السويد
" من اجل الانسانية يجب ان تمزق سيادة العراق "
بيرنارد كوشنر
لقد مرت مئات ولربما الوف السنين على العيش المشترك بين شعبين شاء القدر ان يعانون من الاضطهاد الاجنبي معا ولربما يكون لهما مصيرا واحدا. وشاء القدر ايضا ان يكون للعرب لغة مسموعة ومصالح عديدة ودول عديدة على عكس الاكراد الذي شاء القدر ان لايكون لهم كلمة مسموعة وان تقسم بلادهم وتحتل من قبل بلدانا عديدة. وشاء القدر ان يحتل العرب جزءا من بلاد الكرد ويعتبروا انفسهم اسيادا وان يعتبروا الكرد شعبا من الدرجة العاشرة وجزءا لا يتجزء من الامة العربية.
لقد تطورت الامم و الشعوب وشاء القدر ان لا يتطور القسم الشرقي من الكرة الارضية كما تطور القسم الغربي منها، لننحرم نحن الذين نسكن القسم الشرقي من ابسط الحقوق الانسانية وتصّدر كرامتنا ونعيش في حالة يرثى لها. وبفضل الفضائيات و استخدام تقنية المعلومات استطاع العرب ان يتنفسوا ويعبروا عما تكمن في صدورهم بعيدا عن سيوف حكامهم. ولكن الذي لم يجري عليها التغير بنفس المستوى هو النظرة الاستعلائية والغير الانسانية للشعوب التي بقيت ترضخ تحت الاحتلال العربي. وحتي هذه اللحظة وحتي الفضائيات العربية والصحف العربية الصادرة في البلدان الديقراطية لا تسمح بالاصوات المنتقدة للعرب ان تعبر عن نفسها بدون رقابة بنفس المستوى التي تسمح للاصوات العربية والغير العربية التي تنتقد اسرائيل والولايات لامتحدة. ولكنني ساحاول في مقالي هذا التركيز على دور المثقف العربي السلبي تجاه الشعب الكردي وانتقاده من الداخل لكي يكون على بينة بما تشعر بها الامم التي ترضخ تحت السلطة العربية آملا ان يتفهم الوضع ويتحرك لتغير الواقع المأساوي. وكذلك ابحث في الحجج التي تدعم النموذج الياباني للديمقراطية كبديل لاقامة ديقراطية دستورية في العراق. لقد ارسلت هذا المقال قبل فترة طويلة جدا الي جريدة الحياة والشرق الاوسط، والزمان ولكنني لم اكن متاكدا من ان تللك الصحف العربية توافق على نشرها وذلك لان الاعلام العربي ومن ضنمه الصحف والقنوات التي تتخذ من اوربا مركزا لها لا توافق على نشر الاصوات التي تنتقد العرب، فناهيك عن الاصوات التي تمتدح اعداء العرب وخصوصا اذا كانت تلك الاصوات تاتي من الامم الرازحة تحت وطئة الاضطهاد العربي كالاكراد، ولا يوجد في هذا المجال ما يمكن ان نسميه حرية التعبير. ورغما من انني طلبت من تلك الصحف اخباري بمصير هذه المقالة ، فلم احصل على اي رد منهم و لم تنشر المقالة وذلك بسبب الانتقادات الواردة فيه تجاه العقلية السائدة لدى المثقفين العرب والاوساط الثقافية والاعلام العربي السائد. وفي اخر محاولة سارسله اليكم املا ان يجد طريقه للنشر ويرى النور .
