فياض موزان
الحوار المتمدن-العدد: 5939 - 2018 / 7 / 20 - 20:24
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
عندما قرأت مقالة الرفيق و الصديق د. عبدالحسين شعبان : (55 عاما على حركة معسكر الرشيد على موقع الحوار المتمدن – 18/7/2018). حفّز ذاكرتي واثارها لتعود بي الى تلك الانتفاضة والى أحد قادتها الرئيسيين "المنسيين", وهو رفيقنا الشهيد هاشم الآلوسي, الذي عملت معه سوية في هيئة حزبية واحدة في الحزب الشيوعي العراقي في النصف الثاني من العشرية السادسة من القرن المنصرم, قبل انقسام الحزب الشيوعي العراقي وانشقااق القيادة المركزية عنه, ثم التحقنا نحن الاثنين بالقيادة المركزية, وقد أعتقل الرفيق هاسم الآلوسي معي عام 1969 في معتقل قصر النهاية, وقد أستشهد تحت التعذيب , وذكرت ذلك مفصلا في كتابي الموسوم (النهاية في البداية – حول العنف السياسي), وأعتقد أن من أسباب ممارسة التعذيب الشنيع واستخدام القساوة المفرطة معه التي أدت الى استشهاده , اظافة لكونه أحد كوادر القيادة البارزين, هو معرفة البعثيين أنه كان أحد قادة حركة 3 تموز 1963, الذين لم يقع في قبضتهم آنذاك. واستذكارا لتلك الانتفاضة الجريئة ودورأبطالها الشجعان الذين وقفوا بوجه الارهاب الاسود وتحدوا ألته الدموية, وفي طليعتهم رفيقنا هاشم الآلوسي, وتخليدا لذكرى استشهاده الذي لم يحصل عليه في تلك الانتفاضة .
أنشرنص التقرير الذي رفعه الرفيق هاشم الآلوسي الى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي حول حركة (حسن سريع) 3 تموز / 1963.قبل التحاقه بالقيادة المركزية في ايلول 1967
لمحة تاريخية:
بعدأن صفيّت جميع الهيئات القيادية في بغداد, اتجه الكادر الحزبي الى ضمان الصيانة أولا.. والاتصال بالرفاق الذين نعرفهم لجمعهم وصيانتهم والحفاظ على الصلات معهم وفي نفس الوقت كانت المحاولات للاتصال بالحزب مستمرة رغم الخطورة الكبيرة في تلك المحاولات نتيجة الكمائن والاشاعات الكبيرة, ولابد أن قسما منكم يذكر تلك الظروف .
نتيجة المحاولات العديدة اتصلنا باحدى المنظمات, وكنا في أول الأمر نعتقد أنها الحزب وبعد ذلك اطلعنا بشكل مفصل على تلك المنظمة حيث تبين أنها تكونت من عدة رفاق منهم من هو عضو محلية أو عضو تابعة وحتى خلية, ولم يكن هناك عزل بين التنظيمات العسكرية والمدنية ولا تسلسل هيئات أو تحديد مسؤولية, فالجميع بالمعركة أشبه بالفوضى. كان عملهم الرئيسي حشد الأنصار والمؤيدين والاتصال بالمقطوعين للتحضير للثورة, دون التفكير بأن الثورة لايمكن قيادتها الا بجهاز قوي تنظيميا. هذا الاندفاع الكبير ونتيجة للمد الثوري الذي تحقق كرد فعل للارهاب في البداية, وللحرب الهستيرية التي شنها البعث على الشعب الكردي, والتي كان يذهب ضحيتها الجنود والكادحون. أقول, بسبب ذلك استطاعت هذه الهيئة أن تكوّن صلات كبيرة على عموم قطاعات بغداد, العمال, الثورة, الكاظمية, الكرخ, وكذلك من خارج بغداد, الفرات, في المعسكرات, وكربلاء والكوت وأخيرا في البصرة, حتى استطاعت أن تقود وتكوّن صلات مع آلاف الثوريين الذين أخذوا يمارسون الضغط على الهيئة القائدة للاستعجال بالثورة بصور شتّى, ولأسباب أخرى (سوف أنقاشها فيما بعد) انفجرت الانتفاضة.
