سعيد علم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 1501 - 2006 / 3 / 26 - 09:36
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
وبما أن الاستهتار بالدساتير، وعدم أخذها من الحاكم بعين الاعتبار، والتلاعب بنصوصها حسب الطلب وكما الرئيس يختار، والانتقائية في تطبيقِ بنودها، أصبح شيئا عاديا بل كشربة ماء في جمهوريات العالم العربي المنقلبة حضاريا رأسا على عقب، حيث أصبحت أبسط قواعد الأخلاق والقيم والأخوة الإنسانية الأصيلة وكرامة المواطن شيئاً نتندر به بسبب تحولها إلى جمهوريات أمنية يكفيها إشارة يد أو غمزة عين لكي تنقض على مواطنيها بضراوة، تغتالهم بوحشيةٍ أو تزج بهم في غياهب السجون والمعتقلات بلا محاكمة وبلا حقوق ومرافعات.
وبما أن الدساتير ليست نصوصا مقدسة، إلا أنها بنود تعاقدية بين الحاكم والمحكوم ارتضاها القسم الأعظم من الشعب. ملزمةٌ للحاكم المؤتمن عليها، والذي يستمد هالة حكمه منها. مدروسةٌ بدقة متناهية حيث من خلالها ستُستوحى مختلف الأنظمة والقوانين التي ستسير الدولة على هداها لحل كل القضايا التي تعترض طريقها. ولهذا فالدستور ليس أي قانون عادي بل العماد الأساسي الذي تقوم عليه الدول الحديثة، والقانون الأسمى الذي تستمد منه شرعية نظامها وعملها السياسي. ومن هنا فلا يمكن بسهولة أن يعدل أو يبدل كأي قانون آخر، وتعديله إذا كان هناك آلية للتعديل لا يتم من وراء الكواليس أو بالتهديد وتكسير رأس البلد على من يعارض التعديل، بل يحتاج إلى فسحة ديمقراطية واسعة من مناقشات عامة مستفيضة تشارك فيها مختلف الأحزاب والتيارات والتجمعات والقوى السياسية والاجتماعية ووسائل الإعلام وأصحاب الرأي والاختصاص، لكي يأخذ وقته وينضج بهدوء ولكي يوافق عليه بحرية واقتناع ودون إكراه ثلثي أعضاء مجلس النواب وليس النصف. لأن الدستور وكما قلنا يجب أن يرضى به القسم الأعظم من الشعب. ومن هنا أيضا يمكن أن يتم التعديل من خلال استفتاء شعبي يعبر عن ثلثي المجتمع.
لقد أصبح التمديد للحاكم في العالم العربي مرضا عقيما لا دواء له، والتوريث والتشبث بالكرسي حتى الممات، هو الرصاصة القاتلة للديمقراطية والتغيير، وللتبادل السلمي للسلطة. فعندما يفصَّلُ الدستور على قد الوريث كما حصل في سوريا بعد وفاة حافظ الأسد مثلاً، أو عندما يداس عليه بالأقدام بالطريقة التي حدثت على يد بشار الأسد في لبنان: فعندها يجب على المثقف الواعي الحصيف، والحريص على مصلحة الشعب والدولة والأمة، وليس على مصلحة الحاكم وتعلقه بالكرسي، أن يكون له موقف فكري ثابت في وجه السلطة المتحكمة بالرقاب. التراجع أو التنازل عن هذا الموقف ولأي سبب يعتبر تخاذلا حضاريا غير مقبول في وجه حاكم مفروض على الشعب بالإكراه، وربما يسبب بنزقه بدمار البلاد. وهكذا شاهدنا ونشاهد بأم العين ما حل بالعراق الغالي بسبب تلاعب صدام حسين بالدستور والدولة العراقية التي حولها باستبداده إلى لعبة بيديه ويد عشيرته، ولم يكفه ذلك بل تابع التلاعب ثمان سنوات على قرارات الشرعية الدولية التي هي أيضا دستور دولي، والتي أطبقت عليه في النهاية في حجرة أقل من متر مربع من مساحة العراق. لقد وجهوا الإنذار تلو الإنذار لصدام لكي يرحل عن العراق ويتركه بسلام، إلا أن صدام لم يفكر بمستقبل بلده لحظة واحدة، وأبى بتعجرف. والشعب العراقي الطيب يدفع الآن أغلى الأثمان وينزف بسبب آثار كابوس صدام.
موضوع التمديد للحود غير شرعي دستوري لأنه حصل بالإكراه والتهديد. مما نبه مجلس الأمن إلى واجبه الأخلاقي والإنساني والدولي تجاه بلد مستضعف من قبل جار قوي مسيطر. ومن هنا جاء القرار الأممي 1559 ردا حكيما على التمديد نصف ولاية. وهكذا كان لا بد لعراب التمديد بشار وبطل تحدي الإرادة اللبنانية والدولية من الرد على طريقته المخابراتية الإرهابية برسائل الانفجارات والاغتيالات، وذلك للحفاظ على النصف ولاية ممدة حتى آخر لحظة ، وكما يؤكد دائما لحود. فالمهم هنا ليس مصلحة الشعبين الشقيقين في لبنان وسوريا، إنما الأهم أن لا تنكسر كلمة العراب، الذي أصم أذنيه لا يريد أن يسمع صرخات مليون ونصف مليون لبناني هبت مرتين في ساحة الحرية في بيروت مطالبة بعزل لحود.والذي أغمض عينيه لا يريد أن يرى بؤس الملايين من أبناء الشعب السوري.