عندما قامت الولايات المتحدة اثناء الحرب العالمية الثانية باجتياح اليابان التي كانت ترزح تحت سيطرة السامورائيين اليابانيين، لم تجد فيها اي قدر من الديمقراطية. فلقد كانت اليابان من الدول المتخلفة من الناحية الاجتماعية ولاتزال هذة الناحية تتخلف كثيرا عن التقدم التقني والسياسي الهائل التي بلغتها اليابان في السنوات الماضية. ولقد ساهم الدستور الياباني الصادر عام 1889 في بناء نظام سياسي ذو سلطة تشريعية ضعيفة و سلطة تنفيدية قوية جدا من اجل تثبيت سلطة القيصر الذي كان اليابانيون حتي سقوط البلاد امام الامريكيين يعتبرونه الها مقدسا لايمكن المساس به. وحتى قبل الاحتلال الامريكي كان هناك صراع كبير بين القوى المستبدة والقوى الليبرالية في البلاد. ولكن الاحتلال الامريكي (1945-1952) وضع اساسا لبناء التغيرات السياسية وتأهيل اليابان للدخول الى حلبة الديمقراطيات الدستورية. فلقد صدرت العديد من التشريعات والاصلاحات تحت ضغط سلطات الاحتلال لبناء مقومات الدستور الحالي الذي لا نظير له ليس في اسيا فقط وانما في كامل الجزء الشرقي من المنظومة االدولية. لقد وضعت سلطات الاحتلال اسس الدستور الياباني الجديد لعام 1946 والذي بدأ العمل به عام 1947، وفرضته على الاحزاب والقوى السياسية اليابانية التي لم تستطع ان ترفضه او تناور كثيرا كما هي الحال عند المعارضة العراقية. لقد عانت اليابان كثيرا ولم تسمح تناحرات و اختلافات الاحزاب اليابانية بسن التشريعات الديمقراطية في البلاد علي مر عقود كثيرة.
فهناك العديد من التشابهات بين العراق واليابان وبعض النقاط التي تورجح تطبيق النموذج الياباني في العراق. فبينما سيطر السامورائيين على دفة الامور في اليابان فلقد سيطر البعثيون على مقاليد الامور في العراق ولم يدعوا معارضيهم ان يتنفسوا. فبينما احتفظ الفرد الياباني ببعض الحقوق وانفصل السلطات الثلاث عن بعضها بعض الشئ، فلقد سلب البعثيون المواطنين كل حقوقهم عدى حق التصويت لقرارات البعث. فلقد تم اغتيال كل الاصوات المعارضة واصبح النظام من القوة بحيث لم تستطيع جميع القوى المعارضة اسقاطها. واذا كانت اليابان دولة وحيدة لم تساندها اي من الدول الاخرى في استبدادها، فان هناك مجموعة من الدول العربية والمثقفين العرب كانت تساند النظام الارهابي في العراق عن طريق الدعم المعنوي والكتابات والقصائد التي مجدت القائد العراقي ليصبح ديكتاتور العرب الاوحد. هذة هي اخطر السياسات التي سلكتها الدول العربية والمواطنين العرب اما حفاظا علي نفسها او محاولة لتجميع المال او كليهما معا.
ان الحالة الاجتماعية المتخلفة التي كانت اليابان تعيشها هي احدى النقاط الجوهرية المشتركة التي تجمع بين الدولتين. فكلا البلدين يعيشان في حالة من العزلة والشعب يعيش في حالة من الاضطهاد والمعاناة النفسية والسياسية ولاجتماعية. اضف الى ذلك فان هامش الحرية الذي كان يتمتع به الفرد الياباني لم يعد يتمتع به المواطن الساكن في حدود الدولة العراقية. فلا احد يستطيع ان يفكر ويتحدث بشكل مغاير لما يفكر ويتحدث به البعثيون. فعندما نقرأ ونسمع ونشاهد وسائل الاعلام العراقية فأننا نلاحظ رأيا ومنظورا واحدا وهو الرأي الراي والمنظور البعثي. فحتى الصحف والتلفزة العربية التي تزور بغداد لا تجرء ان توجه سؤالا واحدا تفوح منه رائحة النقد. حتى الذين من هم على شاكلة عبدالباري عطوان والذين يدافعون ليل نهار عن الدكتاتورية والارهاب الدولي، لا يجرؤن عند زيارتهم لبغداد ان ينتقدوا النظام في عقر داره.