قوى الانتفاضة:
ان الذين قادوا الانتفاضة سياسيا وعملوا بتفاني لحشد قواها أغلبهم شيوعيون في هيئات حزبية قبل مؤامرة شباط, الا أنهم كانوا جميعا ينتقدون سياسة الحزب السابقة ويحمّلون الحزب مسؤولية البلبلة. أما قواعد الانتفاضة وجنودها فأغلبهم شيوعيون أو مؤيدون للحزب, الا أن هناك نسبة كبيرة من المؤيدين والمشتركين لم تكن لهم علاقة سابقة بالحزب. أما الناحية الطبقية فأغلبهم كادحون, حيث كان الثقل الرئيسي يعتمد على سكان الصرائف, والتي عقدت فيها اغلب الاجتماعات وتهيئة أكثر الوسائل.
ارتباط الانتفاضة بالحزب:
لقد حاولنا مرارا عديدة الاستطلاع والاتصال بالحزب, ولو اننا كنا في شك من وجود قيادة له غيرنا, وكنا نراقب البيانات التي تخرج مخطوطة باليد, ونرسل عن طريقها رسائل نطلب الاتصال معهم ولكننا كنا نشترط الاتصال بأحد الرفاق الذين نعرفهم, حيث كنا نعرف بصورة جيدة الرفاق الذين وقعوا في قبضة العدو. ان جميع هذه المحاولات باءت بالفشل, الا أننا كنا نحس أن هناك جهة أخرى تعمل باسم الشيوعيين ولكننا لا نعرف هويتها. وفي احد الأيام جاءنا أحد أعضاء الهيئة القيادية ليقول أنه اتصل بأحد الرفاق وهو اتصل بهيئة قيادية, ويضمن أن أحدهم هو الشهيد أبو سعيد, وكلفت أنا بكتابة رسالة لهم توضح عزمنا على القيام بالانتفاضة, ونطلب منهم ارسال أحد الرفاق الذين نعرفه, وكتبت لهم مركزي الحزبي ومكان عملي(الحزبي) السابق, ولكنهم لم يحاولوا الاتصال بنا بل كتبوا رسالة يطلبون منا فيها الالتحاق بالتنظيم والكف عن التنفيذ, ويعتبرون عملنا خروج عن المبادىء ومنافي للضبط وهم القيادة الشرعية. رغم أننا لم نقم بعمل سابق يشير الى كوننا نحن المركز, بل وجود ما يخالف ذلك, حيث وصلتنا رسالة من البصرة باسم الرفيق فاضل يطلب الاتصال, ولقد أجيب بأن لم يعد للجنة المركيزية وجود, أو على الأقل ليس لنا اتصال, بل نحن رفاق من هيئات متعددة قمنا بتهيئة الوسائل, وسوف نقوم بعمل قريب. وهذا يدل على اننا لم نطلق على أنفسنا اسم "لجنة مركزية" أو ما شابه.
أن الوصع الذي كان سائدا, حيث الكمائن تعمل بصور عديدة وحتى قيل أنهم قد طبعوا جريدة باسم الحزب ووزعوها, والظروف الذاتية التي كنا نمر بها, والتي سوف اشير اليها, قد منعتنا من الانتظار والقيام بالتنفيذ. هنالك من قال أن قيادة الانتفاضة معادية للحزب, أو "منشقين" وننوي محاكمة بعض الرفاق. أنني أقولها للتأريخ بأن البيانات, وحتى تشكيل الحكومة الأولى والتي اذيعت اسمائهم كانت أغلبها من الرفاق المعروفين البارزين. حيث كان الاتفاق قد تم على دعوة اللجنة المركزية في أول لحظة الانتصار واستلام الاذاعة, لتستلم زمام الأمور وقيادة الثورة. على أي حال أن الانتفاضة بكل ما فيها, هي ملك الحزب وجزء من تاريخ نضاله ومأثرة من مآثره.
