|
عن الفتاوى، وعن رسام الكاريكاتير المغمور
محمد الجرف
الحوار المتمدن-العدد: 1501 - 2006 / 3 / 26 - 09:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
و كان زهير ( بن أبي سلمى ) جاهليا لم يدرك الإسلام و أدركه ابناه كعب و بجير. وأتى بجير النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، فكتب إليه كعب:
ألا أبلغن عني بجيرا رسالة فهل لك فيما قلت بالخيف، هل لكا سقيت بكأس عند آل محمد فأنهلك المأمون منها ، و علكـــــــا فخالفت أسباب الهدى وتبعته على أي شيء ويب غيرك دلكـــــا
فبلغ رسول الله – ص – شعره هذا، فتوعده و نذر دمه. فكتب بجير إلى كعب يخبره بأن رسول الله – ص – قتل رجلا مما كان يهجوه، وأنه لم يتبق من الشعراء الذين كانوا يؤذونه إلاّ ابن الزبعري السهمي وهبيرة بن أبي وهب المخزومي وقد هربا منه. فإن كانت في نفسك حاجة فأقدم عليه فإنه لا يقتل من أتاه تائبا، و إن لم تفعل فانج بنفسك. فلما ورد هذا الكتاب على كعب ضاقت عليه الأرض برحبها، و أرجف به من كان بحضرته من عدوه، فقال قصيدته التي أولها: " بانت سعاد فقلبي اليوم متبول "
ثم أتى رسول الله – ص- فوضع يده في يده و أنشده شعره، فقبل توبته وعفا عنه وكساه بردا اشتراه منه معاوية بعشرين ألف درهم، قال ابن قتيبة: فهو عند الخلفاء إلى اليوم.
" شرح ديوان زهير بن أبي سلمى – صنعة الإمام أبي العباس أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني ثعلب – الدار القومية للطباعة و النشر – القاهرة – 1964م – ص ص 8-9 "
إن تاريخ الإسلام يعج بالحوادث العنيفة، القائمة أساسا على فتاوى إهدار الدم. مما يدلنا على أن العنف ليس دخيلا على الفكر الإسلامي، و العنف ليس إحدى القراءات الخاطئة للإسلام. بل على العكس، ربما يكون العنف هو المكون الأساسي لما دعي لاحقا بالحضارة الإسلامية. وحتى لا نتهم بجلد الذات، علينا أن نوضح بأن العنف هو مكون أساسي لكل الديانات السماوية فنحن نذكر مثلا بأن الله قد أنزل عقابه العنيف على قرية ثمود بأكملها لأن رجلا واحدا من ثمود عقر ناقة الرجل الصالح. و إن نبيا من مقام موسى – عليه السلام – قام بقتل رجلا مصريا لأنه شاهده يضرب رجلا يهوديا. لكن ما يعنينا هو الإسلام الذي ننتمي إليه رغبنا أم لا.
ليس هناك آخر في الإسلام، و إن وجد فهو آخر من الدرجة الثانية؛ آخر عليه أن يختار بين اثنين: إما أن يعلن إسلامه – و لو نفاقا – أو أن يدفع الجزية ثمنا لبقائه على دينه، وهذه الجزية يدفعها النصراني في بلاده لفاتح أتاه من بلاد أخرى. لذا نرى حتى اليوم و ضمن سياق الشريعة بأن غير المسلم إذا تزوج من مسلمة فعليه أن يبدل دينه؛ و إذا قام المسلم من التزوج من غير مسلمة فعليه أن يجعلها على دين آبائه و إلا اعتبر مرتدا؛ و حتى لو كان الرجل و المرآة مسلمين و قامت مجموعة من العلماء بتكفير أحدتهما فعليهما أن يفترقا أو أن يختارا بلدا بعيدا لا تصله الفتاوى كي يعيشوا فيه؛ كما حصل مع الدكتور نصر حامد أبو زيد.