ان النظام الساسي الياباني كان اكثر تطورا من العراقي، ولكن رغما عن هذا فكان هناك تمجيدا للقيصر الياباني. فالشعب كان يقدس القيصر ويعتبره امتدادا لسلطة الاله على الارض. فلقد بهر الكثيرون عند اندحار القيصر اثناء الحرب الكونية الثانية وانتحر الكثيرون بعد ذلك. وبنفس الوتيرة فان هناك تقديسا للرئيس العراقي ولكن وبعكس الاتجاه، اي بقوة السيف والمال. ولقد شكلت العديد من الاجهزة الاستخباراتية الحديثة لكي تراقب احدهما الاخر. وعلى عكس اليابان فليس هناك فى العراق احزابا لكي تتنافس بينهما، وقد تجمعت السطات الثلاث في يد شخص واحد فقط. اضف الى ذلك فان هناك اضطهادا قوميا وعرقيا في العراق ومشاكل عويصة عقدها النظام لكي يصبح حلها صعبا على الانضمة القادمة في العراق.
ان المعارضة العراقية غير متدربة علىالممارسات الديمقراطية وان البعض غير قادر على هضمها. فان الكثيرون يرون بانهم لهم كل الحق في ممارسة طقوسهم وعروبتهم ولكن البحث في استقلال الدولة الكردية امر حرام وتعتبر احدى محاولات الصهيونية لتجزئة الامة العربية. ان المعارضة العربية في البلدان ذات القوميات المتعددة تفكر بنفس المنوال ولا تعتقد ان جميع الامم من عربية وكردية ويهودية غيرها لهم الحق في تأسيس دولتهم الخاصة ولهم الحق ان يمارسوا جميع حقوقهم. ان عدم التدخل في شوون البلدان بحجة انها مسألة داخلية تمسي سيادة الدول، قد ولى. ان حقوق الانسان وحريته تستوجب كسر ذلك الطوق الكلاسيكي والتدخل لحماية الفرد من الاذلال. فلا احد ينكر ان التخل في يوغسلافيا وراوندا لم تكن في صالح الشعوب التي سلبت منها حقوقها .ان حقوق الانسان حدا بالفرنسي بيرنارد كوشنر ان يعلن اثناء حرب الكويت وتشرد الملايين من الاكراد الى ان يقول" من اجل الانسانية يجب ان يحطم سيادة العراق". ان العرب غاضبون اليوم لان الامر تمس سيادة دولة عربية، ولكن الاجدر بهم ان يفكروا في حقوق الانسان وليس قي سيادة الدول.
ان من يعتقد بأن الولايات المتحدة تتدخل لبناء الديقراطيات دون التفكير بمصالحها الخاصة فهو يحاول ان يخدع نفسه قبل كل شئ. فالتدخل الحالي في العراق قبل كل شئ هو في مصلحة الولايات المتحدة وبعد ذلك في مصلحة العراقيين جميعا. انني اعتقد بأن المعارضة العراقية على حق من ان تتحالف مع الولايات المتحدة لابادة النظام العراقي. ففي هذة اللحظة التقت مصالح الطرفين لازالة النظام وبناء عراق ديموقراطي فيدرالي. ان من الغريب في الامر ان الاغلبية الساحقة التي ترفض الحرب او الاحتلال الامريكي هم من العرب الغير العراقيين الذين يدافعون ليل نهار عن بقاء احد اعتد الدكتاتوريات في عالمنا المعاصر. ان خطابات وكتابات هؤلاء سؤاء كانت عبارة عن كتابات صحف او مقالات او برامج اذاعية او تلفزيونية فهي لا تزال احادية الجانب ، فهي تركز على انتقاد الطرف الغربي وبالاخص الولايات المتحدة دون الانشغال بانتقاد وفضح السياسات التي يمارسها الطرف العراقي والعربي. ان اهمال النقد المزدوج بحجة ان الفرد يقف امام طرف غير عربي او غير كردي يفسد عملية النقد ويتسبب في نخر احداثيات المجتمع الذي نعيش فيه. اننا نستطيع ان ننتقد التصرفات الامريكية والعراقية معا، وان زمن السكوت والتستر على الانتهاكات المحلية بحجة اننا نواجه عدوانا خارجيا، قد ولىّ.
