|
المعارضة في خطر
شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن-العدد: 1502 - 2006 / 3 / 27 - 12:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تطرقنا إلى مسألة المعارضة في أكثر من مقال. وبينا وجود من لا يتوانى عن التبجح بضعف المعارضة وعن العمل على المزيد من إضعافها.. وبينا أنّه لاكتساب أية سلطة صفة الشرعية في الدولة القانونية العصرية، ولتستطيع البقاء لا بد من توفر مجموعة من الشروط، من أهمها: رضا وقبول أبناء المجتمع بهذه السلطة، والتداول السلمي لها، والمساواة القانونية والحرية في ظلها... ويتطلب التداول السلمي للسلطة بالضرورة وجود معارضة سياسية وطنية تعمل بشكل قانوني شرعي سليم.. مع التنويه إلى بؤس حال الأمة التي لا تسمح بنمو المعارضة الداخلية فيها بشكل سليم.. وأكدنا على أنّه من الطبيعي أن تحصل أخطاء في عمل ونشاط المعارضة، خاصة إذا لم يسمح لها بالعمل القانوني السليم، فتظهر الآراء المتطرفة، والصبيانية، بل تعلو أصوات هؤلاء، ويستغل المتضررون من وجود معارضة بناءة هذه الأجواء ليشوهوا سمعة المعارضة، ويألبوا السلطات للانقضاض عليها، بسبب خوفهم منها لأنّها ستعريهم أمام الشعب والتاريخ، فيجري الانقضاض على المعارضة قبل أن تنضج بشكل صحيح، وتقول كلمتها.. وفي ظل أجواء قوانين الطوارئ، التي يحرم فيها العمل السياسي السليم، ينكفئ أبناء المجتمع بشكل عام عن العمل السياسي، ويزداد انكفاؤهم، مع استمرار الظروف السابقة، ومع تسعير الحملة المضادة للمعارضة، وزج رموزها في السجن... وبالتالي فسبب انكفاء الشارع عن المعارضة لا يكمن في المعارضة نفسها، بل سببه الأساسي آلية التعامل مع العمل السياسي في البلاد، والخوف من وجود المعارضة بشكل عام. وهنا يتبادر إلى الذهب سؤال: من يخاف من المعارضة، ولماذا؟! مع الإقرار بحتمية وجود خلل وضعف في عمل المعارضة، لا بدّ من الاعتراف بأن طبيعة بعض أنظمة الحكم، وغياب قوانين العمل السياسي الديموقراطي مسئولة أيضاً عن الثغرات في عمل المعارضة.. ولمعالجة هذه المسألة، يجب العمل على إصدار القوانين اللازمة التي تحكم عمل المعارضة والحكومة، وليس التشفي وإلغاء المعارضة وزج رموزها في السجون.. أجل إنّ أنظمة الحكم تتحمل قسطاً أساسياً من المسئولة عن الشكل البائس الذي تظهر فيه المعارضة. وتتحمل مسئولية دفع بعضها للارتماء في أحضان الأعداء والخارج.. وعند ذكر الخارج من المفيد التذكير بأنّ فرض الحرية من الخارج هو نقيض الحرية، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية من الضروري أخذ التناقضات التي تعاني منها السياسة الخارجية لإدارة الولايات المتحدة الأمريكية في عين الاعتبار، خاصة عند زعمها بأنّها تريد نشر الديموقراطية... فهذه الإدارة تمثل مصالح الاحتكارات الرأسمالية، والديموقراطية التي تدعو إليها لا بدّ أن تخدم مصالح تلك الاحتكارات المتحالفة مع الصهيونية العالمية، فضلاً عن أن نشر الديموقراطية في بلداننا وبناءها على أسس حضارية سيؤدي إلى