أسباب قيام الانتفاضة :
لقد تطرقت سابقا الى سرعة تعبئة وحشد الأنصار والرفاق كانت عظيمة تستحق التقدير, حيث عبىء أكثر من ألف مقاتل من أجل الثورة حتى شملت عموم المعسكرات في بغداد, وتعدا ذلك الى القرات, وحتى أن الانظمام الى التنظيم كان بالجملة حتى بلغت في بعض الأحيان خمسون شخصا. ولكن هؤلاء لم تكن هناك خطة لتنظيمهم, حتى يمكن قيادتهم وزجهم بالمعركة بصورة جدية وصحيحة. ولم يكن هناك تنظيم بالمعنى الصحيح لا على الشكل السابق ولا (على شكل) يتلائم مع الظروف الجديدة, بل اشبه بالفوضى. فالصلات غير منظمة واخذت طابع السعة, والصيانة غير متوفرة قطعا. ولم تكن هناك سمات دمج التنظيم العسكري بالمدني الثوري, لتكوين جيش ثوري, ولا فصل بين التنظيم العسكري والمدني, وقد حاولت عندما انظممت الى اللجنة القائدة أن أعيد الصلات على اساس تنظيمي, الا أنني فشلت بسبب الضغط الذي كان يعاني منه أفراد اللجنة من القواعد الداعية الى السرعة, وكذلك الغير مؤمنة بأهمية التنظيم. ولكني على اي حال استطعت أن اعزل - الى حد ما - التنظيم العسكري عن المدني, وكذلك التنظيم العسكري الى معسكرات, وتكوين قيادات لتلك المعسكرات, رغم أن الصلات القديمة ظلت خطر يهدد المنظمة باستمرار. وفي الوقت الذي جائتنا فيه الرسالة التي اشرت اليها (سابقا), جائنا خبر (مفاده) أن عريفين من العناصر القيادية قد القي القبض عليهما, وهما يعرفان أعدادا كثيرة من كل المعسكرات, نتيجة للصلات والنشاطات التي أشرت اليها. وأن اعتراف هذين الرفيقين يؤدي الى تصفية هذه القوة الكبيرة دون أي عمل ايجابي, وان امكانية صمودهم أو احتمال ذلك كانت ضعيفة في تلك الفترة, ولذلك فنحن كنا على طريقين: اما أن تصفى هذه القوى, حيث لايمكن اخفاء هذه الأعداد الكبيرة, واما القيام بالانتفاضة التي كنا نقدر لها النجاح للاسباب التالية:
أولا- قواتنا كبيرة, وان حركتها ستكون كافية لسحق العدو المعزول.
ثانيا - حتى وان فشلت, وهذا كان احتمال ضعيف, فأنها كانت طعنة كبيرة لمؤخرة العدو. حيث كنا نعتقد أن الجبهة الرئيسية هي كردستان, وهذا خطأ تحليلنا السابق, لأن عملنا من أجل الثورة رئيسي, وليس لضرب مؤخرة العدو. وأن ضرب مؤخرة العدو لا يعني المجازفة بكل القوى, بل يكون على اساس فصائل صغيرة للتخريب أوالضرب.
ثالثا - الانتفاضة ستلهم الجماهير روح البطولة والكفاح, وتعيد الى نفوسهم الأمل والثقة, لا اليأس والخيبة فيما لو صفي التنظيم قبل أن نقوم بالانتفاضة.
هذه هي الأسباب التي دفعت الى الاقدام على العمل, وربما لا يراها البعض مبررات كافية, ولكن الأجواء التي كانت سائدة آنذاك تختلف تماما, وما توضح من حقائق تبلورت (الآن) كانت غامضة (حينذاك).