اما العراقيون في الداخل فانهم يرحبون بهذا الهجوم لانهم فقط يعرفون ما عانوه خلال العقود المنصرمة وهم فقط يعرفون ماذا يعني بقاء النظام الحالي. هؤلاء المدافعين عن الشعب العراقي (حسبما يدعون) لم يخرجوا للشوارع يوما للدفاع عن هذا الشعب. اين كانوا هؤلاء عندما اقيمت المجازر العديدة ضد العراقيين. ويقبع اليوم الالوف المؤلفة من العراقيين في السجون المظلمة، فلماذا لم يدافع هؤلاء عنهم. ان عدم مجابهة الولايات المتحدة التي تنوي ازالة احد اعتق الدكتاتوريات المعاصرة ليس جبنا، بل انه خيار يقوم به الشعب العراقي الذي طالما كان بحاجة اليه. لقد طلب العراقيون يد المساعدة من الشعوب العربية الاخرى، ولكنهم لم يحصلوا على اي شئ يذكر.
ان القيادة العراقية اذكى بكثير من الفلسطينيين والعديد من الشخصيات والكتاب العرب. فجميع الخطابات مليئة بالشعارات الموجهة ضد اسرائيل في العلن لكسب ود الشارع العربي. فاذا بالفلسطينيين والعديد من الشخصيات العربية المرموقة للاسف تدافع عن القيادة العراقية في كل حدب وصوب. اخر هؤلاء كان الكاتب الفلسطيني الكبير ادوارد سعيد الذي انزلق وبكل اسف الى ذلك المستوى الذي بلغه القوميون المتطرفون في الهجوم علي شخصيات عربية معتدلة ككنعان مكية. وهناك الكثيرون ممن خصصوا كتاباتهم لتمجيد الدكتاتور متناسيا بذلك احداثيات الفكر البشري وديمومة الحقوق الانسانية وخلطوا الحابل بالنابل .
لا احد ينكر من ان الحرب لها اكثر من ضرر و تساهم في تثبيت اركان الولايات المتحدة في المنطقة ولكن ما الذي جنيناه من الانظمة العربية؟ انني على يقين بأنني افكر بشكل مغاير لما تفكر به انت، ولكن دعني لادافع عن شعبي كما ادعك انت لتدافع عن شعبك. لقد تم احتلال كردستان من قبل اربعة دول وظلت ترزح تحت هذا الاحتلال ليل نهار دون ان تدافع عني انت. لقد كنت مواطنا من الدرجة العاشرة ولم يكن لدي اي حق سوى التنكيل والسجن. دعني اتسائل كم من المثقفين العرب خرج ليتظاهر ضد قتل 5000 كردي بالاسلحة الكيمياوية في هلبجة واختفاء 8000 من البرزانيين. كم من الدواوين الشعرية كتبت وكم من الكتب صدرت كم من المظاهرات خرجت عندما قتل 182000 من الكرد في ابشع مجزرة في التاريخ الحديث. بينما كتبت وقيلت الالوف والملايين من الكلمات والصفحات( كما يدعي كنعان مكية) لقتل 2000 فلسطيني منذ بداية الانتفاضة. كم هو عدد الذين يفكرون مثل منذر الفضل ومكية بأن للكرد حق في تاسيس دولتهم وكم من العرب كهادي العلوي كتب "رداء البراءة" . لماذا ملئت الكتب بالحديث عن هيروشيما التي تبعد عنا الاف الاميال ولم نلاحظ الا نادرا شيئا عن هلبجة.