بناء دول ومجتمعات قوية ومتينة، وهذا في غير صالح المشروع الصهيوني المدعوم من الإدارة الأمريكية... من هنا يتبين الوجل الذي يعتري السياسة الخارجية الأمريكية في المساعدة على نشر الديموقراطية... من الضروري أن تستفيد شعوبنا من جميع الإمكانيات الداخلية والخارجية لتحررها وتقدمها، والولايات المتحدة الأمريكية هي مركز أساسي من المراكز التقنية والاقتصادية المؤثرة في العالم، والذي من الخطأ تجاهله، لكن علينا رؤية مصالحها الحقيقية، وعدم بناء أوهام على مزاعمها في نشر الديموقراطية... فالديموقراطية هي فعل داخلي بامتياز، ويجب أن نرتقي ذاتياً لممارسة هذا الفعل... مع الاستفادة من كل الظروف الملائمة التي يتيحها الخارج... ضرورة المراجعة النقدية لنشاط المعارضة: مع التأكيد على الدور السلبي الذي تلعبه البنية السياسية الجامدة، بنية قيادة الدولة والمجتمع من قبل حزب سياسي محدد، في ظل حالة الطوارئ وغياب قوانين الأحزاب والانتخابات العصرية، مع التأكيد على هذا الدور السلبي في إضعاف العمل السياسي في المجتمع، بشكل عام، وإضعاف المعارضة التي هي عنوان الوطن؛ من الضروري التمعن في النشاط الذاتي للمعارضة، والقيام بمراجعة دورية نقدية لنشاطها كيلا تقع في حالة التكلس، والعنجهية، والغرور، والتعالي عن الواقع والانفصال عنه، وبناء سياستها على أسس إرادوية وعلى أوهام لا تنسجم مع الواقع، وهنا يكمن مقتلها... قد نكون تحاشينا التطرق إلى الكثير من أخطاء المعارضة لأسباب مختلفة، منها تخوفنا من أن يفسر موقفنا بشكل خاطئ وغير موضوعي، وكيلا يستغل ذلك للهجوم على المعارضة... لكن التستر على الأخطاء يضر أكثر مما يفيد. في أخطاء المعارضة: كنا قد بينا رأينا في "إعلان دمشق للتغير الوطني الديموقراطي" الذي صدر بتاريخ 16/10/2005 منوهين إلى أنّه نقلة نوعية متقدمة تحتاج إلى نظرة نقدية وممارسة موضوعية لتحقيقها، ومع تقدير الجهد الذي بذل لإنجازه وللتوافق عليه، تحدثنا في بعض النقاط التي كنا نود لو تلافها الإعلان، منها الرؤية الشاملة للأخطار التي تحيق بالوطن الناتجة عن أسباب كثيرة، والتي من غير المفيد حصرها بسبب واحد... لأنّ عدم رؤية باقي الأسباب قد يقود إلى أخطاء في تحديد المهام البعيدة... وبيناً أنّ أسلوب طرح الإعلان، والدعوة للتوقيع عليه، تحمل شيئاً من التناقض والطوباوية التي قد يجر الاستسلام لها إلى نزعة من الإرادوية والعاطفة والخيال… مشددين على ضرورة أن تكون الأهداف، والأفق، والمستقبل، وسبل تحقيقها واضحة المعالم والأسس بعيداً عن العواطف والمحاباة لهذا التيار الديني والسياسي أو ذاك... وغيرها من الأفكار التي وردت في مقالنا بتاريخ 5/11/2005 والذي نشرته جميع المواقع الإلكترونية المهتمة بإعلان دمشق، باستثناء موقع (الرأي) حسب علمنا... من لا يتبعنا ولا ينفذ أوامرنا فهو ضدنا! من أهم الأخطاء التي وقع فيها معدو إعلان دمشق، التحليل الإرادوي الطوباوي غير الدقيق للواقع، عندما توهموا أنّهم يمثلون كافة "قوى المجتمع التي