الخطة:
قبل التطرق الى الخطة وتفاصيلها, لابد من الاشارة الى بعض الأسباب التي فرضت على الحركة استخدام التحرك الجزئي بدلا من التحرك الشامل, واستخدام معسكر الرشيد بدلا من المعسكرات الأخرى, مع العلم أن الحركة كانت تمتلك قوى في معسكرات اخرى, وخاصة في ابي غريب, أكثر من الرشيد, وحتى أن تلك القوات أكثر كفاءة في المعركة من الناحية الفنية رغم أن زخما جماهيريا وانعطافا كبيرا قد تولّد على الحركة الا أن هذا الزخم كان يحمل بذور الخوف الذي تولد نتيجة عنف الارهاب والاساليب البربرية التي أستخدمت ضد المعارضين. ان هذه البذور كانت هي العامل (الرئيسي) في رفض قيادات كتائب هامة من المبادرة. وكانت تطالب بأن تبادر كتائب اخرى أو تشترط اذاعة بيان من الاذاعة. ولكنهم يرفضون التحرك والسيطرة على الاذاعة, رغم أنهم يملكون الوسائل لذلك, مثلا: كانت الحركة تملك عددا من الدبابات في أبو غريب وعددا من الفنيين من مواقف نفس الكتائب تساندها كتيبة 31 المدفعية وكتيبة 24 المدفعية الخفيفة, واللتان نملك فيهما قوى ساحقة من الفنيين, ومع ذلك لم تستطع التحرك الشامل.
وقد أختير معسكر الرشيد للاسباب التالية:
أولا- وجود قائد وحدة جريء مستعد للقيام بالتنفيذ في أية لحظة (وهو حسن سريع).
ثانيا - هذه الوحدات تملك عددا من السلاح والعتاد لابأس به وقد عزز من قبل الحركة.
ثالثا - وجود كبير من القادة العسكريين والفنيين والطيارين في سجن رقم واحد. وقد بلغ عددهم حوالي 900, والذي ثبت أن التقدير حولهم كان خاطئا.
رابعا - وجود مطار الرشيد الذي حسب له حساب في الخطة, كقوة ضاربة وكجهاز اشارة للاتصال بالوحدات في اللحظة المناسبة, وعند التنفيذ.
الخطة تنقسم الى قسمين: عامة وتشمل تحرك المعسكرات, وأخرى جزئية, تشمل تحرك الوحدات في كل معسكر. وعلى نطاق المعسكرات كانت القوى ضعيفة في الوشاش ما عدا دبابتين يقود كل واحدة منهما عريف, وكذلك فوج التدريب. ولذلك حددت للقوى في هذا المعسكر مهمة عرقلة المعسكرعن الحركة. وقد خصص لهم عدد من المدنيين ليدخلوا المعسكربملابس عسكرية, وبصورة تفصيلية حددت مهمة الدبابتين للتحرك وقطع جسري الجمهورية والاحرار. وحددت مهمة معسكر أبي غريب بالسيطرة على مخازن السلاح ومرسلات الاذاعة والتحرك نحو معسكر الوشاش لمحاصرته. وحددت مهمة معسكر الرشيد بالسيطرة على بغداد, وضرب مراكز الحرس القومي. وحددت مهمة معسكر المحاويل بالمساندة, والسيطرة على الفرات, حيث كانت به مدفعية قوس ( مدفعية بعيدة المدى).
