|
التظاهراتُ لم تعُد عَفَويّة
ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)
الحوار المتمدن-العدد: 5947 - 2018 / 7 / 29 - 19:30
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
صراعٌ يخفت أحياناً ثم يشتدّ كلّما إقتربنا من موعد إعلان قضاة المفوضية العليا للإنتخابات إنتهاءهم من عمليات العد والفرز اليدوي ونشرهم تقريرهم حول ما توصلوا إليه من نتائج تدقيق الأصوات في المراكز الإنتخابية والصناديق التي وردت بشأنها الإعتراضات ، سواء من المعترضين أو ما توصلت إليه اللجنة الوزارية التي شكلها مجلس الوزراء أو الجهات الأخرى التي سمحت لها القوانين بالإعتراض . مهما كانت زوايا النظر إلى التظاهرات التي إندلعت في البصرة مؤخراً ، وما أعقبها من تظاهرات في مدن أخرى في الجنوب ، ومهما كانت أحقيّة المطاليب المرفوعة شعاراتها كحقوق مشروعة ، لكنها ، بالتأكيد ، لا تكون بمعزل عن الخيوط التي لها علاقة بالإنتخابات التي جرت في شهر أيار 2018 . منظمو هذه التظاهرات يصرّون على إظهارها بأنها تظاهرات عفوية ؛ أي أن الجماهير بعد أن " خلص صبرها " وجدت التظاهر الوسيلة المناسبة لإسماع صوتها إلى الحكومة ! تُرى لماذا الآن ؟ لقد تظاهرت الجماهير لعدة سنوات قبل إستلام العبادي المسؤولية كرئيس للوزراء وبعد ذلك ، ولكن لم يحدث أن تصادم المتظاهرون مع القوات الأمنية و لا حدثت عمليات إعتداء وحرق الممتلكات العامة و الخاصة ، ولا أقتحمت وحرقت مقرات أحزاب أو مسؤولين أو مطارات أو مقرات شركات أجنبية ، إذا إستثنينا حالتي إقتحام مجلس النواب وإقتحام مجلس الوزراء ، فتلك الحالتين تُحسب مسوليتهما على التيار الصدري حصراً ، دون الجماهير المتظاهرة . أمّا وقد تميّزت هذه التظاهرات بالعنف والصدام مع القوات الأمنية نفهم أنها ليست واحدة من تلك التظاهرات وهي ليست عفوية ، كما يُراد لها أن تُسمّى . مَن يُراقب مسار التظاهرات ، من يوم إندلاعها ، رافعة شعارات لمطاليب شرعية لحقوق الجماهير ، فإنّ أول إنعطافة لها كانت بقطع الطرق الرئيسية بين المدن بحرق إطارات السيارات في الشارع لمنع وسائط النقل من العبور بقصد خلق حالة من التذمّر وتعطيل أعمال الناس الذين لا علاقة لهم بالتظاهرة أو الحكومة . لقد رافقت هذه الإنعطافة حملة إعلامية شديدة في التركيز عليها ، من قبل بعض القنوات الفضائية ، وإظهارحجمها بأكبر من ما هي عليه حقّاً . ثم تحولت ، كخطوة أخرى ، بتجمّع المتظاهرين أمام شركات النفط الأجنبية في البصرة ، بحجة الضغط عليها لتشغيل العاطلين من أبناء البصرة بدلاً من إستخدام العمال الأجانب ، بينما بنود العقود التي تربط تلك الشركات بالحكومة تسمح لها بذلك ، ولكن ، أيضاً ، كانت وسائل الإعلام وتلك القنوات الفضائية ، تصوّر الأمر بأحقّيّة المتظاهرين في طلبهم ، بل وتزيد في ربط الموضوع بتقاعس الحكومة في الضغط على الشركات ، بينما العقود المبرمة مع تلك الشركات كانت قد أبرِمَت في سنوات سابقة لإستلام العبادي المسؤولية . ثم بدأت الخطوة التالية بأن إنتقلت عدوى التظاهرات إلى مدن أخرى ، في الوقت الذي باشرت لجنة القضاة في المفوضية العليا للإنتخابات عملها وإتخاذ القراربحصر التدقيق والعد والفرز اليدوي بالمراكز والصناديق التي وردت بشأنها الإعتراضات فقط ، فكان أن قرر منظمو التظاهرات في النجف توجيه المتظاهرين لإقتحام مطار النجف ! وهنا يبدو غريباً السؤال عن الغرض من إقتحام مطار مدني ، أترى هل كانت هناك إرسالية لبضاعة من نوع ما يُراد إخراجها عبر الكمارك في لجة الزحام الذي إفتُعل بواسطة الإقتحام ؟ ثم صارت قضايا الإقتحامات الأخرى للممتلكات العامة والخاصة ومقرات الأحزاب للتغطية على عملية إقتحام المطار وصرف الأذهان عنها ، وإظهارها كواحدة من الإقتحامات التي حصلت . ثم بدأت عمليات الحرائق ، وخصوصاً لمقرات الأحزاب لتعميق الفتنة بين القوى السياسية ، ومنع إئتلافها ، أوالضغط على جهة سياسية للإئتلاف مع جهة معينة دون أخرى . وتمُرُّ الأيام ، وقضاة المفوضية منهمكون في تدقيقهم ، والألسن تتداول " تسريبات " نتائج عملهم بما تشير إلى أنها لا تكون كما يريدها المعترضون الخاسرون ، وأصبحت بعض شعارات التظاهرات تتناغم مع ذلك اللحن ، وتتغيّر شخوص الناطقين بإسمها ، فتارة تكون لغتها ليّنة وتارة تهديداً ، وتخرج على الشعارات السابقة ، فيكون طلبها إزاحة محافظ أو إتهام أحد الوزراء أو الحكومة ككل بالتقصير في إنجاز ما وعدت . إن التصعيد في مطاليب المتظاهرين وبالترافق مع أعمال العنف التي أدت إلى سقوط ضحايا بين المتظاهرين والقوات الأمنية ، وإعتقال بعض المتظاهرين دون أن تُنشر نتائج التحقيق معهم لإظهار الجهة التي وراءهم ، والغرض من إرتكاب البعض منهم تلك الجرائم ، يُهيّئ الساحة للحرب الأهلية التي تنبّأ بها المالكي في حال عدم تغيُّر نتائج الإنتخابات . من هنا يُلاحظ أن هذه التظاهرات لم تعد عفويّة ، بل أن جهات معيّنة تمكّنت من إستغلالها وزرعت بين الجماهير البسيطة المتظاهرة أزلامها ليعيثوا فساداً ، ويحوّلوا التظاهرات إلى فوضى غوغائية إلى حدّ تتجاوز قدرة القوات الأمنية من السيطرة عليها وتؤدّي بالتالي إلى سقوط الحكومة وتشكيل حكومة طوارئ ، وإلغاء الإنتخابات ، ودخول العراق ثانية في نفق حالة الطوارئ التي هي هوّة لا يُعرف عمقُها . مع الأسف الشديد ، لم تُشخّص القوى السياسية جوهر الصراع الدائر في العراق ، وعلى الخصوص الجهات التي تدّعي الوطنية والديمقراطية والعلمانية والتقدّم . الصراع الحقيقي الدائر هو بين جبهتين : جبهة حيدر العبادي العاملة (بقدر ما في وسعها ) للتقدّم إلى أمام ، وجبهة نوري المالكي العاملة على الإحتفاظ بالحال كما كان منذ 2003 . لقد كان ديدن القوى السياسية كلها ، بضمنها الجبهة الكردستانية ، وبدون إستثناء للقوى السنّية ، التذبذب بين تلكم الجبهتين ، ولكن مع الأسف الشديد فإن مواقف القوى الوطنية والديمقراطية ، كانت ، عمليّاً ، لصالح جبهة المالكي . فمن الدعوة لمقاطعة الإنتخابات ، والمشاركة في تهويل موضوع تزوير الإنتخابات ، إلى توجيه النقد والنداءات إلى شخص العبادي ، وتحميله مسؤولية تراكمات السلبيات من 2003 ولحد الآن ، والإستمرار في تنسيبه إلى الكتل السياسية الفاسدة التي سيطرت على الحكم من 2003 إلى 2014 ، وكذلك عدم تشخيص وجود المندسين بين الجماهير المتظاهرة ، بل الوقوف بجانب المعتقلين منهم ، والدفاع عنهم بدون معرفة ما فعلوا.
على كل عراقي يشعر بمسؤوليته حول حقوق الجماهير أن يعلن تعاطفه مع الشعارات والمطالب المشروعة للمتظاهرين ، وفي ذات الوقت ، يستنكر أعمال العنف ؛ من صدامٍ مع القوات الأمنية بحيث سقط عدد منهم قتيلاً أو جريحاً ، وكذلك يدعو لتطهير صفوف المتظاهرين من المندسّين لمنعهم من تغيير مسار التظاهرات السلمية إلى غوغائية. إن الوضع السياسيّ الحرج الذي يمرّ به بلدنا ، يجعل كل فرد وكل جهة سياسية مسؤولة عن قرارها في الإصطفاف مع إحدى الجبهتين المتصارعتين ، وليس الوقوف على جبهة ثالثة والإنتظار للنتيجة التي يتمخّض عنها الصراع ، والتأسّف لاحقاً في حال فوز الجبهة المناوئة . حيث لا ينفع الندم .
#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)
Yelimaz_Jawid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طَبخةُ الحربِ الأهليّةِ
-
دودة الشجرة
-
فيروس مرض الطفولة اليساريّ
-
حذاري من الإنعزالية
-
لا يُلدَغُ المرءُ من جحرٍ مرّتين
-
نحنُ عملنا شيئاً ، فتُرى ماذا عملتُم ؟
-
لِمَن يَعقلون
-
جبهة للإنتخابات
-
لِمَ
-
خطابٌ إلى - مثقّفينا -
-
خِطابٌ لأولئك
-
يَومَ يُكنَسون
-
مَرَّ شهرٌ على الإستفتاء
-
رَدُّ مُداخلة
-
صَرخَةُ أمّة
-
القمارُ السّياسيّ
-
الديمقراطية في العراق
-
الديمقراطيّة - جزء 2
-
الديمقراطيّة - جزء 1
-
نداءُ تحذير
المزيد.....
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|