نقاش مع محور المقاومة
في الربط بين المهام الأممية والمهام الوطنية
تعتبر حركة السلام التي تجتاح العالم في الوقت الحاضر تعبيراً عن رفض السياسة الأمريكية المبنية على النمط النيوليبرالي والمتجسدة في اطروحات ما يسمى بمفهوم القرن الأمريكي الجديد. وتعتبر هذه الحركات بحق جزءاً من نضال متغير الأشكال ضد الرأسمالية في هذه المرحلة من تطورها، حيث تتبلور أكثر فأكثر ارهاصات مابعد النتهاء الحرب الباردة، وتريد الرأسمالية أن تبلور ما استطاعت أن تنجزه من تغيرات على الصعيد الدولي من خلال استراتيجية جديدة للسيطرة على العالم ضمن اطار القطب الواحد والحديث عن القوة الأعظم. وعليه يمكن النظر الى هذا الحركة الجماهيرية العارمة المناهضة للحرب كشكل نضالي على الصعيد العالمي بالضد من عسكرة التوجهات السياسية الامريكية بعد 11 ايلول 2001، حيث خرجت الولايات المتحدة الأمريكية من اتقاقية الصواريخ الباليستية، وتصرعلى التعامل الانفرادي على المستوى الدولي، وتلجأ بعجالة الى الاعتداء على الغير بحجة " الضربات الوقائية"، من دون مبررات مقنعة او سند شرعي، وتتوجه نحو توسيع هذه الممارسات.
ويشارك اليوم في حركات السلام الملايين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، ومن شتى الاصول القومية والانتماءات الدينية، تجمعهم الرغبة في درء العدوان واستبعاد الحرب، والسعي الى حل الخلافات بالطرق السلمية، وعلى اساس من احترام الشرعية والقانون الدوليين، انها تشكل محوراً أساسياً في مقاومة سياسات الرأسمالية المعاصرة.
ان تعامل الإدارة الأمريكية مع القضية العراقية، استثارت الحركة العالمية الجبارة المدافعة عن السلام.وأزعم أن هذه الحركة استمرارـ بشكل آخرـ للنضال الذي تجسد في السنولت الماضية من خلال نشاطات مناهضي العولمة التي انفجرت بشكل غاضب نهاية الألفية الثانية في سياتل وعمت روما وغيرها من المدن التي نظمت الجماهير نفسها على الصعيد العالمي لمواجهة الرأسمالية المعاصرة.
إلا أن هذا الطابع العالمي للنضال ضد الرأسمالية في طورها الجديد ( مناهضي العولمة، حركات السلام ) ـ على الرغم من وجود اختلاف في طبيعة الحركتين ـ، أو أشكال جديدة أخرى ستبدعها الجماهير في ميادين النضال والمقاومة، يجب أن لا يكون متناقضاً مع مفردات النضال الوطني الديمقراطي على الصعيد الوطني وفي كل بلد على حدة. ويجب القول بأننا سنقع في وهم كبير وخطير بل وقاتل اذا ما توهمنا بامكانية مواجهة التوجهات الجديدة للرأسمالية المعاصرة ونموذجها الأمريكي، اعتماداً على أنظمة ديكتاتورية قامعة لشعوبها، أواذا جرى الدفاع عن مثل هذه الأنظمة بحجة مواجهة الامبريالية، فلا يمكن مواجهة الرأسمالية وشرورها وسياساتها الا بالاستناد على الطاقات الحرة للجماهير المتحررة التي تمتلك امكانيات التعبير الحر. وبالتالي يمكن القول ان النضال من أجل التحرر من الديكتاتورية وعبر الإعتماد على الطاقات الحرة للجماهير والنضال من أجل الديمقراطية (ليس وفق النموذج الأمريكي) في بلد مثل العراق سيعزز جبهة القوى المناضلة ضد العولمة المتوحشة والسيادة الأمريكية على العالم.
ان الحركات المناهضة للحروب الإمبريالية والداعية للسلام يجب ان تتحلى بتوجهات جديدة مبنية أساساً على الربط بين رفض الحرب ومناصرة السلام من جانب، وبين النضال ضد الديكتاتورية ومن اجل الحرية والديمقراطية من جانب اخر.وقد أدركت فصائل حيوية ضمن هذه الحركات هذه الحقيقة، وستحمل المظاهرات القادمة في الكثير من البلدان شعار لا للديكتاتورية الى جانب شعار لا للحرب. فعلى سبيل المثال قرر المنبر الهولندي ضد الحرب تبني هذا الشعار في مظاهرته الرئيسية في 22/ آذار القادم.
ان الديكتاتورية الحاكمة في العراق تحاول تشويه تضامن الجماهير المناهضة للحرب مع شعبنا، وتجييره لمصلحة بقاءه.
الأمر الذي يلقي على عاتقنا كقوى يسار وحركات مقاومة لسياسات الرأسمالية، تبصير حركات السلام والجماهير الرافضة للحرب، بالخطر الكامن في ابراز شعار مناهضة الحرب دون شعار ادانة الدكتاتورية. كما ان التأكيد على مناهضة الحرب فقط دون الاشارة الى التضامن مع الشعب العراقي في نضاله ضد الديكتاتورية الحاكمة بشكل واضح صريح، من شأنه أن يزيد من تعنت الديكتاتورية الحاكمة في العراق، معتفداً بأن الجماهير المليونية التي خرجت ضد الحرب تقف حقاً في صفه، فيدفعه الى التعنت في مواقفه، وبالتالي الى تيسير اشعال الحرب!