الخطة الجزئية:
في معسكر الرشيد شخصنا ثلاث نقاط هامة: كتيبة الدبابات, الطيران, سجن رقم واحد. وكنا نملك سرية للحراسة وفيها 150 بندقية سمينوف, وأكثر من 300 جندي. وقد زودت الوحدة بالعتاد بالاظافة الى العتاد الذي كان(موجودا) هناك. ونتيجة للاحصائية كان أفراد هذه الوحدة جميعهم يعطفون على الحركة ولذلك فقد اتفقت على تقسيم هذه القوى الى ثلاث وحدات, خمسون جنديا يباغتون النقاط الثلاث, ويتعاونون مع القوى الموجودة في نفس هذه الوحدات. حيث كان في سرية حراسة السجن, وفي سرية حراسة المطار, قوى أيضا. وهناك قوى اخرى مكونة من ثلاث مدرعات واحدة منها برمائية كلفت بالتوجه الى مرسلات الحرية للسيطرة عليها واذاعة البيان من هناك. مع العلم أنه كان هناك مهندس بالاذاعة وبعض الافراد. هذه هي الحركة الاولى.
أما الحركة الثانية, فهي تحريك كتيبة الدبابات الاولى الى بغداد. وارسال الطيارين الى المطار للتحليق, حيث كانت طيارات الخفر مجهزة بالعتاد بصورة دورية, بسبب الحرب في كردستان.هذه هي الحركة الثانية مع تسليم القيادة العسكرية الى القادة الكفوئين في سجن رقم واحد لقيادة المعركة, وتسليم القيادة السياسية الى اللجنة المركزية, التي كان مقررا دعوتها عند نجاح الخطوات الاولى. هذا فيما يخص الحركة, وهو الجزء الرئيسي من الخطة.
أما الجزء الثاني فهو الصلات, (والذي يسمى في الجيش المخابرة), فقد أعطي كل قائد وحدة اسم رمزي. ونتيجة المعلومات التي توفرت لدينا (وجدنا) أن جهاز الاتصال في المطار يمكن تحويله الى جهاز صلة وحيث (يمكن) توجيه موجته حسب موجة اذاعة بغداد, ولذلك كلف كل قائد كتيبة يحمل جهاز راديو "ترانسزتور" كي تيستلم التوجيهات الاولى, واعلان البدء بالحركة.
أما الجزء الثالث من الخطة, فقد كتب البيان وأتفق على جملة بيانات أخرى. واتفق على بعض الاشخاص لقيادة الفرق, وأخيرا أسماء الوزارة. وبصورة مبدئية حافظنا على ذكر اسماء (من القوى الوطنية في تلك الفترة, لأنها أيضا تعادي الحكم وتسعى لاسقاطه. وقد أذيعت هذه البيانات جميعا من الاذاعة في المحكمة, ما عدا بيان الوزارة المقترحة, بسبب ذكر بعض الشخصيات الوطنية غير الشيوعية.
نواقض الخطة :
اولا - الاعتماد على الموجودين في سجن رقم واحد, بينما أغلبهم كان يعاني من اليأس والخيبة. (وهذا ثبت عند المعركة, حيث أقسم بعظهم بعد ذلك على أنهم كانو يستطيعون كسر السجن الا انهم لايعلمون من القائم بالحركة). وهذا العذر مردود حيث أننا حرصنا على اخبارهم قبل فترة بأننا ننوي القيام بالحركة في موعد محدد.
ثانيا - عندما لبس بعض المراتب ملابس الضباط كان يجب تكليفهم بمهمات في غير وحداتهم, لأن معرفة مراتب "بهوية" القائد قبل حمل النجمات كان سببا في اضعاف قيادتهم.
ثالثا - اهمال كتيبة هامة وهي كتيبة الهندسة التي كانت عائقا ومقاوما للحركة حيث استولى عليها العدو في البداية.
رابعا - خلو القيادة من عنصر ضابط, ولم نستطع تذليل هذا النقص رغم وجود صلات مع بعض الضباط, ولكنهم رفضوا المهمة.
خامسا - عدم تدريس الخطة لاعضاء احتياط يكلفون بمهمة القيادة عند جبن المسؤول او قتله, كعامل في عدم تبديل الخطة.