انني اتفق مع العربي بأن للفلسطينيين الحق في تأسيس دولتهم و انهم يعانون ظلما واضطهادا وان اسرئيل اغتصبت اراضيهم ... والخ. ولكن عندما ياتي الحديث عن احتلال العراق لكردستان، عن الابادة التي يتعرضون لها، عن ان لهم بلادا سكنوه منذ 4500 سنة قبل الميلاد، عن ان اسم بلادهم كردستان وعن ان للكرد الحق فى الانفصال عن العراق،... الخ. عند الحديث عن هذة الامور تثور ثائرة العربي الذي هو من اقرب الشاهدين على الحالة التي يمر بها الاكراد. اذا كانت فلسطين محتلة وتعاني من القتل وتتعرض للابادة، فكردستان محتلة وتعاني من القتل وتتعرض للابادة. واذا كانت انفصال الدولة الكردية هي تجزئة للعراق ومؤامرة ضد العرب، فلماذا لم تكن انفصال الدولة الفلسطينية هي تجزئة لاسرائيل ومؤامرة ضد اليهود. ان الاغلبية الساحقة من المثقفين ومن الشعب العربي لا يريدون حتي ان ينطقوا اسم المنطقة (كردستان) التي يسكنها الاكراد كما هي، بل يفضلون شمال العراق بدلا من ذلك. وهذا الامر بدا واضحا لدى بعض الاحزاب المعارضة حتي في اجتماع المعارضة الاخير بلندن. اوهل تقبل عندما يستخدم احد غرب او شرق اسرائيل بدلا من فلسطين؟
ان هناك خللا كبيرا في المعارضة العراقية من عربها الى كردها الى الاقليات الاخرى فيما يخص قيام الديمقراطية الدستورية في العراق. ان العراقيين غير قادرين على تطبيق الديمقراطية الدستورية في الامد القريب. وفي احسن الاحوال ستكون الديمقراطية كما هي عليها الحال في كردستان اليوم. انني اقر بان الديمقراطية الحالية في كردستان والبالغ من العمر 12 عاما، احسن من الديمقراطيات المطبقة في كثير من البلدان العربية، هذا اذا كانت هناك ديمقراطية عربية. ولكن الذي نحتاجه في العراق وفي كردستان هي ديمقراطية دستورية تكفل حقوق المواطنين حسب الدستور وبدون تفرقة دينية، سياسية، عرقية... الخ. لا نريد ان يكون الحزب هو المسيطر الوحيد على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. ان الاحزاب الكردية والعربية ليست بمستوى المسولية التاريخية. السؤا ل المهم هنا هل ان المعارضة العراقية من القوة و التجربة والحكمة بحيث تستطيع ان تطبق ديمقراطية دستورية وتطبق الفيدرالية التي وعدتها في لندن ؟
ان العراقيين قادرين على تطبيق الديمقراطية ولكن تثبيت ديمقراطية دستورية وتحويل العراق الى بلد فيدرالي امر في غاية الصعوبة. ان التاريخ يشهد على ان جميع الانظمة العراقية فشلت في هذا المضمار وفشلت في ان تعطي جميع المواطنين حقوقا متساوية حسب الدستور. وفي كثير من الفترات كانت تلك الانظمة تتعامل مع القوميات التي تعاني من وطئة الاضطهاد العربي بشكل لا انساني وتعتبرهم اعداء وشنت ضدهم الكثير من الحملات بقصد الابادة و التنكيل بهم. فالاكراد لم يحتلوا ارض العرب ولم يعتدوا على العرب. انهم يسكنون ارضهم منذ 6500 سنة، وما يطالبون به هو نفس الحقوق التي يتمتع بها المواطن العربي في العراق. واذا فشلت جميع الانظمة العراقية والعربية في حل هذة المشكلة وامتنعت ان تساويهم مع العرب امام القانون، فما هو الدليل من ان النظام الجديد ستحل هذه المشكلة؟ وما هو الدليل من ان المواطن العربي العراقي قد غير تفكيره وسوف يقبل بالفيدرالية بين ليلة وضحاها؟
ان المشكلة الكردية كانت ومنذ تاسيس الدولة العراقية واستحواذها على جنوب كردستان او مثلما يسميه العرب شمال العراق، اساسا للصراعات والاقتتال وبث حالة من الفوضى واللاديقراطية في العراق. فلقد رفض العراق اعطاء الحقوق القومية للاكراد او ما كانت تسمى في السبعينات بالحكم الذاتي، ولكنه قبل ان يقتتطع جزءا من ارض العراق ويمنحه لدولة اجنبية كايران. لقد كان على العرب ان يقفوا ضد ذلك الاقتطاع (اتفاقية الجزائر 1975) ولكن الذي حدث هو العكس، فقد تمت الاتفاقية بجهود الدول العربية. لقد حدى هذا الامر بالعراق ان تلغي الاتفاقية المذكورة من طرف واحد عام 1980 وتعلن الحرب على ايران لمدة 8 سنوات. تللك الحرب التي استنزفت امكانيات العراق والعرب جميعا. ولهذا السبب، اي الغاء اتفاقية الجزائر واستنزاف موارد العراق اعلن العراق حرب الخليج الثانية ضد الكويت والتي انتهت بجر الجيش الامريكي وبقائه في المنطقة العربية وفرض الحصار على العراق ... والخ والسبب الرئيسي لكل تلك الاخفاقات والوضع الحالي للعراق والعرب ولربما ومستقبل المنطقة ترجع في الاساس لعدم حل مشكلة الاكراد بالدرجة الاولى.