إن هذه الوجهة الواضحة كانت مفقودة في بيان محور المقاومة والذي كان بعنوان بيان تضامني مع كوريا الشمالية وفلسطين والعراق وفنزويلا، والذي وقعته 8 جهات، كانت نشرة الحوار المتمدن احداها.
فقد جاء في البيان " نحن بعبارات واضحة وصريحة نستنكر محاولات الإعتداء العسكري على الشعب العراقي، اضافةً الى ذلك فاننا نقف كتفاً لكتف مع حقهم في السيادة الوطنية، وندعو الى الغاء جميع العقوبات والحصارات التي استعملت لتجويع عطشهم للحرية"
ان العبارات الواردة في البيان عمومية جداً. وليست هذه العمومية محض صدفة، بل تعتبر تعبيراً عن وجهة فكرية تركز على جانب ( السياسة الأمريكية الظالمة والمعادية للشعوب) ـ وهذا الأمر لا خلاف في ضرورة التركيز عليه وابرازه ـ وتهمل الجانب الآخر( معاناة الشعب العراقي في ظل الديكتاتورية الحاكمة).
وما دام البيان يريد أن يتحدث بعبارات صريحة وواضحة، كجبهة عالمية معادية للإمبريالية، فلا بد أن يشير بوضوح الى التضامن مع الشعب العراقي ضد الحرب وضد ديكتاتورية صدام حيسن الحاكمة.
ان قوى اليسار والديمقراطية في العراق ومن ضمنها الحزب الشيوعي العراقي ترفض خيار الحرب الأمريكية من أجل تغيير النظام، باعتباره الخيار الاسوأ والاشد تدميراً وتخريباَ، ولأنه، كذلك، سيأتي بالاحتلال والحكم العسكري ، ولن يجلب الديمقراطية، إضافةً الى ما سيتعرض له شعبنا من أهوال في حرب شاملة، تستخدم فيها الاسلحة الحديثة و ستمتد آثارها الى المستقبل، اضافةً الى استحقاقاتها السياسية.
إن للولايات المتحدة الأمريكية أهداف أوسع من تغيير النظام في العراق. فمن الواضح ان الخريطة التي أمام الولايات المتحدة أوسع من خريطة العراق، والمراد اجراء تغييرات وفق الطريقة الأمريكية و تحويل المنطقة الى منطلق استراتيجي لتعزيز النفوذ السياسي - العسكري - الاقتصادي في العالم.
ولكن هذه السياسة الأمريكية المعادية للشعوب يجب أن لا تكون على حساب عدم ذكر معاناة الشعب العراقي طيلة عقود بسبب سياسات نظام صدام حسين.
ان البيان الصادر من محور التضامن ولكي لا يكتنفه الغموض، من الضروري أن يتناول الأحداث والتضامن مع الشعوب المذكورة في البيان وفق حقيقة الأوضاع في كل بلد. فعلى سبيل المثال من الضروري التضامن مع الحكومة الفنزويلية لكونها حكومة منتخبة ذات رصيد شعبي وجماهيري، حيث ردت الجماهير على الإنقلاب العسكري الأمريكي بافشال الإنقلاب والحفاظ على الشرعية التي وجدت عبر الأصوات الحرة للناخبين الفنزوليين في انتخابات ديمقراطية نزيهة. وبالتالي ينبغي التضامن مع الشعب الفنزويلي والحكومة الفنزويلية التي تضمن حق التظاهر والمعارضة ، وكذلك الأمر بالنسبة للقضية الفلسطينية حيث اعتقد بضرورة التضامن مع الشعب والسلطة الوطنية الفلسطينية معاً. أما الأمر في العراق فقد ذكرت في بداية الأمر الحالة العراقية التي تتطلب بشكل واضح وصريح وعبارات لا يكتنفها الغموض، كل التضامن مع الشعب العراقي في نضاله ضد الديكتاتورية الحاكمة التي لا تتمتع بأي رصيد شعبي، اضافة الى التضامن معه ضد كارثة الحرب الأمريكية والاحتلال المتوقع، وسوف لا نقول جديداً اذا قلنا بأن حقوق الانسان كمفهوم وحالات غير موجودة أصلاً، وبالتالي فان استخدام مصطلح انتهاكات حقوق الأنسان في العراق قد لا تكون مجدية مع وحشية النظام الحاكم وهمجيته.
واذا استطاعت قوى الخير والسلام في العالم والقوى المناهضة للامبريالية من درء كارثة الحرب وتحقق رفع الحصار عن الشعب العراقي مع بقاء الديكتاتورية، فإن حاجة الشعب العراقي في الوقت الحاضر وخطر الحرب ماثلة للعيان للتضامن والتكاتف معه للخلاص من الديكتاتورية حاجة ماسة وستبقى هذه الحاجة ما دامت الديكتاتورية باقية، وعليه لاينبغي التعامل مع قضية التضامن مع الشعب العراقي ضد الحرب والتضامن معه ضد الديكتاتورية بمنطق أولوية أحدهما على الآخر بشكل ميكانيكي. ان التضامن مع الأمرين مترابط ويكمل أحدهما الآخر وفق المعطيات المطروحة في الواقع العراقي.
ان الربط السليم بين مهامنا الأممية على الصعيد العالمي والمهام الوطنية في اطار كل بلد شرط أساسي للتوجه الصحيح والمنطقي لمواجهة الرأسمالية المتوحشة ونمطها الأمريكي.
**********************************
محور المقاومة!!! بيان للتضامن مع كوريا الاشتراكية-فلسطين-العراق-فنزويلا