أجمعت على التغيير"... انطلاقاً من هذا الخطأ في التحليل ـ أرجو ألا يفهم نقدنا للخطأ في التحليل عدم رغبتنا في حصول التغيير الوطني الديموقراطي السليم، إنما من الضروري عدم الخلط بين الرغبة والحلم والوهم والواقع ـ بنى القيمون على الإعلان سياسة ومواقف غير موضوعية، وغير دقيقة، ملخصها أن من لا يقف معهم، هو ليس ضدهم فحسب، بل وهو ضد التغيير.. وذهب بعضهم أبعد من ذلك، باعتبار كل من لا يتبعهم ولا ينفذ أوامرهم، فهو عميل ومرتبط يقف ضدهم وضد التغيير، وأية دعوة من قبله للإصلاح أو التغيير تصب في خدمة الآخر! صكوك في الوطنية: حصلت تطورات هامة وجد بعض المهتمين بالشأن العام ضرورة تبني مواقف تجاهها، ومنها، على سبيل المثال، الموقف من تقرير لجنة التحقيق الدولية المقدم إلى مجلس الأمن.. ورأى هؤلاء المهتمون، والذي لم يوافقوا على البصم على إعلان دمشق، ضرورة تبيان موقفهم كي لا تحصل أية مواجهة بين الوطن والمجتمع الدولي، فأصدروا إعلانات أو نداءات، كإعلان حمص ونداء طرطوس، ودعا آخرون إلى تشكيل جبهة للمواجهة... ولما كانت هذه النداءات قد صدرت دون العودة إلى اللجنة المؤقتة لإعلان دمشق، على الرغم من دعوتهم للتوقيع عليها دون جدوى... رأى بعض أعضاء هذه اللجنة ومؤيديها، أن هذه النداءات والبيانات والإعلانات أتت للتخريب على إعلان دمشق، وأتت بغطاء من الآخر لشق المعارضة ونسف وحدتها... ويجري البرهان على (صحة) هذه النظرية العرجاء، على النحو التالي: لقد تم تنظيم وإصدار تلك البيانات والنداءات دون أن تحصل اعتقالات لمنظميها، في الوقت الذي تتم فيه محاصرة أغلب اجتماعات مؤيدي إعلان دمشق... وعادت نظرية المؤامرة والتخوين التي كان يستخدمها الآباء الشرعيون للبعض، في تخوين كل ما لا ينسجم مع طروحاتهم أو لا يأتمر بأمرهم، عندما كانوا يصنفون هذا عميلاً تيتوياً أو ماوياً أو تروتسكياً تحريفياً، وذاك عميل للسفارة الأمريكية، وثالث للبريطانية...إلخ، وها هي اللوحة تتكرر.. أي نشاط لا ينسجم مع إرادة بعضهم، فهو موجه ومرتبط وعميل... وكفى المؤمنون شرّ القتال! وهكذا أصبح كل مهتم بالشأن العام يحتاج إلى براءة تثبت وطنيته، وعدم ارتباطه وعدم وضعه في صفوف الخونة الأعداء يحصل عليها من وكلاء "جميع قوى المجتمع". لست أدري من نصب هؤلاء الوكلاء (الديموقراطيين) الجدد باباوات يحتاج أبناء المجتمع إلى بركاتهم في أية خطوة يعتزمون القيام بها... وهل أسلوبهم ينسجم مع قيم الديموقراطية فعلاً؟! إن دلت هذه الظاهرة على شيء، فهي تدل على ضيق الأفق الفظيع الذي يعاني منه هؤلاء، فضلاً عن ضحالة معرفية وعملية كبيرة، تنذر بكثير من المخاوف على مصير الوطن في حال وصولهم إلى مفاصل ما في بنيانه، قبل إجرائهم مراجعة نقدية لفكرهم، ووعيهم وآليات عملهم. كما تثير هذه الظاهرة سؤالاً جدياً مفاده: هل ولد إعلان دمشق ميتاً؟ إذا راقبنا نشاط كثيرين من هؤلاء في المرحلة التي سبقت إعلان دمشق لوجدنا أنّ جزءاً غير قليل منها كان ينصب على المهاترات الشخصية، وها هو بعضهم يريد متابعة السلوك ذاته، وكأنّ الهم الأساسي للمعارضة أن "تشتغل ببعضها"... إن العمل السياسي السليم يتطلب البحث عن نقاط الاتفاق، والعمل على أن تنصب كافة الجهود لتحقيق الهدف الأساسي... يتطلب ألف باء العمل السياسي البحث عن مصادر القوة في جميع القوى الديموقراطية، وجعلها قوة مساندة لنا، لا أن نختلق الخلافات معها... من الضروري البحث عن السبل التي تسمح للفكر الديموقراطي بالانتشار في صفوف المجتمع. كيف يتم ذلك؟ هل يتم من خلال الأوامر. هل تستطيع قوة بمفردها القيام بذلك؟ لكنّ ضيقي الأفق لا يستطيعون نهج سياسة بعيدة المدى.. رياض الترك، والبيانوي وخدام بعد مشاركتنا في مراسم تشييع جثمان أمير شعراء الرثاء عبد المعين الملوحي في حمص أتيحت لنا فرصة لقاء المناضل الوطني الكبير رياض الترك، الذي كلما أراه أو يذكر اسمه أتذكر يوسف العظمة. سألت أبا هشام عن رأيه في ظاهرة المعارضة لدى عبد الحليم خدام، وإن كانت توجد عناصر قوة فعلية فيها. فكان رأيه أنّها لا تملك قوى فعلية، لا داخلية، ولا إقليمية، ولا دولية، والبرهان على ذلك موقف أصحاب القرار في السعودية منه، ودعوتهم وسائل الإعلام والفضائيات التابعة لهم بوقف الدعاية الإعلامية له... وأبدى أبو هشام رفضه التعاون مع هكذا معارضة لأنّه يرى أنّها استمرار للنهج السابق من قبل شخص كان داعية وحامياً لذلك النهج... وهنا أرى من المفيد التذكير بأن السيد عبد الحليم خدام كان من أوائل الداعين إلى قمع الحراك الديموقراطي في سوريا، والتأليب ضد نشطاء ربيع دمشق، وهو صاحب مصطلح "الجزأرة"، وقد كنت قد نشرت مقالاً حول تصريحاته بتاريخ 26/8/2004 في الموقع الفرعي في "الحوار المتمدن"، وموقع "الرأي" وموقع "كلنا شركاء في الوطن" ومواقع أخرى في شبكة الانترنت، تحت عنوان الإصلاح الشامل وبناء الدولة على أسس عصرية سليمة مهمة وطنية وقومية".. ومن الغريب أن يزعم بأنّه صاحب فكرة تطوير حزب البعث والدولة، منذ قيام البريسترويكا، أي منذ أواخر ثمانينات القرن المنصرم، وهو الذي صرح في أواخر عام 2004 بأن الذين يدعون إلى إلغاء حالة الحزب قائد الدولة والمجتمع، يدعون إلى تغيير النظام واستبداله، وهم "أحد اثنين: إما بسيط لا يدرك خطورة ذلك على مستقبل البلاد وأمنها واستقرارها ولا يدري ما يمكن أن يحدث بعد ذلك، وأما الثاني فهو يعرف النتائج الخطيرة ويريدها ويسعى إليها لأسباب لا تتعلق بمصالح البلاد ولكنها تفيد المشاريع الخارجية من جهة، ومن جهة ثانية إسرائيل، فتزول من أمامها الدولة التي حملت عبء مقاومة المشروع الصهيوني، ورغم كل الظروف الصعبة بقيت متماسكة بثوابتها الوطنية والقومية". (انظر: حوار مهم مع سيادة النائب عبد الحليم خدام، نشرة ـ كلنا شركاء في الوطن ـ الالكترونية بإشراف المهندس أيمن عبد النور عدد 23/8/2004 ـ) كما أنّه أكد على أننا في وضع لسنا فيه بحاجة إلى حوار وطني، ودعا إلى "التمييز بين الحوار الوطني والحوار السياسي، قائلاً: يكون الحوار الوطني في بلد تتهدد وحدتها