عند الحديث حول مسألة الفيدرالية نعود و نعتمد على المواطن العراقي لان الفيدرالية كما يقول ابرهام لنكولن عبارة عن زواج اختياري قانوني. فأذا لم يقبل الكرد او العرب العراقيين بالفكرة، فانة لا يجوز فرض الفيدرالية عليهم. وعلى ضوء التجارب التاريخية و الكتب واراء المثقفين والسياسيين والمنظرين العرب فانه من شبه المستحيل ان يوافق الطرف العربي على الفيدرالية، الا اذا فرض الامر علي البرلمان العراقي ولم تطرح المسألة في شكل استفتاء الزامي. حالة الرفض تنبع من ان الطرف العربي يعتقد بان الفيدرالية تؤدي الى الانفصال وليس من حق احد ان ينفصل عن العراق وهذه الارض هي ارض عربية خالصة. ففي بعض الدول هناك استفتاء الزامي تتعهد الحكومة بتطبيق و احترام نتائج الاستفتاء (كالنمسا) وهناك استفتاء اختياري، اي ان الحكومة ليست مجبرة على اتباع نتائج الاستفناء (كالسويد). فيجوز ان تطرح مسالة الفيدرالية في استفتاء اختياري ليتم لاحقا قبوله من قبل البرلمان العراقي تحت ضغط امريكي.
ان احد المشكلات العويصة التي ستواجه عراق المستقبل هي مشكلة الحل الفيدرالي التي لم تتوصل المعارضة العراقية الى حل جذري بشأنها. لقد تركت المعارضة تلك المشكلة وآليات عملها الى الشعبين العربي والكردي الذي يكونان 75% و 25% من سكان العراق. فهل من العدالة ان يصوت ثلاثة ارباع العراق على حقوق ربع العراق؟ لقد انتقد الكثيرون هذا الامر وكتب البعض: أمن العدالة ان يطرح حقوق الفلسطسنيين في استفتاء يجب ان يوافق عليه الاسرائيليون؟ بالتأكيد فان الاسرائيليون يشكلون الاكثرية ولن يصوتوا لجانب الحقوق الفلسطينية او تاسيس الدولة الفلسطينية. واضافة الى هذا فقد مسحت او لم يتم التأكيد علي هوية مدينة كركوك الكردية التي عربتها العراق بتهجير الكرد واسكان العرب محلهم. ان المعارضة العراقية بعربها وكردها توصلوا الى جملة من الحلول التي يمكن تشكل بعضا منها بؤرا للصراع في عراق المستقبل دون ان تكون قادرة على ايجاد حلول ميسرة لها.
