوعي، وكانت مسيحية عيسى باعتبارها دين الإنسانية الكوني في حالة تشكل، كأقوى حركة أخلاقية عقائدية لتمثل أقوى حزب اجتماعي، وكانت الطرق الصوفية وعلى رأسها المانوية تتطور وتكبر ككرة ثلجية، والمدارس الفلسفية وعلى رأسها الستوائية استمرت في الانتشار، وراحت الحضارة مع روما العالمية تفرض عولمتها على كافة الصعد، ولم تعد هناك أية مؤسسة في النظام العبودي تمتلك قوة من شأنها أن توقف الإنسانية التي تحركت على مستوى النظرية والتطبيق، لقد حان وقت الولادة الجديدة، فيزداد تسارع زمن النظام العبودي الذي تباطأ لفترة طويلة، وتلد القرون الوسطى من أجل خلق زمن أقوى وأسرع للحضارة. رغم أن علاقة الحضارة بالجغرافيا هي علاقة ميكانيكية، إلا أنها تتضمن في جوهرها معنى ديالكتيكياً، فلولا الهلال الخصيب لما كانت هناك حضارة سومرية أو مصرية، ولو لا الحضارتين السومرية والمصرية لما وجد الشرق الأوسط، ولولا وجود الشرق الأوسط لما تطورت الحضارة الهندية والصينية في الشرق، والحضارة الإغريقية الرومانية في الغرب، ولو لم تكن الحضارة الإغريقية والرومانية لما وجدت الحضارة الأوروبية الراهنة، هناك سلسلة مكانية مرتبطة بشدة الارتباط بالسلسلة التاريخية كارتباط البعد الزمني، يجب عدم تناول الرابطة الموجودة بين التاريخ والجغرافيا باعتبارها رابطة فيزيائية بحتة أو باعتبارها أجزاء طبيعية مناسبة، فهناك علاقة وثيقة بين تشكل المجتمع النيوليثي والمناخ الجغرافي والغطاء النباتي والحيواني، ومنح التاريخ والطبيعة هذه الفرصة لجغرافية الهلال الخصيب، إن الذين فتحوا هذه الجغرافيا والثورة الزراعية العظيمة هم بمثابة الأبطال الحقيقيين الذين فتحوا الطريق أمام ولادة التاريخ في رحم أمه وفي مهد البشرية، وهم بمثابة الآلهة المجهولين في التاريخ وأبطال الجهد، فقد بدأ التاريخ على هذا الأساس ولكنه كُتب كذباً ونفاقاً، فالطفل قد نشأ هنا ولكن الآخرين قاموا بتسميته، وتم خلق كل مقومات الحضارة هنا ولكن الآخرين استولوا عليها، ولازال هؤلاء يغذون الحضارة ولكن الآخرون يعيشون، فإذا لم يتم الاعتراف بعطاءات الهلال الخصيب للتاريخ ولم يتم إعطاءه حقه فلن يستطيع التاريخ إنقاذ نفسه من كونه تاريخاً للأكاذيب ويفتقر إلى الجذور. لقد أكد هيرودوت في زمنه أن مصر هي هبة النيل، وبينما كان الإندوس والبنجاب ينجبان الحضارة الهندية كان النهر الأصفر ينجب الصين، كما أن ميزة الري الطبيعي في الأناضول أنجبت كل الحضارات التي تغذت منها، وكذلك أنجبت التجارة التي تسارعت عن تشكل المراكز الحضارية، الجزر الحضارية المتلاحقة وفي النقاط الجغرافية المتلاحقة، ويمتاز البحر الأبيض المتوسط بأنه أقدم وأكبر بحر حضاري سواء كان بمياهه أو بسواحله، فبنيته الترابية والمناخية المناسبة حولـت كل أوروبا إلى أكبر مركز للحضارة، لذا من المهم دراسة كل جغرافية من الزاوية الاجتماعية والتاريخية، فالجغرافيا بجوانبها السلبية والإيجابية ذات تأثير أساسي ومستمر على الحضارة، وعلى بنية المجتمع وتطوره بشكل عام، فإذا تم وصف مشاكل البيئة في أيامنا هذه بالكارثة، فإن هذه الكارثة مرتبطة أشد الارتباط بانعدام وعي عصرنا، وهذا الموضوع له علاقة وثيقة بالعلاقات العمياء التي تسود المجتمع والجغرافية في عصرنا الذي يدعي العلمية، والجوانب الحضارية التي تتناقض مع الطبيعة. إن الجغرافية تلعب دور المهد في واقع المجتمع ولا يمكن للبشرية أن تبقى على قيد الحياة بدونه لذا عليها ألا تقوم بتخريب مهدها، وهذه هي نتيجة من أهم النتائج التي يمكن أن نستنبطها من تحليل الحضارة.
#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الخضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة اليمقراطية الفصل الاول ا
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
المزيد.....
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
-
صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي
...
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
-
-الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
-
مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا
...
-
اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات
...
-
اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
-
ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|