سادسا - (كان) يجب تكليف قادة الوحدات المقاتلة بواجباتهم المحددة في الحركة الاولى, وهذا يساعد على تخفيف خطر ارتباك القيادة في المعركة.
التنفيذ:
- الحركة الاولى لم تنفذ بصورة صحية, حيث ركزت القوى على الباب ولم تنطلق القوى المكلفة بمهمات تتعلق بالحركة الاولى. مثلا : كلف أحد مسؤولي الوحدات والذي كان مكلفا بالسيطرة على الاذاعة والمطار بالسيطرة على السجن. وهذا توجه الى هدفه متأخرا, حتى بعد أن كثر اطلاق النار وتحذّر العدو وتحصن. ولذلك لم يستطع السيطرة على السجن وفتحه. واجبن القائد المكلف بالسيطرة على سرية حراسة السجن, حتى أنه لم يتعاون مع الذين جاءوا متأخرين وسيطروا على مقرالسرية. ولم ترسل قوى الى كتيبة الدبابات الأولى, الا بعد دخول المعسكر والاستفسار عن ذلك والالحاح على ارسال قوى استطلاع لتأخر وصول الكتيبة, ولكن عندما ذهب الشهيد كاظم لم يجد أحدا قد تاخر, ولكنه لم يعمل بجد على تحريكها لعدم وجود الفنيين الكافين. واكتفى باعتقال قائدها وبضعة ضباط وجلبهم الى القيادة وفي الطريق تصدت لهم كتيبة الهندسة المحصنة واعتقلتهم.
- تمت السيطرة على مطار الرشيد, ولكن ما الفائدة من ذلك ولم تكن هناك قوة فنية, أي طيارين.
- لم تتحرك القطعات الأخرى في باقي المعسكرات, لعدم وصول الاشارة اليهم وعدم تبليغهم بقيام الحركة فعلا. ولم تتحرك قوانا في معسكر الوشاش للعرقلة, بسبب جبنهم أوعدم تبليغهم حيث لو تعرقلت قوى العدو فترة أطول لكان من الممكن اتمام السيطرة على المعسكر وتحريكه.
- هوجمت الانتفاضة من قبل كتيبة الدبابات الرابعة المزودة بالذخيرة والمعدة لضرب أي حركة. وكانت المقاومة ضعيفة لعدم السيطرة على المعسكر.
أسباب الفشل :
أ - الأسباب التنظيمية:
أولا - ضعف القيادة العليا فهي لم تقدر عملا كبيرا من هذا النوع, وهي ايضا خليط من أعضاء لجنة محلية ولجنة تابعة وحتى أعضاء خلية. ولذلك لم تستطع الصمود أمام ضغط القاعدة.
ثانيا - عدم وجود ارتباط مع قيادة الحزب, وهذه بلا شك نقطة هامة فلو كانت هناك صلة لتوحدت القوى وازدادت ولضمنا قيادة أكثر كفاءة ولتحققت وسائل أكثر فنية .
ثالثا - الروابط التنظيمية : لم تكن هناك حدود تنظيمية بل كانت مجاميع ثورية من شيوعيين وغير شيوعيين ولم تكن هناك صلات موحدة وهي أشبه بالفوضى.
رابعا - ضعف الضبط الحزبي , وهذا أدى الى تكوين صلات متشعبة وخروقات عديدة, وحتى الى تبديل الخطة دون علم اللجنة المسؤولة, وكذلك لم يجر التقيد الصارم بالتوجيهات.
خامسا - عدم وجود روابط كافية بين المكلفين باسناد قوات الجيش (من المدنيين) وبين قيادات الوحدات العسكرية. وهذا أدى الى ضعف المعنوية وفقدان الجرأة نتيجة التخلف في التربية العسكرية, مما ولد صعوبة كبيرة في زج هذه القوى في المعركة في الوقت اللازم.