ولكن ماذا يحدث اذا رفض الشعب العربي في العراق الفيدرالية؟ هل يعود الاكراد الى حرب العصابات وتستمر حرب الابادة ضدهم ويقتل الالاف من العرب والاكراد مرة اخرى؟ هل تتنازل القيادات الكردية عن الفيدرالية مقابل حكم ذاتي موسع او تطبيق نظام البلديات؟
ان تنازل القيادات الكردية عن مطلب الفيدرالية امر وارد جدا. فعلى ضوء التجارب التاريخية نستطيع ان نلمس تراجع تلك القيادات عن مطالب مهمة امام الضغوط المختلفة او بمجرد وصولهم بغداد. وبعيدا عن الضغوط فهناك مساومات خارقة تسلكها تلك القيادات دون الاهتمام باراء الشعب. والا لماذا يتخلى الحزب الديمفراطي الكردستاني والاتحاد الكردستاني عن عن مقاعدهما في لجنة التنسيق والمتابعة لاشخاص كوفيق السامرائي الذي كان لة دور بارز في ابادة الكرد و والشيعة ومختلف الطوائف العراقية؟ هل يدخل هذا الموقف ضمن اطار الوطنية؟ ولماذا يدافع رئيس الحزبين المذكورين شخصيا عن شخصية كنزار الخزرجي؟ لماذا تكون السلطات الدنماركية اكثر حرصا منا على محاكمة المجرمين؟
اذن، اذا اردنا ان ننعم بعراق تعددي فيدرالي وديمقراطية دستورية فانه يجب على البلدان الديمقراطية كتابة دستور ديمقراطي يتيح اجراء الانتخابات الحرة وبناء نموذج راق من الديقراطية واقرار الفيدرالية التي تساهم فى توحيد العراق وليس العكس و... الخ واجبار العراقيين على قبوله. وانني ارى شخصيا ان تطبيق النوذج الياباني في العراق امر في غاية الاهمية في ظل الظروف الحالية. وانني على يقين من ان هذا الرأي يواجه انتقادا شديدا من لدن اشقائي العرب، ولكن عندما تترك المسألة للقيادات العراقية فهي لاتملك الخبرة والدراية ناهيك من ان العديد من الاطراف السياسية لا تستطيع ان تهضم الديمقراطية الدستورية والفيدرالية على غرار ما هو موجود ومطبق في البلدان الغربية لاسباب قومية، عرقية، سياسية، اقتصادية وشوفينية وعدم كفائة واعتقاد و ... الخ. فأكثر من 90% من العرب لا تزال تستخدم كلمة شمال العراق في كتاباتها و احاديثها وبرامجها و ... وترفض استخدام الاسم الحقيقي للمنطقة الا وهو كردستان. فاذا كان الواحد يرفض حتى الاسم فكيف يقبل الفيدرالية اذن؟
ان جميع الانظمة العربية غير قادرة على هضم وتقبل و نشر الديقراطية الدستورية. وعندما هبت رياح البروسترويكا على بلدان عديدة تنفست المنطقة العربية ايضا الصعداء على امل تصل تلك الرياح اليها ايضا. ولكن الرياح جرت بما لا تشتهيها السفن في المنطقة العربية على مدى قرن بأكمله. فأذن يجب على المواطن العربي ان يفرح بوصول تلك الرياح و بتطبيق الديمقراطية الدستورية على امل ان يؤثر العراق على بقية الاقطار العربية و تحدو نموذجا يفتخر به العالم كما يفتخر اليوم باليابان. فلقد سئمنا من الدكتاتوريات العربية ولم تقدم لنا كل الانظمة العربية شيئا يستعيد كرامة العراقيين، لذلك فان العراقيين اليوم وصلوا الى حالة من اليأس وهم مستعدون للمشي مع كائنا من كان من اجل غد افضل يليق بهم.
ان احد الاستفتاءات الميدانية التي اجريت مؤخرا في كردستان من قبل معهد الديمقراطية للعراق بالتعاون مع صحيفة الاهالي تدل علي 47.2% تؤيد تسليم السلطة بعد انهيار الحكم الحالي الى الامم المتحدة، بينما تؤيد 32.8% تسليم السلطة الى جنرال امريكي، بينما لم يصوت الا 20% لتسيلم السلطة الى المارضة العراقية. وفي استفتاء اخر جرت على احدى صفحات الانترنت الكردية (حيث لايمكن الاعتماد على استفتاءات الانترنت) دعت الصفحة المشاركين الى اختيار واحد من اصل تسعة من كبار الشخصيات المعارضة الوطنية لمنصب رئيس العراق القادم. فكانت النتيجة ان حصل جلال الطالباني على 34% ومسعود البرزاني على %19 ومحمد باقر الحكيم على 3%، علما ان %30 لم يرشح اي من تلك الشخصيات. من المعلوم ان جميع المشاركين هم من الاكراد والذين لم يرغبوا بانتخاب حتى القيادات الكرديةنفسها. وان دّل هذا علي شئ فأنه يدل على عدم الثقة بالمعارضة العراقية لتطبيق الديمقراطية الدستورية ومنح الشعوب حقوقها. وانه ليس بخاف على احد من انه لا توجد شخصية معارضة تتفق حولها اغلبية الشعب العراقي. فالتناحر والتنافر والاقتتال هو السائد بين المعارضة العراقية الكردية والعربية عموما باستثناء الاشهر الاخيرة. انني لا اريد الانتقاص من المعارضة الوطنية المجتمعة في لندن (باستثناء الذين على شاكلة وفيق السامرائي) ولكن وبكل اسف فهكذا هي الحالة.