للكلمة سلطة كبيرة في تركيب مجتمعاتنا، حتى إن الحضارة الإسلامية اصطلح على تسميتها بحضارة النص، فمن خلال حرف عطف في سورة آل عمران، يمكنك أن تهدد دينا بأكمله عندما تستنتج من الآية الكريمة ( و قل للذين أوتوا الكتاب و الأميين... ) بأن الأمي هو الذي لا ينتمي لأهل الكتاب، و بالتالي عندما نصف الرسول الأكرم – ص – بأنه أمي فإننا لا نقصد جهله بالقراءة و الكتابة، بل نقصد فقط بأنه لم يكن يهوديا و لا نصرانيا. و بما أن للكلمة سلطتها الكبيرة فإن للفتوى قدسيتها الهائلة؛ لذا يذكرنا السيد حسن نصر الله بأننا لو لم نتجاهل الفتوى الإيرانية ضد سلمان رشدي لما قام رسام كاريكاتير مغمور بالتجرؤ على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و لكن هل كان يعي ذاك الرسام ما يفعله؟ إذا كانت الأعمال بالنيات كما تنص القاعدة الفقهية، فعلينا أن نتوجه إلى ذلك الصحفي المغمور لنسأله عن نيته، فربما كانت نيته هي مجرد التعبير عن الاستنكار لما يفعله مسلمو العصر الحالي و لم يكن بالتالي يقصد الإساءة لشخص الرسول –ص -. الآن، ماذا لو أخذنا المسألة من جانبها الآخر: ماذا لو أراد المسيحيون و اليهود محاسبتنا على تفسيرنا الرجعي لسورة الفاتحة؟ فمعظم مدارسنا الرسمية، وكل مدارسنا الشرعية تعتبر أن المغضوب عليهم هم اليهود، و الضالين هم النصارى. و على هذه الكراهية نشأ سلفيو العصر الحالي بجمعهم وطبعا بث الكراهية هو بث للعنف، كما أن التحريض على الكراهية هو تحريض على العنف.
إن المسلمين هم المصدر الأسوأ لتاريخهم بالذات. كما يقول دانييل بايبس محقا. فتاريخنا تاريخ صرا عات عفن، و كل الصراعات، و كل أطراف الصراع كانت تستند بأفعالها و جرائمها على القرآن والسنة. فهم اختلفوا – و ما زالوا – حول مفهوم الشرك، و كل طرف كان ينتظر الوقت المناسب لإقامة حد الله على خصمه المشرك، استنادا إلى الآية السيف من سورة التوبة ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم و احصروهم... ) فمنذ سنوات ليست بالبعيدة أصدر شيخ الأزهر فتوى أهدرت دم المسلمين الشيعة العلويين والإسماعيليين و الدروز. أي أنه بإمكان أي شخص مسلم أن يقتل شخصا مسلما علويا كان أم إسماعيليا أم درزيا، لمجرد تنفيذ فتوى عالم من علماء الله. والله يخشى من عباده العلماء.
إن الناس – كما يقول جماعة البرمجة اللغوية العصبية N.L.P - لا يستجيبون لما يقال، أو يحدث، وإنما لتفسيرهم لما قيل أو حدث، و هنا المشكلة الكبيرة بنظري و خصوصا إذا قام ناس معينون -اعتبروا أنفسهم و اعتبرهم الناس ، أكثر علما من غيرهم- بمهمة التفسير و القراءة لما حدث و يحدث، فتصدر الفتاوى ذات القدسية الكبيرة – هناك فتوى عجيبة غريبة صدرت أثناء الأزمة الحكومية اللبنانية من شيخ يدعى النابلسي تحرم على الشيعي أن يستوزر في حكومة السنيورة إذا لم يأخذ موافقة حزب الله أو حركة أمل، وعلى الفور طبعا ، أبرق السيدان المتحالفان حسن نصر الله و نبيه بري إلى الشيخ النابلسي مؤيدين و مباركين!.
إذا كنا نريد الخير و التقدم لهذه الأمة فعلينا أن نتجرأ و نقتحم الميدان الأكثر إشكالية في الفكر الإسلامي أي أن ننزع القدسية عن النصوص التي نشأت على هامش النص القرآني وصولا إلى نزع القدسية عن النص نفسه، طالما انه نقل شفاهية لأكثر من ثلاثة عقود وبالتالي فانه يحتمل الخطأ اقله الخطأ الناشئ عن ضعف الذاكرة... إن كن لا نريد الشك في النيات وقت تدوين النص.
#محمد_الجرف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
“خلي أطفالك مبسوطين” شغّل المحتوي الخاص بالأولاد علي تردد قن
...
-
قوات جيش الاحتلال تقتحم مدينة سلفيت في الضفة الغربية
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|