الوطنية، إما بالانقسام أو بحرب أهلية أو في ظل حرب أهلية، كالحوارات الوطنية التي جرت في لبنان، وكان آخرها مؤتمر الطائف، وأعتقد جازماً أن جميع السوريين متمسكون بوحدتهم الوطنية وليس هناك خلاف أو انقسام وطني. أما الحوار السياسي فيكون بين قوى سياسية أو شخصيات سياسية للاتفاق على برنامج سياسي يعملون على تنفيذه. والحزب (حزب البعث) لم يغلق الباب أمام أي جهة تتقدم للتعاون معه بما يخدم مصلحة البلاد، وفي إطار المسلمات الوطنية الأساسية التي تبناها الحزب". (انظر: حوار مهم مع سيادة النائب عبد الحليم خدام، نشرة ـ كلنا شركاء في الوطن ـ الالكترونية، بإشراف المهندس أيمن عبد النور عدد 23/8/2004 ـ) ألا تدعم هذه التصريحات حجة المناضل رياض الترك... خاصة وأن السيد عبد الحليم خدام لم يعلن تبرؤه من هذه الأفكار المناوئة لأي إصلاح أو تغيير، ولم يعتذر عنها، ولم يعتذر من ضحايا ربيع دمشق الذين كان أحد المتسببين فيما حلّ بهم... قد يقول قائل: أليس من حقه أن يتغير؟! الحياة تتغير، ونحن نتغير... ومن حق كل إنسان أن يتغير... لكن التغيير يحتاج إلى مكاشفة نقدية جريئة وصادقة لا لبس فيها، ينتقد فيها صاحبها جميع أخطائه، إلاّ إذا كان لا يرى في سلوكه السابق أية أخطاء، وهنا الطامة الكبرى... والإنسان يعرف بالممارسة.. إن وضع الخطط السياسية يحتاج إلى دراية سليمة بالواقع، والقوى الفاعلة فيه... من غير المصيب أن تبني المعارضة سياستها على أوهام، تتعلق بقوة ونفوذ هذه الشخصية أو تلك دون أن تعرف حقيقة قوتها ووزنها وفعلها، وثقة أبناء المجتمع بها وبتاريخها... في حال عكس ذلك تقود المعارضة مؤيديها وربما الوطن إلى المجهول إن لم يكن الأسوأ... سألت أبا هشام: لماذا لا يمتلك البيانوني الرؤية التي تمتلكها بهذا الخصوص. أجاب: يا ابن العم، لو كنت مكان البيانوني ربما دفعت لمثل هذه المواقف البائسة... تعلم أن قوتهم الأساسية في الخارج... وجهت إليهم ضربات عنيفة... إنه يتعلق بحبال العرمط... أنا لا أحسده على هذا الموقف... ـ ألا توافقني الرأي بأن البيانوني والإخوان المسلمين خطوا خطوة هامة إلى الأمام بدعوتهم إلى قيام الدولة المدنية التعددية التداولية القانونية الدستورية على أسس ديموقراطية، ألا تستحق هذه الخطوة الملقاة. ـ سألته. ـ نعم هي خطوة متقدمة، لكننا لا نريد استبدال استبداد باستبداد... وددت إيراد هذه اللمحات التي بقيت في ذاكرتي من الحوار الذي جرى مع المناضل رياض الترك علّها تفيد المعارضة، وتقدم لوحة عن بعض جوانبها.. دور التنظيمات والشخصيات الوطنية الفاعلة مع كل أسف، مع ترجل كل فارس وطني، تفقد الساحة الوطنية، بما فيها المعارضة، ركناً أساسياً لا يمكن تعويضه... لقد خسرت المعارضة السورية في السنوات الأخيرة شخصيات وطنية عملاقة أمثال: عبد المعين الملوحي، وأنطون مقدسي، وسعد الله ونوس، وممدوح عدوان... وغيرهم كما زج برموز لها هامة في السجن أمثال الدكتور عارف دليلة، ورياض سيف، وحبيب عيسى، ورفاقهم.. لن يستطيع المجتمع ولا