ان التجارب اثبتبت من ان النظام العراقي من القوة والصلابة بحيث لا يستطيع اي احد او جهة او حزب المساس به. لقد فشلت كل الاحزاب المعارضة ان تسقط ذلك النظام، فلا محالة من الاستعانة بالاجنبي لبناء غد افضل. والقوة الوحيدة القادرة والراغبة في ازالة النظام الحالي هي الولايات المتحدة التي ستجثم علي صدر المنطقة لتؤمن مصادر الطاقة لصناعاتها. ولكن في المقابل يحصل المواطن علي حقوقه ويحترم رأيه وتنعم المنطقة اخيرا بسلام. ماذا يعمل العراقي المنهار، بالنفط والثروات الهائلة في بلده عندما يسلب كرامته و يزج به في السجون وتنتهك كرامة زوجته وتغتصب اخته ولا يستطيع التحدث بحرية حتى فى مسكنه. ان المنطقة لربما تدفع ثمنا باهضا لقاء مكوث الولايات المتحدة في المنطقة، ولكن هذا الثمن هي ضريبة تجب علي دول المنطقة دفعها لانها لم تحاول في الوقت المناسب تطبيق الديقراطية واحترام حقوق الانسان وكرامته.
الاحتلال امر مر للغاية ولا يحس به جيدا الا من يعيش تحت الاحتلال. فالكرد والفلسطينيون هم احسن من يشعرون بالاحتلال في المنطقة. ان جنسية او دين او تاريخ المحتل لا تعني الكثير بالنسبة للفلسطيني سواءا اكان المحتل اسرائيليا او المانيا او امريكيا. ولم تختلف بالنسبة للكرد كثيرا اذا كان المحتل عربيا كما هو الحال الان او امريكيا او المانيا. فكلا الشعبين يعانون من التنكيل والسجن ولابادة ... والخ . لا بل ان الدولة الاسرائيلية اليهودية ارحم بكثير من الدولة العراقية المسلمة، وهذه حقيقة تعرفها الكل.
اذن فعلى الشعوب العربية ان تلحق القافلة وتعيد مجد الانسان من منطلق حقوق الانسان والحرية لا من المنطلق القومي الضيق. فدعوات عبدالباري عطوان والقوميين المتطرفين الى دعم الارهاب وتجنيد الذين يريدون تفجير انفسهم لا يوصلنا الى الهدف. فيجب ان يسود التسامح والاخوة واحترام حقوق الانسان واحترام جميع الاديان والقوميات والطوائف ويحل محل المعاداة والبغض والكراهية والشوفينية. واعود واكرر ان ماكتبته هو ما اشعر به كمواطن غير عربي من اذلال وانتهاك لحقوقي تحت وطئة الاحتلال والانتهاك العربي وانتقاد المعارضة دون ان يكون القصد مدح البعض وذم البعض الاخر . فالمعارضة العراقية بحاجة الى وصاية دولية موقتة من اجل تطبيق يمقراطية دستورية، وحبذا لم يكون الوصي هو الولايات المتحدة. وعلى اية حال فانني اشعر بالسعادة عندما ارى ولادة مثقفين عرب بارزين من امثال كنعان مكية، يمتلكون نظرة انسانية متطورة وقراءة واقعية للاحداث بعيدا عن الروح السلفية والتعصب الفومي الهزيل. ولكن السؤال هو كم من السياسيين سوف يسمعون مكية وامثال مكية.
فائق سعيد
26 شباط