حديث لحود لقناة "الجزيرة" الأخير فضحه أكثر أمام الرأي العام اللبناني والعربي. خاصة لمزايداته على حساب سيادة الدولة فوق كامل أراضيها والاستقلال ولعلاقته التي وصفها "بالودية" مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري. مع أن الأخير قال قبل التمديد بأنه سيقطع يده إذا وافق عليه، وشاهدنا المسكين ويده بعد التمديد مربوطة. وكأن الحريري أراد معاقبة نفسه لأنه انصاع لتهديدات بشار الأسد ووافق على التمديد للحود مكرها.
ولن يهنأ لحود بنصف ولايته بعد القبض على رنا قليلات سيدة الفساد في عهده ومديرة الصناديق السوداء وبعثرة المليار من الدولارات. في المحكمة الدولية القادمة سنتعرف حقيقة على عهدي لحود والأسد معا. حيث السين ستلاحق الجيم وتواجه المتهمين بالشهود والوثائق والقرائن والأدلة.
ولو أن المحقق البلجيكي براميرتس يدور في فراغ لما طلب تشكيل محكمة دولية! المطالبة بها تعني وجود أدلة قوية تكفي للإدانة وتعني أيضا بأن الأموال الطائلة التي ستصرف عليها لن تذهب هدراً.
لحود رمز الماضي، ولهذا يجب أن يرحل لكي ينتقل لبنان إلى المستقبل، أي إلى مرحلة السيادة الحقيقية والاستقلال الناجز والقرار الوطني الحر.وليتم أيضا التصالح مع الشرعية الدولية، التي طالبت في القرار 1559 بانتخابات رئاسية حرة وفق الدستور ونزع كل سلاح لبناني أو غير لبناني غير شرعي.
كل من يدعم بقاء لحود إنما يعمل على استمرار التدخل البعثي السوري في شؤون دولة عربية مستقلة هي لبنان.
الأفضل لرئيس النظام السوري أن يعمل لمصلحة سوريا على أساس "سوريا أولا" ويسهر بكامل حواسه على كيفية تحرير الجولان المحتل، ويقوم بالإصلاح الديمقراطي المطلوب، ويعطي الشعب السوري المظلوم حقوقه المشروعة، ويوقف مهزلة اعتقال المثقفين السوريين الأحرار والمعارضين الوطنيين الأصيلين، بدل أن يسخر باستهزاء وصبيانية من أحقية شعار "لبنان أولا" أو"الأردن أولا" أو "العراق أولاً" ويتدخل بشؤون جيرانه.
ما جاء بالإكراه سيذهب بالإكراه. ولقد تعرفنا على كوبونات صدام لشراء ضمائر الكتاب والصحفيين والسياسيين العرب والأجانب، فهل سنتعرف قريبا على كوبونات بشار لشراء ضمائر الحقوقيين الصارخين الزاعقين في مؤتمرهم الأخير في دمشق "بالروح بالدم نفديك يا بشار" أو مؤتمر الأحزاب العربية الفاشل سوى من المزايدات ؟
والسؤال يطرح نفسه على كل إنسان عربي أو كردي أو سرياني أو أرمني أو أثوري أو كلداني أو أمازيغي أو تركماني، هو:
لماذا لا توجد معارضة كويتية خارج الكويت؟ ولماذا توجد معارضة ليبية مشردة بمئات الآلاف خارج ليبيا؟
ولماذا لا توجد معارضة أردنية خارج الأردن ؟ ولماذا توجد معارضة سورية مشردة بمئات الآلاف خارج سوريا؟ هذا إذا لم يكونوا قد وصلوا رقم المليون. وكل شيء وارد في ظل نظرية التكاثر الإسلامية المعروفة.
إن الصراع من أجل انتصار الديمقراطية يفرض على القوى والأحزاب والتيارات الديمقراطية في العالم العربي الاتحاد والعمل يدا بيد. فجميعنا في قارب واحد. ويجب أن نعمل سويا على إنقاذ هذا القارب من الغرق ولكي يصل إلى شاطئ الأمان. ومن هنا لا بد من الترحيب بتوحيد جهود المعارضة السورية مع قوى انتفاضة الاستقلال والديمقراطية في لبنان. الهدف هو التغيير من أجل الأفضل وبناء دول عربية ديمقراطية يعيش إنسانها بعيدا عن مذهبه وجنسه ولونه وحزبه، بكرامة وحرية وحقوق مصانة يرعاها القانون.
نظام بشار لم يحل مشكلة واحدة لسوريا الحبيبة على العكس بسبب تدخلاته تتفاقم المشاكل على لبنان وفلسطين وسوريا والعراق. الحل يكون برحيله لخلاص سوريا، العزيزة على قلب كل عربي من نير الاستبداد وعبادة التماثيل والأصنام.
كاتب لبناني. برلين 25.3.2006
#سعيد_علم_الدين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