المعارضة التعويض عنهم... وهذه خسارة كبيرة للمعارضة والنشاط السياسي والاجتماعي والثقافي السليم في البلاد.. وبدلاً من بروز شخصيات وطنية ومنارات جامعة في صفوف المعارضة، تجد تنطح بعض ضيقي الأفق، والضحلين ثقافياً وفكرياً وسياسياً لملء الفراغ، مما ينعكس سلباً على المعارضة بالدرجة الأولى.. ويساهم ذلك في انتشار آراء تشاؤمية مفادها أن استبدال البنية السائدة بهؤلاء يشكل كارثة حقيقية على الوطن، فيزيد ذلك من الانكفاء عن العمل السياسي وعن دعم المعارضة... إن مراقبة السجالات المتخلفة وضيقة الأفق بين هؤلاء، وبينهم وبين أبناء المجتمع، التي تمتاز بالضجيج والصراخ، غير البعيد عن الطائفية، والتخوين، بعيداً عن أي تحليل معرفي منطقي سليم، تطرح تساؤلاً قد يكون مشروعاً مفاده: إذا كانت ممارسة أية مهنة تتطلب شهادة صحية تثبت صحة صاحبها، وقدرته على ممارستها، أليس من المفيد حصول كل من يريد العمل في الحقل السياسي على مثل هذه الشهادة الصحية، التي تثبت مقدرته خاصة النفسية والذهنية لممارسة هذا العمل؟!... ويأتي الرد على هذا التساؤل، واضحاً: دع الحياة نفسها تنحي من لا يمتلك المؤهلات الكافية لممارسة هذا العمل، لكن بعد ارتكاب أخطاء كبيرة، والتسبب في خسائر جمة... أجل إن بعض الأشخاص الذين يزعمون أنّهم يمثلون المعارضة يجلبون نتيجة ضعف خبرتهم السياسية والمعرفية، وضيق أفقهم، الضرر لها، ويساهمون في إنكفاء أبناء المجتمع عنها، وعن العمل السياسي... إننا بأمس الحاجة إلى شخصيات وطنية جامعة لا مفرقة تمتاز بالأفق الواسع، والعمق الفكري والثقافي... من أهم المخاطر الذاتية المحيقة بالمعارضة ضيق الأفق والانعزالية والضحالة الفكرية والمعرفية... فضلاً عن المعوقات الموضوعية التي تفرضها حالة الطوارئ والبنية الفاسدة المهيمنة والتي أفرغت المجتمع من عناصر قوته الأساسية... إن ضيق الأفق يجعل الشخصية أو التنظيم يرى أي عمل أو نشاط لا يتم من خلاله أو تحت أمرته نشاطاً مشبوهاً فيه، أما المناضلون ذوو الخبرة والمعرفة الناضجة فيرون غير ذلك.. سألت أبا هشام، على سبيل المثال، عن رأيه حول أحقية أبناء المجتمع في أن يعبروا عن آرائهم بإصدار بيانات وإعلانات ونداءات مستقلة عن إعلان دمشق، فأجاب أنا مع التعددية، أنا مع حق الاختلاف... لكن في إطار واضح، مع وجود جبهة عريضة تضم مختلف أطياف وألوان المعارضة، لا فاعلية تذكر للعمل الفردي خارج التنظيم.. أجل نحن بأمس الحاجة لتفعيل دور التنظيمات الديموقراطية المعارضة، وتفاعل أفكار وآراء الشخصيات الوطنية المعروفة... مع التقدير لنشاطهم والتباين في البنية المعرفية عند كل منهم... كي يتم إنجاز عمل سياسي ومعرفي تراكمي حقيقي يساعد في إنضاج الحالة الاجتماعية لتحقيق التغيير الوطني الديموقراطي السليم... وليس مصادفة أن نجد كثيرين ممن يزعمون أنّهم يمثلون المعارضة يمارسون مختلف صنوف النشاطات والأعمال عدا السياسة.. الفعل السياسي يحتاج إلى منهج سليم وزاد معرفي وخبرة وعمل تراكمي دؤوب، بعيداً عن العصبية