ب - الأسباب العسكرية:
أولا- ضعف قيادة المعسكرات: لم تكن هناك فترة كافية لاختيار قادة للمعسكرات يتجلون بالشجاعة والضبط, بل أن هذه القيادات خلقتها طبيعة الصلات والعمل, وهذ أدى الى ضعف هذه القيادات, فمنهم من جبن في المعركة, وظهر منهم قادة لايقدرون أهمية الضبط الحزبي, ويعملون بهواهم. وهناك أمثلة عديدة (أخرى), وبالمقابل برز مقاتلون شجعان قادوا المعركة ولكن بعد قوات الأوان.
ثانيا - عدم تنفيذ الخطة في التحرك الأول:حيث ركزت القوى جميعها على الباب, وتركت المراكزالستراتيجية المهمة رغم دراسة الخطة أكثر من مرتين وتبيان أهمية الباب عندما تكون الحركة في موقع الدفاع. أما عند رسم الهجوم فيجب أن تتكرس الجهود لتحريك القطعات, والتي تكمن في الدبابات, الطيران ولسد نقص القيادة من السجن ورغم الاتصال بالشهيد حسن ليلة التنفيذ الساعة العاشرة وتدارس الخطة, لكنه بدّل الخطة وأعطى المهام الرئيسية وهي الدبابات والسجن الى قوى أخرى ثانوية.
ثالثا - الاعتماد على التحرك الجزئي بدل الشامل : فلو استطاعت الحركة تحريك كل قواها لتغيرت النتيجة.
رابعا - عدم اشراك المدنين بالاشراف على المعسكرات, وعلى نطاق الوحدات, واعطائهم مهمات تتعلق بالمخافر ومراكز الحراسة.
خامسا - ضعف خبرة الجنود القائمين بالحركة الاولى بالمسائل الفنية, اذ لم يستطع بعض الجنود حتى استخدام رشاش ضخم, أو استخدام نوع من الرمانات.
استنتاجات :
أولا - المبادرة : لقد أثبتت المعارك أن المبادرة هامة في اضعاف وتشتيت العدو, حيث لا يعرف من أين يأتيه الخطر ولا مقداره, الا بعد أن يجرّد من الامكانيات. وحيث يستفاد من لحظة التردد التي تصيب الفرد في اللحظة الاولى وهو لم يحدد موقفه بعد. وهناك أمثلة عديدة : استطاعت فرقة مكونة من بضعة أنفار السيطرة على سرية وكسرالمشجب دون أن يحمل أي منهم طلقة واحدة. (واستطاع بضعة أنفار من الحرس البعثي من السيطرة على معسكر الرشيد ومنعوا الالوف من الجنود الدخول الى المعسكر في 8 شباط). وأمثلة أخرى يضيق المجال لذكرها.
ثانيا - التحرك الشامل أكثر ضمانة : ان التحرك الجزئي يكون عرضة لمخاطر عديدة تؤدي الى فشل الحركة الاولى, وفشل الحركة ككل, وربما تلاقي الحركة الجزئية مقاومة في البداية فلا تستطيع اتمام حركتها, أو ربما يجبن أحد القادة المكلفين, أو أن الحركة الاولى قد كشفت للعدو. وهناك احتمالات كثيرة تظهر في المعركة لا يمكن حسابها جميعا في المقدمة. أما التحرك الشامل فهو يضمن تحرك واسع وضربة قوية في كل الجهات بحيث يفقد العدو صوابه, وتنهي تردد بعض القطعات التي تعطف على الحركة وترفع معنوياتها. ولقد استفاد انقلابيو شباط من ذلك, حيث أصبح تكتيك انقلاب تموز لا يصح الآن بعد تطورات الاحداث واكتساب رجال الحكومة الخبرة.