والضجيج الفارغ... من الأمثلة التي تدل على ضعف النضج الفكري والنظري في صفوف بعض القوى السياسية، بما فيها المعارضة، تبني بعض الشيوعيين والبعثيين والماركسيين السابقين من أبناء الطبقات الكادحة للفكر الليبرالي، وتأسيس تنظيمات ليبرالية، دون دراية في أبعاد الفكر الليبرالي... إن سيادة علاقات السوق الرأسمالية تحتم وجود التنظيمات الليبرالية، ومن حق رجال الأعمال، وأصحاب الرساميل أن يكون لهم تنظيماتهم السياسية التي تعبر عن مصالحهم، ومع تأييدنا لضرورة وجود مثل هذه التنظيمات في المجتمع السياسي، بما فيها الليبرالية، نستغرب أن يقوم أبناء الطبقات الكادحة ببناء هذه التنظيمات، وأن يتطوعوا ليكونوا وقوداً للدعوات التي ستسحقهم مع أبناء طبقتهم... كيلا تتحول بعض قوى المعارضة إلى حامية للفساد؟! المعارضة بحاجة دائمة إلى المراجعة النقدية لسلوكها، وشعاراتها، وتجربتها، وبرامجها... تنمو المعارضة في ظروف فاسدة مشوهة... هناك خطر جدي من أن تركب بعض قوى الفساد موجة المعارضة... على المعارضة أن تنتبه جيداً إلى ذلك. قد تصل بعض الأوساط من خلال العلاقات الشخصية إلى قيادة وإدارة بعض الجمعيات أو المنظمات المعارضة، وتثير مسائل تحتاج إلى دراسة وتدقيق... من الضروري الحذر الشديد من وقوع المعارضة فريسة سهلة في يد هذه الجهة الفاسدة أو تلك. ومن مظاهر الفساد التي قد تقع فيها بعض فئات المعارضة، تطلعها إلى النشاطات التي تقيمها بعض المنظمات الدولية كمكاسب لها، فتأخذ هذه الفئات دور بعض أحزاب الجبهة في العمل الداخلي، فكلما كان عدد أعضائها قليل ومحدود كلما ازدادت المكاسب التي تحصل قياداتها عليها... في ضرورة التعامل مع مختلف قوى المجتمع بشكل موضوعي: من الملفت للانتباه، ومن دواعي الاستغراب، أن يظننّ أحد أو تنظيم أو تجمع أو قوة ما أنّها تمثل جميع قوى المجتمع... لا يمكن حصر قوى المجتمع بفئة أو تجمع أو جبهة ما... ومن الضروري اعتماد منهج التحليل الموضوعي عند تحديد مواقف مختلف قوى المجتمع، وإقامة الجسور معها... ومن بين هذه القوى البعثيون والجبهويون، ومؤيديهم... كما أنّ المعارضة مدعوة للاستفادة من جميع المنابر المتاحة، ومن هنا لا نجد مبرراً لمقاطعة نشاطات هذه الجهة أو تلك بحجة أن الطرف الآخر يوجهها، ويستغلها في صالحه.. لماذا لا تستفيد المعارضة من هذه المنابر لإيصال آرائها إلى أوسع شرائح وفئات المجتمع، ومن هنا تأتي أهمية التعامل الموضوعي من "الجمعية الشعبية لمكافحة الفساد"، و"الجبهة الشعبية الديموقراطية للمواجهة" على سبيل المثال، من منظور موضوعي... مع التنويه إلى عدم تطابق وجهات النظر حول الأمور المثارة... إن امتلاك المعارضة لمنهج التفكير والممارسة السليمين فضلاً عن المعرفة الصحيحة، والتحليل السليم لقوى المجتمع، وآفاق تطوره، يسهل على المجتمع القيام بعملية التغيير الديموقراطي السليم ويجنبه مخاطر المخاضات مجهولة الأفق. أما ضعف المعارضة، وضيق أفقها، وعدم مقدرتها على القيام بمهامها فسيقود إلى بروز قوى جديدة في المجتمع تتولى زمام أمرها، خلال عملية صعبة ومعقدة وطويلة الأمد... المعارضة عنوان الأوطان: نعود ونؤكد على أنّه آن الأوان لفهم وتبني عملية التطور الاقتصادي الاجتماعي والسياسي السليم، المنسجم مع متطلبات التطور العصري والحضاري.. والذي تعدّ أحد أركانه الأساسية مسألة وجود المعارضة في الدولة الديموقراطية المبنية على أسس حقوق الإنسان، والقانون، والتعددية السياسية، وفق قانون تشكيل أحزاب سياسية وانتخابات عصريين، والتداول السلمي للسلطة، الذي يتناقض مع مفهوم الحزب القائد للدولة والمجتمع.. وكما يحق للشعوب دعم حكوماتها التي تعبر عن مصالحها والتباهي بها، يحق لها أيضاً أن تدعم معارضتها الغيورة على مصلحة الوطن، والتي تعدّ ضمانة مستقبله المضيء، وتتباهى بها أيضاً.. وهذا يضع مهاماً كبيرة على عاتق المعارضة، لا يمكنها اكتشافها دون امتلاك منهج وبنية معرفية سليمة، ومراجعة نقدية مستمرة لنهجها. حمص ـ طرطوس ـ22-23/3/2006 شاهر أحمد نصر [email protected]
#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دمعة على أمير شعراء الرثاء عبد المعين الملوحي
-
أين يكمن الخطأ؟
-
تحية إليكِ وإلى ناشدات الحرية جميعاً في عيد المرأة العالمي
-
عبد المعين الملوحي زيتونة الشام
-
لا تنسوا الدكتور عارف دليلة
-
الماركسية والديموقراطية - نظرة تاريخية نقدية
-
الحوار المتمدن يؤلف القلوب ويوحد الأحزاب
-
كيلا تطغى الشعارات على الإصلاح في الوثيقة الوطنية
-
إعلان دمشق نقلة نوعية متقدمة تحتاج إلى نظرة نقدية وممارسة مو
...
-
جورة حوا الحموية تعادل مئات البيانات الثورية في تحرر المرأة
...
-
ملاحظات حول مشروع أهداف جمعية مكافحة الفساد
-
القمع والخوف يحصنان الفساد
-
الديموقراطية وسيلة ضرورية للإصلاح السياسي في العالم العربي
-
الإصلاح الاقتصادي السليم يتطلب إصلاحاً سياسياً ديموقراطياً
-
بيان الحزب الشيوعي مرشد المستغََلين لاستعادة حقوقهم
-
خطوط عريضة لمشروع قانون الأحزاب السياسية -الفصل الثامن
-
خطوط عريضة لمشروع قانون الأحزاب السياسية 3/4
-
خطوط عريضة لمشروع قانون الأحزاب السياسية 2 -4
-
خطوط عريضة لمشروع قانون الأحزاب السياسية
-
عماد شيحة يدشن عمله الأدبي المطبوع ب -موت مشتهى-
المزيد.....
-
الخارجية الروسية: ألمانيا تحاول كتابة التاريخ لصالح الرايخ ا
...
-
مفاجآت روسيا للناتو.. ماذا بعد أوريشنيك؟
-
-نحن على خط النهاية- لكن -الاتفاق لم يكتمل-.. هل تتوصل إسرائ
...
-
روسيا وأوكرانيا: فاينانشيال تايمز.. روسيا تجند يمنيين للقتال
...
-
17 مفقودا في غرق مركب سياحي قبالة سواحل مرسى علم شمالي مصر
-
الاختصارات في الرسائل النصية تثير الشك في صدقها.. فما السبب؟
...
-
إنقاذ 28 فردا والبحث عن 17 مفقودا بعد غرق مركب سياحي مصري
-
الإمارات تعتقل 3 متهمين باغتيال كوغان
-
خامنئي: واشنطن تسعى للسيطرة على المنطقة
-
القاهرة.. معارض فنية في أيام موسكو
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|