ثالثا - الاذاعة: ان الاذاعة تحوز أهمية قصوى, فهي عامل رسمي هام تشل الاوساط الغير ملتزمة, وربما كسبهم الى المعركة, وهي أيضا عامل هام في تحقيق التحرك الشامل, ولو كانت الانتفاضة قد سيطرت على الاذاعة في البداية لضمنت تحرك شامل, ولكان النصر محققا تقريبا. وفي حالة عدم القدرة على ضمانها فان اسكاتها شيء هام.
رابعا - الضبط: الضبط في الجهاز الصدامي ضروري جدا وهام, لأن الدقائق في المعركة ذات مفعول كبير, والتنفيذ الدقيق من عوامل النصر الهامة وليس المقصود بذلك التنفيذ الأعمى.
خامسا - المدنيين في المعركة: ان المدنيين عنصر هام في المعركة, حيث أن وجودهم يكسر السلبية التي قد تتولد عند الجنود بسبب تربية الجندية, وقد شرح ذلك بأمثلة عديدة.
سادسا - السلاح: السلاح ضروري في الحركة الأولى, وذو أهمية خاصة, ولكنه بعد ذلك يصبح في متناول الثورة, وخاصة اذا حسب لأمر التأكد من امكاناتها بصورة دقيقة, ولكن المهم ايضا هو خبرة الجهاز الصدامي والجيش الثائر بالسلاح وانواعه, وهذا لايعني المبالغة في ذلك فان المبادرة والتسلل المحكم يساعد على تحقيق المهمة, ويضعف من كثرة السلاح. وهناك أمثلة: فقد استطاع الشهيد كاظم السيطرة على كتيبة دبابات واعتقال قادتها وهو لايملك من السلاح الا قليله. على اية حال الحساب لأي طارىء شيء مهم.
سابعا - الشجاعة وضبط النفس: ان أهم ما يجب أن يتحلى به المهاجم هو الشجاعة والجرأة والاقدام. وعند اختيار العناصر يجب أن يركز على هذه الناحية, ويجب التأكد من هذه الصفة بالعمل والتجارب, ومن سيرة تأريخ الرفيق الثائر. وان ضبط النفس والهدوء يساعدان على تحديد عمل صائب, وعلى التفكير قبل اتخاذ القرار.
ثامنا - ضمان شل قوة العدو وخاصة قوته الضاربة الرئيسية والتي يجب تشخيصها في بداية كل خطة, وان الدبابات تلعب دورا حاسما, وأن قوة العدو تتمركز كما أعتقد في القصر الجمهوري.
تاسعا - الطيران: رغم أنه ليس حاسما في المعركة ولكنه ضمانة كبيرة لعرقلة تحرك القطعات الموجودة في كردستان مثلا أو في الفرات.
عاشرا - القوى العددية الكبيرة التي يجب أن يضمها الجهاز الصدامي مهمة فالأفراد القليلون رغم حملهم السلاح لايكسب المعركة طابع الشعبية والشمول حتى وان كان الجميع غير مسلحين.
النتائج :
ان الفشل العسكري الذي كان نتيجة الانتفاضة لايعني أنها فشلت سياسيا, فهي قد حققت نتائج طيبة, حيث أنها حققت دفعا جديدا وزخما ثوريا واعادت الثقة الى نفوس الآلاف بعد أن كان اليأس مسيطرا على نفوسهم, وبعد أن فكّر المتفائلون بأن الحركة لن تنهض قبل عشر سنوات على الأقل.
وهي بالتالي كانت عاملا في تمزق العصابة والذي أدى الى سقوطهم فيما بعد. وهي حققت وعيا ثوريا كبيرا في العراق, فلأول مرة ينطلق الكادحون والعمال لبناء دولتهم بأنفسهم, ويحددون بصورة ثورية أن وقتهم قد حان. وهي بالتالي لقنت الفاشست درسا بأن ليس هناك قوة على الأرض قادرة على تصفية الشيوعيين طالما هنالك عمال وكادحون. وأخيرا كانت فعلا عملا لضرب الجيش من الخلف مساندا الثورة في كردستان.
#فياض_موزان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